الثلاثاء، أبريل 19، 2011

رأس المال الاجتماعي

من أكثر ما يثير تحفظ الناس اليوم هو كلمة (واسطة) وما فيها من تبعات مفيدة لبعض الناس ومؤذية للبعض الآخر. فهناك من يعارض هذه النوعية من الأعمال إيمانا بالمبدأ وهناك من يعارضها لعدم قدرته عليها. فمما نادى به العديد من العمانيين في اعتصاماتهم الماضية الهادفة للتطوير الإداري والاقتصادي هو نبذ الواسطة بكل أنواعها ووضع الضوابط للحد منها. يذكرني هذا بأحد زملاء الدراسة ونحن نخوض اختباراتنا النهائية لشهادة البكالوريوس. ففي الوقت الذي كان معظمنا يسهر الليالي للحصول على أعلى الدرجات، كان صاحبنا هذا يكتفي بالقليل من المذاكرة للحصول على درجة مقبول (D) فقط، ضاحكاً علينا بحجة أن وظيفته تنتظره بمجرد تخرجه. تلك هي الواسطة المذمومة التي ينطبق عليها حديث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام «اذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة»، قيل وكيف اضاعتها؟ قال (صلى الله عليه وسلم) «اذا وسّد الأمر الى غير أهله» رواه البخاري. سبق أن كتبت مقالة في أحد المنتديات الإلكترونية الخاصة بطلاب الجامعة بعنوان «اللي ما عنده واسطة يدور له على واسطة»، بهدف توعية الطلبة بمصطلح رأس المال الاجتماعي (Social Capital) وأهميته في حياتنا المهنية وضرورة التفريق بينه وبين (الواسطة) السلبية المعروفة بيننا. وجدت مؤخراً أيضاً أن هذا المصطلح قد تم إغفاله ليس من الطلبة فقط بل حتى من المدرسين وبعض أصحاب القرار، لذلك وجب التطرق لهذا الجانب المهم من أعمال المؤسسات اليوم لما فيه المصلحة العامة.

ليست الواسطة كما يظن الكثيرون شراً مطلقاً، فهناك جانب مضيء يجب علينا جميعاً تعلم مبادئه والتفريق بينه وبين الواسطة المذمومة والتي في كثير من الأحيان تتضمن التعدي على حقوق الآخرين للحصول على مزايا مادية أو معنوية والتي قد يشملها الحديث الشريف «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أراضين». فبالإضافة لمختلف أنواع رؤوس المال المعروفة اليوم المتوفرة للأفراد والشركات، كرأس المال المادي (المالي)، ورأس المال البشري (العلمي) ورأس المال الفني (التقني) والصوري (السمعة السوقية) وغيرها، هناك أيضاً ما يسمى في علم الاجتماع برأس المال الاجتماعي. المقصود هنا أن يكون لنا رصيد اجتماعي عالٍ، حالها حال الأموال التي قد تساعد صاحبها في شراء العقارات وعمل مختلف الاستثمارات. فالرصيد الاجتماعي هم المعارف من الناس الذين قد يسهلوا علينا النجاح في الحياة. طبعاً بالحلال بعد توفيق الله دون التعدي على الآخرين. فهي قيمة مضافة يحصل عليها أحدنا من تواصله البنّاء مع مختلف المجموعات الاجتماعية التي نراها بين الشركات وفي المجتمعات وتلك التي نجدها أيضاً في الإنترنت. فلا يختلف اثنان اليوم على التأثير الواضح للشبكات الاجتماعية في الإنترنت على الدول والناس أجمع والتي تطرقنا إليها في مقالة سابقة بعنوان «سياسة التقنية أمام سياسات الدول». فكم من العلاقات المهنية التي تكونت وتتكون من خلال موقع (LinkedIn) وموقع (Focus) وموقع (Qapacity) وغيرها كثير.

أول من تطرق الى مبدأ رأس المال الاجتماعي هو الباحث التربوي الأمريكي لايدا هانيفان (Lyda Hanifan) من خلال بحث صغير أجراه في عام 1916 عن طرق دعم وتقوية المدارس الريفية الأمريكية. منذ ذلك الوقت والبحوث تتوالى في تأكيد أهمية رأس المال الاجتماعي على الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة بما لا يترك أدنى مجال للشك. فآخر الدراسات التي قُرئت في هذا الجانب تؤكد أن رأس المال الاجتماعي يسهل ادارة المعرفة داخل المؤسسات كما يعتبر من أكثر العوامل المحددة للإنتاجية بشكل يفوق رأس المال البشري (العلمي والمعرفي). لذلك نرى اليوم الكثير من المؤسسات التي تعمد الى توظيف أفراد لقدرتهم فقط على تسهيل أمور معاملاتهم من خلال رابطة معارفهم (Social Network). ليس ذلك فحسب، بل أن هناك من الشركات التي تقوم بعمل تجمعات شهرية أو سنوية عبارة عن دعوات عشاء أو رحلات ترفيهية قد تمتد لأيام تقوم فيها بدعوة موظفين مسؤولين من مختلف الجهات والشركات الأخرى بغرض تعزيز ما يسمى برأس المال الاجتماعي. فالأمر أصبح في كثير من الأحيان مرهون بمن نعرف من خلال علاقاتنا الاجتماعية أكثر مما نعرف (العلم) فماذا لو جمع أحدنا الموهبتين معاً؟

لتوضيح فكرة رأس المال الاجتماعي خذ على سبيل المثال ان أرادت احدى الجهات في السلطنة تنظيم مؤتمر عالمي وأوكل لأحدنا مهمة التنظيم واستقطاب المتحدثين في المؤتمر، كيف يكون الأمر لمن لديه معارف وعلاقات عالمية (رأس مال اجتماعي) ومن يفتقر لذلك؟ وإن أردنا أن نستقطب مستثمرين لمشروعات تنموية محلية خاصة بالحكومة أو بشركة خارجية أو أردنا نوعاً من أنواع التمويل الدولي أو أردنا دمج بعض الشركات الخاصة والحصول على موافقة أعضاء مجالس الادارة أو أردنا التحري عن مستثمرين أجانب، أو أردنا الحصول على معلومات عالمية أو محلية بهدف علمي بحثي أو أو... وقس على ذلك. كل ذلك مما يعتمد وبشكل كبير على رأس المال الاجتماعي للأفراد والشركات والذي يساعد في بناء وتقوية العلاقات بالزبائن والوكلاء التجاريين وإيجاد فرص عمل جديدة. فعصر العولمة واشتداد التنافس بين الشركات حتّم عليها تقوية علاقاتها الاجتماعية خصوصاً مع اثبات الدراسات يوماً بعد يوم تأثيره الكبير على النجاح المهني. نصيحتي لكم أعزائي القرّاء أن تحرصوا على تقوية علاقاتكم الاجتماعية واستغلالها الاستغلال الأمثل مهنياً واجتماعياً بما لا يغضب الله سبحانه وتعالى، فالخط الفاصل بين الحلال والحرام هنا قد يكون في بعض الأحيان رفيعا جداً. فإن أشكل علينا التفريق فلنجتنب الشبهات ولنطلب الفتوى «فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون«.

هناك 4 تعليقات:

  1. ما زالت (الواو) موجودة الى اليوم وباكر مهما علت الاصوات.كم اناس وظفوا في مناصب ليسوا مؤهلين لشغلها. ماذا تقولون في طالب جامعي عنده من المؤهلات العلمية والمهارات ما يمكنه لشغل وظيفة ما لكن حاله مثل حال البقيةمن الشباب الجلوس في البيت (لا شغل ولا مشغلة)بالرغم طرق أبواب الخير لكن كلمة واحدة تتردد على مسامعه دائما:(اذا عندك واسطة رايح انوظفك واذا ما عندك...).
    من جانب آخر: أرى اليوم الكثير من الشباب تركوا سلك الدراسة سواء كان التعليم الجامعي أو دبلوم التعليم العام والسبب هو( ليش نكمل دراسة تراه الناس اللي عندهم شهادات عليا ما مقبولين عاد...)
    لكن هؤلاء القوم مخطئون اذا كان تفكيرهم هذا.
    يأخي طلب العلم ليس مرهون بوظيفة أو الحصول على المناصب العليا. كم أناس استطاعوا من خلال تفكيرهم ومجالات تخصصهم أن يبدعوا ويبتكروا طرق تّدر عليهم أربح مادية ومعنوية. فليس المقصود أنا ما عندي واسطة يعني ما رايح أتوظف يعني معظم السنوات التي قضيتها في الدراسة لا فائدة منها.
    خلاصة القول: بإمكانك أن تشغل وظيفة أكثر من المتوقع فقط ركز على دراستك, على تخصصكك وفجر طاقاتك الكامنة.

    ردحذف
  2. ياخي شوف ليك واسطة وخلاص إنت عاوز تعمل فيها مصلح إجتماعي

    ردحذف
  3. طبعاً قصة الواسطة انا لا أؤمن بها لأنها جزء من الفساد الذي يمارسه الشخص لكن يجب الإيمان بأن مسألة الرزق هذه هي من عند الله سبحانه وتعالي (وفي السماء رزقكم وما توعدون فوالله إنه حق مثل ما أنكم تنطقون) فلو وقف أي شخص مهما يكن حتي ولو كان رئيس الدولة في وظيفة قد كتبها لك المولي عز وجل لن يستطيع أن يغيرها عليك بالإجتهاد والمثابرة وعدم اليأس ونبذ فكرة الواسطة ووفقكم الله

    ردحذف
  4. الواسطة تنشأ وتترعرع عندما يغيب الوازع الديني سواء عن المسؤول أو صاحب الحاجة
    وصاحب الحاجة كما يقولون أرعن فإنه يلجأ إلى من يستطيع تلبية حاجاته والغريق كما يقولون يتعلق بقشة
    هذا المرض الاجتماعي الخطير سببه الأول ضعف اليقين على الله
    فالله جل في علاه أقسم بنفسه بأن الأرزاق مقدرة فقال جل ذكره: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} ( سورة الذاريات(22-23))
    فلو كان يقيننا كاملا لعرفنا أنه لايأتينا إلا ما قسم الله لنا فقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها"
    فالمسألة مسألة قناعة بما هو مقسوم لك وتصديق بأن الأرزاق والآجال مسألة محسومة لا يستطيع أحد أن يتدخل فيها ، مكا أن المسؤول يجب أن يتق الله ولا يقدم أحد على أحد إلا بحق
    وبالمناسبة هناك بعض المسؤولين لايتعرضون لمضايقات في هذا الجانب لأنهم معروفون باعتدالهم وعدم قبولهم الواسطة والمحسوبية
    وخلاصة القول أن الأمر ناتج عن ضعف الإيمان في الجانبين وضعف اليقين على الله
    لكن إذا أصبحت الصفة الغالبة على المجتمع هي الواسطة والمحسوبية ففي هذه الحالة وجب علينا أن نقف بجانب الضعيف حتى نحافظ له على حقه
    ونسأل الله ان يردنا إلى ديننا ردا جميلا فنتخلص من كل السلبيات والله الموفق

    ردحذف