الثلاثاء، سبتمبر 13، 2011

التخطيط يا ناس


أكثرنا يعلم علم اليقين أن التخطيط هو بداية الطريق للنجاح وأغلبنا كذلك قد سمع ورأى قصص نجاح لأناس آخرين كان من أهم أسبابها التخطيط السليم. فهم بذلك قد إنتقلوا من علم اليقين إلى عين اليقين ولكن للأسف قليلون هم من تطور بهم الحال إلى أن يؤمنوا بالتخطيط حق اليقين، أي يعلموا بالتجربة (وهي خير برهان) أهمية التخطيط ليس فقط للنجاح في الحياة بل للحياة بشكل عام. لذلك نرى الكثيرين منا لا يتجاوز تخطيطهم في الحياة تخطيط يومهم الذي يعيشونه وعند سؤالهم عن السبب فالإجابة المعروفة والمعهودة للكثيرين هي "ياخي مشي حالك". فتمشية الحال هنا أن تريح تفكيرك من كل ما يقلق البال أو بالأحرى أن تريح دماغك وعقلك قدر المستطاع من التفكير بشكل عام، فإن كان كذلك فمرحباً بالفشل.

في حديث لي مع أحد سكّان محافظة ظفار عن الخريف هذا العام والتسهيلات المتاحة للزوار، أخبرني بالعديد من المواقف المحزنة التي وقعت لبعض الزوًار والتي كان من أهم أسبابها ثقافة "مشي حالك". فهناك من العائلات من قضوا الساعات الطوال في محاولة إيجاد سكن مناسب وهناك من إنتهى بهم المطاف للمبيت في السيارات وهناك من تفاجأ وإشتكى من كثرة الأوحال في الطرق الجبلية والتي تسببت في توسيخ سياراتهم وملابس ابنائهم وهناك من رجع متذمراً من قلة المراكز التجارية أو المطاعم العالمية وغيرها من السلبيات التي إن دلت على شيء لدلت على قلة الوقت والجهد المبذولان عند التخطيط للرحلة. فهناك من يكتفي فقط بالسؤال عن المنطقة (زينة ولا ما زينة؟) وبعدها يشد الرحال دون أدنى تفكير عما تتطلبه الرحلة من نفقات وأساسيات يجب الإحتياط لها ومعرفتها قبل الشروع بالسفر. أنظر أيضاً إلى ثقافة "مشي حالك" بين العديد من الطلبة الذين يتخبطون في إختياراتهم وقراراتهم في حياتهم العلمية. فنجدهم يفتقرون للتوجيه السليم من داخل البيت وخارجه، فالوالدان يبذلان (في أفضل الأحيان) الكثير من الجهد والوقت والمال لتوفير سبل العيش الكريمة والرعاية الأسرية اللازمة من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، متجاهلين أو متناسين في كثير من الأحيان أهمية بناء الفكر والتي باتت تقرن وتلقى على عاتق التعليم والمدرسة فقط. فبقدر أهمية الرعاية الأسرية تأتي كذلك أهمية التربية وصناعة الشخصية السليمة المتوازنة القادرة على مواجهة تحديات الحياة بالتخطيط السليم المدروس والقابل للقياس.

لا تقتصر أهمية التخطيط على الجانب الشخصي بل تتعداه إلى جوانب أكثر أهمية وتأثيراً كالجانب المهني والذي يؤثر بشكل مباشر على مستقبل الأداء العملي للمؤسسات والدول. نعلم جميعاً أن فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف يمكن لمن لا يحسن التخطيط لعائلته أو لميزانيته أن يخطط لقسم أو مؤسسة؟ ففي الجانب العملي نجد بعض الأحيان تباين أهداف المؤسسات والدوائر المختلفة، خصوصاً الحكومية منها. فبالرغم من إتضاح خطة السلطنة الخمسية للكثير من العاملين في القطاع العام، إلا أن دور كل قسم ودائرة من كل وزارة في تحقيق هذه الخطة قد يكون غير معروف أو مبهم في أغلب الأحيان وقد لا يتجاوز هدف بعض الأقسام في بعض المؤسسات الحكومية إستمرارية العمل بدلاً من تطويره (مشي حالك يعني). ناهيك طبعا عن ربط الخطط الخمسية بالخطة الإستراتيجية للبلاد (رؤية 2020) وها نحن نقترب منها بسرعة فكم حققنا منها يا ترى؟ وأنظر إلى العديد من المحلات التجارية والشركات الصغيرة والمتوسطة التي تم إغلاقها في مدة زمنية قصيرة من إفتتاحها، فما هي الأسباب؟ ربما الإجابة كالمعتاد (مشي حالك).



صدقوني يا أخواني وأخواتي القرّاء لقد كثر الحديث عن أهمية التخطيط في الحياة ككثرة الحديث والتنبيه بمخاطر التدخين دون جدوى كبيرة تذكر والسبب يكمن ربما في تركيزنا على الكلام وإهمال الجانب العملي في تفعيل وزرع فكر التخطيط فينا وفي الناشئة والأجيال القادمة. فعلينا أن نعي جميعاً أن مسقبل بلدنا ليس في مواردها الطبيعية بل في مواردها البشرية والتي يعوّل عليها الكثير. فأطفال اليوم هم قادة الغد وعلينا أن نؤهلهم بكل ما تحمله كلمة "تأهيل" من معنى لحمل الراية وتحمل المسؤولية بمنهجية علمية بما يضمن توظيفهم الصحيح في المستقبل وإستغلالهم الأمثل لمقومات البلد الإقتصادية. فلا يكفي أن نعلم بأهمية التخطيط بل علينا أن نبدأ بالتجربة عن طريق تخصيص بعض الوقت والجهد للتخطيط لجميع أو بعض جوانب حياتنا. فالساحة مليئة بالندوات والدورات والكتب المطبوعة والمواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت التي تفيدنا إما بشرح إستراتيجيات علم التخطيط أو بتوفير المعلومات المطلوبة قبل إتخاذ القرارات أو البدأ بأي مشروع، عندها فقط سنبدأ بالتلذذ بحلاوة نتائج التخطيط. يقول الخبراء أن ساعة من التخطيط ستوفر علينا أربع ساعات عند التنفيذ، أذلك خير أم ثقافة مشي حالك؟

هناك تعليق واحد:

  1. لا يخفى علينا ما للتخطيط من اهمية كبرى باعتباره احد المفاتيح الأساسية في تحقيق الاهداف.فدائما علماء الادارة والمفكرين يؤكدون على مبدأ وهو لا بد من وجود رؤية واضحة تبدأ بتحديدالهدف وما بينهم التخطيط فالتخطيط هو الذي يقودنا الى تحقيق ذلك الهدف وبغياب هذا العامل فلن تستطيع ان تحقق حتى الربع من أهدافك.

    ردحذف