الاثنين، ديسمبر 23، 2013

البيانات الضخمة وفرص استغلالها في السلطنة


ما هي إلا أشهر أو سنوات معدودة وستواجه بعض مؤسساتنا الحكومية والخاصة معضلة التعامل مع البيانات الإلكترونية الضخمة، هذا إن لم تكن بدأت بالفعل بمواجهة هذه المعضلة اليوم. فقد أشارت دراسة أجرتها شركة (IBM) الأمريكية إلى أن العالم ينتج ما مقداره اثنان ونص اكسابايت من البيانات الإلكترونية يوميا، والاكسابايت يساوي تقريبا مليار جيجابايت من البيانات. كل هذا الكم الهائل من البيانات التي تحتاج لتجميع وتخزين وصيانة ومعالجة مما يكلف المؤسسات مصادر باهظة قد لا تتوفر لأكثرها في بعض الأحيان. انظر مثلا إلى قطاع البيع بالتجزئة كمحلات اللولو وكارفور في السلطنة وتخيل معي حجم البيانات التي تسجل يوميا من بيع وشراء وعمليات داخلية بين الموظفين وأخرى مع الموردين وحساب الأرباح والمصاريف وسداد رواتب الموظفين وحساب العلاوات وإصدار التقارير الدورية ومتابعة أخبار المنافسين وتحليل الأحوال الاقتصادية في الدول ومراجعة خطط التطوير والهيكلة ومتابعة تنفيذ المشروعات وغيرها. ناهيك طبعا عن عالم الإنترنت والشبكات الاجتماعية والذي اجبر المؤسسات على جمع وتحليل البيانات الإلكترونية التي تحدث في مواقعها الإلكترونية وجميع مواقع الشبكات الاجتماعية مما زاد الطين بللا. لا يقتصر هذا على القطاع الخاص، فمؤسساتنا الحكومية تجمع وتنتج من البيانات كما كبيرا سنويا أيضا كوزارة التربية والتعليم مثلا وبيانات الطلبة والمعلمين، ووزارة الصحة ممثلة في بيانات المرضى والعلاج، ووزارة القوى العاملة في بيانات العمالة الوطنية والوافدة في القطاع الخاص وجهاتنا الأمنية كالشرطة مثلا وبيانات الحوادث بأنواعها والمخالفات والأحوال المدنية. كل هذه البيانات القابلة للدمج والتكامل والتضاعف بشكل يومي، فما هي إلا سنوات بسيطة وسنبدأ بصرف الكثير من الأموال لمجاراة التكاثر الكبير في حجم البيانات المخزنة ربما بدون أدنى فكرة عن كيفية استغلالها للصالح الخاص والعام، فهلا وضعنا اليوم استراتيجية لكيفية التعامل مع هذه البيانات الضخمة بما يخدم التنمية في البلاد؟

اختلف الباحثون والمختصون في تحديد حد أدنى للبيانات إذا ما تجاوزته المؤسسة فقد دخلت بذلك نطاق البيانات الضخمة، فالأمر مرهون بقدرات المؤسسة على جمع وإدارة ومعالجة وصيانة البيانات الإلكترونية. فهناك من الشركات أو المؤسسات التي قد لا تستشعر المعضلة قبل أن يصل حجم بياناتها إلى مئات التيرابايت وهناك أخرى قد تبدأ بمواجهة الكثير من التحديات مع بضع جيجابايت من البيانات. بغض النظر عن حجم البيانات، فالإجماع هنا على أهمية استغلال هذه البيانات بما يرجع بالفائدة على المؤسسة أو الدولة لتبرير المصادر التي تصرف على نظم المعلومات التى تُعنى بهذه البيانات. فما فائدة هذه البيانات التي تخزن يوميا إن لم تكن لدينا خطة واستراتيجية لاستغلالها؟ انظر مثلا كيف ساهمت البيانات الضخمة في إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في عام ٢٠١٢ ليس فقط باستغلال مواقع الشبكات الاجتماعية للحملات الدعائية وتحليل آراء المشاركين، بل أيضا من خلال ألإعلان عن مبادرة الحكومة الفيدرالية الأمريكية للبحث والتطوير في قطاع البيانات الضخمة وتعميمها على مختلف المؤسسات الفيدرالية الأمريكية. الأمر الذي هدف ليس فقط لخدمة المؤسسات الحكومية فحسب بل أيضا لدعم قطاعات التعليم والأمن والصحة والهندسة بتوفير المعرفة الصحيحة بأحوال الناس وتوجهاتهم واستقراء نمطية العمل في المستقبل بعد تحليل الماضي.


من المهم اليوم في السلطنة أن نعي أهمية البيانات الضخمة وما توفره من فرص معرفية نستطيع أن نبني عليها استراتيجياتنا ومشروعاتنا واستثماراتنا في المستقبل. لا ينحصر الموضوع بطرق جمعها وتحليلها فقط بل يتعداه لوضع استراتيجية وطنية شاملة للبيانات الضخمة تُعنى بوضع خطة مدعومة بشكل رسمي وقانوني لدمج بيانات المؤسسات الحكومية والخاصة على سواء وفق ضوابط وآلية محددة. ليس بالضرورة أن تشارك المؤسسات بجميع بياناتها ولكن علينا أن نحدد البيانات الأساسية الواجب مشاركتها من اجل الصالح العام مع وضع القوانين التي تحفظ سرية وخصوصية بيانات الأفراد. أضف إلى ذلك مشاركة القطاع الخاص بمختلف مؤسساته في هذه المنظومة متى ما اقتضت الحاجة، فالقانون الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية يفرض على جميع الشركات العاملة بها مشاركة بياناتها خصوصا تلك الخاصة بالزبائن والموردين عندما تثار قضايا الأمن الوطني مثلا. وعليه فمتى ما توفرت هذه الاستراتيجية الوطنية وبدأنا في تنفيذها في السلطنة، سنستطيع أن نفهم ونتعلم مما مضى باستخدام تقنيات تعدين البيانات وسبل التخزين الحديثة لدعم قرارات المسؤولين باختلاف تخصصاتهم. سنتمكن مثلا وبشكل علمي من تحليل الفئات العمرية لمرتكبي الجرائم أو الحوادث المرورية باختلافها والعوامل المحيطة بها، أو مسببات تسرب الطلبة من المدارس وتدهور مستويات بعضهم، أو استقراء العوامل الاجتماعية والديمغرافية المحيطة بأكثر أنواع الأمراض انتشارا في البلاد وغيرها من المعلومات التي يصعب التكهن بها اليوم. لذلك فمن الأهمية بمكان اليوم أن نعطي للتقنية بعدا استراتيجيا في التخطيط والعمل فلم تعد عاملا مساعدا كما كان، وبدلا من أن ننتظر التفاعل مع البيانات الضخمة عندما نبدأ بتحسس تحدياتها، فهلا اصبحنا استباقيين في التحضير والتخطيط لها؟

الاثنين، ديسمبر 16، 2013

عملة ال BitCoin ومستقبل النقود الافتراضية


لا يعلم معظمنا بأن هناك ملايين من الأموال تتداول اليوم بين الناس لا تنتمي لأي دولة ولا يدعمها وينظمها ويطبعها أي بنك مركزي ولا تخضع لسياسات دول ولا تتأثر إلا لقانون الثقة بين المتعاملين وسمعة التعاملات. عملة البيتكوين (BitCoin) هي من اكثر النقود الافتراضية انتشارا اليوم وأكثرها جدلا أيضا وأصبح بالإمكان الحصول عليها ليس فقط من خلال تعاملات البيع والشراء ولكن أيضا عن طريق التعدين والبحث عنها كبحثنا عن المعادن الثمينة في الأرض. الأمر الذي قد يعود بنا (بل عاد بنا بالفعل) إلى القرن التاسع عشر وعصر البحث عن الذهب الذي شهد هجرة الكثير من العمال والباحثين عن الثروة في دول كأستراليا والبرازيل وأمريكا. فاليوم هناك العديد من المهاجرين لتعدين هذه العملة (باختلاف الأسلوب طبعا) حتى إن بعض الشركات تخطت البحث إلى تطوير أجهزة تقنية غالية الثمن متخصصة في تعدين ما بقي من عملة البيتكوين كشركة (KnCMiner) التي صنعت مؤخرا جهازا أطلقت عليه اسم جوبتر قادر على تعدين عملة بت الافتراضية بسرعة اكبر بمائة مرة من منافسيها. ليس ذلك فحسب، فمخترع العملة (غير المعروف) قد حدد سقف مجموع عملات البيتكوين الممكن تعدينها بـ٢١ مليون اكتشف منها إلى اليوم تقريبا ١١ مليون مما يزيد من حدة ووطيس مهمة البحث والتنقيب قبل نفاد الكمية. قد يبدو كل ما سبق ضربا من الخيال في هذا العصر المادي الذي لا يؤمن إلا بلغة العلم والمنطق، فكيف يمكن لنا أن نثق بمثل هذه النقود الافتراضية وما هي حقيقتها أصلا؟ وكيف يمكن لعملة أن ترتفع قيمتها السوقية من دولار إلى ١٢٠٠ دولار وتنخفض إلى ٧٠ دولارا في غضون أيام وساعات معدودة؟ مرحبا بكم إخواني وأخواتي القراء إلى عالم البيتكوين والنقود الافتراضية.

بداية دعونا نتعرف على هذه العملة بشيء من الشرح المختصر دون التطرق إلى مصطلحات تقنية صعبة. بدأت فكرة هذه العملة في عام ٢٠٠٨ و٢٠٠٩ عن طريق مبرمج مجهول اطلق على نفسه اسم ساتوشي ناكاموتو والذي اقترح تطوير هذه العملة الافتراضية بهدف تغيير عالم الأموال المعهود إلى عملة جديدة تحفظ خصوصية البائع والمشتري بحيث لا تتحكم بها البنوك والحكومات ولا يمكن تتبعها من خلال أرقام تسلسلية كحال بقية العملات. يتم التعامل بهذه العملة من خلال بروتوكول الند بالند (peer to peer) وتقنيات التشفير الحديثة والذي يهدف لتقليل النسبة المفروضة على التعاملات الإلكترونية من قبل بعض الأطراف كشركات بطاقات الائتمان. فهي اليوم عملة لا توجد إلا في الإنترنت غالبا حيث إن هناك من المتحمسين من بدأ بطباعتها، ومن خلال المحافظ الإلكترونية وأصبح اكثر متداوليها هم مضاربو العملات. لا يمكن شراء الكثير عن طريقها بسبب إحجام وتخوف الشركات منها ولكن هناك شركات ودول بدأت بالاعتراف بها كالولايات المتحدة وألمانيا مثلا وشركة وورد برس (WordPress) والشركة الصينية بيدو (Baidu). وأصبح اليوم بالإمكان شراء هذه العملة من بعض المواقع مقابل بعض العملات العالمية أو محاولة تعدينها وهي عملية فنية صعبة تتبع عملية رياضية يحتاج من خلالها الباحث إلى أجهزة حواسيب وبرنامج خاص لحلها. يكافأ كل من يحل هذه العملية بمجموعة من عملات البيتكوين وبمسألة حسابية أخرى تزداد صعوبة بزيادة الباحثين وزيادة الحلول المكتشفة. الهدف هنا هو في السيطرة على نسبة نمو أو تضخم العملة بشكل قابل للتنبؤ وحتى يتم اكتشاف كامل عملات البيتكوين بحلول عام ٢١٤٠ كما أراد ذلك مبرمجها ساتوشي.



تقدر القيمة السوقية لما تم اكتشافه من البيتكوين اليوم ما يقارب من ١.٠٤ مليار دولار بحسب موقع بيتكوين شارتس (BitcoinCharts). فقد وصل أعلى سعر لها في نوفمبر الماضي محققا قيمة ١٢٠٠ دولار فقط ليهوي إلى نصف هذه القيمة بعد إعلان الصين عدم دعمها للعملة وتوجيه مؤسساتها المالية بعدم تقبل معاملاتها. الأمر الذي يؤكد على المستوى المتذبذب للعملة مما قد يشجع المحتالين في استغلال ذلك عن طريق مواقع وهمية لتبادل العملة يقومون بمحاكاة شن هجوم إلكتروني عليها لأحداث فزع بين المتعاملين مما يؤثر سلبا في قيمة العملة فيقومون بشرائها بأرخص الأثمان ومن ثم بيعها بعد أن تعود القيمة إلى الارتفاع. ليس ذلك فحسب، فالخصوصية التي توفرها هذه العملة جعلتها مقصدا لعمليات غسيل الأموال وبيع المنتجات المسروقة والممنوعة كالمخدرات بحيث لا يمكن للجهات الأمنية تتبع مصدر العملة. كل ذلك وأكثر مما يتم التركيز عليه حاليا في وسائل الإعلام، ولكن لا يزال مستغربا إلى الآن هو عدم معرفة مخترع هذه العملة وسبب تخفيه وراء اسم مستعار. لماذا يا ترى لا يريد صاحب هذا الابتكار أي حقوق مادية أو معنوية خصوصا مع انتشارها ورواجها اليوم؟ هناك من يظن بأنهم مجموعة من المبرمجين وهناك من يقول إن شركات تقنية كبيرة تقف خلف هذا الإنجاز لأسباب قد لا تكون معلومة لنا اليوم. بغض النظر عن الجهة التي تقف خلف هذه العملة، اعتقد من المهم أن نكتشف سبب التخفي والفائدة المرجوة وغير المعلومة من هذا الإنجاز.

الاثنين، ديسمبر 02، 2013

النجاح فكرة


في خضم سعي الحكومة لتشجيع شريحة كبيرة من الشباب والباحثين عن عمل لتبني الأعمال الخاصة والاعتماد على النفس، نجد عزوفا ملحوظا من شبابنا ليس فقط في بدء أعمالهم الخاصة بل حتى في التفكر في هذا الشأن كأحد أفضل خيارات العمل اليوم والكسب الحلال. نعم هناك أمثلة عديدة ناجحة نراها هنا وهناك ويظهرها إعلامنا بين الحين والآخر ولكن هؤلاء لا يشكلون الا نسبة بسيطة إذا ما أخذنا في الاعتبار الأعداد الكبيرة من الباحثين عن عمل والتسهيلات المتاحة وغير المستغلة من الدولة. في حديثي المستمر مع طلبة الجامعة للأسف أجد أن أغلبهم لا يعلم بهذه التسهيلات رغم الحملات التوعوية في هذا الشأن والتي لا تتجاوز الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة. للأسف لا يتأتى لطلبتنا وللكثيرين متابعة هذه الوسائل لانشغالهم بأعمالهم العلمية أو العملية من جهة وإقبالهم الكبير أيضا على الوسائل الإعلامية الحديثة كوسائل التواصل الاجتماعي من جهة أخرى، ناهيك طبعا عن عدد من الملهيات التي تحول دون اهتمامهم بالموضوع أصلا. لا ننسى كذلك هيمنة ثقافة الوظيفة على أبنائنا وعدم رغبتهم في تقبل مبدأ المخاطرة خصوصا وهم في بداية حياتهم الوظيفية. ليس ذلك فحسب، فحتى الشريحة التي قد ترغب في بدء أعمالها الخاصة قد تتردد وتتخوف بسبب عدم امتلاكها لأساسيات الإدارة والتخطيط وأعمال المحاسبة والتسويق وهنا يأتي دور الدعم الحكومي الذي يجب أن يتخطى الجانب المادي ليوفر خدمات تدريبية واستشارية لهذه الفئة في الجوانب التي يفتقرونها. ولكن ما فائدة الدعم الحكومي هذا والفئة المستهدفة لا تعلم أو لا ترغب باستغلاله؟

تعتبر تسهيلات برنامج ساس في هيئة تقنية المعلومات من التسهيلات الجيدة المتاحة للمجيدين في مجالات نظم وتقنية المعلومات. طلب مني مؤخرا أن أشرف على شركتين عاملتين في هذا البرنامج ووجدت أن أكبر تحديات المشاركين تنحصر في التدريب والاستشارات، فمعظمهم يتصفون بمهارات جيدة جدا ولكنها لا تتعدى جانب التطوير التقني دون دراية بمبادئ الإدارة والتخطيط والتطوير ناهيك عن أسس وطرق توزيع حصص الأرباح ودراسة الجدوى. ليس ذلك فحسب، فهناك إشكالية لدى الكثيرين في الإتيان بأفكار جديدة بدلا من انتهاج أفكار الغير. فمن الملاحظ أن معظم الشركات الصغيرة وبعض الشركات المتوسطة في السلطنة تبدأ بأفكار مستهلكة قد تكون ناجحة في شركات أخرى بحكم الأقدمية ولكن هذا يضع الشركات الناشئة أمام منافسة سوقية قوية في بيئة مليئة بزحمة خانقة. انظر مثلا إلى قطاع معاهد التدريب الإداري وما أكثرها ومقاهي الشاي الكرك وكيف انتشرت ومحلات الحلاقة وتلميع السيارات والمطاعم وغيرها مما نراها تنتشر بشكل كبير. حتى أنني سألت الطلبة أكثر من مرة في محاضرات عامة في الجامعة عن نوعية الأعمال الأنجح في السلطنة برأس مال صغير، فكانت إجابتهم وبشكل أقرب للإجماع مطعم أو مغسلة سيارات. لا اعترض هنا على تبني هذه النوعية من الأعمال، ولكن أدعو إلى البحث عن أفكار جديدة ابداعية يستطيع من خلالها شبابنا أن يحققوا مئات الآلاف من الريالات في مدة زمنية قصيرة، فالنجاح في قطاع الأعمال اليوم أصبح مرهونا بالفكرة ولنا في أشهر مواقع التواصل الاجتماعي عبرة. لذلك أرى أن من أكبر تحديات شبابنا اليوم ليس في التوعية بقدر ما هو في الإتيان بأفكار جديدة إبداعية بعيدا عن زحمة الأعمال المعهودة، ولكن كيف يتأتى لهم ذلك ونحن نربيهم بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتباس والاقتداء بدلا من الإبداع والابتكار؟




نشرت مجلة هارفارد بيزنس ريفيو (HBR) هذا الأسبوع مقالة قام فيها الكاتب بدراسة أنجح الشركات الناشئة لاستخلاص الأسباب والعوامل التي سهلت على مؤسس الشركة اختيار فكرة العمل، كأمثال شركة فيسبوك وتويتر ولينكدن وغيرها من الشركات الناشئة التي استطاعت في مدة قصيرة تكوين ثروة تقدر بملايين الدولارات. فكان حصيلة هذه الدراسة استنتاج خمسة مصادر للأفكار يمكن أن تلهم شبابنا اليوم ببعض الأعمال التجارية الابداعية الناجحة بدلا من ثقافة التقليد المنتشرة. من أهم هذه المصادر هي مشاكل وتحديات الحياة التي عاشها ويعيشها الإنسان فلربما كانت مدخلا في إيجاد حل عملي يتم تطويره بشكل تجاري. المبدأ هنا أن نتفكر في اكثر التحديات التي واجهتنا في حياتنا ونضع في عين الاعتبار أنها قد واجهت كثيرين وربما ستواجه آخرين أيضا، فماذا نحن فاعلين؟ المصدر الثاني يتمثل في معارفنا المبدعين من أصحاب المهارات، فلربما يستطيع الإنسان مع بعض أصدقائه إنشاء شركة جديدة يكمل كل منهم الآخر كأن يكون لأحدهم فكرة تطوير برنامج في الهواتف الذكية ويحتاج من يساعده على البرمجة وآخر يقوم بالتسويق وهكذا. المصدر الثالث هو في مهارات الإنسان الشخصية والتي اكتسبها من الحياة كالخياطة والطهي والخطابة وغيرها مما قد تكون جوهرا لعمل تجاري يتفرد به الإنسان عن غيره بشكل جديد وفريد. أما المصدر الرابع فهو لأولئك الذي أمضوا سنوات طويلة في العمل الحكومي أو الخاص بحيث تمكنوا من اكتشاف حاجة ماسة (فجوة) مهملة للزبائن أو المراجعين أو الموردين يستطيعون من خلالها تكوين عمل تجاري لردم هذه الفجوة. وأخيرا المصدر الخامس الذي يتمثل في إجراء البحوث والدراسات عن أفضل وأجدّ الأفكار المتاحة في السوق الإقليمي والعالمي اليوم واختيار الأنسب حسب الواقع المحلي وربما محاولة تعديل وتغيير بعض الجوانب لتتناسب بشكل أفضل مع شرائح المجتمع المحلي. كل ذلك من مصادر الأفكار التي قد تعطينا فكرة جديدة تحتاج منا أولا وأخيرا إلى عزيمة وهمة لاستغلال التسهيلات الحكومية وشيء من الجرأة والصبر لتحقيق المكاسب بشكل أكبر حتى نثري اقتصادنا العماني ليس كما فقط بل كيفا ونوعا.


الخميس، نوفمبر 07، 2013

المكافآت في العمل الحكومي

 
تحدثنا في مقالة سابقة عن أهمية مبدأ الثواب والعقاب لتحسين الإنتاجية والكفاءة في العمل بما يحفز المجيدين لزيادة العطاء ويحذر في الوقت ذاته من التهاون والتساهل في إتمام مهام العمل. للأسف تفتقر معظم دوائرنا الحكومية من الاستغلال الأمثل لهذه السياسة فتارة نجد تهاونا في التعامل مع الأخطاء مما ينتج عنه تسيب واضح لدى الكثير من الموظفين ربما لضعف قوانين المحاسبة إجمالا، وتارة أخرى نجد من يعمل بجد واجتهاد ويتساوى في النهاية مع باقي الموظفين الأقل اجتهادا. لذلك أصبح من الطبيعي أن تتساوى نتائج تقييم أداء الموظفين نهاية العام في بعض دوائرنا الحكومية مما جعل من غير الإنصاف أحيانا أن يقوم المسؤول بتقييم عادل لبعض الموظفين في الوقت الذي يُعطي بقية المسؤولين المتساهلين نتائج ممتازة للباقين دون أدنى جهد منهم. ليس ذلك فحسب، فمن الملاحظ أيضا شيوع ظاهرة توقع العمل المجاني من الموظفين العمانيين بين الكثير من المسؤولين. ففي الوقت الذي قد يُدفع للأجنبي (في ظل وجود البديل العماني) آلاف الريالات نظير تقديم استشارات معينة أو دورة تدريبية، نجد ان المسؤولين يتوقعون من العمانيين أن يقوموا بنفس الأعمال بالمجان وهي أصلا خارج نطاق أعمالهم. فكم هي المرات التي ساهم فيها العديد من الموظفين العمانيين في أعمال تقع خارج مسؤولياتهم الوظيفية ولم يروا بعدها جزاءً أو شكورا وكم من المرات التي هُمش فيها دور العماني في لجان او مجموعات داخل عمل بسبب ثقة المسؤولين الزائدة ببيوت الخبرة أو بالشركات الاستشارية؟ أليس من حق العماني أن يكافأ إن أنجز بكفاءة عملا لا يندرج تحت مسؤولياته؟ ما بالنا ندفع بسخاء للأجنبي ونتردد ونبخس العماني حقه عند تساويهما في الخبرة والمعرفة ولربما أجاد العماني بسبب معرفته الأكبر بالواقع العماني.

يخبرني أحد العاملين في الوزارات بأنه عمل في لجنة وزارية لدراسة قضية معينة لمدة سنة كاملة، وحين شارفت اللجنة على إنهاء الدراسة ورفع تقريرها للمسؤولين تفاجأت بقرار وزاري يقضي بالاستعانة بشركة خارجية للقيام بالعمل ذاته. فما كان من الشركة هذه إلا أن التقت بأعضاء اللجنة واستفادت من جهودهم واستخدمت التقرير المزمع رفعه بعد إضافة القليل من التحسينات البسيطة وقدمته للمسؤولين لتفوز بعشرات الآلاف من الريالات ولم يحظ أعضاء اللجنة بأي شيء. وفي مؤتمر دولي قامت به إحدى الوزارات هذا العام، تم الاتفاق مسبقا بمكافأة المحاضرين العمانيين وغير العمانيين بمبلغ مالي جيد وما لبث أن تم الاعتراض داخل اللجنة المنظمة قبيل بدء المؤتمر بأيام معدودة عن سحب المكافآت عن العمانيين وجعلها خاصة فقط للأجانب لينتهي هذا الجدل الى تقليل حصة العماني بالمقارنة مع الأجنبي بمقدار الثلث تقريبا. القصص كثيرة في هذا الجانب.
إخواني القراء، فكم من المرات التي استعانت بعض الجهات الحكومية بأكاديميين في الجامعة لتنفيذ مشاريع معينة أو إجراء دراسات بحثية أو تطوير برمجيات مكتبية ولم يحصلوا بعدها حتى على رسالة شكر وتقدير، في الوقت الذي قد يكلف هذا العمل آلاف الريالات اذا ما تمت الاستعانة فيه بشركة خاصة لإتمامه.
 

لا ندعو هنا إلى تفشي الثقافة المادية البحتة بيننا بحيث نعمل من أجل الماديات فقط ولكن قليل من التقدير اليوم قد يغني عن الكثير من عمليات التحفيز والمراقبة لاحقا. فليس من المستغرب اليوم عزوف كثير من الكفاءات المحلية عن الانخراط في العمل المجتمعي وعدم تقبلها للوظائف العليا والأكثر مسؤولية عند تساوي العلاوات وانعدام المكافآت في جو العمل. ففي الوقت الذي ندعو فيه أنفسنا وغيرنا إلى تبني مبدأ العمل التطوعي من باب المساهمة في خدمة هذا الوطن الغالي، لا يمكن أن نهمل مبدأ الثواب والعقاب داخل المؤسسات بنوعيها العام والخاص. فالإحساس بالتهميش وعدم التقدير داخل العمل له ما له من سلبيات في قتل الإنتاجية وخفض الكفاءة والفاعلية في كثير من الأحيان. فإذا توفرت الأموال والميزانيات فليكن للعماني أولوية للحصول على المكافآت بالإضافة إلى الأجنبي أن احتجنا إليه، بدلا من العقلية التي تحاول استنزاف الطاقات المحلية بحجة أنهم يستلمون رواتب من الحكومة آخر الشهر. لا ندعو أيضا إلى التركيز على العمانيين فقط وإهمال الخبرات الدولية، فالمزيج الأفضل والأنفع للبلد والعمل هو في دمج موظفينا العمانيين مع هذه الخبرات الدولية لصقل مواهبهم ومعارفهم بما قد يحقق لنا الاكتفاء الذاتي مستقبلا. فالتحفيز الداخلي لدى الموظفين قد يفتر وينقص ان لم ندعمه بالقليل من التحفيزات الخارجية، فمن أجل عمان نعمل جميعا ومن أجل عمان أيضا علينا تقدير المجيد ومعاقبة المسيء والمهمل

الأحد، أكتوبر 13، 2013

جامعتي إلى أين؟

 
انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي قبل أسابيع معلومة تفيد بتراجع الأداء الاكاديمي أو الترتيب العالمي لجامعة السلطان قابوس بين جامعات العالم حسب تصنيف QS. فقد احتلت الجامعة هذا العام المركز ما بين ٥٠١ إلى ٥٥٠ في سلسلة من التراجعات منذ استقلالية هذا التصنيف العالمي في عام ٢٠١٠. فقد كان ترتيب الجامعة حسب نفس التصنيف في المركز ٣٧٧ في عام ٢٠١١ وبعد ذلك في المركز ما بين ٤٠١ و٤٥٠ في عام ٢٠١٢، مما يشير الى تراجع ملحوظ وحاد في الاداء الاكاديمي. طبعا يعتبر تصنيف QS من أفضل ثلاثة تصنيفات عالمية للجامعات بالإضافة الى تصنيف THE العالمي التابع للمجلة البريطانية تايمز للدراسات العليا وتصنيف ARWU أو ما يعرف بتصنيف شنغهاي. الملاحظ أيضاً اننا إذا بحثنا عن مركز الجامعة في التصنيفين الأخيرين لما وجدنا لها أي وجود خلال إصدارات الأعوام القليلة الماضية. والذي يعني بأن الجامعة لم تستطع ان تحتل أي مركز من المراكز الـ٥٠٠ في هذين التصنيفين والذي قد يعزى إما لقصور في المعلومات المتوفرة للمقيمين أو لان التقييم وضعها خارج نطاق أفضل الجامعات العالمية. طبعا من المهم بمكان أن نعلم بأن هناك الكثير من التكرار بين الجامعات في المراكز، فكوننا وضعنا في المركز بين ٥٠٠ الى ٥٥٠ لا يجعلنا هذا من بين افضل ٥٥٠ جامعة في العالم، فهل يا ترى يعكس هذا التقييم المستوى الحقيقي لجامعتنا الفتية، وماذا نحن فاعلون؟

 في البداية، من المهم بمكان ان نبحث في منهجيات التقييم التي تتبعها هذه التصنيفات العالمية في تقييم الاداء الاكاديمي للجامعات، الأمر الذي يختلف بطبيعة الحال بين تصنيف وآخر. فإذا نظرنا الى تصنيف QS وهو الوحيد الذي صنف الجامعة نجد له خمسة معايير أساسية يعطى لكل منها ثقل معين لحساب التقييم العام لكل جامعة، فهو يعتمد بنسبة ٤٠٪ على رأي ومعرفة أشهر الاكاديميين حول العالم بالجامعات الخاضعة للتقييم، بحيث توزع استبانات لآلاف الاكاديميين لاستشفاف آرائهم حول أهم وأفضل الجامعات كل في مجال تخصصه. يتم التواصل مع هؤلاء الأكاديميين عن طريق شراء بعض قواعد البيانات المتوفرة من بعض الشركات المختصة في جمع البيانات. اما العامل الثاني والذي يشكل نسبة ٢٠٪ فيهدف الى تقييم نسبة المدرسين في كل جامعة الى نسبة الطلبة لقياس حجم مسؤوليات المدرسين التدريسية وجودة العملية التعليمية. ويعطي التصنيف نسبة ٢٠٪ أيضاً لعامل البحث العلمي في الجامعات عن طريق حساب نسبة البحوث المنشورة عالميا في كل جامعة الى عدد الاكاديميين الموجودين فيها كمؤشر على الإنتاجية البحثية للجامعات. أما العاملان الرابع والخامس واللذان يشكل كل منهما ١٠٪ من التقييم العام لكل جامعة، فيعنى أحدهما برأي ورضا جهات العمل التي تستوعب خريجي هذه الجامعات بمخرجات هذه الجامعات على المستويين المحلي والدولي اما العامل الآخر فيركز على قدرة الجامعة في استقطاب الموظفين والطلبة من مختلف انحاء العالم كمؤشر على حسن أو سوء سمعة الجامعة دولياً.
 

بالرغم من الجدل المثار حول ملاءمة ومهنية هذه العوامل في تقييم الجامعات الا انها تعطي في النهاية مؤشراً عاماً للأداء يجب الاستفادة منه لمكافأة الناجحين والمجيدين من جهة حتى نضمن استمراريتهم، ولمحاولة الوقوف على الاخفاقات والتحديات التي تعوق جودة العملية التعليمية من جهة أخرى. من السهولة اليوم أن نحاول التلاعب بعوامل التقييم آنفة الذكر لتحسين ترتيبنا وتقييمنا العالمي كأن نسعى إلى ترويج وتسويق نشاطاتنا داخل الجامعة مثلا ونتاجنا البحثي بشكل دولي أكثر مما يستحق آو محاولة توفير العديد من منح الدراسة للعديد من الطلبة الدوليين واستقطاب الكثير ايضا من الاكاديميين من حول العالم فقط لغرض التصنيف وليس من منطلق تحسين الاجراءات والوصول الى الامتياز في جودة العمل. فما الترتيب العالمي الا مؤشراً للأداء يؤثر بشكل أكبر على الجامعات الخاصة التي تتأثر اقتصادياتها بتدني ترتيبها العالمي. اما جامعة السلطان قابوس فهي امل البلاد الاول في رفد جميع القطاعات الحيوية في السلطنة بالكفاءات النوعية المطلوبة في سوق العمل. وعلى ذلك فتراجع الاداء هذا من شأنه أن يؤثر ليس فقط على مخرجات اليوم، بل أيضاً على مسؤولي الغد وقادتهم ففاقد الشيء لا يعطيه. كوني من الجامعة أعلم بأنها تعاني حالها حال مجمل الجهاز الاداري في الدولة من ترهل وفتور في الاداء بشكل عام وهو ما تحدثت عنه في المقالة السابقة. لا يعني هذا بأننا نتهم الاداريين فقط بهذا التراجع، فهناك مقصرون في كل القطاعات والدوائر وهناك مخلصون ايضا ولكن صبرهم قد ينفذ، بل بدأ ينفذ بالفعل. استطيع القول إن محور اشكاليتنا في الجامعة هي في منظومة ادارية مترهلة يسيطر عليها الغث غالبا ويهمش فيها السمين وينقصها ارادة جادة نابعة من شجاعة وقناعة بأهمية التغيير وتوحيد الطاقات والجهود حول هدف محدد ومشترك، بدلا من ثقافة مشي حالك التي يؤول لها الحال بعد نفاد صبر المخلصين.

السبت، سبتمبر 14، 2013

الجهاز الاداري المترهل!



 
من أكثر ما يقلق صناع القرار في السلطنة اليوم هو تدني كفاءة العمل الحكومي وتخلف الجهاز الإداري للدولة والذي وصفه معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بالمترهل في اجتماعه بمجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية في وقت سابق. الحمد لله ان المشكلة أصبحت واضحة لدى المسؤولين فكما يقال بأن الاعتراف بالمشكلة هو بداية الحل ولكن ماذا نحن فاعلون؟ فسياسة التعمين والتوظيف الحالية لا زالت تصدر مختلف أنواع الكوادر غير المؤهلة ليس فقط للقطاع الخاص بل أيضا وبنسبة أكبر للقطاع العام غير القابل للنمو مما ينذر بتكدس اكبر للموظفين. ومجتمع الشباب بشكل عام لازال في مرحلة المخاض من حيث القدرة والرغبة في الاعتماد على الذات وتبني المشاريع الصغيرة والعمل الخاص، ناهيك طبعا عن قصور دور الاسرة الملحوظ عموما في التوجيه والتربية. أما سياسة التدريب في المؤسسات الحكومية فما زالت تفتقر لاستراتيجية واضحة تشمل مختلف فئات العمل وفق رؤية واهداف تندرج وتوجه العمل المؤسسي. اضف الى ذلك الميزانية المخصصة للتدريب والتي بالاضافة الى محدوديتها فهي عادة ما تهدر على شكل برامج تدريبية أقرب للسياحة والاستجمام بدلا من السعي وراء المعرفة واحتياجات العمل. ليس ذلك فحسب، فنظام الحوافز والرواتب هو الآخر لازال يحابي الاقدمية في العمل بدلا من الاداء الوظيفي، ناهيك عن المحسوبية المنتشرة وحب الواسطة المذمومة واختلاف رواتب وعلاوات مختلف وحدات الجهاز الاداري للدولة رغم تساوي المسؤوليات والواجبات الوظيفية.

واذا تأملنا في نظام المحاسبة الإدارية نجده لايزال هو أيضا في بداياته ويعاني كغيره من تدني الكفاءة، حاله حال جهاز القضاء الذي يحتاج هو الآخر الى تدريب وتأهيل في مجالات مستجدة كالعمل الالكتروني وجرائم الانترنت الأمر الذي يؤكده مؤتمر التجارة الالكترونية الذي أقيم في صلالة الأسبوع الماضي والذي خلص الى ضرورة تدريب القضاة العمانيين في مجالات جديدة بما يتناسب مع مستجدات العصر. اما التعليم العام ومخرجاته فلا داعي بأن نعيد ونزيد فيه فبالرغم من الجهود المضنية التي تبذل الآن الا ان نتاجها لن يكون ذا أثر الا بعد عدة سنين وما علينا الآن الا ان نحاول سد هفوات أخطاء سابقة بدينا نجني ثمارها اليوم في تدني مستوى حملة الدبلوم العام. كل هذا وأكثر مما يساهم يوما بعد يوم في تعزيز سوء كفاءة الجهاز الاداري مما يكبد الدولة الكثير من الخسائر المادية ناهيك عن ابطاء عجلة التنمية. فماذا نتوقع من عقليات قديمة غير راغبة في التجديد تمتزج بمخرجات تعليم عام وعال تفتقر لمهارات العمل الحديث مع سياسة توظيف وتعمين تجبر مؤسسات الدولة الخاصة والعامة من استيعاب هذه المخرجات دون وجود آلية واضحة وموحدة للتدريب ليس فقط للمدخلات الجديدة بل وأيضا للقيادات القديمة مع ترهل نظام المحاسبة والقضاء بشكل عام؟

لا يوجد لدي شك في ان جميع ما تم ذكره هنا معلوم بشكل او بآخر لدى معظم المسؤولين وان المشكلة هي في إيجاد الحلول مع تعاظم القضايا وتعقيدات العمل البيني في ظل خلو الساحة من رؤية واضحة للبلد وسلطة عليا تعمل على تنفيذ هذه الرؤية وفق مبدأ الثواب والعقاب. للأسف لا يمكن وضع الحلول والإسراع بعمليات التنمية طالما اننا نركن دائما نحو الابتعاد عن مبدأ العقاب والثواب، فمن أمن العقوبة أساء الأدب. انظر مثلا الى نسبة حوادث السير والتي ما زالت تقلق الصغير والكبير وكيف اننا آثرنا ان ننأى عن رفع قيمة المخالفات المرورية أو وضع الإجراءات والقوانين الصارمة للتعامل مع المتهورين من جانب وتشجيع ومكافأة المجيدين منهم من جانب آخر. ماذا لو كانت مخالفة تجاوز السرعة القانونية هي مائة ريال بالإضافة الى عدد الكيلومترات الزائدة؟ وماذا لوكان هناك تسجيل وتأمين مجاني لكل من يخلو سجله من المخالفات لعام او عامين متتاليين؟ لا يمكن بأي حال من الأحوال ان نرتقي بأعمالنا ونضبط التجاوزات في العمل ونحن نؤثر الصمت أو نغض الطرف عن المخالفات مما يفتح الباب للتهاون والفساد في العمل. لا ادعو هنا للعنف والشدة بل الى العدل مع المخالفين لأنهم ببساطة تعدوا على حقوق العامة، والإحسان الى المجيدين بما يتناسب مع انجازاتهم. اضف الى ذلك ان علينا وكما ذكرت في مقالة سابقة ان نراجع سياسات التعمين والتوظيف والتدريب بما يخدم جودة العمل وان تطلب الامر ان نزج بخبرات وكفاءات اجنبية ليس فقط لاحداث النقلة النوعية المطلوبة، بل ايضا لاثراء خبرات الموظفين العمانيين بما يؤهلهم لاكتساب مهارات ومعرفة في جو العمل. أليس هذا ما يميز العمل في القطاع الخاص عن القطاع العام والذي افرز لنا كفاءات عمانية على مستوى عال من الفعالية ؟ الا نستطيع ان نتعلم اليوم من القطاع الخاص ما يخدمنا في تعزيز كفاءة العمل الحكومي، ام ان قرار التغيير والاصلاح يصبح صعبا اذا تعارض مع مصالحنا؟

الاثنين، أغسطس 26، 2013

الأمن والتعايش السلمي


تكثر في مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام الكثير من الآراء والنقاشات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين العمانيين مما قد يثير بعض التحفظات لدى البعض والاختلافات لدى البعض الآخر. فكلٌ ينظر للموضوعات بعين تخصصه وفهمه وتجاربه الشخصية في الحياة والتي قد تفرز لنا مزيجا فكريا جميلا إن احسنا التعامل مع مبادئ فقه الاختلاف. فهناك من يناقش موضوع رفع الدعم الحكومي للمحروقات وهناك من يناقش الأوضاع السورية والمصرية وهناك من يناقش بعض الأوضاع الاجتماعية المحلية كقضية التلوث في ولاية لوى أو قضية التربة الانتفاخية وخسائر الحكومة المتتالية وهناك من يتحدث عن ارتفاع الأسعار في خريف صلالة وما إلى ذلك من القضايا التي ينصب اغلبها حول قلة الكفاءة في العمل الحكومي بمختلف وحداته وانحدار الفاعلية في مشروعات الحكومة التنموية. طبعا البعض يناقش بعلم ومنهجية ويؤكد على النجاحات قبل الإخفاقات واضعا الحلول المقترحة وهذا ما نريد، اما البعض الاخر فقط يعمد لتصيد الأخطاء بشكل سلبي دون التفكر في الاسباب وطرق معالجتها. بغض النظر عن التوجهين، اعتقد شخصيا بأن معظم المشاركين السلبيين والإيجابيين يجمعون على حب هذا الوطن وحب قائده وحكومته رغم اختلاف بعضهم فكريا مع بعض السياسات المطروحة في البلاد. طبعا الموضوع ليس بهذه البساطة فهناك أيضا من يحاول الاصطياد في المياه العكرة ويهدف لزعزعة نسيج البلد المترابط متخفيا وراء كبرى الشعارات العالمية اليوم كمحاربة الفساد في البلاد وضمان حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وما إلى ذلك من الشعارات. الشاهد في الموضوع أن الشارع العماني اصبح يتساءل كثيرا عن أسباب بطء التنمية في البلاد، فلا شك في أن قطاعاتنا المختلفة تتطور في البلاد ولكن توقعات الشارع العماني أصبحت تفوق حجم وسرعة هذا التطور التي ما زلنا نراه في وضع متخلف (متأخر) عن تطورات دول المنطقة، فهل هو كذلك فعلا؟

عند التأمل في سياسات الدولة واستراتيجياتها في مختلف القطاعات منذ فجر النهضة إلى الآن نستطيع أن نستنتج أن الهدف الأسمى التي تحاول الدولة إتمامه واستكماله بشكل أسأسي هو الأمن بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وبكل ما تحمله من تبعيات وهو ما يشكل أكبر منجزات النهضة المباركة اليوم. نقصد بالأمن هنا هو التركيز على أوضاع البلد الخارجية وعلاقاتها بجيرانها وببقية دول المنطقة والعالم بشكل عام من جهة، وأوضاعنا الداخلية من جهة أخرى بتعدد ثقافاتنا ومذاهبنا الدينية وقبائلنا. الأمر الذي يتجلى بوضوح في اللقاء الصحفي الذي أجراه سلطاننا المفدى مع الإعلام العماني في العيد الوطني الخامس عشر والذي ذكر فيه جلالته أنه يتمنى أن يأتي يوم يتأمل فيه خريطة العالم ولا يجد دولة لا تربطها علاقات جيدة بالسلطنة. لذلك تتفرد اليوم السلطنة بعلاقات جيدة مع جميع دول العالم بغض النظر عن حجم واقتصاد وديانة وثقافة هذه الدول. فقلما ما نجد من رؤساء العالم من يتبادل التهاني والتعازي مع مختلف دول العالم الكبير منها والصغير، القوي والضعيف، المتطور والمتخلف، والمشهور في الساحة الدولية والمغمور أيضا. لذلك والحمد لله استطاعت السلطنة تحقيق ما لم تستطع تحقيقه معظم دول العالم ولا نبالغ إذا ادعينا بأن التجربة العمانية اليوم تستطيع أن تخط لأمة الإسلام والعالم اجمع اجمل مبادئ الأمن والأمان والتعايش مع الغير. لا ندعي هنا بالكمال في كل أمور الحياة ولكننا استطعنا بفضل الفكر الحكيم لسلطاننا المفدى الوصول بالبلد إلى درجة عالية في الأمن لا يجب المساومة عليها فلا يعلم قيمتها إلا من فقدها. الشاهد هنا أن هذا الهدف الأكبر يفرض على سياسات الدولة وأهدافها وخططها واستراتيجياتها الأخرى اليوم أن تتماشى وألا تتعارض معه بشكل أو بآخر. فأي خطة يجب أن تدرس بتأنٍ للتأكد من عدم تعارضها مع هدف الأمن والأمان والذي قد يفسر البطء في تنفيذ بعض الخطط التنموية وسعي الجهات الحكومية لدراسة المشروعات باستفاضة قبل التنفيذ، وهو ما قد يتسبب أيضا في قلة فاعلية المشروعات الحكومية ولكن هل هو السبب وراء انحدار الأداء الحكومي كذلك؟


 
قد يبرر مبدأ الأمن هذا بعض السلبيات التي يناقشها الشارع العماني والتي هي اقرب لسياسة وضع الأولويات منها إلى الإخفاقات والتي نستطيع أن نستشفها من خطاب سلطاننا المفدى في مجلس عمان عام ٢٠١٢ حيث أشار فيها جلالته إلى أن البنية الأساسية تكاد تكتمل وسيتم التركيز في الخطط المستقبلية على التنمية الاجتماعية. نستشف من ذلك أن خطط البلد تقوم على مبدأ وضع الأولويات بعد استقراء الحاجات المحلية والدولية ولكن ماذا لو كان هناك نقص أو خطأ في هذا الاستقراء؟ اضف إلى ذلك أن ما يراه الشارع العماني كأولويات اليوم قد يختلف عن ما تراه الحكومة وهذا لا يبرر بأي شكل من الأشكال الإساءة إلى منجزات البلد وإهدار المال العام وعدم الإخلاص في العمل وهي القضايا التي يناقشها الشارع العماني. لذلك أرى أن هناك فجوة في الوعي والعمل المشترك بين منظور الحكومة في وضع الخطط المستقبلية حسب الأولويات التي تراها وبين ما يراه الشارع العماني. ولردم هذه الفجوة وجب على الجهات المعنية وعلى رأسها المجلس الأعلى للتخطيط التواصل مع الشارع العماني بمختلف القنوات واخص هنا قنوات التواصل الاجتماعي لمحاولة ليس فقط استقراء آرائهم بل وإدارة توقعاتهم كذلك. أما في الشارع العماني فعلينا مراعاة نعمة الأمن والتعايش السلمي مع الآخر وهي أهم مكتسبات النهضة، فلا يأخذنا الحماس في التعبير وحب التغيير والتطوير للمساومة عليه.

الخميس، أغسطس 01، 2013

خريف صلالة .. قضايا وحلول


اتعجب من إحجام الناس داخل عمان وخارجها بشكل عام عن الذهاب الى صلالة في شهر رمضان رغم انخفاض الاسعار اجمالا وخلو الاماكن من الزحمة المزعجة. كنت في صلالة الاسبوع الماضي ورأيت فرصا كبيرة لترويج موسم الخريف في شهر رمضان للأسف لم تستغل كما يجب. فالسكن الذي يكلف ٤٠ ريالا في رمضان متوقع ان يصل لاكثر من ١٠٠ ريال في ايام العيد وبعدها، هذا ان كنا محظوظين في الحصول عليه شاغرا اصلا. اما طلبيات الطعام في افضل مطاعم صلالة (وما أكثرها) ومضابي سهل اتين فلا تتجاوز مدة الانتظار فيها لبضع دقائق في رمضان، قارن هذا بعشرات الدقائق والتي قد تصل لساعات في فترة ما بعد يوم العيد. اما اماكن الجلوس والاسترخاء والخصوصية في السهل والجبل والبحر فهي متوفرة خلال الشهر الفضيل وبشكل مريح لا تحتاج لعناء الحجز من اوقات مبكرة. كما تخلو الشوارع من ضجيج الزحمة المعهودة وتتوفر حجوزات تذاكر السفر وتنخفض أسعار تأجير السيارات بشكل كبير ولا يوجد قلق من انتهاء مخزون محطات البترول بسبب الطلب الزائد. اضف الى ذلك تميز مساجد ظفار بشكل عام بمقرئين عمانيين اصحاب حناجر واصوات جميلة يزيدون في نفحات وايمانيات ليالي الشهر الفضيل وصلاة القيام. كل هذا واكثر مما قد لا يعلم به كثير من الناس، اما من يعلم فقد يتكاسل بسبب الصيام فلا يستطيع اكثر الناس اليوم تخيل وتقبل فكرة الترحال والتجوال وهم صائمون. للاسف اصبح الصيام لدينا مدعاة للكسل والخمول وهو ما يلاحظ في انخفاض انتاجية الموظف العربي في شهر رمضان بشكل عام. كذلك نجد ان دور الجهات الحكومية في الترويج للخريف خلال الشهر الفضيل ضعيف فقد اقتصر دور الاعلام العماني على بث برنامج مسائي (رمسة) من ميدان المهرجان يعرض بين فترة واخرى صورا عن الخريف فقط. فلماذا يا ترى لم يتم تنظيم مهرجانات رمضانية تتناسب مع نفحات أيام وليالي رمضان المبارك، وخيم رمضانية مثلا تعرض الوجبات العمانية الخاصة بالافطار بنكهة اهل الجنوب وما الى ذلك من الفعاليات التي تشجع على زيارة الخريف في شهر رمضان، افكار علينا مراعاتها في الموسم القادم.

عند التأمل في أكثر شكاوى زوار خريف صلالة المتكررة فهي تتلخص في توفر السكن ونظافته وتوفر المرافق والخدمات العامة الى جانب انتشار البعوض الصغير والوحل بسبب الرذاذ والتجمعات المائية. لا يمكن ان ننكر جهود بلدية ظفار ووزارة السياحة المستمرة في تطوير المرافق ولكن للاسف لا تزال التحديات اكبر من هذه الجهود او ربما هكذا تبدو. فعند زيارتي الاسبوع الماضي وجدت عدد دورات المياه في سهل اتين وهو مقصد الزوار الاول في المحافظة واكثره ازدحاما ما زال متواضعا ناهيك عن مستوى النظافة التي يخجل منها كل عماني ونحن نرى ضيوفنا من خارج السلطنة يرتادونها مجبرين. فلا اعلم ما هي المشكلة في توفير عدد اكبر من دورات المياه مع عمال وعاملات نظافة يعملون بنظام متكامل على مدار الساعة في موسم الخريف؟ نجد العمال بكثرة يزاحمون الزوار ويبيعون اشكال الالعاب والمنتجات فلماذا لا يستغلون بشكل افضل؟ أما السكن فأصبح متوفرا بشكل عام ولكن المشكلة تكمن في تكدس الزوار في فترة قصيرة دون دراية بطرق الحجز المسبق وبكيفية تمييز مستوى السكن. لا اتحدث هنا عن الفنادق والشقق الفندقية ولكن المعضلة في الشقق والبيوت المفروشة التي تفتح ابوابها غالبا في موسم الخريف ولا نعلم عنها الا من مكاتب العقارات وبعض مواقع الانترنت والتي لا تقبل عادة الحجز الا بشكل مباشر بعد دفع اول ليلة نقدا. لماذا لا يتم التنسيق مثلا بين وزارة السياحة والجهات المعنية الاخرى في مسح هذه البنايات والبيوت وتقييمها حسب الخدمات المتوفرة من مستوى نجمة الى خمس نجوم واعطائها تصاريح بذلك؟ ثم بعد ذلك يتم تطوير نظام حجز الكتروني يعطي المستخدمين القدرة على تصفح واختيار وحجز الشقق والدفع آليا من خلال بوابة الدفع الالكتروني التابعة لهيئة تقنية المعلومات، يحدد في هذا النظام اسعار الشقق مسبقا بشكل يتزايد حسب تزايد الطلب واختلاف الموسم ومستوى السكن بالاتفاق طبعا مع اصحاب البنايات بما يضمن الشفافية مع الزوار والعدالة في الحقوق بين الطرفين. فمن الطبيعي ان ترتفع اسعار الشقق في شهر يوليو عنها في شهر يونيو وفي اغسطس عنها في يوليو او في ايام العيد بالمقارنة مع ايام شهر رمضان ولكن يجب ان تكون هذه الزيادة مقننة وواضحة للجميع لتجنب عمليات الاستغلال.


اما مشكلة البعوض والذباب فمازالت موجودة حالها حال معظم دول العالم التي تتميز بنفس المناخ فهل بالامكان رشها ببعض انواع المبيدات الحشرية بداية كل صباح او كل اسبوع دون الاضرار بالبيئة وبالمسطحات الخضراء التي تمثل ايضا غذاء للانعام؟ طبعا المقصود ليس كل جبال المحافظة ولكن على الاقل معظم الاماكن التي يرتادها اكثر الزوار كالعيون والسهول. أما أماكن الاسترخاء والوحل فمن الملاحظ سعي بلدية ظفار لتوعية المواطنين بضرورة عدم القيادة فوق المسطحات الخضراء والتي بلا شك تتسبب بضرر على البيئة والمنظر العام، فما هو البديل اذا ومعظم الزوار يفضلون الجلوس لأوقات طويلة مع اطفالهم في هذه المناطق لتناول الوجبات واحيانا الطبخ وعمل المشاوي؟ هل بالامكان مثلا استحداث ممرات جانبية تتفرع من اهم شوارع السهول تبلط بما يسمى بالانترلوك بشكل يعطي مساحة لصف السيارة والجلوس بأريحية مع العائلة؟ الحافز هنا ان يتجنب الزوار الوحل وفي نفس الوقت لا يضطرون للقيادة على المسطحات الخضراء بتوفر اماكن الجلوس. كل هذا من الامور البسيطة التي مازالت تؤرق العديد من مرتادي المنطقة والتي لا تحتاج لاستثمارات كبيرة بل فقط الى تفكير في حلول سهلة وعملية وسريعة
.