الاثنين، أغسطس 26، 2013

الأمن والتعايش السلمي


تكثر في مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام الكثير من الآراء والنقاشات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين العمانيين مما قد يثير بعض التحفظات لدى البعض والاختلافات لدى البعض الآخر. فكلٌ ينظر للموضوعات بعين تخصصه وفهمه وتجاربه الشخصية في الحياة والتي قد تفرز لنا مزيجا فكريا جميلا إن احسنا التعامل مع مبادئ فقه الاختلاف. فهناك من يناقش موضوع رفع الدعم الحكومي للمحروقات وهناك من يناقش الأوضاع السورية والمصرية وهناك من يناقش بعض الأوضاع الاجتماعية المحلية كقضية التلوث في ولاية لوى أو قضية التربة الانتفاخية وخسائر الحكومة المتتالية وهناك من يتحدث عن ارتفاع الأسعار في خريف صلالة وما إلى ذلك من القضايا التي ينصب اغلبها حول قلة الكفاءة في العمل الحكومي بمختلف وحداته وانحدار الفاعلية في مشروعات الحكومة التنموية. طبعا البعض يناقش بعلم ومنهجية ويؤكد على النجاحات قبل الإخفاقات واضعا الحلول المقترحة وهذا ما نريد، اما البعض الاخر فقط يعمد لتصيد الأخطاء بشكل سلبي دون التفكر في الاسباب وطرق معالجتها. بغض النظر عن التوجهين، اعتقد شخصيا بأن معظم المشاركين السلبيين والإيجابيين يجمعون على حب هذا الوطن وحب قائده وحكومته رغم اختلاف بعضهم فكريا مع بعض السياسات المطروحة في البلاد. طبعا الموضوع ليس بهذه البساطة فهناك أيضا من يحاول الاصطياد في المياه العكرة ويهدف لزعزعة نسيج البلد المترابط متخفيا وراء كبرى الشعارات العالمية اليوم كمحاربة الفساد في البلاد وضمان حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وما إلى ذلك من الشعارات. الشاهد في الموضوع أن الشارع العماني اصبح يتساءل كثيرا عن أسباب بطء التنمية في البلاد، فلا شك في أن قطاعاتنا المختلفة تتطور في البلاد ولكن توقعات الشارع العماني أصبحت تفوق حجم وسرعة هذا التطور التي ما زلنا نراه في وضع متخلف (متأخر) عن تطورات دول المنطقة، فهل هو كذلك فعلا؟

عند التأمل في سياسات الدولة واستراتيجياتها في مختلف القطاعات منذ فجر النهضة إلى الآن نستطيع أن نستنتج أن الهدف الأسمى التي تحاول الدولة إتمامه واستكماله بشكل أسأسي هو الأمن بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وبكل ما تحمله من تبعيات وهو ما يشكل أكبر منجزات النهضة المباركة اليوم. نقصد بالأمن هنا هو التركيز على أوضاع البلد الخارجية وعلاقاتها بجيرانها وببقية دول المنطقة والعالم بشكل عام من جهة، وأوضاعنا الداخلية من جهة أخرى بتعدد ثقافاتنا ومذاهبنا الدينية وقبائلنا. الأمر الذي يتجلى بوضوح في اللقاء الصحفي الذي أجراه سلطاننا المفدى مع الإعلام العماني في العيد الوطني الخامس عشر والذي ذكر فيه جلالته أنه يتمنى أن يأتي يوم يتأمل فيه خريطة العالم ولا يجد دولة لا تربطها علاقات جيدة بالسلطنة. لذلك تتفرد اليوم السلطنة بعلاقات جيدة مع جميع دول العالم بغض النظر عن حجم واقتصاد وديانة وثقافة هذه الدول. فقلما ما نجد من رؤساء العالم من يتبادل التهاني والتعازي مع مختلف دول العالم الكبير منها والصغير، القوي والضعيف، المتطور والمتخلف، والمشهور في الساحة الدولية والمغمور أيضا. لذلك والحمد لله استطاعت السلطنة تحقيق ما لم تستطع تحقيقه معظم دول العالم ولا نبالغ إذا ادعينا بأن التجربة العمانية اليوم تستطيع أن تخط لأمة الإسلام والعالم اجمع اجمل مبادئ الأمن والأمان والتعايش مع الغير. لا ندعي هنا بالكمال في كل أمور الحياة ولكننا استطعنا بفضل الفكر الحكيم لسلطاننا المفدى الوصول بالبلد إلى درجة عالية في الأمن لا يجب المساومة عليها فلا يعلم قيمتها إلا من فقدها. الشاهد هنا أن هذا الهدف الأكبر يفرض على سياسات الدولة وأهدافها وخططها واستراتيجياتها الأخرى اليوم أن تتماشى وألا تتعارض معه بشكل أو بآخر. فأي خطة يجب أن تدرس بتأنٍ للتأكد من عدم تعارضها مع هدف الأمن والأمان والذي قد يفسر البطء في تنفيذ بعض الخطط التنموية وسعي الجهات الحكومية لدراسة المشروعات باستفاضة قبل التنفيذ، وهو ما قد يتسبب أيضا في قلة فاعلية المشروعات الحكومية ولكن هل هو السبب وراء انحدار الأداء الحكومي كذلك؟


 
قد يبرر مبدأ الأمن هذا بعض السلبيات التي يناقشها الشارع العماني والتي هي اقرب لسياسة وضع الأولويات منها إلى الإخفاقات والتي نستطيع أن نستشفها من خطاب سلطاننا المفدى في مجلس عمان عام ٢٠١٢ حيث أشار فيها جلالته إلى أن البنية الأساسية تكاد تكتمل وسيتم التركيز في الخطط المستقبلية على التنمية الاجتماعية. نستشف من ذلك أن خطط البلد تقوم على مبدأ وضع الأولويات بعد استقراء الحاجات المحلية والدولية ولكن ماذا لو كان هناك نقص أو خطأ في هذا الاستقراء؟ اضف إلى ذلك أن ما يراه الشارع العماني كأولويات اليوم قد يختلف عن ما تراه الحكومة وهذا لا يبرر بأي شكل من الأشكال الإساءة إلى منجزات البلد وإهدار المال العام وعدم الإخلاص في العمل وهي القضايا التي يناقشها الشارع العماني. لذلك أرى أن هناك فجوة في الوعي والعمل المشترك بين منظور الحكومة في وضع الخطط المستقبلية حسب الأولويات التي تراها وبين ما يراه الشارع العماني. ولردم هذه الفجوة وجب على الجهات المعنية وعلى رأسها المجلس الأعلى للتخطيط التواصل مع الشارع العماني بمختلف القنوات واخص هنا قنوات التواصل الاجتماعي لمحاولة ليس فقط استقراء آرائهم بل وإدارة توقعاتهم كذلك. أما في الشارع العماني فعلينا مراعاة نعمة الأمن والتعايش السلمي مع الآخر وهي أهم مكتسبات النهضة، فلا يأخذنا الحماس في التعبير وحب التغيير والتطوير للمساومة عليه.

الخميس، أغسطس 01، 2013

خريف صلالة .. قضايا وحلول


اتعجب من إحجام الناس داخل عمان وخارجها بشكل عام عن الذهاب الى صلالة في شهر رمضان رغم انخفاض الاسعار اجمالا وخلو الاماكن من الزحمة المزعجة. كنت في صلالة الاسبوع الماضي ورأيت فرصا كبيرة لترويج موسم الخريف في شهر رمضان للأسف لم تستغل كما يجب. فالسكن الذي يكلف ٤٠ ريالا في رمضان متوقع ان يصل لاكثر من ١٠٠ ريال في ايام العيد وبعدها، هذا ان كنا محظوظين في الحصول عليه شاغرا اصلا. اما طلبيات الطعام في افضل مطاعم صلالة (وما أكثرها) ومضابي سهل اتين فلا تتجاوز مدة الانتظار فيها لبضع دقائق في رمضان، قارن هذا بعشرات الدقائق والتي قد تصل لساعات في فترة ما بعد يوم العيد. اما اماكن الجلوس والاسترخاء والخصوصية في السهل والجبل والبحر فهي متوفرة خلال الشهر الفضيل وبشكل مريح لا تحتاج لعناء الحجز من اوقات مبكرة. كما تخلو الشوارع من ضجيج الزحمة المعهودة وتتوفر حجوزات تذاكر السفر وتنخفض أسعار تأجير السيارات بشكل كبير ولا يوجد قلق من انتهاء مخزون محطات البترول بسبب الطلب الزائد. اضف الى ذلك تميز مساجد ظفار بشكل عام بمقرئين عمانيين اصحاب حناجر واصوات جميلة يزيدون في نفحات وايمانيات ليالي الشهر الفضيل وصلاة القيام. كل هذا واكثر مما قد لا يعلم به كثير من الناس، اما من يعلم فقد يتكاسل بسبب الصيام فلا يستطيع اكثر الناس اليوم تخيل وتقبل فكرة الترحال والتجوال وهم صائمون. للاسف اصبح الصيام لدينا مدعاة للكسل والخمول وهو ما يلاحظ في انخفاض انتاجية الموظف العربي في شهر رمضان بشكل عام. كذلك نجد ان دور الجهات الحكومية في الترويج للخريف خلال الشهر الفضيل ضعيف فقد اقتصر دور الاعلام العماني على بث برنامج مسائي (رمسة) من ميدان المهرجان يعرض بين فترة واخرى صورا عن الخريف فقط. فلماذا يا ترى لم يتم تنظيم مهرجانات رمضانية تتناسب مع نفحات أيام وليالي رمضان المبارك، وخيم رمضانية مثلا تعرض الوجبات العمانية الخاصة بالافطار بنكهة اهل الجنوب وما الى ذلك من الفعاليات التي تشجع على زيارة الخريف في شهر رمضان، افكار علينا مراعاتها في الموسم القادم.

عند التأمل في أكثر شكاوى زوار خريف صلالة المتكررة فهي تتلخص في توفر السكن ونظافته وتوفر المرافق والخدمات العامة الى جانب انتشار البعوض الصغير والوحل بسبب الرذاذ والتجمعات المائية. لا يمكن ان ننكر جهود بلدية ظفار ووزارة السياحة المستمرة في تطوير المرافق ولكن للاسف لا تزال التحديات اكبر من هذه الجهود او ربما هكذا تبدو. فعند زيارتي الاسبوع الماضي وجدت عدد دورات المياه في سهل اتين وهو مقصد الزوار الاول في المحافظة واكثره ازدحاما ما زال متواضعا ناهيك عن مستوى النظافة التي يخجل منها كل عماني ونحن نرى ضيوفنا من خارج السلطنة يرتادونها مجبرين. فلا اعلم ما هي المشكلة في توفير عدد اكبر من دورات المياه مع عمال وعاملات نظافة يعملون بنظام متكامل على مدار الساعة في موسم الخريف؟ نجد العمال بكثرة يزاحمون الزوار ويبيعون اشكال الالعاب والمنتجات فلماذا لا يستغلون بشكل افضل؟ أما السكن فأصبح متوفرا بشكل عام ولكن المشكلة تكمن في تكدس الزوار في فترة قصيرة دون دراية بطرق الحجز المسبق وبكيفية تمييز مستوى السكن. لا اتحدث هنا عن الفنادق والشقق الفندقية ولكن المعضلة في الشقق والبيوت المفروشة التي تفتح ابوابها غالبا في موسم الخريف ولا نعلم عنها الا من مكاتب العقارات وبعض مواقع الانترنت والتي لا تقبل عادة الحجز الا بشكل مباشر بعد دفع اول ليلة نقدا. لماذا لا يتم التنسيق مثلا بين وزارة السياحة والجهات المعنية الاخرى في مسح هذه البنايات والبيوت وتقييمها حسب الخدمات المتوفرة من مستوى نجمة الى خمس نجوم واعطائها تصاريح بذلك؟ ثم بعد ذلك يتم تطوير نظام حجز الكتروني يعطي المستخدمين القدرة على تصفح واختيار وحجز الشقق والدفع آليا من خلال بوابة الدفع الالكتروني التابعة لهيئة تقنية المعلومات، يحدد في هذا النظام اسعار الشقق مسبقا بشكل يتزايد حسب تزايد الطلب واختلاف الموسم ومستوى السكن بالاتفاق طبعا مع اصحاب البنايات بما يضمن الشفافية مع الزوار والعدالة في الحقوق بين الطرفين. فمن الطبيعي ان ترتفع اسعار الشقق في شهر يوليو عنها في شهر يونيو وفي اغسطس عنها في يوليو او في ايام العيد بالمقارنة مع ايام شهر رمضان ولكن يجب ان تكون هذه الزيادة مقننة وواضحة للجميع لتجنب عمليات الاستغلال.


اما مشكلة البعوض والذباب فمازالت موجودة حالها حال معظم دول العالم التي تتميز بنفس المناخ فهل بالامكان رشها ببعض انواع المبيدات الحشرية بداية كل صباح او كل اسبوع دون الاضرار بالبيئة وبالمسطحات الخضراء التي تمثل ايضا غذاء للانعام؟ طبعا المقصود ليس كل جبال المحافظة ولكن على الاقل معظم الاماكن التي يرتادها اكثر الزوار كالعيون والسهول. أما أماكن الاسترخاء والوحل فمن الملاحظ سعي بلدية ظفار لتوعية المواطنين بضرورة عدم القيادة فوق المسطحات الخضراء والتي بلا شك تتسبب بضرر على البيئة والمنظر العام، فما هو البديل اذا ومعظم الزوار يفضلون الجلوس لأوقات طويلة مع اطفالهم في هذه المناطق لتناول الوجبات واحيانا الطبخ وعمل المشاوي؟ هل بالامكان مثلا استحداث ممرات جانبية تتفرع من اهم شوارع السهول تبلط بما يسمى بالانترلوك بشكل يعطي مساحة لصف السيارة والجلوس بأريحية مع العائلة؟ الحافز هنا ان يتجنب الزوار الوحل وفي نفس الوقت لا يضطرون للقيادة على المسطحات الخضراء بتوفر اماكن الجلوس. كل هذا من الامور البسيطة التي مازالت تؤرق العديد من مرتادي المنطقة والتي لا تحتاج لاستثمارات كبيرة بل فقط الى تفكير في حلول سهلة وعملية وسريعة
.