الاثنين، أكتوبر 31، 2011

تقنية المعلومات تزيد عدد الباحثين عن عمل!


بداية نبارك لكم أعزائي القرّاء دخول العشرالأوائل من شهر ذي الحجة، سائلين الله المولى القدير أن يعيدها علينا وعلى بلادنا وسلطاننا المفدى أعواما عديدة بالخير واليمن والبركات .

لطالما اعتقد الكثيرون بأن لتقنية المعلومات مساوئ عدة منها ما قد يترتب على إحلال الآلة والحواسيب مكان البشر من تزايد عدد الباحثين عن عمل وتضاعف عدد غير العاملين في مختلف البلدان. ولطالما كانت إجابة المختصين في التقنية لهذه الظاهرة بأنها قد تكون صحيحة في الأمد القريب أو لبعض الوقت فقط وفي المقابل ستوفر التقنية وقطاعها الحيوي فرصا عمل أكثر وأكبر في المستقبل البعيد. طبعا لم يعد أحد يناقش أو ينتبه لهذه الظاهرة بشكل عام، الأمر الذي يؤكده إقبال الدول المتقدمة والنامية على سواء على تطوير قطاع التقنية والاتصالات إيمانا بأهميته في تنمية جميع القطاعات الأخرى. فقد أصبح اليوم قطاع التقنية من أساسيات البنى الأساسية لجميع الدول والذي تعتمد عليه بقية المشاريع التنموية كما يعتبر أيضا من أهم المؤشرات الإقتصادية لتعزيز مكانة الدول التنافسية إقليميا وعالميا.

قام الباحثان الإقتصاديان إرك برنيوفسن (Erik Brynjolfsson) وأندرو مكافي (Andrew McAfee) في كتابهما الذي نشر قبل عدة أيام فقط تحت عنوان "سباق ضد الآلة" (Race Against The Machine) بإثارة زوبعة من التساؤلات والبراهين على أن التقنية الحديثة ليست إلا سلاحاُ لزيادة غنى الأغنياء وفقر الفقراء. فالتقنية في نظر مؤلفي الكتاب باتت اليوم تهدم الأعمال بدلا من خلقها. الأمر الذي ساهم بشكل مباشر في ازدياد عدد الباحثين عن عمل في العالم. ليس ذلك فحسب، فالباحثان يؤكدان ايضا بالأدلة بأن التقنية في مجملها تعتبر من أهم أسلحة قادة الشركات والمؤسسات المختلفة لتحقيق الأرباح الطائلة على حساب صغار الموظفين الذين عادة ما يتم الإستغناء عنهم بسبب استخدام الآلات والبرمجيات. فالتقنية قد تظهر لنا تقدما وازدهارا في الإقتصاد المحلي أو الإقليمي أو الدولي. الأمر الذي لا يعني بالضرورة بأن ذلك في صالح جميع فئات الناس. فهناك تقنيات وبرمجيات ألغت بعض الوظائف كتلك الأعمال التي حلت مكانها الأجهزة الآلية (Robot) في تصنيع السيارات. كما أن هناك وظائف مهددة بالزوال في القريب العاجل كبعض وظائف مكاتب السفر والتي تواجه تهديدا كبيرا من مواقع الحجوزات الإلكترونية في الإنترنت، وقس على ذلك. لا يعتبر هذا الكتاب بجديد فقد قام كذلك المهندس ورجل الأعمال مارتن فورد بإصدار كتاب بعنوان "الأضواء في النفق" (The lights in the Tunnel) في عام 2009 تطرق فيه إلى مستقبل الاقتصاد العالمي مع التطور الملحوظ في التقنية وأتمته الأعمال والعولمة بشكل عام والذي أكد فيه كذلك ان للتقنية مساوئ يجب على الجميع اليوم معرفتها والتخطيط لها خصوصا تلك التي قد تؤثر على التماسك المجتمعي والنظام الإقتصادي بشكل عام في البلدان.


عند التأمل في محتوى هذين الكتابين سنجد تركيزهما على الدول المتقدمة بشكل عام وعلى الولايات المتحدة بشكل خاص كون هذه الدول تشهد اليوم طفرة كبيرة وتنافسا شديدا في قطاع التقنية ونظم المعلومات. الأمر الذي يتيح الفرصة لنا نحن في الدول النامية لاكتساب الدروس من هذه التجارب وتجنب السلبيات التي قد تقع في المستقبل. الأمر الذي قد يعتبر من إيجابيات (التخلف) القليلة إذا صح التعبير. فإذا تبينت صحة زعم هؤلاء المؤلفين وغيرهم من الباحثين فأمامنا اليوم فرصة لتجنب الوقوع في سلبيات التوظيف الشامل والسريع وغير المدروس للتقنية. طبعا علينا أن لا ننتظر الحلول من الدول المتقدمة لنقوم بتطبيقها دون دراسة لمدى ملاءمتها لبيئتنا ومقدار حاجتنا لها. فيجب أن نبدأ بدراسة السلبيات الحالية والمتوقعة لانتشار التقنية بجميع أنواعها ووضع نتائج هذه الدراسات في عين الاعتبار عند صياغة خططنا المستقبلية قصيرة الأمد والاستراتيجية بشكل خاص.

سُئلت الأسبوع الماضي في برنامج البث المباشر الإذاعي عن نفس القضية وهي تخوف بعض الناس من التقنية لاعتقادهم أنها تساهم في تهميش وإلغاء وظائف بعض العاملين خصوصا أصحاب الأعمال المتوسطة والصغرى. في رأيي المتواضع أن المسؤولية مشتركة بين الموظفين وأرباب العمل. فعلى الرؤساء في العمل النظر في كيفية تحفيز العاملين دائما وحضهم على حسن المبادرة في العمل وعلى اكتساب المهارات والعلوم الجديدة باستمرار. كما أن على الموظفين أيضا باختلاف أعمالهم ومستوياتهم الوظيفية أن يستشعروا باستمرار التغييرات والتطورات من حولهم على مستوى جهة العمل والدولة والعالم بشكل عام. فالتغييرات لن تحدث في غمضة عين بل سيتم استحداثها وتبنيها بتدرج مما يسهل على الموظف الفطن معرفتها والإحساس بها والنظر في كيفية التعامل معها. فإما ان نتجاهلها ان كنا مستعدين لها مسبقا، أو سيترتب علينا تعلم مهارات جديدة في نفس التخصص أو ربما تغيير التخصص وأسلوب العمل بشكل جذري.

الثلاثاء، أكتوبر 25، 2011

عقدة الخواجة بيننا


يقال إن للاستعمار أشكالا عديدة منها ما يحدث بمحض أيدينا واختيارنا ومنه ما قد يفرض علينا فرضا. لا يختلف اثنان اليوم على التأثير الغربي الكبير على بلداننا العربية والإسلامية على حد سواء والسلطنة ليست بمعزل عن ذلك. فالتأثير موجود بيننا جميعا ولكن تختلف حدته ونوعه بين شعب وآخر. تعتبر التأثيرات الأجنبية إيجابية في بعض جوانبها ولكن هناك سلبيات عديدة قد تتولد منها إن لم نحسن التعامل معها وتحسسها قبل شيوعها وكذلك إن لم نعمد لوضع الضوابط والاحترازات لها. قرأت قبل مدة زمنية ليست بالبعيدة تصريحا لأحد علمائنا الأجلاء بأن هناك ظاهرة تنتشر بين شبابنا في السلطنة تسمى بظاهرة الأيمو (EMO) وهي اختصار لمسمى (Emotional Hardcore) والتي نشأت في الغرب بين فئات الشباب المولعين بالغناء الصاخب المسمى بـ (Rock) والتي حاولوا ان يصبغوا لهم صبغة معينة من خلال ملابس وتسريحات مميزة (من وجهة نظرهم) ليستطيعوا تمييز أنفسم عن الفئات الأخرى المشابهة لهم وعلى رأسها الفئة المعروفة باسم الـ (Punk)  فعندما نرى بعض شبابنا يقومون بتقليد هذه الصرعات دون علم (أو حتى بعلم) عن مدلولاتها أو ببعدها التاريخي والاعتقادي نجد في ذلك مؤشرا لبداية مشاكل مستقبلية يجب علينا ليس فقط التنبيه بسلبياتها بل النظر في كيفية احتوائها بما يضمن لنا المحافظة على هويتنا العمانية العربية الإسلامية الأصيلة.

قد يتعدى التأثير الغربي أو ما يسمى بعقدة الخواجة سلوكياتنا الاجتماعية إلى الحياة العملية والمهنية بما فيها من تأثيرات إقتصادية على البلد. فكم من المرات أحس أحدنا بأن الأفكار المحلية التي مصدرها مواطنون عمانيون قد لا تلقى صدى كبيرا بين المسؤولين وأصحاب القرار إن لم يختم عليها باسم أحد الخبراء أو الشركات الأجنبية. وكم من المرات قامت العديد من الجهات الحكومية والخاصة بالاستعانة بشركات وخبرات خارجية دون النظر إلى الخبرات المحلية على الأقل من باب إشراكهم في العمل لكسب مزيد من الخبرات. كثيرا ما سمعنا ورأينا بمثل هذه الحكايات التي قام فيها بعض العمانيين ببذل الجهد الكبير في العمل ولكن الثقة في نتاجهم من قبل رؤسائهم كانت شبه مفقودة. أخبرني أحد الإخوة بأنه بذل ما يقارب عاما كاملا مع فريق عمل محلي لرفع تقرير عن دراسة معينة لجهة عمله. ما لبثت هذه الجهة (أو صاحب القرار) أن استعان بشركة استشارية أجنبية نظير مبلغ ثلاثين ألف ريال عماني لعمل نفس الدراسة والتي لم تزد على نتائج التقرير الأول إلا بعض الجمل الهامشية وبعض الأمور الشكلية. ففازت الشركة بالمبلغ المالي ولم يحصل فريق العمل المحلي حتى على رسالة شكر!


الأمثلة كثيرة إخواني القرّاء ولعل آخرها بالنسبة لي هو ما واجهه الزميل الدكتور جميل الشقصي والذي شارك في معرض السلامة المرورية بمشروع تقني يعتبر الأول من نوعه في الشرق الأوسط إن لم يكن في العالم أجمع للحد من حوادث السير التي سببها السرعة القاتلة. فبالرغم من العديد من جمل الإطراء والتشجيع الذي وجدناه من معظم الزوار إلا أن ما أزعجنا كثيرا هو تشكك العديد من أصحاب القرار في مقدرة الإنسان العماني على الإبداع (الإتيان بجديد) حاله حال أي إنسان آخر في هذا العالم. فكانت مجمل تساؤلاتهم عما إذا كانت هناك دول قد سبقتنا لمثل هذا المشروع أو أنه ليس بالإمكان تطبيق فكرة جديدة في السلطنة إلا بعد ان تتبناها دولة متقدمة تثبت لنا نجاحها. ما هذه العقلية التي تفرض على الشعب حب التقليد بدلا من التشجيع على الابتكار؟ ولماذا لا نكون نحن العمانيين من يصّدر للعالم بعض الأفكار الجديدة الإبداعية؟ أم قد ختم علينا بالذلة والمسكنة وعدم القدرة على التفكير؟

ما هذا إلا ذوبان في العقلية الأجنبية وتأثير واضح لعقدة الخواجة بما لها ما تأثيرات واضحة على جميع مجالات حياتنا. لذلك علينا اليوم في السلطنة أن نخطط لكيفية التعامل مع الغزو والتأثير الفكري الأجنبي السلبي بجميع أنواعه. فالسبب يرجع كما هو معلوم إلى تفوق الغرب الكبيرعلينا في جميع مجالات الحياة تقريبا. فمن الطبيعي بمكان أن تتبع الدول الضعيفة الدولة القوية كما كان الحال في العصر الذهبي للأمة الإسلامية وتأثيرها الواضح على الدول الغربية آنذاك وإلى اليوم. حيث كان طالبو العلم الغربيون يهاجرون لتلقي العلم على أيدي المسلمين بل ويتباهون بمعرفتهم بأحاديث ونظريات العلماء المسلمين كما نتباهى اليوم نحن بمعرفتنا لنظريات الغربيين. ليس هذا مسوغا أن نذوب في الحضارة الغربية دون أن نُعمل العقل في أخذ كل ما هو مفيد وترك مالاينفع. في البداية يمكن أن نعترف بوجود المشكلة وبعد ذلك نحلل أسبابها وتأثيراتها الدينية والاجتماعية والاقتصادية محاولين وضع الحلول الناجعة على شكل مشاريع إنمائية فكرية استراتيجية للمحافظة على هويتنا التي طالما حرصت حكومتنا على صيانتها.

الأربعاء، أكتوبر 19، 2011

نحو بيئة تجارية مستدامة


اختتمت الأسبوع الماضي فعاليات المؤتمر العالمي لنظم المعلومات في جامعة السلطان قابوس الذي قمنا بتنظيمه في قسم نظم المعلومات بكلية التجارة. تم اختيار الفكرة الرئيسية للمؤتمر لتكون «نظم المعلومات نحو بيئة تجارية مستدامة». أثار هذا العنوان تساؤل الكثيرين من المسؤولين من مختلف جهات العمل ومنهم قنوات الإعلام في السلطنة سواءً المقروءة (الجرائد والمجلات) أو المسموعة (الإذاعة) أو المرئية )التلفاز). فكانت معظم تساؤلاتهم تدور حول معنى البيئة التجارية المستدامة وعلاقتها بنظم المعلومات بالإضافة إلى أدوات أو طرق هذه الاستدامة. كانت إجابتنا المختصرة لهذه التساؤلات ببساطة هو أن هناك الكثير من الأعمال والشركات الصغيرة (خصوصا) والمتوسطة (احيانا) التي بدأت ثم توقفت بسبب عدم قدرتها على المواصلة ومواجهة تحديات العمل في سوق يتصف بالتنافس الشديد. فمن اهم اهداف الشركات والمؤسسات المختلفة اليوم هو الديمومة في العمل وهنا يأتي دور التقنية بشكل عام ونظم المعلومات بشكل خاص بالإضافة الى عوامل اخرى ايضاً لتحقيق الاستمرارية في العمل، فكيف ذلك؟

يعتبر التنافس التجاري اليوم بمختلف أنواعه من أهم ركائز الاقتصاد العالمي الحر الذي يشجع على التنافس الشريف ويحبط المحاولات الاحتكارية لبعض الشركات العالمية (الكبيرة عادةً). لذلك نرى اليوم التنافس على أشده خصوصا ونحن نعيش عالم العولمة الذي جعل من الكرة الأرضية بيتاً صغيراً بسبب التطور الكبير في قطاع التقنية والاتصالات لذلك نرى التنافس التجاري بين الشركات والمؤسسات المختلفة وبين الدول أيضاً يكمن حول كيفية الاستحواذ على الفوائد المرجوة كالأموال والاسثمارات المختلفة والزبائن. فأصبحت الشركات التجارية في منظومة الاقتصاد الرأسمالي اليوم تنظر لنا نحن المستهلكين كأكياس مليئة بالنقود تمشي على الأرض وتسعى جميع هذه الشركات خصوصاً المختصة منها في البيع بالتجزئة إلى استدراجنا نحو منتجاتها بشتى الطرق. فهناك من الشركات التي تركز على الجودة كمعيار للتنافس والتميز كأمثال شركة أبل (Apple)  الأمريكية مثلاً. وهناك من ينافس في السعر فيسعى جاهداً لتقديم المنتجات والخدمات بأسعار أرخص من السوق كشركة أيسرAcer)) من تايوان وهناك ايضاً من ينافس في سرعة التنفيذ أو في وقت إنجاز المعاملات أو تقديم الخدمات بهدف توفير الوقت على الزبائن واختصار الجهد عليهم، والسؤال هنا كيف يمكن لهذه الشركات أن تنافس بأحد هذه الأساليب أو أكثر؟


الأمر ليس كما يبدو إخواني القرّاء، فالمنافسة هنا ليست على الزبائن وطرق الجذب التجاري فحسب، بل تتعداه بشكل كبير الى الحصول على المعلومات المفيدة أولاً قبل المنافسين. نعم اخواني القرّاء، فالمعلومات هي إحدى أهم ركائز العمل والحياة بشكل عام. فكما أننا لا نستطيع العيش بدون الماء والهواء، كذلك هو الحال للشركات فهي لا تستطيع العمل والمنافسة في عصر العولمة الذي نعيشه اليوم بدون معلومات تساعدهم على العمل اليومي واتخاذ القرارات. فجميع موظفي الشركات والمؤسسات الحكومية خصوصا أصحاب القرار يحتاج الى معلومات مختلفة كل يوم وكل ساعة. نقصد هنا تلك المعلومات التي تتصف بالصحة كماً وكيفاً وتوقيتاً والتي تساعد على اتخاذ القرارات بأنواعها التكتيكي والاستراتيجي فالأمر أصبح مرهونا باتخاذ القرارات الأصوب قبل الآخرين كوسيلة للاستدامة في العمل والإجادة على المنافسين. فلنتذكر الأزمة المالية العالمية مثلاً وأسبابها ولنتخيل كيف كان الأمر سيؤول اذا ما توفرت معلومات عن هذه الأزمة لإحدى الشركات العالمية قبل حدوثها ببعض الوقت

لذلك وبسبب أهمية المعلومات اليوم في استدامة البيئة التجارية، نشأ في مطلع التسعينات من القرن الماضي تخصص نظم المعلومات وبعد ذلك ببضع سنين ظهر تخصص تقنية المعلومات اللذان يتكاملان اليوم لتوفير المعلومات المناسبة للأشخاص المناسبين داخل المؤسسات التجارية في الوقت المناسب بالطريقة والكم والكيف المناسبين ايضاً. فمع الثورة المعلوماتية الكبيرة اليوم، أصبحت نظم المعلومات من أهم ركائز الأعمال التجارية. أما تقنية المعلومات فتوفر البنية الأساسية لبناء نظم المعلومات. الأمر يأخذنا إلى ضرورة التنبيه على الشركات في السلطنة والمؤسسات الحكومية كذلك إلى ان التركيز الحالي على تقنية المعلومات جيد ولكن فقط الى حين. فتقنية المعلومات داخل المؤسسات بدون نظم المعلومات تعتبر قاصرة غير ذكية، بحيث تقوم بأتمة الأعمال فقط. وكذلك هو الحال لنظم المعلومات والذي يعتمد بشكل كبير على توفر البنية التقنية الأساسية التي يوفرها تخصص تقنية المعلومات. لذلك فالحقبة القادمة ستكون في توظيف نظم المعلومات في مختلف دوائر المؤسسات للاستفادة من الكم الكبير من المعلومات المتوفرة داخل وخارج الشركات لتحقيق بيئة تجارية مستدامة.

الاثنين، أكتوبر 10، 2011

ماذا ورث العالم من رئيس شركة أبل الراحل؟


لم يعلم جميع محبي التقنية الأسبوع الماضي وهم يترقبون تدشين النسخة الجديدة من الهاتف الذكي آي فون (iPhone) أنهم على وشك سماع خبر لطالما كرهوا التفكير فيه رغم توقعهم له. فقد جائت وفاة الرئيس التنفيذي السابق لشركة أبل الأمريكية (ستيف جوبس) يوم الأربعاء الماضي كالصاعقة على قلوب الكثيرين من محبي منتجات الشركة والعالم الأجمع. حتى قادة كبرى دول العالم كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا كانوا من أوائل المعزين، ناهيك طبعاً عن رؤساء الشركات المنافسة كشركة سامسونج ومايكروسوفت وغيرهم ممن أبدوا بصدق التأثر والحزن الكبيرين على وفاة ممن إعتبروه أعظم قائد شركة تقنية في العالم. كما أفرغت معظم قنوات الإعلام العالمية والمجلات المشهورة كمجلة الإكونومست (Economist) ومجلة بلومبرج للإعمال التجارية (Bloomberg Business Week) مساحات كبيرة للحديث عن هذه الحادثة وعن إنجازات هذا الرجل، فلطالما قرنت شركة أبل وإبداعها بهذا الرجل الملهم والتي تعتبر حياته مليئة بالمتناقضات والجدل. لست هنا للحديث عن تاريخ هذا الرجل أو عن أهم منجزاته والتي يعرفها جميع محبي شركة أبل والمنافسين أيضاً، ولكن سأحاول تقديم أهم الدروس العملية والعلمية من وجهة نظري المتواضعة الممكن لنا اليوم إستنتاجها من حياة هذا الإنسان الذي إستطاع أن يغير قطاع التقنية في العالم ويقود شركة أبل لتحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث القيمة السوقية والتي تم تقديرها في شهر يوليو الماضي بـ 337 مليار دولار.


من أكثر ما تميز به هذا الرجل هو الصبر والإصرار رغم كثرة الصعوبات التي واجهها في حياته. فقد لا يعلم الكثيرين أن أبويه (الأب سوري مسلم والأم أمريكية) تخلوا عنه وهو رضيع بسبب انهم كانوا يفضلون الحصول على انثى، مما جعل آخرين يتبنونه لحاجتهم لطفل وهم لا يعلمون بأنه سيصبح رئيس أغلى شركة في العالم. أظف إلى ذلك أنه أصر على إنشاء شركته الأولى رغم عدم توفر الكثير من الأساسيات. فأنشأها بدايةً في جراج (موقف سيارة) ابيه بعد أن باع سيارته الخاصة بثمن بخس يقدر بـ 1500 دولار امريكي مصراً على تحقيق غايته. وبعد أن قام بتكوين الشركة لبعض الوقت إستقال منها بعد خلاف مع أعضاء مجلس الإدارة. الأمر الذي إضطره لإنشاء شركة أخرى بإسم (NeXT) وشراء شركة جديدة في قطاع الرسوم المتحركة المعروفة اليوم بإسم (Pixar) والتي أنتجت العديد من أفلام الكرتون المشهورة من أمثال فيلم قصة لعبة (Toy Story) والبحث عن نيمو (Finding Nemo) وغيرها كثير. ثم ما لبث أن عاد إلى الشركة الأم بعد شراء شركة أبل لشركته الجديدة وارثاً الكثير من الصعوبات والخسائر ليحولها بعد أقل من عقد من الزمان إلى أكثر شركات التقنية ابداعاً.



إتصف رئيس شركة أبل السابق أيضاً ببعد النظر وحرصه على الجودة بجميع تفاصيلها. فهناك تسجيلات مرئية (فيديو) خاصة لهذا الرجل منذ أكثر من عشرين عاماً يتوقع فيها تحول الحوسبة إلى أشكال محمولة والتي يعتقد كثير من المحللين التقنيين اليوم أنه كان يشير إلى جهاز الآي باد (iPad) الذي دشن قبل بضعة أعوام فقط. كما أن وفاته اليوم أو حتى تنحيه عن منصبه قبل ذلك لا تؤثر على مسار الشركة، فقد ضمن لها العديد من المشاريع الإبداعية والتي ستستمر لأربعة أعوام قادمة على أقل تقدير، كمشروع المقر الرئيسي للشركة والذي سيبنى على شكل سفينة فضاء وسيستوعب أكثر من 12 ألف موظف. أظف إلى ذلك خدمة الآي كلاود (iCloud) والجيل الثالث من جهاز الآي باد وغيرها كثير مما لازال في طي الكتمان. وإذا ما نظرنا في جميع منتجات هذه الشركة لوجدنا الجودة في كل شيء تقريباً كالمواد المستخدمة في الصناعة والجودة في طريقة التركيب والجودة في التقديم وحتى في التغليف. يكفيك فقط زيارة أحد محلات شركة أبل (Apple Store) والتي تعتبر من إبداعات هذا الرجل لتجد الجودة بجميع تفاصيلها. الأمر الذي يأخذنا إلى جانب آخر من صفاته وهو الحرص على الإبداع والإتيان بالجديد بدلاً من التركيز على التطوير فقط. فلا شك اليوم أن هاتف الآي فون قد غير نظرة العالم وإستخدامات الناس للهاتف المحمول. فإنظر كيف كانت الهواتف قبل تدشين هذا الجهاز وكيف أصبحت اليوم؟ وأنظر كيف غير جهاز الآي باد (iPad) منظور الحواسيب الشخصية وسيرى الجميع كيف ستغير خدمة الآي كلاود (iCloud) تقنية حوسبة السحاب والتي يعاني روّادها اليوم (جووجل ومايكروسوفت) الأمرّين في تحقيق النجاح والإنتشار المطلوب عالمياً.

كما تميز ستيف جوبس ايضاً بحرصه على كتمان خططه الإستراتيجية كوسيلة للدعاية. فمن الشركات القليلة التي تستخدم الكتمان كوسيلة للإعلام هي شركة أبل خصوصاً مع نجاحاتها المتتالية. فمع إعتياد المستهلكين على التوقيت السنوي لتدشين منتجات الشركة الجديدة، أصبحوا يتسابقون لمحاولة توقع جديد الشركة خصوصاً مع تسرب بعض المعلومات من الشركة تارةً بقصد وبدون قصد أحياناً لإثارة اكبر قدر من البلبلة والجدل. الأمر الذي بيّن للعالم أهمية إستثمار الثرثرة الإلكترونية والقيل والقال في وسائل الإعلام لتحقيق الدعاية المطلوبة لصالح الشركة بإسغلال عامل الفضول لدى المستهلكين. من جانب آخر، نجد حرص هذا القائد ايضا على التركيز على أهم المواصفات بدلاً من تجميعها. فربما كان ذلك هو السبب وراء نجاح معظم منتجات الشركة رغم إفتقارها أحياناً لمواصفات فنية قد يحتاجها المستهلكين. فإنظر إلى حواسيب الشركة المحمولة مثلا كجهاز الـ (MacBook Air) والتي تفتقر لبعض أنواع  المخارج (Ports) أو بعدم قدرة المستهلكين على فكها وتغيير بطارية الجهاز وغيرها من المواصفات المفقودة. قد يكون السبب هو سعي الشركة لتحقيق الجودة في تجربة الحوسبة للزبائن بشكل عام، بدلاً من محاولة خداعهم بكم كبير من التقنيات والمواصفات المجمعة والتي قد ترهق عاتق الجهاز من جهة وقد لا يستخدمها معظمنا إلا ما ندر من جهة أخرى. فها هو ستيف جوبس يرحل ويترك لنا أسلوبا قياديا نتعلم منه جميعاً، فهل نحن منتفعون؟