السبت، يوليو 23، 2011

دور التقنية في المؤسسات

لا يختلف اثنان اليوم على دور التقنية المهم في نجاح المؤسسات باختلاف تخصصاتها سواءً كانت حكومية أو تجارية. فمما لا شك فيه أن التقنية الحديثة اليوم أصبحت من أهم أعمدة التنافسية المحلية والعالمية، فلا تنافس إلا بالتوظيف الجيد للتقنية والاستغلال الأمثل لمصادر المعلومات. لذلك يعتبر اليوم تخصص التقنية بشكل عام من أكثر التخصصات فروعاً في العالم بحيث أصبح يشمل فروعاً كثيرة تغطي مجالات فنية وغير فنية. فهناك تخصص تقنية المعلومات ونظم المعلومات وأمن نظم المعلومات وعلم الحاسوب وهندسة الحاسوب والذكاء الصناعي وهندسة الشبكات وأمن الشبكات وتخصص الرسومات والوسائط المتعددة وإدارة التقنية وغيرها كثير. ليس ذلك فحسب، فعدد هذه التخصصات الفرعية في تزايد مستمر بالرغم من وجود تخصصات فرعية قديمة مهددة بالزوال أو الإلغاء نظرًا لعامل التجديد والحداثة في هذا القطاع. كل هذا يشير إلى الحجم الكبير للبعد التقني في مختلف الأعمال وتعدد جوانبه بما يحتم على أرباب العمل دراسة هذه الجوانب والنظر في إمكانية تطبيق بعضها. فتعدد الفروع ناشئ من اختلاف الأهداف بينها والنتائج المرجوة منها وعليه يجب على أصحاب القرار في العمل معرفة هذه الاختلافات المحورية لضمان توظيف الأصلح والأنفع من المختصين في مختلف الفروع. نرى تأثير ذلك واضحًا في تباين قبول سوق العمل لبعض فروع تخصص التقنية وتذمر أرباب العمل أحياناً من بعض مخرجات التعليم العالي في فروع أخرى. فهناك من ينتظر من المختصين في نظم المعلومات مثلاً عمل كل شيء ذا علاقة بالتقنية دون النظر في أهداف هذا التخصص وقدرات المختصين فيه التي عادةً ما تركز على نقطة في بحر التقنية وقيسوا على ذلك. سيكون حديثنا اليوم عن تباين دور التقنية بشكل عام واختصاصات أقسام التقنية في المؤسسات بشكل خاص الذي يعتبر نتاجا لقصور في نظرة أصحاب العمل لهذا القطاع الحيوي.

تختلف حاجة المؤسسات للتقنية باختلاف أنواعها وتباين أشكال التنافس في قطاعات الأعمال التي تنتمي إليه. لذلك من الطبيعي أن نرى القطاع الخاص بشكل عام أكثر تطورًا تقنيًا عن القطاع العام لاختفاء التنافسية (نسبياً) في القطاع العام. لا خلاف هنا على أهمية التقنية في نجاح المؤسسات بأنواعها ولكن الاختلاف يكمن في فهم دور التقنية وإمكانياتها الكبيرة داخل هذه المؤسسات. للأسف تعتبر النظرة الحالية السائدة بين كثير من أرباب العمل حتى في بعض الشركات المحلية في السلطنة قاصرة على كون التقنية أداة لتحسين أعمال المؤسسة ولتوفير المعلومات المطلوبة للموظفين باختلاف أعمالهم بشكل سريع وصحيح وكامل بما يضمن لهم كفاءة في التنافس. كل ذلك جيد ولكنه لا يتجاوز كونه فقط بداية الاستغلال الأمثل للتقنية لتحسين أداء المؤسسات التنافسي. أنظر مثلاً إلى اختصاصات أقسام التقنية (باختلاف مسمياتها) في مختلف المؤسسات في السلطنة والتي لا تتجاوز النظرة المذكورة سابقاً. وقارن الدرجة الوظيفية لرؤساء هذه الأقسام التي لا تتجاوز في أحسن الأحوال درجة مدير عام بالمستوى المطلوب للتغيير داخل المؤسسة الذي يحتاج في أغلب الأحيان إلى قرارات استراتيجية لا يتخذها إلا رؤساء هذه المؤسسات الغير ملمين عادةً بالأهداف والقدرات الاستراتيجية للتقنية. نرى ذلك جلياً في معدل تطور مبادرات الحكومة الإلكترونية داخل الوزارات والدوائر الحكومية ومعاناة العديد من رؤساء أقسام التقنية في هذه الجهات في إقناع أرباب العمل وأصحاب القرار بالأهداف الاستراتيجية المرجوة من مشاريع التقنية. كل ذلك واكثر يشير إلى أن البعد التقني في مثل هذه المؤسسات ما زال في طور الحضانة، مما يؤثر بشكل مباشر على سوق العمل والتخصصات المطلوبة فيه وتطور المؤسسات المذكورة. لذلك لا اعتقد شخصياً ان قرن مخرجات التعليم العالي بمتطلبات السوق قد يكون مناسباً في هذا الوقت خصوصاً مع وجود هذه الفجوة بين دور التقنية الحقيقي بجميع فروعها داخل المؤسسات ونظرة سوق العمل القاصرة عموماً.

عند التأمل اليوم في دور أقسام التقنية في المؤسسات الكبيرة عالمياً نجد أن لها طابعاً استراتيجيًا، فنرى رئيس القسم مشابها في الدرجة لبقية نوّاب الرئيس التنفيذي في الشركة الذي عادة ما يأخذ مسمى رئيس المعلومات بحيث يشارك بشكل كبير في وضع قرارات المؤسسة الاستراتيجية. ليس ذلك فحسب، فقطاع التقنية يعتبر المحرك الرئيسي الذي تعتمد عليه المؤسسة في احتضان الأفكار الإبداعية وتوفير الحلول المناسبة لتجنب المصاعب المستقبلية وتوقعها قبل حدوثها. من الواضح أن هذه النظرة أكثر شمولية من النظرة السابقة بحيث توظف التقنية لتحقيق خطط المؤسسات وأهدافها بعيدة الأمد بالإضافة إلى الأهداف التكتيكية المذكورة سابقاً. نجد كذلك من أهداف قسم نظم المعلومات الحديث هو استحداث وتصميم نظم معلومات استراتيجية لتحقيق مكاسب تنافسية في سوق العمل والنظر في فرص استغلال الإنترنت والتجارة الالكترونية أو الحكومة الالكترونية في جو العمل. كما يسعى القسم أيضاً إلى تعليم مديري الأقسام الأخرى بأهمية تقنية المعلومات وتثقيف مديري التقنية بمختلف جوانب المؤسسة العملية لضمان نشر الفهم الصحيح بجميع عناصر العمل والعلاقات المشتركة بينهما. لذلك من الضروري علينا في السلطنة في الحقبة القادمة أن ننظر إلى التقنية بشكل استراتيجي مختلف ونبدأ بتعيين وكلاء أو مستشارين للوزراء لأمور التقنية داخل المؤسسات الحكومية واستحداث وظيفة نائب الرئيس للتقنية داخل الهيئات والمديريات والشركات الخاصة، عندها فقط سنبدأ في استشعار الفوائد الحقيقية للتقنية الحديثة بجميع فروعها.


الجمعة، يوليو 08، 2011

مستقبل صناعة الحواسيب الشخصية

تطورت أجهزة الحواسيب الشخصية تطوراً كبيراً منذ عام 1970 حيث قامت شركة هيولت باكارد (Hewlett Packard) الأمريكية حينها لأول مرة بتصنيع أول حاسوب مكتبي يمكن وضعه على الطاولة والذي شمل لوحة مفاتيح وشاشة تظهر سطراً واحداً من النص فقط. قارن ذلك بالحواسيب اليوم والتي تأتي بمختلف الأحجام والأشكال والألوان والمميزات تهدف جميعها إلى إرضاء مختلف المستهلكين وإشباع حاجاتهم الفنية المتباينة. الغريب في الأمر أن التعدد الكبير في هذه الأجهزة وتقارب مزاياها وتشابه نمط المستهلكين المستهدفين من الأجهزة جعلنا اليوم نحتار عند الرغبة في الشراء بل وأحياناً نقوم بشراء أكثر من جهاز في آن واحد. فهناك مستهلكين يمتلكون أجهزة حواسيب مكتبية (Desktop) في البيت وحواسيب محمولة (Laptop) لأغراض العمل والتجوال ويمتلكون جهاز لوحي (Tablet) عند الرغبة في بعض الترفيه أو لمتابعة الأخبار والرد السريع على البريد الإلكتروني بالإضافة طبعاً إلى هواتفهم الذكية القادرة على عمل الكثير من الأعمال السابقة. كل هذا التطور في الكم والكيف يجعلنا نتسائل عن مستقبل الحواسيب الشخصية بعد عشر أو عشرين سنة من الآن، هل سيختلف الشكل والمضمون بإختلاف أذواق الناس أم أن شركات التقنية سترسم لنا شيئأ جديداً كما هو الحال في الأجهزة اللوحية اليوم؟

دشنت شركة جووجل في منتصف هذا الشهر شكلاً جديداً من الحواسيب قائم على نظام تشغيلها الجديد (Google Chrome OS) والذي أشرنا إليه في مقالة سابقة بعنوان "جووجل تهدد مايكروسوفت في عقر دارها". الجديد في هذا الجهاز هو نظام التشغيل والذي يعمل في كل شيء تقريباً على تقنية حوسبة السحاب. فالجهاز لا يحتوي على أكثر من متصفح للإنترنت ومشغل للوسائط بحيث تكون الإنترنت هي الوسيلة لقضاء الأعمال وللوصول إلى أي شيء نريد. لذلك يعتبر هذا الجهاز بلا فائدة تقريباً إذا لم تتوفر خدمة الإنترنت للزبون. فالفكرة هنا هي قيام المستهلك بالأعمال الحوسبية وتخزين الملفات عن طريق الإنترنت بما يشمل كذلك إستخدام برمجيات الويب بدلاً من تثبيت البرامج على الجهاز والتي عادة ما تتسبب في بطئ الأجهزة بعد فترة زمنية ناهيك طبعاً عن المخاطر الأمنية بأنواعها وما أكثرها. الجميل في تقنية حوسبة السحاب هو قدرة المستخدم على الوصول إلى ملفاته الشخصية وبرمجياته المفضلة بإستخدام أي جهاز حاسوب شخصي كما لو كان يستخدم جهازه الخاص شريطة توافر خدمة الإنترنت طبعاً. أي أن عند ضياع أو سرقة الجهاز، كل ما علينا فعله هو شراء جهاز آخر والتواصل مع كل ملفاتنا وبرمجياتنا كما في السابق لأنها أصلاً غير مرتبطة بالجهاز بل موجودة في الإنترنت من خلال تقنية حوسبة السحاب. ليس ذلك فحسب، فحتى عملية تحديث البرمجيات ونظام التشغيل والتي يعاني منها مستخدمي نظام ويندوز مثلاً ستختفي تماماً كون أن البرمجيات سيتم تحديثها بشكل آلي في الإنترنت وفي حواسيب الشركات المطورة بعيدة كل البعد عن أجهزة المستخدمين. أي يمكننا اليوم أن نعمل على نسخة من أحد البرمجيات وغداً نفتح جهازنا لنعمل على النسخة الجديدة دون أدنى جهد أو وقت في تنزيل وتثبيت النسخة الجديدة.

عند النظر في تطور الحواسيب وفي إستخدامات أغلب الناس اليوم نجد مجمل عملهم (90%) هو تصفح الإنترنت والبريد الإلكتروني بالإضافة إلى بعض الأعمال التي تحتاج إلى برامج سطح المكتب كحزمة الأوفس من مايكروسوفت مثلاً. المفروض أن تساعدنا هذه الإستخدامات على تحديد نوع الأجهزة الواجب إقتنائها والتي أيضاً قد تساهم في رسم شكل تطور الحواسيب مستقبلاً، ولكن إختلاف أذواق الناس والعامل النفسي الذي قد يجبر المستهلكين على تجربة الجديد من التقنية رغم عدم حاجتهم لها هو ما قد يشجع شركات التقنية إلى تطوير وتصنيع أجهزة الحواسيب الشخصية بالشكل الجنوني الذي نراه اليوم. فكثرة الكم هذه تخدم الزبون في توفير الخيارات وتقليل الأسعار ولكنها قد تسيء أيضاً في خلق بيئة شرائية جنونية بين المستهلكين يسعون فيها لتجربة جديد التقنية بشكل أقرب إلى الإسراف. فهناك من يغير حاسوبه الشخصي المحمول كل عام وهناك كما أسلفنا من يقتني عدة أجهزة تتشابه في مزاياها ناهيك طبعاً عن قطاع أجهزة الهواتف المحمولة اليوم والتي أصبحت تهيمن على عناوين الأخبار التقنية في الدوريات والمجلات المتخصصة بسبب كثرة المعروض وتطورها السريع.

إذا تأملنا في التطور الكبير الذي حدث في قطاع الحوسبة في السنوات القليلة الماضية نستطيع أن نتخيل أن سرعة الأجهزة ستصل بعد عقد من الزمان إلى مالا يقل عن 20 ميجاهيرتز وستزيد السعة التخزينية للأجهزة (Hard Disk) بشكل كبير مما سيجعلها تقاس بالتيرابايت (Terabyte) أو ربما بالبيتابايت (Petabyte) وستندمج الإنترنت في كل تفاصيل الحياة تقريباً بما يشمل جميع الأعمال التجارية والحكومية وكذلك الأعمال الإجتماعية والشخصية. الأمر الذي يعد بإزدهار تقنية الحوسبة المنتشرة (Ubiquitous Computing) وحوسبة المحيط (Ambient Computing) وغيرها من التقنيات التي تعتمد على زرع قدرة الحوسبة والإتصال والتخزين في كل شيء حولنا. فقد أصبحنا اليوم نرى بزوغ شمس هذه التقنيات من خلال بعض المبادرات الفنية الجديدة كالبيوت الذكية (Smart Home) وأجهزة المنزل الذكية (Smart Appliances) وغيرها. الشاهد هنا أننا سنعتاد أن نرى التقنية في كل شيء حولنا بحيث سيصبح الجماد كالمفروشات ومواد البناء بأنواعها ووسائل النقل بجميع أجزائها وكل شيء حولنا ذكياً يمكن التواصل معه وإعطائه الأوامر مما سيجعل الحواسيب المكتبية تختفي تدريجياً لتحل مكانها الأجهزة المحمولة الذكية بجميع أنواعها القادرة على التواصل مع معظم الأشياء حولنا.