الأربعاء، يناير 22، 2014

وتستمر قضايا الطلبة


تتصدر هذه الأيام قضايا الفساد عناوين الرأي العام ويتابع الجميع بشغف نتائج المرافعات والمحاكم التي تتوالى علينا بأحكام وتحليلات تدهشنا يوما بعد يوم. قد يكون كل هذا غيضا من فيض وإذا ما أمد الله في أعمارنا لربما شهدنا العجب العجاب من التجاوزات والفساد الذي للأسف ما زلنا نربطه بالجانب المادي فقط. فالسرقات والرشاوى هي ما تتصدر العناوين ولكن ماذا عن الفساد الأخلاقي والذي هو أساس كل فساد؟ للأسف لا يوجد تركيز أو جهود تبذل للحد من أنواع الفساد الأخرى سوى جهود فردية لا تتجاوز الحلول السطحية في شكل حملات توعوية ومنشورات. وإذا ما ركزنا على طلبتنا وهم أمل المستقبل بمختلف أعمارهم ومستوياتهم التعليمية نراهم يعانون من قضايا عديدة للأسف ترك المجتمع مهمة حلها للحكومة ممثلة في وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي واللتين قد ينقصهما التكامل في العمل المشترك. لا يمكن أن ننكر جهود هاتين الوزارتين الكبيرتين، كلٌ في مجاله ولكن علينا أن نعي أن اليد الواحدة لا تصفق. أين هو دور المجتمع والجمعيات الأهلية والشركات وقبل كل ذلك أين هو دور الأسرة الذي اصبح هامشيا في كثير من الأحيان. أين نحن جميعا من قضايا انتشار المخدرات بين الطلبة وقضايا التحرش الجنسي وقضايا الغش وقضايا تدني مستوياتهم التحصيلية والتي تعزى عادة لأسباب اجتماعية. للأسف وقف اغلبنا متفرجا منتظرا الحلول والتي عادة ما تكون بيدنا لا بيد الدولة، وصار احسننا اليوم من يحاول تغيير الوضع بقلبه وذلك اضعف الإيمان.

تستقبل جامعتنا الفتية سنويا عددا لا بأس به من مخرجات التعليم العام والذين عادة ما ينظر لهم بأنهم صفوة الطلبة وأفضلهم بحكم شروط القبول المرتفعة نسبيا في محاولة لمراعاة الفجوة الكبيرة بين أداء الإناث والذكور. استقبلت الجامعة العام الماضي أكثر من ثلاثة آلاف طالب وطالبة خضعوا لاختبارات تحديد المستوى في الرياضيات واللغة الإنجليزية والحاسب الآلي، بغرض تأهيلهم قبل شروعهم بدراسة برامج مختلف الكليات. نتكلم هنا عن اختبارات تقيس معرفتهم بأساسيات هذه المواد والذي يفترض بأنهم أجادوا فيها وحققوا معدلات جيدة مما أكسبهم المعدل العام اللازم لدخول الجامعة. للأسف لم يستطع أكثر من 40 طالبا سنويا تجاوز هذه الاختبارات خلال الأعوام القليلة الماضية من اصل اكثر من ثلاثة آلاف تقريبا يتم قبولهم. أما البقية فانخرطوا في برنامج تأسيسي قامت الجامعة بتدشينه في محاولة لتصليح ما يمكن إصلاحه. لا تنتهي القصة هنا بل تستمر لنتفاجأ بأن هؤلاء الطلبة يعانون الأمرين في دراسة هذه المواد والتي كما أسلفت نفترض بأنهم قد اجتازوها (خصوصا اللغة الإنجليزية والرياضيات) بمعدلات عالية وإلا كيف كان لهم شرف دخول الجامعة. فهناك من يجتازها في فصلين دراسيين وهناك من يجتازها في أربعة فصول وهناك من لا يستطيع اجتيازها ويتم طرده بعد عامين. نتساءل عن الأسباب وما أسهل بأن نلقي اللوم فقط على المدارس والمعلمين وربما المناهج ووزارة التربية والتعليم، متجاهلين بأن للقضية أبعادا أخرى. فهناك من يشكك في أحقية قبول بعض الطلبة مشيرا إلى لجوء بعضهم للغش في امتحانات الدبلوم العام ويطالب الجامعة بتحديد مستوياتهم قبل قبولهم. وهناك من يرى أنها تندرج تحت مسؤولية وزارة التربية والتعليم وأن عليها وضع الأنظمة الصارمة للحد من أساليب الغش. وهناك من يرى ضرورة تسهيل المواد على الطلبة من باب ارحموا من في الأرض. للأسف إخواني القراء قد يكون وراء ذلك فساد منتشر فينا نحن معشر الآباء والأمهات والإخوان والأخوات وأصحاب القرابة وهو فساد (الغاية تبرر الوسيلة). فالغاية هي دخول ابني أو ابنتي إلى الجامعة والحصول على الشهادة الجامعية بأي ثمن حتى وإن اضطر للغش أو الكذب أو الرشوة أو سرقة الاختبار وتسريبه.


ماذا عن قضايا تعاطي المخدرات بين الطلبة وموت بعضهم بجرعات زائدة والتي بدأنا نسمعها هنا وهناك؟ وماذا عن قضايا التحرش الجنسي والبلطجة بين الطلبة أيضا والتي تفرز لنا أفرادا غير سويين ومعقدين في المجتمع؟ ناهيك طبعا عن قضايا الهوية وتعزيز القيم والأصالة في نفوس الأجيال القادمة، ومهارات العصر الحديث وضرورة زرع أساسيات الحياة في عقول ونفوس الطلبة كالتخطيط مثلا والعصامية والتفكير الإبداعي. ألا تجاهد اليوم مؤسساتنا الحكومية في تشجيع الشباب على الإبداع والابتكار ولا نرى إلا القليل؟ ألا يعاني معظمنا من عدم القدرة على التخطيط المالي والحياتي فنراه مكهلا بالديون وضغوط العمل؟ هل نعتقد بأن انعكاس ذلك سيكون فقط على الفرد نفسه، أم أن المجتمع وجميع مؤسساته سيتأثر سلبا أيضا وقد بدأنا نرى ذلك بالفعل. أرى أن علينا العمل بسرعة وفق خطة مدروسة لتمكين الطلبة لمواجهة هذه التحديات من خلال حملة تثقيفية وتدريبية تشترك فيها جهات حكومية عدة تحت إشراف وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي. تبدأ هذه الحملة الوطنية من العام الدراسي القادم وفق أولوية محددة تركز على مراحل عمرية أو تعليمية معينة بالتكامل مع المنهج الدراسي. تهدف الحملة لنشر الوعي القيمي والعملي بمخاطر المخدرات وتقنية المعلومات وزرع القيم بشكل عملي وتدريب الطلبة على التخطيط على مدى عام. يشترك في هذه الحملة جميع مؤسسات المجتمع ورموزنا المحلية لتعزيز ثقافة القدوات الطيبة. وعلى الحملة ان تهدف أيضا إلى مساعدة الآباء والأمهات على التخلص من الاتكالية والسلبية في الحياة وتعزيز مفهوم التربية من البيت أولا وتكاملها مع مفهوم الرعاية فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته. فمن الخطأ اليوم أن نعتقد بأن تقدمنا بيد الحكومة ومؤسساتها فقط، فالتنمية الحقيقية تبدأ من البيت وكل ما سواه هي سواعد تعيننا على البناء.

الأربعاء، يناير 15، 2014

توحيد المسؤولية الاجتماعية للشركات

 
تعتبر مؤسسات القطاع الخاص مشروعات المسؤولية الاجتماعية اليوم من اكبر التحديات التي تواجهها والتي تأتي عادة على شكل ضغوطات اجتماعية وقانونية وسياسية. ففي الوقت التي قد تُجبر هذه الشركات بشكل مباشر أو غير مباشر على تخصيص مبالغ ومصادر مالية وبشرية لخدمة المجتمع، نادرا ما تعود هذه الاستثمارات على الشركات بالكثير من الفائدة. فمن الطبيعي أن تضع هذه الشركات نصب اعينها الجدوى الاقتصادية للمشروعات قبل البدء فيها، فما الفائدة التي ترجوها هذه الشركات مثلا من دعم الجمعيات الخيرية أو تمويل مشروعات صحية أو بناء وحدات سكنية أو تنفيذ برامج تدريبية للمواطنين وغيرها من مشروعات المسؤولية الاجتماعية سوى ربما تحقيق سمعة طيبة أو كسب ثقة الحكومة؟ فالسمعة الطيبة قد تضمن للشركات ولاء المستفيدين والزبائن، أما ثقة الحكومة فقد تضمن لها مزيدا من المشروعات في المستقبل، وفي الحالتين تعتبر هذه المنهجية من اكثر الوسائل تكلفة على الشركات للوصول للنتائج ذاتها هذا إن سلمنا بأهمية هذه النتائج لدى الشركات. فنحن اليوم نتحدث عن مئات الآلاف من الريالات تصرف على المجتمع وليس على زبائن الشركة أو على عمليات ترويج المنتجات أو لتطوير أعمال الشركات الداخلية والخارجية، فهي اقرب لكونها مسؤولية وتحديا من كونها فرصة استثمارية وربما لو كانت خيارا لما وجدنا الكثير من المشروعات في هذا الجانب، فالحمد لله أنها ليست كذلك.
 
تعتمد الكثير من مؤسسات الدولة على مخصصات الشركات لهذه المشروعات في دعم عجلة التنمية في البلاد من باب تشجيع الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص. فهناك دوائر في معظم جهاتنا الحكومية تُعنى بموضوع الرعاية للمشروعات والفعاليات بحيث تحاول هذه الدوائر الحصول على دعم مادي من الشركات يساعدها ماديا على تنفيذ مشاريعها وأعمالها بشكل عام. اذكر أننا استعنا اكثر من مرة بشركات القطاع الخاص لابتعاث عدد من الطلبة للمشاركة في مؤتمرات دولية في أوروبا وشرق آسيا والخليج. كما حصلنا أيضا مرات عدة على رعاية مادية لبعض مؤتمراتنا المحلية ولبعض المعارض والفعاليات التي يقوم بها الطلبة في الجامعة. انظر أيضا إلى مهرجان مسقط وصلالة السياحي الذي يساهم فيه القطاع الخاص بأموال طائلة، ناهيك طبعا عن شركات النفط والغاز ودعمها المتواصل في قطاع التعليم والتدريب والصحة والبنية الأساسية. في المقابل نجد أن الشركات نفسها لا تخلو من دوائر تُعنى بمشروعات المسؤولية الاجتماعية مما جعلها هدفا للكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة بالإضافة إلى المؤسسات الحكومية. فمن السهل اليوم على الشركات الصغيرة والناشئة أن تعرض خدماتها أو منتجاتها على هذه الدوائر لتتبناها من باب المسؤولية الاجتماعية. فمثلا كأن تقوم بعض المراكز التدريبية بتقديم دورات تدريبية للباحثين عن عمل من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية في الشركات الكبيرة. الأمر الذي فتح الباب أيضا لأنواع المحسوبيات حول الآلية المتبعة لتقييم وإسناد مشروعات المسؤولية الاجتماعية داخل الشركات.


إذا تأملنا في الجهود المبذولة في السلطنة في هذا الجانب، نجد كبرى الشركات الحكومية والخاصة تساهم في المشروعات الاجتماعية غالبا بشكل فردي وبشكل غير منظم وغير ممنهج. نعم جميعها ينصب في خدمة المجتمع وقد يتم تنفيذها تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية أو بعض الوزارات المعنية الأخرى بحسب طبيعة المشروعات، إلا أنها تفتقر لمبدأ الرؤية الشاملة. فلا توجد لدينا استراتيجية لاستغلال هذه المبالغ الكبيرة التي تخصصها الشركات سنويا بشكل يعود بالنفع على اكبر شريحة ممكنة من المجتمع. ففي الوقت الذي قد يطالب المجتمع الدولة ببعض المشروعات التنموية أو الاجتماعية التي قد لا تجدها الحكومة ذات جدوى في الوقت الراهن كمشروع حديقة الحيوانات مثلا أو مشروع صندوق الزواج وغيرها، فلم لا تتم الاستعانة بمخصصات الشركات لبرامج المسؤولية الاجتماعية لتنفيذ مثل هذه المشروعات؟ لن يكون الهدف هنا ربحيا بقدر ما سيهدف لتحقيق الاستدامة والاستمرارية للمشروعات. ناهيك أيضا عن أهمية التركيز بحيث يتم وضع الأولويات للحاجات الاجتماعية بشكل مدروس وعلمي وعليه تخصص الأموال وتنفذ المشروعات. فقد تكون حاجتنا للحد من مخاطر المخدرات أو لتمكين الناشئة لتبني العمل الخاص اكبر مثلا من دعم مهرجان ما أو رعاية فعالية هنا أو هناك. لذلك أرى أن يوكل بهذا الموضوع لوزارة التنمية الاجتماعية أو أن تنشأ هيئة حكومية لمشروعات المسؤولية الاجتماعية تهدف لتوحيد جهود الشركات المبذولة في خدمة المجتمع (أو جزء منها) لما فيه الصالح العام، بحيث تكون هذه الهيئة (أو الدائرة) المرجع لدراسة حوائج المجتمع الماسة ووضع الأولويات لها. ليس ذلك فحسب، عليها أيضا أن تُعنى بتشجيع الشركات على البذل بما يضمن للشركات ذاتها حقوقها الملكية والمادية وأن تقوم بمراقبة ومتابعة تنفيذ المشروعات الاجتماعية ومحاولة خصخصتها إن أمكن، للارتقاء بالجودة وضمان الديمومة وإيجاد فرص عمل اكثر.