الاثنين، سبتمبر 19، 2011

أساسيات الثقافة أو ثقافة الأساسيات


ذكرنا في مقالة سابقة أن علينا اليوم جميعاً أن نسعى لمعرفة كل شيء عن شيء واحد في الحياة وهو ما يعرف بالتخصص العلمي أو الأدبي، كما يجب علينا أيضاً أن نتعلم شيئا واحدا على الأقل عن بقية الأشياء وهو ما نسميه اليوم أيضاً بالثقافة العامة. الظاهر أنه ومع تعدد التخصصات اليوم وتطور الحياة وتعقدها في بعض الأحيان أصبحت معرفتنا لشيء واحد فقط عن بعض الأشياء غير كافية وأن هناك حد أدنى للثقافة علينا جميعاً أن ندركه وأن نتعلمه وإلا نزلنا إلى درجة السذاجة والبلاهة. نعم أخواني القرّاء فكم هي عدد المرات في الحياة التي أحسستم فيها بالجهل وقلة المعرفة وبأنه قد تم استغلالكم في كثير من المواقف. انظر ماذا يفعل أغلب قائدي المركبات عند تعطل سياراتهم في الشارع والذي لا يتجاوز في أغلب الأحيان رفع غطاء المحرك وتأمل ما تحته بنظرة كلها حيرة وارتباك. الأمر الذي سيزداد سوءاً عند نقل السيارة إلى إحدى ورش العمل وسماعنا لقائمة التصليحات المطلوبة والتي عادةً ما نوافق عليها (مجبرين) رغم تشككنا في مصداقيتها، فكيف لنا ان نجادل دون معرفة. ولنتذكر عدد المرات التي زرنا فيها بعض المستشفيات أو المراكز الصحية وكيف أننا تقبلنا وصفة الطبيب من الأدوية بصدر رحب دون علمنا بمحتواها أو بأضرارها الجانبية. حتى أن بعض الأطباء والصيدلانيين أصبحوا لا يتكلمون معنا عن ماهية العلاج الموصوف إما لعلمهم بجهلنا أو ليأسهم من استيعابنا. ليس ذلك فحسب، فلنتأمل في العديد من أخطائنا وإخفاقاتنا الاجتماعية والاقتصادية. فكم من العلاقات الزوجية التي بدأت بأخطاء وانتهت بمشاكل ولا داعي للتفصيل. وانظر في بعض علاقاتنا الاجتماعية كطرق التهاني والتعازي والتي أثقلت في بعض الأحيان كاهل الناس اقتصادياً. فنراهم يسرفون في الصرف بحجة أن المجتمع يفرض عليهم ذلك .

أذكر أنني كنت في زيارة لأحد المرضى في احد مستشفياتنا في السلطنة والذي كان يعاني من مرض عضال أرقده الفراش لسنوات عديدة. جميعنا نعلم بأن زيارتنا للمريض يجب عليها ان تخفف عنه آهاته لا ان تزيد الطين بله. تفاجأت كيف كان اهل هذا المريض يزورونه بوجوه عابسة حزينة تشعر الصاحي بالمرض والكآبة فما بال المريض. ناهيك طبعاً عن التعليقات الحزينة المخيفة والتي تؤثر بشكل كبير على نفسية المريض وبالتالي في سرعة تعافيه. وانظر في اولئك الذين يتجاوزون التعليمات ويخبئون انواع الطعام ليعطوها للمريض، أو اولئك الذين لا يراعون حالة المريض الصحية فنراهم يطيلون البقاء عنده ويكثرون من الاحاديث الصاخبة وأولئك الذين يصرون على إيقاظ المريض للسلام عليه بحجة انه سيزعل ان لم يفعلوا متناسين القول الشهير «رحم الله من زار وخفف». كل ذلك في وادٍ ونسبة تزايد عدد المرضى بالسكري وارتفاع ضغط الدم في وادٍ آخر. الأمر الذي يأخذنا الى مستوى آخر من الثقافة وهي الثقافة الغذائية أو الصحية، فلننظر في أسلوب حياتنا وأنواع الأغذية التي نـأكل رغم علمنا أحيانا بضررها. الأمثلة كثيرة أخواني القرّاء وقد تختلف حدتها من شخص لآخر. ليس المقصود أننا جميعاً نفتقر لجميع انواع الثقافة، فهناك من الشباب من يستطيع إصلاح سيارته بنفسه وهناك من لا يستطيع تغيير مصباح صغير في بيته دون الاستعانه بكهربائي مختص. لذلك نرى كثيراً من الأيدي العاملة الوافدة اليوم باتت تتصيد قلة الثقافة والهمة عند الكثير منا لتحقيق مكاسب مادية كبيرة. فكم عدد الذين يهربون من أربابهم يومياً وكم عدد الوافدين الذين تعلموا انواع المهن كالسباكة واعمال الكهرباء والبناء البسيطة وغيرها بسبب حاجتنا لها أو بالأحرى قلة تثقفنا .

ليس المطلوب اخواني القرّاء أن نتخصص في كل أمور الحياة ولكن علينا النظر في نمط حياتنا واختيار الجوانب المهمة فيها. فهناك جوانب على الجميع معرفتها بشيء من التفصيل كالجانب الصحي مثلاً وهناك أمور تكفي معرفتنا لها بشيء من السطحية كالمناخ والفلك مثلا، إلا ان كانت طبعاً من ضمن نطاق عملنا. كما ان هناك اساسيات يجب علينا تعلمها عند احساسنا بالحاجة اليها. فعلينا تعلم بعض أساسيات صيانة السيارة قبل شراء واحدة أو مع شروعنا في الحصول على رخصة قيادة، وعلينا تعلم اساسيات تربية الأبناء قبل الزواج وقيسوا على ذلك. وعلينا جميعاً أن نعلم بأن الوقت ليس متأخرا لتدارك ما فاتنا مهما طال بنا العمر. فمع التخطيط السليم وعلو الهمة، يمكن لنا أن نخصص أوقاتاً لنتدارس ما ينقصنا من أساسيات الثقافة، عندها فقط نستطيع ان نكتسب ثقافة الأساسيات.

هناك تعليق واحد:

  1. ثقافة الاساسيات ام اساسيات الثقافة كلاهما مهم بالنسبة للمرء. وهذا ربما يدخل فيما يعرف ب "الخصخصة". فهناك من يشجع على هذا المبدأ وهناك من ينادي بأن على الانسان المتخصص عليه ان يكون ايضا ملما بالامور الاخرى خارج تخصصه أي يأخذ من كل بستان زهرة.من وجهة نظري القاصرة بأن يجب علينا أن نكب على دراسة تخصصنا حتى نبدع فيه ويكون لنا شأن وفي نفس الوقت يجب أن لا نحرم أنفسنا من تلقي المعرفةفي المجالات الاخرى حتى نرقى ونرتقي بفكرنا. فاليوم أرى بأن المرء ينُظر الى فكره ومدى انطلاق أفكاره ولا ينُظر الى منصبه او ماله.

    ردحذف