الاثنين، مايو 19، 2014

سقوط العمالقة والدروس المستفادة

 
يقول المثل العربي الذي ينسب للإمام الشافعي “ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع” ويقال أيضا في علم الإدارة “النجاح لا يكمن في تحقيقه فقط بل في المحافظة عليه”، الأمر الذي بدأنا نرى تأثيره الكبير اليوم في عالم الأعمال بشكل يفيدنا في استنتاج قانون كوني جديد. انظروا مثلا لسقوط شركة كوداك بعد تربعها على عرش التصوير الفوتوغرافي لعقود طويلة تبدأ من عام ١٨٨٠. ولنتأمل في تفكك شركة موتورولا والتي كانت لأعوام طويلة من قادة شركات أجهزة وشبكات الهواتف المحمولة في العالم حتى أني أذكر أنه ومع دخول تقنية الهواتف المحمولة في السلطنة في التسعينات من القرن الماضي كان من اشهر وأغلى الهواتف آنذاك هو هاتف موتورولا ستارتك والذي بيع في أيامه الاولى بـ٩٠٠ ريال عماني وتهافت الكثيرون لشرائه. اين هي موتورولا اليوم والتي تفككت واصبحت تتناقلها الشركات، فقد بيع قطاع الهواتف منها أولا إلى جوجل الأمريكية وبعد ذلك الى شركة لينوفو الصينية؟ وماذا عن شركة بلاكبيري وهيمنتها على اجهزة الهواتف المحمولة في قطاع الأعمال لسنوات؟ اين هي اليوم من عمالقة المحمول كسامسونج وابل؟ وماذا عن شركة نوكيا والتي كانت الخيار الأوحد لنا في السلطنة وللكثيرين حول العالم خصوصا في أوروبا؟ اشترتها شركة مايكروسوفت والتي تناضل هي الأخرى في حرب البقاء الذي اصبح اشبه بقانون الغاب. فالبقاء للأقوى ليس من ناحية الحجم او المكانة السوقية فقط فهناك أمور أهم قد تغفلها اكبر الشركات حين احساسها بزهو النجاح، فما هي يا ترى؟
 
عند التأمل في اكبر الشركات في العالم كشركة ابل الامريكية مثلا او شركة سامسونج الكورية فمن الصعب علينا نحن كمستهلكين ان نتوقع سقوطها بسبب نجاحها الكبير. المصيبة تكمن عندما يقتنع رؤساؤها بالفكرة نفسها دون تحرز وهو ما يعد اهم اسباب السقوط. فعندما دشنت شركة ابل منتجها الاول في قطاع المحمول في عام ٢٠٠٧ (الايفون) كانت شركة نوكيا في اوج نضجها وكان الجميع يحلفون بأجهزتها جودة وكفاءة. فلم يتوقع احد ان يكون منتج ابل من اهم اسباب انهيار نوكيا وهو الذي افتقر في نسخته الاولى لأساسيات مزايا الهواتف التي تنتجها نوكيا كميزة ارسال رسائل مصورة مثلا. ليس ذلك فحسب، فهواتف الايفون لم تسوق بداية إلا في بعض مناطق العالم على عكس اجهزة نوكيا والتي لم يخل منها بلد تقريبا آنذاك. ففي الوقت الذي كان مهندسو شركة ابل يعملون بجد لابداع تحسينات على النسخ الاولى من الايفون، تجاهلت شركة نوكيا هذه الابداعات والتي كان اهمها التركيز على اللمس كواجهة للمستخدم. فالغرور المهني والأنفة من مجاراة التغيرات في قطاع الاعمال يعتبر اهم آفات النجاح والذي قد تعاني منه الشركات الكبيرة والدول ايضا دون ان تدرك. فلا مجال اليوم الا في توقع الأسوأ دائما والتخطيط له قبل حدوثه والذي عادة ما يأتي من حيث لا نتوقع. فمن السذاجة ان تظن مثلا شركة ابل ان منافسها الوحيد اليوم هو شركة سامسونج دون ان تعطي اهمية لمنهجية التصنيع الصينية الجديدة في قطاع المحمول والتي تهدف لانتاج هواتف رخيصة جدا وذات جودة عالية كجهار (Oppo Find7) و(OnePlus One).
 
 
تعرضت الكثير من المواقع الالكترونية وكبرى شركات الاستشارات الادارية والباحثين لقضية سقوط الشركات بأنواعها في محاولة لاستخلاص الدروس والعبر وكان اهمها ان انهيار الشركات لا يأتي فجأة بل ان هناك مؤشرات قد تدل عليه وهو ما يؤكد كلامنا السابق. فسقوط الشركات يأتي عادة كمرحلة او محطة اخيرة في سلسلة اعمال استراتيجية بدأت عادة بخطأ. من المهم التأكيد على أن ارتكاب الأخطاء ليس بالضرورة ان يقود الى الفشل او الانهيار ولكن الإصرار عليه او الفشل في ادارته هو ما قد يتسبب في السقوط. على الرغم من بساطة هذه الفكرة الا انها تشير الى امكانية تجنب السقوط والانهيار ان أحسنا تحليل الأمور والتخطيط، وهو بالطبع ليس حصرا على الشركات بل يشمل الدول ومؤسساتها الحكومية وكذلك الافراد. فمن الكياسة اليوم ان نتعلم من اخطائنا بتغيير منهجياتنا العملية بدلا من المكابرة العمياء. وهذا ما قد يفيدنا في السلطنة عند محاولة التخطيط او العمل في مجال كثر فيه الاخطاء في السابق. فلا مجال اليوم للمجاملة في توظيف كفاءات لتطوير خطط او اعمال حكومية متأخرة او غير ناجحة اشرفت الكفاءات نفسهاعليها سابقا. وهذا ما اخطأت فيه شركة نوكيا عندما اوكلت رئاسة الشركة التنفيذية لأحد رؤساء شركة مايكروسوفت والتي كانت تعاني اصلا من تدهور قطاع المحمول آنذاك. فكيف سيستطيع من عايش وربما ساهم في تدهور بعض الاعمال ان يطورها، الا نعلم بأن فاقد الشيء لا يعطيه؟ فلا مجال اليوم لإهدار الوقت والجهد في اعطاء فرص ثانية لمن اخفق سابقا خصوصا عندما يكون محور العمل مصلحة الدولة والمال العام.