السبت، أغسطس 16، 2014

ما أكثر لجاننا؟!


حضرت قبل اسابيع دورة في قيادة الحكومة الالكترونية والتي كانت من تنظيم كل من جامعة السلطان قابوس ممثلة في مركز خدمة المجتمع والتعليم المستمر وهيئة تقنية المعلومات ومركز قيادة الحكومة الالكترونية في سنغافورة. تطرق المدرب وهو رئيس المركز السنغافوري المذكور لعدة امور مهمة اغلبها غير تقني في كيفية الوصول للامتياز في ادارة مشاريع الحكومة الالكترونية مستشهدا بتجربة سنغافورة الرائدة في هذا المجال. ذكر لنا المدرب في سياق الحديث مثالا على دولة الهند وبالتحديد سلاح البحرية حيث كان يتم تخريج الضباط المستجدين من خلال احتفالين رسميين بينهما 21 يوما، الاول بحضور الاهل والاقارب والثاني بشكل اكثر رسمي حيث يتم فيه تسليم الشارات والشهادات العسكرية. لم يعلم احد ولم يتساءل عن سبب عدم دمج الاحتفالين بالرغم من التكاليف المصاحبة والاعباء المترتبة من تنظيم احتفالين متشابهين تماما. اكتشف مؤخرا (قبل اقل من عشر سنوات) بأن سبب تقسيم المناسبة الى احتفالين يرجع الى ما قبل استقلال الهند عام 1947 حيث كان يتم ارسال الشارات والشهادات العسكرية للاعتماد من قبل ملكة بريطانيا عن طريق البحر، الامر الذي كان يستغرق عادة ما لا يقل عن اسبوعين. فالاحتفال الاول هو احتفال محلي بتخريج الضباط والثاني احتفال بوصول الشهادات المعتمدة وتقليد الشارات الرسمية. ظل الوضع هكذا الى وقت قريب فقط بالرغم من استقلالية الهند وعدم حاجتها لاعتماد الشهادات من الملكة مما يعني بان معظم القادة الذين تناوبوا على هذه الاحتفالات لم يعوا بالاسباب وقاموا بتقليد الاعمال الذي تعودوا عليها دون تفكر. للاسف هذا ما تعاني منه معظم مؤسساتنا الحكومية اليوم، فكم من الاعمال والاجراءات التي تعودنا عليها واصبحت بمثابة الخيار الاوحد لنا في العمل دون ان نتفكر في سلبياتها او حتى ننظر في البدائل،واكبر مثال على ذلك هو انتشار اللجان معنا بأنواعها وكثرة الاجتماعات وطول مدتها مما يثير التساؤلات حول انتاجيتها والشكوك حول فاعليتها.

يعرّف الكوميدي الامريكي المشهور فريد آلن اللجنة بانها مجموعة من الاعضاء غير المؤهلين، يتم اختيارهم من قبل غيرالراغبين بالمشاركة، لعمل اعمال غير ضرورية. قد يكون التعريف مجحف بشكل عام ولكنه يعكس للاسف حقيقة كثير من اللجان المنتشرة في دوائرنا الحكومية اليوم. فما اكثر لجاننا واجتماعاتنا والتي تدار بعفوية دون رؤية واضحة، حتى اصبح الواحد منا لا يجد وقتا لانجاز عمله من كثرتها ولربما كان عملنا اليومي فقط هو حضور الاجتماعات والمشاركة في اللجان. الا يوجد في العمل الاداري غير مفهوم اللجان والاجتماعات لانجاز الاعمال؟ ام اننا وجدنا آباءنا عليها ونحن على آثارهم مهتدون؟ الا يتشكى معظمنا من قلة فاعلية وانتاجية معظم الاجتماعات التي نحضرها او اللجان التي نشارك فيها؟ فما بالنا اذاً لا نختار غيرها عندما يوكل الامر لنا؟ يصف رئيس شركة أبل الراحل ستيف جوبز العمل داخل شركته والتي تعتبر الشركة الاولى اليوم في التقنية ويعمل بها اكثر من 12 الف موظف، بان عدد لجان العمل بالشركة هو صفر وانها تعتمد في انتاجيتها الى تقسيم الاعمال بين الموظفين على شكل شركات ناشئة تُعنى كل منها بجانب تقني محدد. فهناك من يهتم بنظام تشغيل الاجهزة المحمولة (iOS) وهناك من يُعنى بتصميم اجهزة الحواسيب وهكذا. فلا يوجد لجان بل مشاريع محددة الاهداف توكل الى اشخاص تعطى لهم الصلاحيات ليقوموا بادارتها باستقلالية. يقوم الرئيس بالاجتماع برؤساء هذه المشاريع اسبوعيا لبضع ساعات للاطلاع على المستجدات وليتم التنسيق والتخطيط للاعمال المشتركة بين المشاريع.


لا ننتقد هنا الاجتماعات واللجان كمفاهيم وادوات ادارية، بل المأخذ هو في طرق استغلالنا لها. فلا مفر اليوم من توظيف مثل هذه الادوات في العمل، فحتى شركة ابل وبالرغم من خلوها من اللجان لم تجد بُدا من الاجتماعات والتي بالتاكيد تدار بمنهجية علمية نفتقر لها في اكثر اجتماعاتنا. للاسف اصبحت العديد من لجاننا تُشكل عندما يعزف اصحاب القرار من اتخاذ القرار او عندما نرغب في فهم بعض الامور ودراستها لمجرد العلم بالشيء بدلا من ربط ذلك بهدف او قرار استراتيجي مؤسسي. فكم من اللجان التي شكلت لدراسة قضايا معينة وآلت تقاريرها النهائية الى “الحفظ”؟ كيف سيتشجع اعضاء مثل هذه اللجان للمساهمة في غيرها وهم يرون ان اعمالهم السابقة كانت مضيعة للوقت؟ الا يقوم بعض اصحاب القرار احيانا بالاستعانة بشركات استشارية او بيوت خبرة يدفع لهم بسخاء للقيام باعمال مشابهة لاعمال اللجان والتي عادة ما تتشابه تقاريرهما؟ ماذا نتوقع من اعضاء اللجان وهم يرون اعمالهم تهمش ولا يجدون من وراءها جزاءً ولا شكورا؟ من المهم اليوم ان نراجع سياساتنا واعمالنا الادارية وان نبدأ بالتفكر في الطرق المثلى لانجاز الاعمال بدلا من التقليد الاعمى لمن سبقنا. فما اللجان والاجتماعات الا فيض من غيض، فهناك ندواتنا وموتمراتنا والتي اصبحت على كثرتها تكلف اكثر مما تحقق. ناهيك طبعا عن خلو بعض المؤسسات او الدوائر الحكومية من الاهداف والرؤية الواضحة مما ساهم في خفض انتاجية الموظف الحكومي بشكل كبير نظرا لقلة الاعمال وكثرة اوقات الفراغ وهو ما يعد من اهم اسباب تدهور الاعمال الحكومية. فالرسالة الواجب ادراكها هنا ان الناس او الموظفين ان لم نشغلهم بالايجابيات والتنمية والتخطيط، شغلونا بالسلبيات والتخلف والفوضى.

الاثنين، مايو 19، 2014

سقوط العمالقة والدروس المستفادة

 
يقول المثل العربي الذي ينسب للإمام الشافعي “ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع” ويقال أيضا في علم الإدارة “النجاح لا يكمن في تحقيقه فقط بل في المحافظة عليه”، الأمر الذي بدأنا نرى تأثيره الكبير اليوم في عالم الأعمال بشكل يفيدنا في استنتاج قانون كوني جديد. انظروا مثلا لسقوط شركة كوداك بعد تربعها على عرش التصوير الفوتوغرافي لعقود طويلة تبدأ من عام ١٨٨٠. ولنتأمل في تفكك شركة موتورولا والتي كانت لأعوام طويلة من قادة شركات أجهزة وشبكات الهواتف المحمولة في العالم حتى أني أذكر أنه ومع دخول تقنية الهواتف المحمولة في السلطنة في التسعينات من القرن الماضي كان من اشهر وأغلى الهواتف آنذاك هو هاتف موتورولا ستارتك والذي بيع في أيامه الاولى بـ٩٠٠ ريال عماني وتهافت الكثيرون لشرائه. اين هي موتورولا اليوم والتي تفككت واصبحت تتناقلها الشركات، فقد بيع قطاع الهواتف منها أولا إلى جوجل الأمريكية وبعد ذلك الى شركة لينوفو الصينية؟ وماذا عن شركة بلاكبيري وهيمنتها على اجهزة الهواتف المحمولة في قطاع الأعمال لسنوات؟ اين هي اليوم من عمالقة المحمول كسامسونج وابل؟ وماذا عن شركة نوكيا والتي كانت الخيار الأوحد لنا في السلطنة وللكثيرين حول العالم خصوصا في أوروبا؟ اشترتها شركة مايكروسوفت والتي تناضل هي الأخرى في حرب البقاء الذي اصبح اشبه بقانون الغاب. فالبقاء للأقوى ليس من ناحية الحجم او المكانة السوقية فقط فهناك أمور أهم قد تغفلها اكبر الشركات حين احساسها بزهو النجاح، فما هي يا ترى؟
 
عند التأمل في اكبر الشركات في العالم كشركة ابل الامريكية مثلا او شركة سامسونج الكورية فمن الصعب علينا نحن كمستهلكين ان نتوقع سقوطها بسبب نجاحها الكبير. المصيبة تكمن عندما يقتنع رؤساؤها بالفكرة نفسها دون تحرز وهو ما يعد اهم اسباب السقوط. فعندما دشنت شركة ابل منتجها الاول في قطاع المحمول في عام ٢٠٠٧ (الايفون) كانت شركة نوكيا في اوج نضجها وكان الجميع يحلفون بأجهزتها جودة وكفاءة. فلم يتوقع احد ان يكون منتج ابل من اهم اسباب انهيار نوكيا وهو الذي افتقر في نسخته الاولى لأساسيات مزايا الهواتف التي تنتجها نوكيا كميزة ارسال رسائل مصورة مثلا. ليس ذلك فحسب، فهواتف الايفون لم تسوق بداية إلا في بعض مناطق العالم على عكس اجهزة نوكيا والتي لم يخل منها بلد تقريبا آنذاك. ففي الوقت الذي كان مهندسو شركة ابل يعملون بجد لابداع تحسينات على النسخ الاولى من الايفون، تجاهلت شركة نوكيا هذه الابداعات والتي كان اهمها التركيز على اللمس كواجهة للمستخدم. فالغرور المهني والأنفة من مجاراة التغيرات في قطاع الاعمال يعتبر اهم آفات النجاح والذي قد تعاني منه الشركات الكبيرة والدول ايضا دون ان تدرك. فلا مجال اليوم الا في توقع الأسوأ دائما والتخطيط له قبل حدوثه والذي عادة ما يأتي من حيث لا نتوقع. فمن السذاجة ان تظن مثلا شركة ابل ان منافسها الوحيد اليوم هو شركة سامسونج دون ان تعطي اهمية لمنهجية التصنيع الصينية الجديدة في قطاع المحمول والتي تهدف لانتاج هواتف رخيصة جدا وذات جودة عالية كجهار (Oppo Find7) و(OnePlus One).
 
 
تعرضت الكثير من المواقع الالكترونية وكبرى شركات الاستشارات الادارية والباحثين لقضية سقوط الشركات بأنواعها في محاولة لاستخلاص الدروس والعبر وكان اهمها ان انهيار الشركات لا يأتي فجأة بل ان هناك مؤشرات قد تدل عليه وهو ما يؤكد كلامنا السابق. فسقوط الشركات يأتي عادة كمرحلة او محطة اخيرة في سلسلة اعمال استراتيجية بدأت عادة بخطأ. من المهم التأكيد على أن ارتكاب الأخطاء ليس بالضرورة ان يقود الى الفشل او الانهيار ولكن الإصرار عليه او الفشل في ادارته هو ما قد يتسبب في السقوط. على الرغم من بساطة هذه الفكرة الا انها تشير الى امكانية تجنب السقوط والانهيار ان أحسنا تحليل الأمور والتخطيط، وهو بالطبع ليس حصرا على الشركات بل يشمل الدول ومؤسساتها الحكومية وكذلك الافراد. فمن الكياسة اليوم ان نتعلم من اخطائنا بتغيير منهجياتنا العملية بدلا من المكابرة العمياء. وهذا ما قد يفيدنا في السلطنة عند محاولة التخطيط او العمل في مجال كثر فيه الاخطاء في السابق. فلا مجال اليوم للمجاملة في توظيف كفاءات لتطوير خطط او اعمال حكومية متأخرة او غير ناجحة اشرفت الكفاءات نفسهاعليها سابقا. وهذا ما اخطأت فيه شركة نوكيا عندما اوكلت رئاسة الشركة التنفيذية لأحد رؤساء شركة مايكروسوفت والتي كانت تعاني اصلا من تدهور قطاع المحمول آنذاك. فكيف سيستطيع من عايش وربما ساهم في تدهور بعض الاعمال ان يطورها، الا نعلم بأن فاقد الشيء لا يعطيه؟ فلا مجال اليوم لإهدار الوقت والجهد في اعطاء فرص ثانية لمن اخفق سابقا خصوصا عندما يكون محور العمل مصلحة الدولة والمال العام.

الثلاثاء، أبريل 22، 2014

هَم بالليل وذلٌ بالنهار

 
شدني موضوعا التخطيط المالي والديون واللذان تناولاهما برنامجا “أنت كما تريد” و”استوديو الشباب” في القناة العامة للسلطنة في الأسابيع الماضية تم تسليط الضوء على نقطة مهمة وحساسة في حياة كل مواطن ومواطنة على هذه الأرض الطيبة، وهو موضوع الديون بأنواعها والأسباب التي تدفع معظمنا للاقتراض. الموضوع كبير اخواني القراء، فنكاد نجزم اليوم بأن معظم العمانيين من مختلف الفئات خصوصا المتوسطة والبسيطة مدينون لجهة معينة بشكل أو بآخر. فقد أشارت إحصائية أجرتها مؤسسة النقد العربي السعودي والبنوك المركزية الخليجية إلى أن إجمالي القروض الشخصية على الخليجيين بلغ اكثر من 300 مليار دولار بنهاية الربع الثالث من عام 2013. أما في السلطنة فبلغ إجمالي حجم القروض الشخصية المتعثرة أكثر من 117 مليون ريال عماني. فما أكثر المقترضين من البنوك بأشكالها التجارية أو الإسلامية، وما أكثر المشاركين في الجمعيات المالية، ناهيك طبعا عن أقساط السيارات ورسوم المدارس الخاصة وديون السفر وبطاقات الائتمان. كل ذلك وأكثر مما بدأ يؤثر سلبا على حياة العماني والعمانية دينيا واجتماعيا وصحيا. فكثرة الديون تجبرنا على العمل بشكل مضاعف لتحسين مستوانا المادي في محاولة لسداد ما يمكن سداده، فنرى اليوم المرأة تعمل لساعات طوال مجبرة (في بعض الأحيان) للمساهمة في تحسين الأوضاع الاجتماعية للأسرة ومشاركة الرجل في المصاريف بالرغم مما لذلك من انعكاسات اجتماعية وصحية عليها وعلى الأسرة. ونرى الرجل هو الآخر يعمل بجد واجتهاد في عدة وظائف (أحيانا) وقد لا يراه أهله إلا ليلا، فقط لتأمين حياة أفضل للعائلة. حياة قد تتصف في بعض الأحيان للأسف بالترف لا ندري من صاغها أو خططها أو ألزمنا بها؟ أهو المجتمع الذي نعيش فيه أم أنفسنا البشرية الأمارة بالسوء؟

 يقال بأن الغني ببساطة هو من يصرف اقل مما يجني، فكم من غني في ثوب فقير وكم من فقير غني. فالموضوع ليس مرهونا بالأمور الشكلية التي تقلق أكثرنا اليوم كحجم أو شكل المنزل الذي نسكن أو نوع السيارة أو وجهة السفر كل عام وغيرها من الأمور التي حولناها بفكرنا القاصر إلى أولويات في سعينا للحصول على الراحة والسعادة. وأي سعادة تلك، فبمجرد ما نقتني ما نريد بالديون، ما هي إلا أيام أو أشهر معدودة إلا وتبهت نشوة سعادتنا وتبدأ معاناتنا الطويلة مع سداد الديون. معاناة نشعر خلالها بالندم على أكثر قراراتنا السابقة حيث لا ينفع ندم. فنحاول جاهدين أن نلقي باللوم على الحكومة ونحملها مسؤولية ما آل إليه حالنا ونطالبها بسداد ديوننا وكأنها إن فعلت لن نعود للاقتراض ثانية. لا يعني هذا بأن جميع ديوننا هي في الأصل ترف زائف، فبعضنا قد يجبر للاقتراض بسبب حاجات حقيقية في حياته. فالمواطن العماني البسيط يحلم بأمور بسيطة يعتبرها من حقوقه الوطنية والتي للأسف لا تأتي إلا بعد معاناة في أغلب الأحيان. فمعظمنا يحمل هم الحصول على وظيفة ومن ثم معاناة الزواج وتكوين أسرة مما يشمل مسؤولية التربية والتعليم للأبناء ومعضلة توفير المسكن المناسب لهم. كل ذلك مما قد تشترك في مسؤوليته الحكومة والمجتمع والفرد نفسه أما في تبسيط الأمر أو جعله معقدا.فلماذا يا ترى يضطر بعض العمانيين لتسجيل أبنائهم في مدارس خاصة والذهاب إلى مستشفيات خاصة مع توفر التعليم والخدمات الصحية المجانية؟ ولماذا لا ينتفع بعض العمانيين من الأراضي التي تعطى لهم من الدولة سوى ببيعها لتكملة بناء بيت في موقع آخر أو في محاولة لشراء أرض أخرى مكتملة الخدمات؟ ولماذا يقترض الكثيرون مبالغ طائلة للزواج تصل في بعض الأحيان لأكثر من عشرة آلاف؟ ولماذا يندر من يستخدم النقل العام ويكثر من يقترض لشراء السيارات الجديدة أو المستعملة؟ تساؤلات قد نختلف عند الإجابة عليها ولكنها تسلط الضوء على قضايا مهمة تقف مجملها خلف ثقافة الاقتراض بيننا.
 

 
أرى أن من أهم واكثر ما ينقصنا اليوم في حياتنا هو ثقافة التخطيط بالرغم من شيوع هذا المصطلح بيننا. فمنذ نعومة أظفارنا ونحن نتابع الخطط الخمسية للدولة وتتوالى علينا الاستراتيجيات المختلفة للجهات الحكومية حتى اصبح لدينا ولله الحمد مجلس أعلى للتخطيط. لكن للأسف مازال التخطيط مغيبا من مناهجنا الدراسية وحملاتنا الوطنية التوعوية وفي بعض الأحيان من برامجنا التدريبية داخل العمل. نعم إخواني القراء، نحتاج اليوم لإيجاد جيل واع ينتهج التخطيط كأسلوب حياة فللأسف معظمنا لا يخطط لحياته الخاصة ولا يعي أهمية هذا الجانب في نجاح الفرد والمجتمع بالرغم من توفر برامج التخطيط التدريبية المجانية. برامج لا تحتاج إلا لرغبة صادقة وعزيمة قوية لتطبيقها في مواجهة ضغوط المجتمع وأهواء النفس.فمحاولة مجاراة المجتمع في فكر التباهي والترف بدلا من التركيز على الضروريات، والتعجل بدلا من التأني، والتفكر فقط في حاجات اليوم وتناسي متطلبات الغد، لن يساهم أبدا في تطورنا المهني والمالي ولن يجعلنا نعتمد على أنفسنا وسنظل دائما ننتظر الحلول من الحكومة.

الاثنين، مارس 24، 2014

التجارة الاجتماعية في السلطنة

 
تحدثنا في المقالة السابقة عن ريادة الأعمال في السلطنة وضرورة مراعاة الجانب الفكري للمتدربين عند محاولة تدريبهم وتأهيلهم ليكونوا رواد أعمال ناجحين. من المهم كذلك اليوم أن يدرس صناع القرار الاختلافات والتطورات في هذا المجال عما كان عليه الحال في القرن الماضي. فالتقنية الحديثة والأجيال الرقمية التي بدأنا نتعامل معها والتنافسية الشديدة بين الشركات والدول تفرض علينا نمطا بل أنماطا جديدة في ريادة الأعمال لا يمكن التغافل عنها. فالعمل من المنزل أصبح خيارا لدى الكثيرين وبات الناس عند الشراء يتصفحون مواقع الإنترنت وبرمجيات الهواتف النقالة أكثر من ترددهم على الأسواق، بل أصبح الهاتف والحاسوب اللوحي اهم صديق لنا وملاذنا اليومي للترفيه والتواصل المهني والاجتماعي وعند متابعة الأخبار والمستجدات. لذلك فالعمل الحر في بعض الأحيان اليوم لم يعد يشترط علينا العديد من المتطلبات المادية كاستئجار مبنى وتوظيف عمال ودفع رسوم وفواتير شهرية وذهاب واياب وما إلى ذلك. وأصبح اغلب الزبائن الذين يترددون على الأسواق يفضلون التسوق من البيت إن أتيحت لهم الفرصة. فإن كان العالم الخارجي يفرض علينا الكثير من الاشتراطات القانونية والمادية واللوجستية وغيرها، فإن العالم السيبرالي أو عالم التقنية يلغي كل هذه الحواجز ولا يشترط إلا البدء والجدية والمتابعة، فماذا ننتظر؟
 
لا يعتبر العمل الحر والعمل من المنزل بجديد علينا، فمنذ سنين طويلة ونحن نرى ربات المنازل يمتهن البيع والشراء بالتجوال بين بيوت الحي والأمثلة على ذلك كثيرة إلى يومنا هذا. بل أذكر أنه ومع بداية استجلاب القوى العاملة الوافدة، قامت بعض ربات المنازل باستغلالهم لحمل البضائع من بيت إلى بيت مستغلين في ذلك تحرج الجيران من عدم الشراء واحتياج البعض الآخر وأهم من كل ذلك ملاءمة هذا الأسلوب لطبيعة البشر في حبهم للراحة وإعراضهم عن كل ما فيه عناء. تطور ذلك كله فأصبح هناك من يستقبل الزبائن في بيته لعرض منتوجاته والتسويق لها عن طريق التقنية الحديثة وعلى رأسها وسائل التواصل الاجتماعي فيما يسمى اليوم بالتجارة الاجتماعية. فقد أتاحت تقنيات التواصل الاجتماعي قنوات رخيصة وفعّالة للوصول إلى الزبائن والتواصل معهم وتلقي الطلبيات بما يهدد قنوات الترويج الأخرى. فالجيل الجديد هو جيل رقمي بكل المقاييس وعليه ترتكز التجارة الاجتماعية والتي توظف التقنية لأمور البيع والشراء وتقييم المعروضات والمشاركة بالآراء ونشر التجارب بما يمثل تسويقا بالمجان لأصحاب الأعمال من قبل الزبائن أنفسهم. وفي هذا نجد أمثلة محلية ناجحة ليس فقط بين فئة الشركات الصغيرة والمتوسطة بل حتى على مستوى الأفراد. انظر مثلا لمواقع الإعلانات المبوبة الإلكترونية كموقع سوق السبلة العمانية وغيرها، وتأمل في موقع الفيسبوك والانستجرام وكيف بدأ العديد من الأفراد العمانيين والعمانيات وبعض المحلات الأخرى عرض منتجاتهم المنزلية والتجارية بشكل يسهل على الزبائن الوصول إليها وتقييمها للغير وربما توصية أصدقائهم للاستفادة منها. ناهيك طبعا عن مجموعات الواتساب واستغلالها لنشر الإعلانات التجارية والمنتجات المنزلية. لم يعد الأمر مقصورا على رواد الأعمال من فئة الشباب، بل حتى ربات المنزل ممن تعدين الخمسين والستين عاما فهناك من بدأن بالفعل بالترويج لمنتجاتهن عن طريق كبرى مواقع وبرمجيات التواصل الاجتماعي، وأتحدث هنا عن عمانيات.
 

كل ذلك وأكثر مما يحتم علينا اليوم النظر في تطوير وسائل التعليم والتدريب لتشمل التقنية الحديثة بجميع أبعادها وليس فقط التركيز على أساسيات الحاسوب والبرامج التخصصية. فمن المعلوم اليوم بأن أكثر من مليون ونصف شركة حول العالم قد قررت أن تفتح صفحة لها على الفيسبوك للتواصل مع الزبائن، كل ذلك بالتأكيد لسبب ولسبب مهم أيضا وهو الوصول إلى الزبائن حيث يتواجدون ويقضون الساعات الطوال. فمن المؤسف اليوم أن لا يعي الناس وأصحاب القرار أهمية التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي في التنمية والتطوير وان يقف منها الكثيرون موقف المتخوف أو المتردد. فلا مجال اليوم ان نضع استراتيجية او خطة تنفيذية دون ان تكون التقنية اهم العوامل المساعدة في نجاحها. فكيف ونحن نبحث وبشدة عن الحلول الناجعة لتقليل عدد الباحثين عن عمل وتشجيع ريادة الأعمال في السلطنة، ألا نجد في التقنية حلولا تتعدى الفرص التدريبية التي تتبناها أكثر مؤسساتنا في السلطنة؟

الاثنين، مارس 17، 2014

نحو استراتيجية وطنية لريادة الأعمال


من أكثر القضايا التي مازالت تقلق صناع القرار في السلطنة هي قضية التعمين وتوفير فرص العمل للعدد المتزايد من الباحثين عن عمل. فقد أشارت آخر الإحصاءات إلى أن عدد الباحثين عن عمل المسجلين في السلطنة تراجع من 150 ألف باحث عمل تقريبا في شهر ديسمبر الماضي إلى ما يقارب من 141 ألف باحث عمل في شهر يناير. فالعدد في تناقص بسبب الجهود الحثيثة المبذولة من الحكومة ولكنه يتزايد سنويا أيضا بسبب مخرجات التعليم العام والتعليم العالي. فقد أشارت إحصاءات وزارة التربية والتعليم إلى أن عدد خريجي الدبلوم العام في عام 2012 بلغ تقريبا 53 ألف طالب وطالبة، استطاع ثلثهم تقريبا فقط تحقيق نسبة 70% وأعلى وهو ربما النمط المتوقع أن يؤول إليه الحال في الأعوام القادمة ايضا. مما يعني أن أكثر من 35 ألف طالب وطالبة سنويا يجب أن توجد لهم فرص تدريبية وبعد ذلك فرص عمل في القطاع العام والخاص، ناهيك طبعا عن الوضع في مخرجات التعليم العالي مما يشكل عبئا كبيرا على الحكومة والمسؤولين ويزيد من اجمالي عدد الباحثين عن عمل. لن تستطيع الحكومة الاستمرار في إيجاد الفرص الوظيفية لهذا العدد المتزايد وهو ما أشارت إليه التوجيهات السامية في هذا الخصوص وحضت القطاع الخاص على أن يقوم بدوره. لذلك تتجه الأنظار بطبيعة الحال إلى القطاع الخاص الذي يشهد هو الآخر تحديات في توظيف العمانيين في ظل افتقار معظمهم للمهارات المطلوبة في سوق العمل وأعراض أكثرهم أصلا عن الانخراط في القطاع، فما هو الحل يا ترى؟

تتوالى علينا المصطلحات والشعارات الاقتصادية والاجتماعية يوما بعد يوم بحسب استشعارنا لأهميتها مما قد يثير بيننا جدلا حول أبعادها وانعكاساتها على التنمية في البلاد. فنرى اليوم التركيز واضح على مصطلح (ريادة الأعمال) أكثر من غيره من المجالات التي شغلت فكر المختصين والمسؤولين سابقا. فمعظمهم اليوم يجدون فيه حلا وملاذا لتقليل عدد الباحثين عن عمل من جهة وتخفيف أعباء الحكومة في هذا الجانب من جهة أخرى. فالسلطنة تنوي في هذا الشهر استضافة الأسبوع العالمي لريادة الأعمال ممثلة في المركز الوطني للأعمال بواحة المعرفة والذي من المقرر أن تشارك فيه أكثر من 138 دولة حول العالم. كما أطلقت غرفة تجارة وصناعة عمان قبل أيام مبادرة لتدشين نادي رواد الأعمال في السلطنة لتشجيع هذا القطاع، ناهيك طبعا عن العديد من المعارض التي أقيمت سابقا بهدف عرض مبادرات الشباب الحالية في هذا الجانب ولتشجيع الآخرين على العمل الحر. أضف إلى ذلك جهود هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وصندوق الرفد في دعم وتدريب العديد من الرواد بالإضافة إلى برنامج أساس في هيئة تقنية المعلومات والذي يهدف لاحتضان شركات التقنية الناشئة. لا يعتبر هذا التوجه والاهتمام مقصورا على محافظة مسقط فقط، فهناك حديث عن إقامة ندوة لريادة الأعمال في محافظة ظفار في الصيف بهدف وضع استراتيجية لريادة الأعمال في السلطنة بشكل عام وفي المحافظة بشكل خاص.
 



الشاهد هنا إخواني القراء هو في تشجيع الشباب العماني على تبني مبدأ العمل الحر وتكوين أعمالهم الخاصة بشكل استقلالي مستغلين في ذلك الدعم الحكومي في هذا الجانب والفرص الاقتصادية الواعدة التي توفرها مشروعات البلاد التنموية سواء كان ذلك في قطاع السياحة أو النقل أو الغذاء أو تقنية المعلومات وغيرها من القطاعات المربحة. للأسف لا يخلو كل هذا من الكثير من التحديات ففاعلية معظم برامجنا التدريبية ومبادراتنا في هذا المجال مازالت محل نظر، مما يحثنا على دراسة مبادرات القطاع الخاص في هذا الجانب على المستوى المحلي ومبادرات الدول الأخرى على المستوى الدولي. فهناك مبادرة انطلاقة من شركة شل العمانية والتي بدأت منذ عام 1995 واستطاعت إلى اليوم تدريب أكثر من ثمانية آلاف متدرب، وهناك مبادرة شراكة وإنجاز عمان ومركز الزبير للمؤسسات الصغيرة وغيرها من المبادرات الواجب الوقوف عليها ودراستها لوضع استراتيجية وطنية لريادة الأعمال في السلطنة لتغيير فكر الأجيال القادمة بحيث يكون العمل الحر هو الطموح بدلا من الوظيفة الحكومية. فهناك من يشكك في الجاهزية العامة للشباب العماني خصوصا النفسية والفكرية ويرى أن معظم برامجنا التوعوية والتدريبية لن تكون ذات جدوى إلا أن استطعنا أن نقف على احتياجات الشباب الفكرية أولا ومحاولة توجيهها وصقلها بشكل إيجابي قبل الشروع في أي شيء. لذلك قام أحد المراكز التدريبية في السلطنة باستحداث برنامج تدريبي باسم (تمكين) لإعداد رواد الأعمال في أربعة أشهر تهدف لصقل شخصية وعقلية الشاب أو الشابة العمانية بشكل قيادي وإيجابي أولا قبل البدء في تدريبهم على مهارات العمل الجوهرية، وهو العنصر الذي قد تفتقر له العديد من البرامج المشابهة. فالهدف هنا هو في التعامل مع عقليات وفكر الشباب المختلفة بشكل مختلف ومحاولة تعديل العادات السلبية والممارسات الخاطئة قبل الشروع في التدريب العملي، وهذا أهم ما نحتاجه اليوم.

الاثنين، مارس 10، 2014

التوجيه العكسي … فرصة للريادة

 
من أهم ما يشغل المسؤولين اليوم في السلطنة هو قضية التدريب والتأهيل والتوجيه الوظيفي خصوصا ونحن نسعى لإيجاد الفرص الوظيفية لآلاف الباحثين عن عمل والذين يفتقرون بشكل عام للكثير من المهارات المطلوبة في سوق العمل. الفكرة المعهودة عن التعليم والتدريب هي أن يسعى الإنسان لتلقي العلوم ممن هم أعلى منه خبرة ومعرفة والذين عادة ما يكونون أكبر منه في العمر ايضا، فالمثل المشهور يقول «أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة». جميعنا تلقينا معارفنا بأشكال مختلفة وغالبا ما كان المصدر أناسا أكبر منا في السن سواء في المدرسة أو الجامعة. حتى في العمل وأثناء تلقينا بعض البرامج التدريبية كان فرق العمر بيننا وبين المدرب لصالح المدرب غالبا. حتى عند تقارب العمر بيننا فلا يتجاوز ذلك بضع سنوات فقط، لذلك قد يصعب أن نتخيل اليوم حضور دورة تدريبية مع مدرب أصغر منا بعشرات السنين. كما يندر أن نجد من يحاول الاستفادة مهنيا ومعرفيا ممن هم أصغر منه سنا وربما خبرة ومعرفة، فهي إما قناعة بأننا أفضل ممن هم دوننا أو ربما عامل نفسي يصعب معه تقبل فكرة الجلوس أمام مدرب صغير قد ينعته بعضنا بـ «ولد يومين». بالطبع نعلم بأن موضوع العلم والمعرفة ليس مرهونا بالسن ولكن يصعب على بعض المسؤولين المتعلمين ذوي الخبرة اليوم تخيل فكرة استشارة من هم دونهم في المرتبة الوظيفية والذين عادة ما يكونون أصغر منهم بعشر سنوات وأكثر أو في عمر أبنائهم.

نشرت هذا الأسبوع هيئة تقنية المعلومات في موقعها الإلكتروني نتائج مسح النفاذ واستخدام تقنية المعلومات والاتصالات في قطاع الأسر والأفراد لعام 2013 والذي شمل عينة عشوائية لـ 11 ألف أسرة خلال الفترة من 30 يوليو إلى 31 أكتوبر 2013م. تشير نتائج هذا المسح إلى تطور النفاذ التقني في البلاد فمعظم الأسر العمانية اليوم تعتمد على الهواتف النقالة بنسبة (90%) ومعظمها تمتلك حاسبا آليا أيضا بنسبة (80%) ونفس النسبة أيضا لمجموع الأسر التي لديها نفاذ للأنترنت. وفيما يتعلق بالمستخدمين الأفراد، فأظهر المسح بأن النسبة الأعلى استخداما للحواسيب هم فئة الطلبة (92%). ليس ذلك فحسب، فحتى النفاذ للأنترنت يتزايد بين شبابنا من بعد سن 15 ويعتبر موقع الفيسبوك للتواصل الاجتماعي الأكثر استخداما يليه موقع تويتر. كل ذلك مما يشير إلى وجود جيل الألفية (Millennials) بيننا وهم جيل الشباب من مواليد 1977 إلى عام 1997 حسب التعريف الأكثر شيوعا عالميا. كما يسمون أيضا بجيل الواي (Generation Y) على غرار جيل الأكس (Generation X) وهم الجيل الأكبر سنا من مواليد 1960 إلى عام 1980. طبعا يمتاز جيل الألفية بخصائص مهمة تمت دراستها من قبل العديد من الباحثين ومن المهم اليوم أن يقف عليها صناع القرار والذين ينتمون غالبا لجيل الأكس أو ما قبلهم.
 

لسنا هنا لمناقشة جيل الألفية ولكن الشاهد بأن هذا الجيل بات يشكل أغلبية في الكثير من مؤسساتنا الحكومية والخاصة وعلى المسؤولين الاستفادة منهم ليس فقط مهنيا بل أيضا في تدريب وتوجيه من هم أكبر منهم وهذا ما يسمى بالتوجيه العكسي (Reverse Mentoring). نعم إخواني القراء، فالتوجيه أو التدريب العكسي اليوم أصبح من أسس التطوير المهني والوظيفي والمعرفي عالميا وأصبح صناع القرار يلجؤون لمن هم أصغر منهم سنا في كثير من المجالات لأنهم ببساطة أكثر منهم اطلاعا ومعرفة في تلك المجالات. انظر مثلا إلى شبكات التواصل الاجتماعي اليوم وتأثيرها الواضح على مجريات الأعمال والفئة الأكثر استخداما لها وانظر إلى فئة الآباء بشكل عام وقارن معرفتهم بمختلف برمجيات الهواتف خصوصا الألعاب ومعرفة أبنائهم لها. وانظر إلى التقنيات الحديثة والناشئة وأكثر فئات المجتمع علما ودراية بها. الأهم من كل ذلك هو الحياة العملية والتي نجد فيها المسؤولين وبسبب تزاحم الأعمال وكثرة الانشغالات قد لا يجدون سبيلا للإلمام بأحدث العلوم والمهارات الإدارية والتي قد يقدمها لهم الموظفون الجدد من جيل الألفية أو جيل الناشئة على طبق من فضة إن أحسنوا التعامل معهم. لا ندعو هنا إلى تهميش الخبرات والتقليل من شأنها، ولكن قضية الإلمام بكل ما هو جديد قد يصعب علينا مع زيادة العمر وتكدس المهام الوظيفية مما يحتم علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مبدأ التوجيه أو التدريب العكسي دون حرج. فمن أكثر ما ينصح به اليوم في عالم القيادة والإدارة هو أن يتخذ المسؤولون وصناع القرار مدربين عكسيين من جيل الألفية أو ممن قبلهم يتحدثون ويلتقون معهم بشكل شهري لمحاولة معرفة ما فاتهم من معرفة وتقنية وحلول عملية في زحمة الأعمال اليومية.

الأربعاء، يناير 22، 2014

وتستمر قضايا الطلبة


تتصدر هذه الأيام قضايا الفساد عناوين الرأي العام ويتابع الجميع بشغف نتائج المرافعات والمحاكم التي تتوالى علينا بأحكام وتحليلات تدهشنا يوما بعد يوم. قد يكون كل هذا غيضا من فيض وإذا ما أمد الله في أعمارنا لربما شهدنا العجب العجاب من التجاوزات والفساد الذي للأسف ما زلنا نربطه بالجانب المادي فقط. فالسرقات والرشاوى هي ما تتصدر العناوين ولكن ماذا عن الفساد الأخلاقي والذي هو أساس كل فساد؟ للأسف لا يوجد تركيز أو جهود تبذل للحد من أنواع الفساد الأخرى سوى جهود فردية لا تتجاوز الحلول السطحية في شكل حملات توعوية ومنشورات. وإذا ما ركزنا على طلبتنا وهم أمل المستقبل بمختلف أعمارهم ومستوياتهم التعليمية نراهم يعانون من قضايا عديدة للأسف ترك المجتمع مهمة حلها للحكومة ممثلة في وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي واللتين قد ينقصهما التكامل في العمل المشترك. لا يمكن أن ننكر جهود هاتين الوزارتين الكبيرتين، كلٌ في مجاله ولكن علينا أن نعي أن اليد الواحدة لا تصفق. أين هو دور المجتمع والجمعيات الأهلية والشركات وقبل كل ذلك أين هو دور الأسرة الذي اصبح هامشيا في كثير من الأحيان. أين نحن جميعا من قضايا انتشار المخدرات بين الطلبة وقضايا التحرش الجنسي وقضايا الغش وقضايا تدني مستوياتهم التحصيلية والتي تعزى عادة لأسباب اجتماعية. للأسف وقف اغلبنا متفرجا منتظرا الحلول والتي عادة ما تكون بيدنا لا بيد الدولة، وصار احسننا اليوم من يحاول تغيير الوضع بقلبه وذلك اضعف الإيمان.

تستقبل جامعتنا الفتية سنويا عددا لا بأس به من مخرجات التعليم العام والذين عادة ما ينظر لهم بأنهم صفوة الطلبة وأفضلهم بحكم شروط القبول المرتفعة نسبيا في محاولة لمراعاة الفجوة الكبيرة بين أداء الإناث والذكور. استقبلت الجامعة العام الماضي أكثر من ثلاثة آلاف طالب وطالبة خضعوا لاختبارات تحديد المستوى في الرياضيات واللغة الإنجليزية والحاسب الآلي، بغرض تأهيلهم قبل شروعهم بدراسة برامج مختلف الكليات. نتكلم هنا عن اختبارات تقيس معرفتهم بأساسيات هذه المواد والذي يفترض بأنهم أجادوا فيها وحققوا معدلات جيدة مما أكسبهم المعدل العام اللازم لدخول الجامعة. للأسف لم يستطع أكثر من 40 طالبا سنويا تجاوز هذه الاختبارات خلال الأعوام القليلة الماضية من اصل اكثر من ثلاثة آلاف تقريبا يتم قبولهم. أما البقية فانخرطوا في برنامج تأسيسي قامت الجامعة بتدشينه في محاولة لتصليح ما يمكن إصلاحه. لا تنتهي القصة هنا بل تستمر لنتفاجأ بأن هؤلاء الطلبة يعانون الأمرين في دراسة هذه المواد والتي كما أسلفت نفترض بأنهم قد اجتازوها (خصوصا اللغة الإنجليزية والرياضيات) بمعدلات عالية وإلا كيف كان لهم شرف دخول الجامعة. فهناك من يجتازها في فصلين دراسيين وهناك من يجتازها في أربعة فصول وهناك من لا يستطيع اجتيازها ويتم طرده بعد عامين. نتساءل عن الأسباب وما أسهل بأن نلقي اللوم فقط على المدارس والمعلمين وربما المناهج ووزارة التربية والتعليم، متجاهلين بأن للقضية أبعادا أخرى. فهناك من يشكك في أحقية قبول بعض الطلبة مشيرا إلى لجوء بعضهم للغش في امتحانات الدبلوم العام ويطالب الجامعة بتحديد مستوياتهم قبل قبولهم. وهناك من يرى أنها تندرج تحت مسؤولية وزارة التربية والتعليم وأن عليها وضع الأنظمة الصارمة للحد من أساليب الغش. وهناك من يرى ضرورة تسهيل المواد على الطلبة من باب ارحموا من في الأرض. للأسف إخواني القراء قد يكون وراء ذلك فساد منتشر فينا نحن معشر الآباء والأمهات والإخوان والأخوات وأصحاب القرابة وهو فساد (الغاية تبرر الوسيلة). فالغاية هي دخول ابني أو ابنتي إلى الجامعة والحصول على الشهادة الجامعية بأي ثمن حتى وإن اضطر للغش أو الكذب أو الرشوة أو سرقة الاختبار وتسريبه.


ماذا عن قضايا تعاطي المخدرات بين الطلبة وموت بعضهم بجرعات زائدة والتي بدأنا نسمعها هنا وهناك؟ وماذا عن قضايا التحرش الجنسي والبلطجة بين الطلبة أيضا والتي تفرز لنا أفرادا غير سويين ومعقدين في المجتمع؟ ناهيك طبعا عن قضايا الهوية وتعزيز القيم والأصالة في نفوس الأجيال القادمة، ومهارات العصر الحديث وضرورة زرع أساسيات الحياة في عقول ونفوس الطلبة كالتخطيط مثلا والعصامية والتفكير الإبداعي. ألا تجاهد اليوم مؤسساتنا الحكومية في تشجيع الشباب على الإبداع والابتكار ولا نرى إلا القليل؟ ألا يعاني معظمنا من عدم القدرة على التخطيط المالي والحياتي فنراه مكهلا بالديون وضغوط العمل؟ هل نعتقد بأن انعكاس ذلك سيكون فقط على الفرد نفسه، أم أن المجتمع وجميع مؤسساته سيتأثر سلبا أيضا وقد بدأنا نرى ذلك بالفعل. أرى أن علينا العمل بسرعة وفق خطة مدروسة لتمكين الطلبة لمواجهة هذه التحديات من خلال حملة تثقيفية وتدريبية تشترك فيها جهات حكومية عدة تحت إشراف وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي. تبدأ هذه الحملة الوطنية من العام الدراسي القادم وفق أولوية محددة تركز على مراحل عمرية أو تعليمية معينة بالتكامل مع المنهج الدراسي. تهدف الحملة لنشر الوعي القيمي والعملي بمخاطر المخدرات وتقنية المعلومات وزرع القيم بشكل عملي وتدريب الطلبة على التخطيط على مدى عام. يشترك في هذه الحملة جميع مؤسسات المجتمع ورموزنا المحلية لتعزيز ثقافة القدوات الطيبة. وعلى الحملة ان تهدف أيضا إلى مساعدة الآباء والأمهات على التخلص من الاتكالية والسلبية في الحياة وتعزيز مفهوم التربية من البيت أولا وتكاملها مع مفهوم الرعاية فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. فمن الخطأ اليوم أن نعتقد بأن تقدمنا بيد الحكومة ومؤسساتها فقط، فالتنمية الحقيقية تبدأ من البيت وكل ما سواه هي سواعد تعيننا على البناء.

الأربعاء، يناير 15، 2014

توحيد المسؤولية الاجتماعية للشركات

 
تعتبر مؤسسات القطاع الخاص مشروعات المسؤولية الاجتماعية اليوم من اكبر التحديات التي تواجهها والتي تأتي عادة على شكل ضغوطات اجتماعية وقانونية وسياسية. ففي الوقت التي قد تُجبر هذه الشركات بشكل مباشر أو غير مباشر على تخصيص مبالغ ومصادر مالية وبشرية لخدمة المجتمع، نادرا ما تعود هذه الاستثمارات على الشركات بالكثير من الفائدة. فمن الطبيعي أن تضع هذه الشركات نصب اعينها الجدوى الاقتصادية للمشروعات قبل البدء فيها، فما الفائدة التي ترجوها هذه الشركات مثلا من دعم الجمعيات الخيرية أو تمويل مشروعات صحية أو بناء وحدات سكنية أو تنفيذ برامج تدريبية للمواطنين وغيرها من مشروعات المسؤولية الاجتماعية سوى ربما تحقيق سمعة طيبة أو كسب ثقة الحكومة؟ فالسمعة الطيبة قد تضمن للشركات ولاء المستفيدين والزبائن، أما ثقة الحكومة فقد تضمن لها مزيدا من المشروعات في المستقبل، وفي الحالتين تعتبر هذه المنهجية من اكثر الوسائل تكلفة على الشركات للوصول للنتائج ذاتها هذا إن سلمنا بأهمية هذه النتائج لدى الشركات. فنحن اليوم نتحدث عن مئات الآلاف من الريالات تصرف على المجتمع وليس على زبائن الشركة أو على عمليات ترويج المنتجات أو لتطوير أعمال الشركات الداخلية والخارجية، فهي اقرب لكونها مسؤولية وتحديا من كونها فرصة استثمارية وربما لو كانت خيارا لما وجدنا الكثير من المشروعات في هذا الجانب، فالحمد لله أنها ليست كذلك.
 
تعتمد الكثير من مؤسسات الدولة على مخصصات الشركات لهذه المشروعات في دعم عجلة التنمية في البلاد من باب تشجيع الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص. فهناك دوائر في معظم جهاتنا الحكومية تُعنى بموضوع الرعاية للمشروعات والفعاليات بحيث تحاول هذه الدوائر الحصول على دعم مادي من الشركات يساعدها ماديا على تنفيذ مشاريعها وأعمالها بشكل عام. اذكر أننا استعنا اكثر من مرة بشركات القطاع الخاص لابتعاث عدد من الطلبة للمشاركة في مؤتمرات دولية في أوروبا وشرق آسيا والخليج. كما حصلنا أيضا مرات عدة على رعاية مادية لبعض مؤتمراتنا المحلية ولبعض المعارض والفعاليات التي يقوم بها الطلبة في الجامعة. انظر أيضا إلى مهرجان مسقط وصلالة السياحي الذي يساهم فيه القطاع الخاص بأموال طائلة، ناهيك طبعا عن شركات النفط والغاز ودعمها المتواصل في قطاع التعليم والتدريب والصحة والبنية الأساسية. في المقابل نجد أن الشركات نفسها لا تخلو من دوائر تُعنى بمشروعات المسؤولية الاجتماعية مما جعلها هدفا للكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة بالإضافة إلى المؤسسات الحكومية. فمن السهل اليوم على الشركات الصغيرة والناشئة أن تعرض خدماتها أو منتجاتها على هذه الدوائر لتتبناها من باب المسؤولية الاجتماعية. فمثلا كأن تقوم بعض المراكز التدريبية بتقديم دورات تدريبية للباحثين عن عمل من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية في الشركات الكبيرة. الأمر الذي فتح الباب أيضا لأنواع المحسوبيات حول الآلية المتبعة لتقييم وإسناد مشروعات المسؤولية الاجتماعية داخل الشركات.


إذا تأملنا في الجهود المبذولة في السلطنة في هذا الجانب، نجد كبرى الشركات الحكومية والخاصة تساهم في المشروعات الاجتماعية غالبا بشكل فردي وبشكل غير منظم وغير ممنهج. نعم جميعها ينصب في خدمة المجتمع وقد يتم تنفيذها تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية أو بعض الوزارات المعنية الأخرى بحسب طبيعة المشروعات، إلا أنها تفتقر لمبدأ الرؤية الشاملة. فلا توجد لدينا استراتيجية لاستغلال هذه المبالغ الكبيرة التي تخصصها الشركات سنويا بشكل يعود بالنفع على اكبر شريحة ممكنة من المجتمع. ففي الوقت الذي قد يطالب المجتمع الدولة ببعض المشروعات التنموية أو الاجتماعية التي قد لا تجدها الحكومة ذات جدوى في الوقت الراهن كمشروع حديقة الحيوانات مثلا أو مشروع صندوق الزواج وغيرها، فلم لا تتم الاستعانة بمخصصات الشركات لبرامج المسؤولية الاجتماعية لتنفيذ مثل هذه المشروعات؟ لن يكون الهدف هنا ربحيا بقدر ما سيهدف لتحقيق الاستدامة والاستمرارية للمشروعات. ناهيك أيضا عن أهمية التركيز بحيث يتم وضع الأولويات للحاجات الاجتماعية بشكل مدروس وعلمي وعليه تخصص الأموال وتنفذ المشروعات. فقد تكون حاجتنا للحد من مخاطر المخدرات أو لتمكين الناشئة لتبني العمل الخاص اكبر مثلا من دعم مهرجان ما أو رعاية فعالية هنا أو هناك. لذلك أرى أن يوكل بهذا الموضوع لوزارة التنمية الاجتماعية أو أن تنشأ هيئة حكومية لمشروعات المسؤولية الاجتماعية تهدف لتوحيد جهود الشركات المبذولة في خدمة المجتمع (أو جزء منها) لما فيه الصالح العام، بحيث تكون هذه الهيئة (أو الدائرة) المرجع لدراسة حوائج المجتمع الماسة ووضع الأولويات لها. ليس ذلك فحسب، عليها أيضا أن تُعنى بتشجيع الشركات على البذل بما يضمن للشركات ذاتها حقوقها الملكية والمادية وأن تقوم بمراقبة ومتابعة تنفيذ المشروعات الاجتماعية ومحاولة خصخصتها إن أمكن، للارتقاء بالجودة وضمان الديمومة وإيجاد فرص عمل اكثر.