إنتشرت موضة الشبكات الإجتماعية بين الناس هذه الأيام وأصبح أحدنا لا يستطيع تخيل يومه دون قضاء بعض الوقت على الفيسبوك (Facebook) أو تويتر (Twitter) أو غيرها من الشبكات الإجتماعية. ليس ذلك فحسب فربما كان من أكثر أسباب إنتشار وإزدهار الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية هو شغف الناس بمثل هذه المواقع الإلكترونية ورغبتهم بالدخول إليها من كل مكان وفي كل زمان. فهي تعتبر للكثيرين من الناس متنفساً مريحاً بعيداً عن هموم الحياة الواقعية. تابعت قبل عدة اسابيع تقريراً في أحد الفضائيات الإخبارية عن دور الشبكات الإجتماعية في (علاج) بعض الأمراض النفسية التي يعاني منها بعض الأشخاص. يقول التقرير أن بإمكان هذه المواقع التخفيف على من يعانون بعض الإضطرابات النفسية في حياتهم الطبيعية كالإحساس بالفشل أو الشعور بالنقص لعدم قدرتهم على تحقيق أحلامهم أو بسبب تعرضهم لأنواع الإضطهاد ومشاكل الفراغ التي يقع فيها بعض الناس في أوقات الإجازة وعند بلوغهم سن التقاعد وماشابها من المصاعب النفسية. فهناك من وجد مثلاً في موقع سكند لايف (Second Life) متنفساً يستطيع من خلاله بناء الحياة الإفتراضية التي طالما تمنى أن يستطيع الحصول عليها، ليس ذلك فحسب فهناك أطباء بدأو بالفعل في إستخدام مثل هذه المواقع لعلاج مرضاهم. وهناك أيضاً من يجد في الفيسبوك متنفساً للتواصل مع الأصدقاء القدماء والتعرف على آخرين جدد لتبادل الأخبار اليومية والخبرات المكتسبة بعد سنين طويلة من العمل، وقيسوا على ذلك. كل ذلك مما يجعلنا نتعلق أكثر وأكثر بمثل هذه المواقع الإلكترونية والتي هي في تزايد مستمر كماً وكيفاً. حتى باتت كبرى شركات التقنية ومختلف الجمعيات والمؤسسات الأهلية والتجارية وربما في المستقبل نجد الدوائر الحكومية تسعى لتطوير مواقع إجتماعية خاصة بها. قد لا يجد أحدنا بأساً في كل ما سبق خصوصاً إذا ما إنتهجنا الوسطية عند الاستخدام. المشكلة الأهم هنا والتي تخفى على كثير منا هي الخصوصية المنتهكة في مثل هذه المواقع وعواقبها طويلة الأمد.
جميعنا نعلم أن تفكير الإنسان منا وجديته في الحياة تتطور بمرور السنين وبالمستوى التعليمي والثقافي والتربوي الذي يستطيع الحصول عليه. لذلك نرى الكثير من الشبكات الإلكترونية لا تسمح للقاصرين وهم من دون الثامنة عشر بالتسجيل لعدم ملائمة بعض أنواع المحتوى الإلكتروني في هذه المواقع مع هذه الشريحة من المجتمع، ناهيك طبعاً عن أنواع المضايقات التي بدأت تظهر مؤخراً. طبعاً قدرة هذه المواقع (التجارية) على تمييز القاصرين من سواهم تعتبر محدودة جداً والتي لا تتجاوز في كثير من الأحوال الموافقة على شروط هذا الموقع الذي يشترط عدم دخول القاصرين. ليس ذلك في الحقيقة إلا بمثابة حماية قانونية للموقع من المسائلات القضائية التي قد تلاحقه عند وقوع (الساس في الراس). فهناك سلبيات كثيرة لهذه المواقع تبدأ بوجود الكثير من الأفكار والصور وملفات الفيديو التي قد تخالف ديننا الحنيف وعاداتنا الأصيلة وثقافتنا المتينة. أظف إلى ذلك العديد من المضايقات الشخصية والنفسية والتحرشات الجنسية التي قد يتعرض لها الفرد في مثل هذه المواقع. كل ذلك يشكل منظومة تهدد فكر أطفال اليوم والذين يعوّل عليهم ليكونوا رجال ونساء الغد لبناء المجتمعات البناء السليم المتوازن بدون إفراط أو تفريط.
في مقالة نشرتها مجلة الحاسوب الأمريكية (PC Magazine) هذا الشهر للكاتب جون دفوراك (John Dvorak) بعنوان "ديمومة النشر الإلكتروني" تطرق فيها الكاتب إلى نقطة مهمة قد لا ينتبه لها الكثير منا وهي أن المحتوى الإلكتروني الذي يكتبه مستخدمي الإنترنت في عصر الويب الثاني يصعب تغييره أو حذفه خصوصاً إذا ما تم نشره من خلال مواقع الشبكات الإجتماعية الإلكترونية. قد تبدو الفكرة بسيطة ولكن عند التأمل فيها نجد أن لها عواقب وخيمة في الأمد البعيد خصوصاً مع تزايد عدد القاصرين من مستخدمي هذه المواقع الإلكترونية كما أسلفنا. فكل ما ننشر أخواني القرّاء في مثل هذه المواقع سيتم تخزينه في خادمات (Servers) هذه المواقع لمدة قد تصل إلى عشرين سنة مع قدرة المستخدمين الآخرين على حفظ وطبع ونشر هذه الأفكار أو الصور أو الفيديو بكل ما تحويه من خصوصية. أظف إلى ذلك أن ما نعتقد انه مناسب اليوم لنشره بين الأصدقاء والآخرين قد نشعر بالخزي والعار منه في المستقبل. فهناك الكثير ممن ينشرون صوراً لهم في وضعيات وملابس قد يعتقدون حالياً انها مضحكة ولكنها ستلاحقهم وتلاحق أبنائهم في المستقبل. فلا يدري أحدنا ما يخفي له القدر في المستقبل، فقد يتم تعيينك في مركز مرموق أو ربما ستقرر تغيير فكرك وتوجهك العقائدي أو الأخلاقي (من الأسوأ إلى الأفضل مثلاً) وغيرها من التغييرات التي قد تطرأ على حياتنا مما يجعلنا نتمنى أننا لم ننشر أو نكتب ذلك المحتوى الإلكتروني. أظف إلى ذلك وجود بعض التقنيات الجديدة (التي قد تزيد الطين بلة) كخدمة التعرف على الوجه (Face Recognition) من موقع فيسبوك مثلاً والتي يمكن لها التعرف على الوجوه المختلفة في أي صورة يتم نشرها في الموقع. فلربما إلتقط أحد المستخدمين صورة له في مكان عام (مشبوه) ولسوء حظك كنت في ذلك الموقع أو كنت من أحد المارة. عندها سيستطيع موقع فيسبوك تمييزك من الحشد إذا ما قرر صاحب الصورة نشرها. لذلك نصيحتي لكم أخواني وأخواتي القرّاء أن نستمتع بهذه المواقع بشكل متوازن وعلينا أن نراقب أطفالنا ونرشدهم إلى الإستخدام الأمثل ونحذرهم من عواقب النشر طويلة الأمد، فلا يكتب أحدنا إلا ما يسره أن يراه في صحيفته يوم القيامة، وكل عام وأنتم بخير بمناسبة حلول الشهر الفضيل.