الاثنين، ديسمبر 21، 2009

إدارة المعلومات في الحكومة الإلكترونية

نبارك لكم بدايةً أعزائي القرّاء أمطار الخير في ربوع السلطنة، سائلين المولى القدير أن يجعلها أمطار خير وبركة ويعم بنفعها البلاد والعباد (آمين). من أهم ما تهدف له تطبيقات الحكومة الإلكترونية هو توفير المعلومات الصحيحة لجميع شرائح المجتمع لتسهيل إجراء مختلف التعاملات الحكومية. عادةً ما يأتي ضمان صحة المعلومات مترادفاً مع ضمان أمنها، فضعف الإحترازات الأمنية يعطي إنطباعاً بإمكانية العبث بها ومن ثمّ بضعف صحتها ومصداقيتها. سنسلط الضوء في هذا الأسبوع على واحدة من أهم قضايا نجاح مبادرات الحكومة الإلكترونية والتي تُعنى بتوفير المعلومات الخاصة بالدوائر الحكومية بكل سهولة ويسر للأفراد بإختلاف إحتياجاتهم وكذلك للمؤسسات بإختلاف تخصصاتها.


تعتبر قضية حرية الوصول للمعلومات الحكومية من القضايا المتنازع عليها في مختلف الدول بإختلاف الأنظمة الحكومية والقيادية في الدولة. فكما هو معلوم تتدرج الأنظمة الحكومية في العالم من حيث مشاركتها لشعوبها في إتخاذ القرارات من النظام الديمقراطي إلى الإستبدادي، وبإختلافها يختلف حجم المعلومات المراد توفيرها للمستخدمين وأنواع التدابير الأمنية المستخدمة. كما أن هناك أنظمة لا تعطي أدنى إهتمام لموضوع الحكومة الإلكترونية كالأنظمة الشمولية مثلاً (Totalitarian). فقضية "الوصول للمعلومات" (Information Access) تبدأ عندما نبحث عن معلومات مهمة وذات تأثير مباشر على حياتنا ولا نستطيع الوصول إليها عن طريق الوسائل المتاحة أو أن الجهات الحكومية لم تقم بنشرها. فالجهات الحكومية قد تحتفظ ببعض المعلومات الخاصة ببعض المشاريع الحكومية كمشاريع الطرق مثلاً والتي قد يحتاجها بعض الأفراد أو بعض شركات التأمين للبحث في قضايا حوادث السير للتأكد من خلو تصاميم هذه الطرق من عيوب مسببة للحوادث.


تقوم عادةً الجهات الحكومية بإستخدام مواقعها الإلكترونية على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) أو من خلال البوابات المركزية الإلكترونية (E-government Portals) لنشر جميع المعلومات التي تعتقد أنها ذات أهمية للمستخدمين. ولكن بعد تفجيرات سبتمبر قامت الولايات المتحدة وكثير من دول العالم بتقليص نسبة المعلومات المنشورة عن طريق هذه المواقع خوفاً من إستخدامها من قبل الإرهابيين للتخطيط لهجمات مستقبلية. الأمر الذي سلط الضوء (مجدداً) على المنشورات والمطبوعات الحكومية كخيار آخر للحصول على المعلومات الحكومية خصوصاً فيما يُعنى بإجراء البحوث العلمية والأكاديمية. ولضمان وصول المواطنين للمعلومات المهمة بإمور حياتهم، قامت بعض الدول بسن قوانين خاصة لضبط عملية وصول الأفراد للمعلومات الحكومية الغير منشورة. تهدف هذه القوانين إلى تنظيم عملية طلب المعلومات والحصول عليها من مختلف الجهات الحكومية مما يضمن للأفراد حق الحصول على المعلومات الحكومية ذات العلاقة المباشرة بأمور حياتهم. كما تنص هذه القوانين على إستثناء بعض الجهات الحكومية ذات الطابع الأمني مثلاً والتي يمكنها الإحتفاظ بسرية المعلومات لمدة لا تتجاوز من 30 إلى 50 سنة. قد تستغرب أخي القارئ أختي القارئة بأن مثل هذه القوانين ترجع لسنة 1766م حين قامت السويد بوضع مجموعة قوانين لنفس الغرض. كما قامت فنلندا في منتصف القرن العشرين (1951م) بوضع قوانين مشابهة، وتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 1966م.


من جانب آخر، تسعى الحكومات اليوم إلى ضمان سلامة وأمن المعلومات الحكومية من خلال تدابير فنية وغير فنية. المقصود هنا ليس فقط حراسة المعلومات من السرقة أو التشويه، بل كذلك المحافظة على المعلومات القديمة التاريخية والتي قد تتلف وتهترئ بمضي الوقت. يمكن إستخدام التقنية هنا لتوفير نسخ ضوئية إلكترونية من هذه المستندات وتخزينها في مبنى حكومي مركزي خاص بجمع المعلومات الحكومية. كما يجب على جميع الجهات الحكومية تطوير خطة لأمن المعلومات تتضمن إدارة وتحليل المخاطر والتخطيط السليم لتوظيف التدابير الوقائية والأمنية المختلفة بما فيها ضمان خصوصية وسرية معلومات الأفراد والشركات عند التعامل الإلكتروني مع الجهات الحكومية. كما يجب على المواقع الحكومية الإلكترونية أن تظهر للمستخدمين الضوابط (القوانين) المتبعة لحفظ سرية المعلومات المتبادلة عن طريق الموقع (Privacy Statement).


مما سبق نجد أن الحكومة الإلكترونية قد تبدأ بمبادرات لتوفير المعلومات الحكومية المختلفة بشأن كيفية إجراء مختلف الإجراءات والخدمات الحكومية. بعد ذلك وفي تطور آخر للمبادرات الحكومية الإلكترونية يجب على الجهات الحكومية إلتزام الشفافية في نشر المعلومات الخاصة بمختلف المشاريع الخدمية والتنموية والتي قد تستخدم لأغراض بحثية علمية بحتة. كما يجب مراعاة عدم تباين المعلومات الحكومية الواحدة بين الجهات الحكومية المختلفة، الأمر الذي قد ينقص كثيرا من مصداقية هذه الجهات الحكومية ومن ثقة المستخدمين فيها.

الأحد، ديسمبر 13، 2009

المعوقات الغير فنية لتطبيق الحكومة الإلكترونية

نبارك لكم بدايةً أعزائي القرّاء عيد الأضحى السعيد، سائلين المولى القدير أن يعيده علينا جميعا بالخير واليمن والبركات (آمين). تحدثنا في الدرس السابق عن أهم المعوقات الفنية التي قد تواجه الكثير من الدول عند محاولتها تطبيق الحكومة الإلكترونية. قد يضن أحدنا باننا إن إستجمعنا جميع المتطلبات الفنية للحكومة الإلكترونية في البلاد فسنتطيع بذلك الحصول على تطبيقات ناجحة. ربما قد يكون ذلك صحيحاً ولكن لن نستطيع أن نضمن إستخدام مثالي للتطبيقات. فنجاح التطبيقات الإلكترونية مرهون بحسن الإستخدام والإستغلال الأمثل لها ومن هنا نستنج أن هناك أبعاد غير فنية مهمة لإنتشار مبادرات الحكومة الإلكترونية في البلاد. سنحاول اليوم تسليط الضوء على هذا الجانب من معوقات تطبيق الحكومة الإلكترونية والذي يعتبر الأكثر تعقيدا والأصعب من حيث خصوصية العوامل رغم تشابهها بين الدول. سيكون حديثنا اليوم عن العوامل الغير فنية التي قد تؤثر سلباً في بناء وإنتشار مبادرات الحكومة الإلكترونية في البلاد.


بالرغم من أن العديد من القضايا الغير فنية الآتية يمكن أن نجدها في كثير من الدول، يجب الإنتباه بأن لكل دولة خصوصيتها من حيث حجم تأثير هذه العوامل وكيفية إنتشارها في الدولة. إليكم أخواني القرّاء بعض أهم المعوقات الغير فنية للحكومة الإلكترونية:


· دعم وفهم القيادة: نقصد بالقيادة هنا رئاسة الدولة ورئاسة المؤسسات الحكومية بمختلف مستوياتها. ربما قد يعتقد البعض أن دعم القيادة تعني بالضرورة فهمها للقضية المطروحة. فكيف يمكن أن تقوم دولة ما بالحث على تطبيق الحكومة الألكترونية دون أن تكون واعية بجميع أبعادها؟ في الحقيقة يوجد هناك فجوة مهمة بين العنصريين السابقيين، فقد يحدث أن نجد دعماً من القيادات في البداية وتراجعاً بعد ذلك بسبب عدم الإلمام الكامل بجميع الجوانب كالجانب الزمني والجانب المادي مثلاً. فهناك من يضن بأن نتائج التطبيقات الحكومية الإلكترونية ستبدأ بالظهور فور تطبيقها وهناك من يضن بأن المصاريف المادية هي فقط لبناء الأنظمة دون النظر إلى المصاريف الأخرى كالمصاريف التسويقية والتشغيلية والتدريبية وغيرها. الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى إلغاء أو تأجيل الكثير من المبادرات.


· الفجوة الرقمية والأمية الرقمية: يشمل هذا الجانب أمية القراءة والكتابة بين أفراد المجتمع وجهل الكثيرين بفوائد الإستخدام الإلكتروني. أظف إلى ذلك من لا يرغب بالإستخدام الإلكتروني رغم تمكنه ومعرفتة الجيدة بها لأسباب أمنية أو إجتماعية. وهناك من لا يتسنى له الإستخدام الإلكتروني رغم رغبته الشديدة لذلك ربما لوجوده في أماكن نائية قد لا تصل لها خدمات الإنترنت أو لعدم إستطاعته تحمل التكاليف المادية لشراء جهاز حاسوب أو الإشتراك في الإنترنت أو بسبب إفتقاره لمهارات الإستخدام الصحيح لتقنية المعلومات. جميع هذه الشرائح من المجتمع قد تشكل نسبة كبيرة لا يجدي معها الإسراع بتطوير التطبيقات الإلكترونية في ظل عدم تمكنهم من الإستخدام الصحيح.


· ثقافة المؤسسات الحكومية ومقاومة التغيير: تحتاج الكثير من تطبيقات الحكومة الإلكترونية إلى بعض التغييرات والتطويرات في إجراءات المؤسسات وكذلك في تعديل أو إلغاء بعض البرمجيات القديمة. الأمر الذي قد يواجه بكثير من المقاومة المباشرة والغير مباشرة من مختلف الدوائر والموظفين داخل المؤسسة الحكومية. فجميعنا نكره أن نُجبر على تغيير ما تعودنا عليه من عمل لسنوات عديدة. وهناك من يرى في شفافية الحكومة الإلكترونية تهديدا لمصالحه الشخصية وإنتقاصا من سلطته في العمل. وهناك من يحاول أن يطور التطبيقات الحكومية حول أهداف ومصالح المؤسسة الحكومية متجاهلاً إحتياجات المستخدمين والمراجعين وأصحاب المصلحة. فكيف يمكن توحيد جميع هذه الفئات من الموظفين حول منظومة واحدة وهدف واحد؟

· التعاملات الرقمية: إنتشرت الجرائم الإلكترونية في العالم أجمع وإنتشر صداها بين الناس. الأمر الذي جعل الكثيرين يتخوفون من التعاملات الإلكترونية التي قد تتطلب الإفصاح عن معلومات شخصية أو مالية. فهناك من يسمع بأن بعض المتسللين قد تمكنوا من إختراق بعض مواقع كبرى الشركات العالمية قكيف سيكون الأمر مع المواقع الحكومية التي قد تفتقر للخبرة للدعم الفني والمادي الجيدين؟


· ثقة المستخدمين: هناك دول كثيرة عانت وتعاني من نقص ثقة شعوبها في الحكومات. ففي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مثلا، أدت الحرب على العراق بسبب زعم قيادات هذه الدول بوجود أسلحة دمار شامل إلى تناقص ثقة المواطنين وربما الناس أجمع في مصداقية هذه الدول. الأمر الذي سيؤثر سلباً في جميع المشاريع الحكومية المستقبلية حيث باتت الشعوب في شك وتخوف من مصداقية هذه الحكومات.


من هنا نرى أن الأمر ليس مجرد تطوير تقني للتطبيقات الإلكترونية داخل وخارج المؤسسات، بل يتعداه لقضايا مهمة يصعب التعامل معها. الأمر الذي يجعل للحكومة الإلكترونية خصوصية فريدة عند التخطيط والتطبيق.

السبت، ديسمبر 05، 2009

المعوقات الفنية لتطبيق الحكومة الإلكترونية

يعتبر مبدأ إستخدام تقنية المعلومات لتحسين العمل الحكومي (الحكومة الإلكترونية) من الأمور الصعبة التنفيذ والتطبيق حتى على الدول المتقدمة حول العالم. ولعل من الغريب في الأمر أن تصبح تقنية ونظم المعلومات والتي هي من أهم الأدوات لتحسين الإقتصاد العالمي، عائق كبير أمام تطور هذا الإقتصاد. فنجاح التقنية مرهون بحسن الإستخدام وتقبل المستخدمين وتوفر الظروف المناسبة (الفنية والغير فنية) داخل وخارج المؤسسات المطبقة. فما هي فائدة تبني أفضل ما توصل له العلم من تطبيقات إلكترونية دون وجود بيئة مناسبة لإحتظانها؟


عند التأمل في مبادرات مختلف الدول حول العالم فيما يخص تطبيقات الحكومة الإلكترونية سنجد أن هناك العديد من المعوقات التي تبطء أو تؤدي إلى فشل بعض هذه المبادرات. يمكننا أن نقسم هذه المعوقات إلى نوعين رئيسين وهما المعوقات الفنية (Technical) والمعوقات الغير فنية (Non-Technical). نقصد بالأولى تلك العوامل والقضايا التي تُعنى بالجانب التقني في المعادلة كما سنسرد لاحقاً. أما النوع الآخر فهو الأصعب والأكثر تعقيداً لما يحتويه من عوامل تنبع من ثقافات الدول وسياساتها الداخلية والخارجية. سيكون حديثنا هذا اليوم عن النوع الأول من معوقات تطبيق الحكومة الإلكترونية كما يمكن إستنتاجه من تجارب كبرى دول العالم. وسنتحدث في درس الأسبوع المقبل عن النوع الثاني.


من أهم القضايا الفنية التي تعتبر من معوقات الحكومة الإلكترونية هي البنية التحتية لتقنية المعلومات في الدولة. نقصد هنا البيئة التقنية المتوفرة للدولة والتي يمكن أن يعتمد عليها في إحتظان أفضل التطبيقات الإلكترونية بما قد تحتاجه هذه التطبيقات من متطلبات فنية مسبقة. فمن الأمثلة على القضايا التي تندرج تحت هذا العنوان:

· الشبكة الوطنية: تحتاج الكثير من التطبيقات الإلكترونية الحديثة إلى شبكة إنترنت متينة وسريعة والتي يمكن أن تتنوع بين شبكات سلكية تعتمد على تقنية الألياف البصرية أو شبكات لاسلكية ذات نطاق عريض (Broadband) كشبكات الجيل الثالث (3G) والواي ماكس (WiMax). يجب مراعاة التكامل بين مثل هذه الشبكات حيث يجب دراسة جدوى تطبيق واحدة من هذه الشبكات أو الإثنين معا حسب إحتياجات المنطقة الجغرافية والديموغرافية.


· الإنترنت: سرعة الإنترنت وتسعيراتها المختلفة من أهم العوامل المهمة لإستخدام معظم تطبيقات الحكومة الإلكترونية. فإذا كان السعر عالياً أو فقط في متناول القليل من شرائح المجتمع والذين عادةً ما يستعينوا بوكلاء أو موظفين لإنهاء تعاملاتهم مع الدوائر الحكومة، فلن تكون الحكومة الإلكترونية ذات جدوى كبيرة. كذلك يجب على الدول (القادرة) أن توفر خدمة الإنترنت بتسعيرات مغرية قد تصل بالمجان في بعض المواقع وبسرعة كبيرة. الأمر الذي قد يشجع الكثيرين من أصحاب الدخل المحدود على تعلم هذه التقنية وإكتشاف كيف يمكن أن تفيدهم شخصياً وإجتماعياً ومادياً. كذلك فإن المواقع الإلكترونية الحديثة تعتمد كثيراً على تقنيات الوسائط المختلفة كالملفات الصوتية والمرئية والصور ذات النقاوة العالية مما يجعل من السرعة العالية للإنترنت أمراً ضرورياً لا شكلياً.


· خطوط الهاتف الثابت والمحمول: تعتمد بعض تطبيقات الحكومة الإلكترونية على الهواتف في تنفيذ بعض المعاملات مع مختلف الجهات الحكومية. فقد يقوم المواطن بالإستفسار عن معاملة ما أو طلب معلومات معينة عن خدمة ما كخدمات الرد الصوتي التفاعلي (IVR) أو حتى إجراء معاملة كاملة بإستخدام الهاتف كحجز مواقف السيارات بإستخدام الرسائل النصية (SMS). الأمر الذي يجعل من كفاءة هذه الخطوط وكذلك تسعيراتها المختلفة أمراً مهما لتشجيع أو تثبيط المستخدمين من إستخدام تطبيقات الحكومة الإلكترونية المعتمدة على هذه الأجهزة.


· النظم القديمة (Legacy Systems) أو صوامع المعلومات (Information Silos): تدرجت الجهات الحكومية في إستخدامها وتوظيفها لتقنيات المعلومات من بداية إكتشاف الحواسيب دون رؤية مشتركة واضحة. الأمر الذي جعلنا نرى مختلف الأقسام بالمؤسسات الحكومية تتبنى أنظمة تقنية مختلفة لا يمكن أن تندمج وتتكامل فيما بينها، ناهيك طبعاً أن تستطيع أن تعمل وتتحد مع دوائر وجهات حكومية خارجية مختلفة أيضاً. فبمثل هذه الصوامع، لن تستطيع الجهات الحكومية أن تتشارك بالمصادر والمعلومات فيما بينها. أظف إلى ذلك صعوبة نقل البيانات (Data Migration) من مثل هذه الأنظمة إلى أنظمة حديثة قائمة على تقنيات تسهل عمليات الإندماج والمشاركة.


من العوامل الفنية كذلك والتي تختلف نوعا ما عن العامل الأكبر السابق (البنية التحتية) هي معايير العمل البينية (Interoperability Standards) و طرق تطوير التطبيقات الإلكترونية. فلكي تستطيع الجهات الحكومية أن تضمن تدفق إلكتروني سلس للمعلومات فيما بينها، يجب أن يتم تطوير معايير وإجراءات محددة لكيفية إرسال وإستقبال مختلف البيانات الإلكترونية بمختلف أنواعها وأشكالها. مثل هذه المعايير يجب أن تنبع من رؤية واحدة وأهداف مشتركة واضحة وتغييرات مختلفة قد تكون جذرية في بعض الأحيان لعمليات الجهات الحكومية الداخلية. من جانب آخر، هناك طرق مختلفة لتطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الحكومة الإلكترونية المختلفة قد تؤثر بشكل كبير في نجاح أو تأخر إستخدام التطبيق الإلكتروني. فهناك طرق تدور حول حاجة الجهات الحكومية وأخرى حول حاجات المستخدمين وأنواعهم. وهناك طرق تستعرض المعلومات والخدمات الحكومية المختلفة حسب أحداث الحياة المختلفة التي قد تواجه المستخدمين. كل من هذه الطرق لها إيجابياتها وسلبياتها والتي يجب أن تراعي في جميع الأحوال عوامل الإستخدامية (Usability) والوصول (Accessibility) والأمن (Security) والسرية (Confidentiality) وغيرها من عوامل بناء التطبيقات الإلكترونية.

الاثنين، نوفمبر 23، 2009

تجارب الدول المتقدمة في الحكومة الإلكترونية

إنتشرت تطبيقات الحكومة الإلكترونية حول العالم إنتشاراً واسعاً والتي يمكن أن تصنف حسب نسبة فاعليتها وكفاءتها إلى تطبيقات ناجحة وأخرى غير ناجحة. فالنجاح هنا غير مرهون بالجانب التقني فقط، فهناك دول متقدمة تقنيا وتكنولوجياً عانت كثيراً في إقناع مواطنيها في تبني مبدأ التعامل الإلكتروني مع الجهات الحكومية. وهناك دول أقل تطوراً كدولة أستونيا مثلاً فاقت دول أخرى أكثر نمواً كألمانيا حسب ترتيب الأمم المتحدة لجاهزية دول العالم للحكومة الإلكترونية لعام 2008م، مما يجعلنا نتسائل عن السبب. لعل من أهم هذه الأسباب هو إستفادة هذه الدول (الأقل تطوراً) من تجارب الدول الكبرى التي قامت بأخذ زمام المبادرة أولاً. فقد عانت الدول الأولى المطبقة للحكومة الإلكترونية من بعض القضايا والمعوقات الفنية والغير فنية مما إضطرها في أحيان كثيرة إلى إلغاء وتعديل وتحسين الكثير من المشاريع من أجل تقليل تأثير هذه المعوقات. أما الدول التي بدأت بالتطبيق لاحقاً، فقد إستفادت من هذه التجارب وبدأت بخطوات ثابتة ورؤية واضحة لمعظم القضايا المحيطة بمصطلح الحكومة الإلكترونية. سنقوم اليوم في هذا الدرس السابع بالتأمل في تجارب ثلاثة من كبرى دول العالم وإستخلاص بعض الفوائد والدروس والعبر التي قد نستفيد منها في السلطنة.


· الولايات المتحدة الأمريكية: تراجع ترتيب أمريكا حسب تصنيف الأمم المتحدة من المرتبة الأولى عالميا في عام 2005م إلى المرتبة الرابعة في 2008م. لعل من أهم ما يميز التجربة الأمريكية في هذا المجال هو تأثير فهم ودعم القيادة لمشروع الحكومة الإلكترونية. فعند التأمل في التاريخ، نجد أن أول من بدأ بإدخال هذا المصطلح إلى البلاد هو الرئيس السابق بل كلنتون في عام 1997م حيث حدد ضرورة إدخال خدمات إلكترونية من خلال مواقع الجهات الحكومية. وقام خلال فترة رئاسته الثانية بتشكيل فريق عمل للتخطيط والتنسيق لإدخال تقنيات الحكومة الإلكترونية في الجهات الحكومية. يأتي بعد ذلك الرئيس السابق جورج بوش في 2000م (وهو من حزب مختلف) ويلغي تقريباً كل ما خططت له إدارة كلنتون ويبدأ بفهم وخطط جديدة للمشروع مما سبب تأخيرا للمشروع و الكثير من المصادر الضائعة. شهد مشروع الحكومة الإلكترونية تطوراً ملحوظاً في عصر بوش ربما بسبب إستمرار إدارته لفترتين رئاسيتين (8 سنوات) ولولا ذلك لربما جاء الرئيس الجديد بأفكار مخالفة. كذلك مما يمكن للتجربة الأمريكية أن تفيدنا هو ضرورة التخطيط السليم لكيفية ربط المؤسسات والدوائر الحكومية المختلفة إلكترونياً من خلال شبكات عمل وسياسات عمل بيني (Interoperability Standards). فالأمر في أمريكا مختلف عن معظم دول العالم، فالحكومة مكونة من ثلاثة طبقات (مستويات): المستوى الفيدرالي (الرئاسي) والمستوى الخاص بكل ولاية (كل ولاية لها أنظمة مختلفة) والمستوى المحلي (كل مدينة داخل كل ولاية لها إهتمامات مختلفة). فكيف يمكن ربط جميع المدن أو الضواحي بمختلف مؤسساتها بجميع الولايات بمختلف قوانينها بالحكومة المركزية الفيدرالية في بوابة واحدة؟ من المنجزات في هذا الباب هو مشروع البنية الفيدرالية (Federal Architecture) والذي يهدف إلى ربط ودمج مستويات الحكومة المختلفة.


· المملكة المتحدة (بريطانيا): تراجع ترتيب بريطانيا حسب تصنيف الأمم المتحدة من المرتبة الرابعة عالميا في عام 2005م إلى المرتبة العاشرة في 2008م. من أهم ما واجهته الحكومة البريطانية في هذا الصدد هو عدم إقبال مواطنيها على إستخدام خدمات الحكومة الإلكترونية بالرغم من إقبالهم الشديد على خدمات التجارة الإلكترونية في البلاد. يرجع أهم أسباب ذلك لتذبذب ثقة المستخدمين بحكومتهم وشعورهم الكبير أن معلوماتهم الشخصية قد تكون عُرضة للإنتهاك من قبل رجال الحكومة. سنخصص درس خاص إن شاء الله عن مصطلح الثقة وتأثيره في تطبيقات الحكومة الإلكترونية. من ضمن الإجراءات التي إتخذتها الحكومة البريطانية لزيادة ثقة المواطنين ومجاراة النجاح الكبير للتطبيقات التجارية الإلكترونية هو تطوير بوابة إلكترونية تدور حول رغبات وإهتمامات المستخدمين. فلم يعد يحتاج المواطن البريطاني إلى معرفة الجهة الحكومية المنفذة للخدمة المنشودة، فالخدمات قد تم ترتيبها في البوابة الإلكترونية حول أنواع المستخدمين والأحداث الروتينية التي تحدث في الحياة.


· أستراليا: تراجع ترتيب أستراليا حسب تصنيف الأمم المتحدة من المرتبة السادسة عالميا في عام 2005م إلى المرتبة الثامنة في 2008م. من أهم ما يميز التجربة الأسترالية هو كيفية تعاملها مع مختلف الثقافات والديانات واللغات المختلفة في البلاد. فتطبيقاً لمبدأ الشمول الإجتماعي (Social Inclusion) والذي ينص على ضرورة توفير الخدمات المريحة لكافة شرائح المجتمع بإختلاف أماكن تواجدهم ودرجة تعليمهم وثقافاتهم، قامت أستراليا بتطوير مواقع إلكترونية بعدة لغات كالعربية والصينية والماليزية والإندونيسية واليونانية والهندية وغيرها. أظف إلى ذلك معاناة الدولة من الهوة (الفجوة) الرقمية، حيث يقطن الكثير من السكان الأصليين (الأبورجين) في وسط البلاد (الصحارى) والذين عادة ما تختلف نسبة تعليمهم وقدرتهم على إستخدام أو الوصول للتقنيات عن باقي السكان في المدن. من جانب آخر، تفيدنا التجربة الإسترالية إلى ضرورة التنبه إلى التأثير السلبي في فرض موعد محدد لتوفير الخدمات الحكومية. حيث قام الرئيس الأسترالي السابق جون هاورد بفرض موعد محدد (نهاية 2001م) تلتزم فيه جميع الجهات الحكومية بأن تقوم بتوفير جميع الخدمات المناسبة إلكترونياً. الأمر الذي جعل المنفذين يسعون إلى توفير الكم المناسب دون النظر إلى الكيف (الجودة) والكفاءة المرتجاه (التسرع في تقديم الخدمة الإلكترونية).


مما سبق، إستنتجنا أخواني القرّاء من تجارب بعض الدول المتقدمة بعضا من القضايا المهمة والتي سنستعرضها بقليل من التفصيل في الدروس القادمة. ساهمت هذه القضايا في إعاقة مشروع الحكومة الإلكترونية عند هذه الدول، الأمر الذي أعطى الدول الثانية أفضلية في التخطيط والتقدم بثبات ونجاح. يجب التنبه إلى أن جميع الدول السابقة قد تشترك وتختلف فيما بينها وبين السلطنة في أمور كثيرة. لذلك يجب أن نراعي مثل هذه الإختلافات عند محاولتنا في تطبيق الحلول المستسقاه من تجاربهم. فلا يجب أن نقوم ببساطة بتطبيق حلولهم دون مراعاة خصوصية السلطنة من مختلف النواحي (الدينية، الإجتماعية, الديموغرافية، الثقافية، السياسية، الإقتصادية وغيرها).