الاثنين، فبراير 27، 2012

التعليم في السلطنة بلغة الأرقام


تلقيت في مطلع الأسبوع الحالي (كبقية المعلمين) العديد من رسائل التهاني النصية بمناسبة يوم المعلم بالإضافة إلى عبارات (كل عام وأنتم بخير) داخل العمل وخارجه. طبعاً للأمانه لم أكن أعلم السبب في البداية وكان الرد بشكل آلي (وأنتم بخير وصحة وعافية) مع بعض نظرات الاستغراب والتساؤل. فالظاهر أن التغطية الإعلامية لاحتفال السلطنة بيوم المعلم ذكرّت الناس بهذه المناسبة المهمة والتي جعلت الناس تسارع لتهنئة المعلمين، تلك الفئة التي نعوّل عليها كثيرا في صناعة الأجيال القادمة. فبالرغم من انقسام الناس بين مؤيد لهذا الاحتفال ومعارض، فالشاهد هنا هو أن هذه المناسبة ضرورية للوقوف على إنجازاتنا في قطاع التعليم وتقييم ما تم تحقيقه والنظر فيما هو آت. فمنذ بداية النهضة المباركة وأهمية التعليم كانت من أولويات اهتمامات وأهداف الحكومة الحكيمة والتي تبلورت على شكل إنجازات متوالية عبر خطط خمسية عملت عليها وزارة التربية والتعليم في البلاد. تلك الوزارة التي تعاني الأمرين اليوم في تنظيم الصفوف والجهود ومحاولة النهوض من إخفاقات تسببت فيها بعض القيادات السابقة. فها نحن اليوم نحتفل بيوم المعلم فهل نستطيع في الوقت ذاته أن نحتفل بمستوى المعلم والطلبة والتعليم في البلاد؟

جميعاً نترقب نتائج تقييم التعليم في السلطنة الذي أمر به جلالة السلطان المفدى في خطابه الذي ألقاه في افتتاح الانعقاد السنوي للفترة الخامسة لمجلس عمان. الأمر الذي سيساعدنا على الوقوف على جميع الأخطاء الجسيمة التي ربما قد ارتكبت في حق شريحة من الأجيال القادمة بالإضافة إلى إظهار أسباب الخلل في عدم فاعلية المناهج التي باتت هاجس مستقبل البلد. وبالرغم من أن التقييم لم يكتمل (أو ربما لم يبدأ لا ندري) يمكننا اليوم النظر في التقييمات الدولية لمستوى التعليم في البلاد والنظر في المستويات المختلفة التي حازت عليها السلطنة خلال السنين الماضية. فكما ذكرنا في المقالة السابقة، جاء ترتيب السلطنة في تقرير التنافسية العالمي لعام 2011م في قطاع الصحة والتعليم الأساسي 81 من أصل 142 بلدا، وفي قطاع التعليم العالي والتدريب جاء ترتيبنا في المرتبة 63 دولياً. الأمر الذي يضعنا في القطاع الأول في ذيل قائمة دول الخليج العربية وفي القطاع الثاني في المرتبة قبل الأخيرة متقدمين على دولة الكويت فقط. وإذا تعمقنا في هذين القطاعين نجد أن السلطنة جاءت في المرتبة الـ127 في نسبة عدد الطلبة المقيدين في التعليم الأساسي، وفي المرتبة الـ48 في جودة التعليم الأساسي. اما في قطاع التعليم العالي والتدريب وتحديداً في نسبة الطلبة المقيدين بالتعليم الثانوي فاحتلت السلطنة المرتبة الـ58 والمرتبة الـ80 في نسبة الطلبة المنتسبين إلى مؤسسات التعليم العالي. أما في جودة التعليم العالي فاحتلت السلطنة المرتبة الـ46 والمركز الـ68 في تعليم مادة الرياضيات ومادة العلوم. كما حققنا المرتبة الـ97 في جودة مدارس الإدارة، وجاء ترتيبنا في المركز الـ90 في توفر خدمات البحوث والتدريب، وفي المركز الـ42 عالمياً في حجم تدريب الموظفين في قطاع التعليم العالي. كل هذا يساعدنا اليوم (بشكل عام) في معرفة الوضع الحالي للتعليم في البلاد ومقارنته ببقية الدول في العالم وفي منطقة الخليج العربية للعمل على تحديد أين نريد ان نصل بعد عشر سنوات أو أكثر من الآن والعمل على وضع الخطة الاستراتيجية اللازمة لتحقيق ذلك؟


يساعدنا التقرير أيضاً في معرفة أفضل الدول في العالم في القطاعات التعليمية آنفة الذكر والتي يجب علينا اليوم الاستعانة بها وبتجاربها للارتقاء بالتعليم في البلد. فالواضح من التقرير أن كبرى الدول الصناعية لم تعد تحتل قمة الهرم العالمي في التعليم والتدريب وأن هناك دولا أخرى صغيرة استطاعت أن تتفوق عليها من خلال برامج وخطط مدروسة يمكننا اليوم دراستها والاستفادة منها. ففي قطاع التعليم الأساسي احتلت فنلندا المرتبة الأولى ثم بلجيكا وبعد ذلك سنغافورة عالميا، وخليجيا جاءت دولة قطر أولا في المرتبة الـ12 عالميا والإمارات ثانيا في المرتبة الـ 24. أما في قطاع جودة نظام التعليم فجاءت سويسرا الأولى عالميا ثم سنغافورة ثانيا وفنلندا ثالثاً. واحتلت دولة قطر أيضاَ المرتبة الأولى خليجيا والمرتبة الرابعة عالمياً متفوقة على كبرى الدول الصناعية في هذا المجال .وفي جودة تعليم مادتي الرياضيات والعلوم جاءت سنغافورة أولاً عالميا ومن ثم بلجيكا وفنلندا ثالثاً. وفي دول الخليج جاءت قطر الأولى خليجيا أيضا في المرتبة الـ13 عالمياً والإمارات ثانيا خليجيا محققةً المرتبة الـ26 عالميا. أما في جودة مدارس الإدارة فاحتلت بلجيكا المرتبة الأولى عالميا والمملكة المتحدة ثانيا وسويسرا ثالثاً، ومن دول الخليج جاءت أيضاً قطر الأولى خليجيا محققة المركز الـ7 عالميا تليها الإمارات بفارق كبير في المركز الـ 38. 

 خلاصةالقول إخواني وأخواتي القرّاء، أننا على وشك البدء في مشروع وطني استراتيجي كبير يبدأ بتقييم شامل لقطاع التعليم العام في البلاد يليه ربما تقييم مباشر للتعليم العالي أيضاً. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عمن سيقوم بعمل هذا التقييم وترتيب هذا المشروع في أولوياتنا؟ أضف إلى ذلك من أين لنا أن نأتي بالخبرات الدولية لتشاركنا في هذا التقييم وتساعدنا في وضع الحلول الناجعة؟ فلم تعد الأسماء اللامعة التي عهدناها كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان على قمة الهرم، فالتقييم الاخير يشير إلى أن علينا الاستعانة بدول أخرى كسنغافورة وفنلندا وقطر مثلاً. فالدول الأجنبية الأولى عالميا ستعطينا أفضل التجارب والدول الخليجية ستعطينا التجربة الخليجية (الأقرب إلى واقعنا) لتطبيق تلك التجارب العالمية الرائدة. أضف إلى ذلك أن علينا اليوم الربط بين مستقبل التعليم في البلاد والرؤية الاستراتيجية للسلطنة الواجب دراستها هي الأخرى كما اسلفنا في المقالة السابقة. فالتعليم يعتبر من أهم عناصر بناء الإنسان العماني، الذي يعوّل عليه مستقبلا لحمل راية التطوير والبناء. وبذلك سنستطيع بإذن الله أن نحتفل يوماً بمستوى متميز للتعليم في البلاد مع احتفالنا بيوم المعلم.

الاثنين، فبراير 20، 2012

نحو استراتيجية وطنية قابلة للقياس




بدأت السلطنة بالتخطيط الإستراتيجي منذ عام 1996م عندما تبنت رؤية (عمان 2020) والتي تم اعتمادها من خلال مرسوم سلطاني صدر في منتصف التسعينات من القرن الماضي. تضمنت هذه الرؤية عدة محاور مركزية حول تطوير مختلف جوانب الإقتصاد العماني. وعلى الرغم من كثرة المنشورات والتعليقات والإقتباسات الإعلامية والإقتصادية من وإلى هذه الرؤية المستقبلية للبلاد، إلا أن حاجتنا اليوم ماسة لضرورة الوقوف على هذه التجربة الرائدة لتقييم ماتم تحقيقه منها والنظر في بعض الأخطاء التي قد نكون وقعنا فيها من أجل صياغة إستراتيجية جديدة للبلاد ترسم الحقبة القادمة للسلطنة. قد لا أكون من المختصين في هذا المجال ولكن من خلال متابعتي للعديد من إستراتيجيات الدول والمؤسسات التجارية في العالم وقراءتي لكثير من المنشورات والمرئيات وسؤالي للعديد من المسؤولين والمواطنين حول هذا الجانب أستطيع أن أضع لكم اليوم تصورا عاما وخطوطا رئيسية ترسم الشكل المفترض (من وجهة نظري) لإستراتيجية السلطنة المقبلة.

بداية دعونا نستعرض أهم المآخذ المنتشرة بين معظم الناس في السلطنة حول رؤية عمان 2020 والتي تتمركز معظمها حول ضرورة تقييم ماتم إنجازه منها بشكل شفاف لا يدع مجالا للشك وبغض النظر عن توقعاتنا من نتائج التقييم أكانت إيجابية أم سلبية. وثانيا (وهو ربما السبب للمأخذ الأول) المتمثل في طريقة صياغة المحاور المختلفة في الرؤية والتي لا تساعد على القياس من جهة بالإضافة إلى كونها تحتمل عدة تفسيرات ووجهات نظر عند التطبيق من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال إليكم الهدف الآتي في الرؤية والذي يندرج تحت محور بناء الموارد البشرية في البلاد (بناء نظام تعليمي بعد مرحلة التعليم الثانوي والتعليم الفني يقوم على توفير التخصصات الرئيسية التي يحتاجها الإقتصاد الوطني وتوفير التسهيلات اللازمة لإجراء البحوث التطبيقية في جميع المجالات الإجتماعية منها والإقتصادية). بالرغم من أهمية هذا الهدف إلا أننا نجده عاماُ ويفتقر للقياس، كما يفتح المجال لوضع العديد من التكهنات والتوقعات والتحليلات المختلفة لماهية هذا النظام التعليمي ونوعية هذه التخصصات الرئيسية وشكل هذه التسهيلات. فمن المعلوم أن إدارات المؤسسات الحكومية بمختلف مستوياتها من المدير إلى الوزير تحتمل التغيير خلال فترة الإستراتيجية. الأمر الذي قد ينتج عنه تفسيرات مختلفة لمضمون مثل هذه الأهداف العامة تختلف باختلاف الإدارات المتوالية والذي بدوره يؤدي أيضا إلى تطبيقات ومشاريع مختلفة قد يلغي بعضها بعضا. الأمر الذي يساعد على إبطاء عجلة التقدم وبالتالي إلى تقليل ما تم إنجازه من الأهداف المرسومة. فنادرا ما ستسير القيادات الجديدة في المؤسسات الحكومية على خطى القيادات السابقة على الأقل من باب البحث عن الأفضل وتحسين الأعمال. لذلك فمثل هذه الأهداف العامة لا تساعد على توحيد الجهود بقدر ما قد تربك المنفذين وتزيد الحيرة والإختلاف حول تفسير المقصود من الأهداف. ومن المآخذ الأخرى على رؤية عمان 2020 هو في السلطة المكلفة بصياغتها والعمل على تطبيقها خصوصا بعد إلغاء وزارة الإقتصاد الوطني العام الماضي. فإن أردنا اليوم النظر في مختلف بنودها فأين يمكن لنا الحصول عليها؟ ولماذا لا تكون متاحة للجميع بشكل سهل كأن تكون منشورة على أحد المواقع الرسمية في الإنترنت؟ أليس المفروض أن نفاخر بها كونها من دعائم التخطيط الإقتصادي في البلاد؟ أم أننا إكتفينا فقط للإشارة إليها إعلاميا حتى لا يقال أننا نمضي دون خطة إستراتيجية؟ كل هذا وأكثر إخواني القرّاء مما قد يدور في وجدان الكثير منا، الأمر الذي جعلني أحاول في هذه المقالة صياغة تصور لشكل الإستراتيجية المستقبلية للبلاد كما ينبغي أن تكون.



أرى في البداية أن ننشئ مركزا أو جهة حكومية مفوضة للعمل والتخطيط الإستراتيجي في البلاد تندرج تحت سلطة عليا مخولة بتطبيق القرارات والأهداف وتقييم الإنجازات بما تتتضمن من عمليات المحاسبة والثواب. ثانيا العمل على تطوير خطة إستراتيجية جديدة للبلاد باسم عمان 2040 أو 2050 أو حسبما يراه المختصون بهدف تطوير القطاعات الرئيسية في البلاد بشكل قابل للقياس (كما وكيفا) مع التركيز على أهم (وليس جميع) القطاعات الإقتصادية، تلك التي تتميز فيها السلطنة كالسياحة مثلا. فمن المعلوم اليوم أن عصر العولمة وتوقيعنا للعديد من المعاهدات الإقتصادية الدولية يجبرنا للنظر في كيفية قياس إنجازاتنا ليس فقط مع إحتياجاتنا المحلية بل أيضا مع بقية دول المنطقة والعالم أجمع. فهناك العديد من القياسات العالمية التي قد تعطينا مؤشرا لنجاح خططنا وأعمالنا الإقتصادية بالمقارنة مع بقية الدول. فعلى سبيل المثال تم تقييم السلطنة في المرتبة 32 من أصل 142 بلدا حول العالم حسب مؤشر التنافسية العالمي العام لسنة 2011م متقدمة بمقدار مرتبتين عن العام السابق. وفي قطاع الصحة والتعليم الأساسي جاء ترتيبنا الـ 81، وفي قطاع التعليم العالي والتدريب حققنا المرتبة الـ 63، فماذا يعني لنا هذا في خطتنا الإستراتيجية الحالية، إنجاز أم إخفاق؟ ثالثا، ضرورة إدراج خططنا الخمسية تحت هذه الخطة الإستراتيجية مع العمل على تطوير خطط إستراتيجية مماثلة لكل جهة حكومية من أجل تحقيق الإستراتيجية العامة للبلاد. ستساعد هذه الخطط الوزراء الجدد عند إستلام مناصبهم الجديدة على العمل من حيث إنتهى السابقون بشكل لا يترك مجالا للشك أو الإختلاف دون تأخير لمسيرة التنمية والتطوير. كما يجب أن تشرف الجهة المسؤولة عن التخطيط الاستراتيجي في البلاد باستمرار على تكوين هذه الخطط ومناقشتها مع المجالس الأهلية في الدولة كمجلس الشورى ومجلس الدولة بما يحقق ما يصبو إليه المواطن في هذه الأرض الطيبة. وأخيرا يجب مراعاة الأولويات والإحتياجات المحلية على الأهداف الإقليمية والدولية عند صياغة الأهداف بشكل محدد وواضح لتسهيل عملية التقييم الدورية والتي عن طريقها يمكننا أن نغير أو نستحدث أهداف جديدة (إستراتيجية) حسب المستجدات المحلية والدولية.