السبت، أكتوبر 31، 2009

أنواع التطبيقات في الحكومة الإلكترونية

تحدثنا الأسبوع الماضي عن أشكال الحكومة الإلكترونية والتي تختلف فيما بينها بإختلاف المستهدفين والمستخدمين. وقمنا بحصر الأشكال إلى خمسة وهي حكومة إلى مواطن، وحكومة إلى شركة، وحكومة إلى حكومة، وحكومة إلى موظف، وحكومة إلكترونية بإستخدام الأجهزة المحمولة. عند التأمل في هذه الأشكال سنجد أن الدول حول العالم قامت بتطوير الكثير من التطبيقات في كل منها والتي قد تتشابه فيما بينها رغم إختلاف المستخدمين النهائيين (End Users). سيكون حديثنا اليوم عن أنواع تطبيقات الحكومة الإلكترونية والتي قد نجدها في جميع أو بعض أشكال الحكومة الإلكترونية المذكورة آنفاً والتي يمكن تقسيمها على حسب التقنية المستخدمة والهدف المنشود.

قام الباحثان بيتر هيرنون وروينا كلن في كتابهم "منظورات مقارنة عن الحكومة الإلكترونية" بعرض نموذج ملخص للحكومة الإلكترونية والذي أظهروا من خلاله سبعة أوجه أو أنواع لتطبيقات الحكومة الإلكترونية. سنقوم هنا بإستعراض هذه الأنواع والتعليق عليها بما يفتح بعض الآفاق للباحثين لعمل المزيد من الدراسات:

  • تسهيل عرض المعلومات والوصول إليها. يعتبر هذا أهم وأبسط أنواع التطبيقات التي تسعى إلى تطبيقها الدول في بداية مشاورها مع الحكومة الإلكترونية. تقوم الجهه المنفذه هنا بعرض المعلومات المهمة التي يحتاجها المستخدم سواءا كان من الأفراد أو الشركات أو الجهات الحكومية الأخرى. الهدف هنا نشر المعلومات الحكومية الخاصة بالمؤسسة وتسهيل الوصول لها من خلال المواقع الإلكترونية الحكومية. يجب مراعاة عدة قضايا في هذا الجانب وهي ضمان سهولة إستخدام الموقع الإلكتروني (Usability) وسهولة الوصول للموقع والمعلومات المنشودة (Accessibility). ربما يشتبه البعض في أن هذين المصطلحين يعنيان الشيء نفسه، ولكنهما مختلفان تماماً. فالأول يُعنى بشكل الموقع وترتيب المعلومات به مما يجعله مريح للإستخدام، كإستخدام الألوان والخطوط المناسبة والتي قد تختلف بإختلاف المستخدمين أو موضوع الموقع. قامت الولايات المتحدة الأمريكية هنا بتطوير موقع مخصص لهذا الجانب (www.usability.gov) يشمل العديد من الخصائص التي حضت جميع الجهات الحكومية الأمريكية على مراعاتها لجعل الموقع الإلكتروني صديقاً للمستخدم. في هذا الإطار، قامت كذلك أمريكا بفرض قاعدة الثلاثة نقرات (three clicks) والتي تفترض بأن بإستطاعة أي مستخدم الوصول للمعلومة المنشودة في أي موقع حكومي بعد ثلاثة نقرات فقط على روابط في الموقع بحد أقصى. أما المصطلح الآخر فنعني به سهولة الوصول للموقع والمعلومات من قبل جميع المستخدمين المستهدفين بغض النظر عن قدراتهم العلمية والجسدية. فعلى القائمين على المواقع الحكومية أن يعوا أن المستخدمين قد يختلفون فيما بينهم في قدرتهم على إستخدام الحاسوب وكذلك من خلال قدراتهم الجسدية كالنظر والسمع والحركة. فيجب أن يكون للمعاقين الحق والقدرة إلى الوصول إلى المعلومات الحكومية حالهم حال أي شخص آخر. وهناك تقنيات موجودة الآن تساعد في هذا المجال.
  • تقديم الخدمات. ونقصد به شروع الجهات الحكومية بتقديم خدماتها المختلفة لمختلف المستخدمين بإستخدام المواقع الإلكترونية. يتدرج هذا النوع بحسب نسبة الأتمته (Automation) في عملية إنجاز الخدمة. ونعني هنا ما إذا كان بالإمكان إنجاز كل او جزء من الخدمة إلكترونياً بكل ما تتضمنه الخدمة من تسليم المستندات اللازمة ودفع الرسوم المالية وربما إستلام المراد إنجازه كجواز السفر أو شهادة السجل التجاري. في هذا النوع يجب مراعاة ضرورة ضمان تجارب ناجحة للمستخدمين مما سيؤثر إيجابياً في ثقة المستخدم في معروضات المؤسسة الحكومية. الأمر الذي قد يشجع على خلق ثرثرة إجتماعية إيجابية عن الخدمة في المجتمع (دعاية بالمجان). العكس صحيح كذلك، فالتسرع في عرض الخدمات بدون التأكد من خلوها من الأخطاء الفنية والغير فنية قد يكون له تأثير سلبي من الصعب التخلص منه بعد ذلك.
  • التجارة الإلكترونية. تقوم هنا الجهات الحكومية بعمليات بيع لبعض منتجاتها كالتقارير الدورية وإستمارات الخدمات المختلفة أو بيع أغراضها المستعملة كالأثاث والسيارات وغيرها. تسعى الجهات الحكومية هنا إلى تقليل مصاريف إنتاج وتوزيع التقارير والدوريات الرسمية بالإضافة إلى تحصيل بعض الإيرادات المادية. من أهم القضايا هنا هو ضمان سرية وأمن البيانات فيما يخص بعمليات الدفع الإلكتروني.
  • المشتريات. هذا النوع يعتبر مضاد/عكس النوع السابق حيث تقوم هنا الجهات الحكومية بعمليات شراء لمنتجات مختلفة من شركات أو جهات حكومية أخرى. عادة ما يتم هذا من خلال طلبات لتقديم العروض عن طريق الإعلان عن مناقصات حكومية بإستخدام موقع المؤسسة الحكومي. يجب كذلك مراعاة شفافية العمليات المتبعة في وضع المناقصات وإختيار العرض الأفضل.
  • إدارة الطوارئ. تهدف الجهات هنا إلى إستهداف مختلف شرائح المجتمع من أجل التقليل من مخاطر بعض الظواهر الإجتماعية أو الصحية أو الجنائية أو المناخية. فقد تقوم الجهات الأمنية مثلاً بحض المواطنين للتبليغ عن السلوكيات المشبوهة في المجتمع من خلال الرسائل النصية. كما قد تقوم بعض الجهات الصحية بالتوعية عن مخاطر الأوبئة (كإنفلونزا H1N1) من خلال المواقع الإلكترونية.
  • الإشراك الإلكتروني. ونقصد هنا قيام الجهات الحكومية بإشراك المواطنين في القرارات والمشاريع المختلفة ذات التأثير المباشر على حياتهم. فقد تقوم مثلاً الجهة الحكومية المسئولة عن الإنتخابات في بلد ما بوضع قوانين وضوابط الإنتخابات بشكل غير رسمي ومن ثم حض المواطنين على إرسال ملاحظاتهم وآرائهم عن كيفية تطوير وتعديل هذه القوانين.
  • الإمتثال الإلكتروني. يلاحظ هذا النوع من التطبيقات في الجهات الحكومية التي تحتاج لترسيخ بعض المبادئ والعادات والضوابط الإجتماعية أو العلمية كترشيد إستخدام الماء والكهرباء أو ضرورة ربط أحزمة الأمان في المركبات أو ضرورة تسجيل عقود الإيجار وغيرها. تقوم المؤسسة الحكومية هنا بعرض فوائد الإلتزام والإمتثال للأمر المطروح بالإضافة إلى حوافز الإمتثال والتي قد تأخذ شكلاً ماديا أومعنويأ أو الإثنان معاً. وقد يتضمن كذلك الإعلان عن العقوبات الجنائية أو المدنية للمخالفين.

ختاماً، يجب التنويه هنا إلى إختلاف الحكومات حول العالم في نسبة تطبيقها لهذه الأنواع بإختلاف تعريفها وأهدافها المنشودة من مبدأ الحكومة الإلكترونية كما ذكرنا في درسنا الثاني من هذه السلسلة.



الثلاثاء، أكتوبر 20، 2009

أشكال الحكومة الإلكترونية

تعلمنا معاً أخواني القرّاء في الدرسين الماضيين بعض القضايا المهمة في فهم أبعاد الحكومة الإلكترونية. منها مثلاً ضرورة معرفة الفروق العديدة بين المؤسسة الحكومية والتجارية والتي تحتم علينا تفصيل الحلول البرمجية المقتبسة من القطاع الخاص على حسب خصوصية المؤسسات الحكومية. كذلك ضرورة معرفة أن هذه الأختلافات قد تشمل كذلك المؤسسات الحكومية فيما بينها والتي قد تختلف في فهمها ودعمها لتطبيق مبدأ الحكومة الإلكترونية، ليس ذلك فحسب بل حتى الدول تختلف في تعريفها لمفهوم الحكومة الإلكترونية بإختلاف الأهداف المرجوة. كل ذلك وأكثر، يجعل من تنفيذ وتطبيق مفهوم الحكومة الإلكترونية أكثر تعقيداً وصعوبةً مما يحتم ضرورة التخطيط السليم والمدروس قبل البدأ بالتنفيذ. سنحاول من خلال هذه الدروس الأسبوعية تسليط الضوء على كبرى القضايا المتعلقة بهذا المفهوم للمساعدة على تعزيز الفهم الصحيح بجميع أبعاد الموضوع.


سيكون حديثنا اليوم عن أشكال أو أقسام تطبيقات الحكومة الإلكترونية في العالم. بعد التأمل في أهم وأنجح ما تم تطبيقه في الواقع من قبل كبرى الدول، يمكن أن نحصر معظم تطبيقات الحكومة الإلكترونية في الأشكال الخمسة التالية:

  • حكومة إلى مواطن (Government to Citizen). تقوم المؤسسات الحكومية في هذا الشكل بإستهداف المواطنين والمقيمين من خلال عرض ما يهمهم من معلومات مهمة وخدمات مختلفة عن طريق مواقع إلكترونية (Website) خاصة بالمؤسسة أو من خلال بوابة حكومية (Portal) مركزية. من الأمثلة على هذا النوع موقع المواطن الإلكتروني في سنغافورة (www.ecitizen.gov.sg) وموقع الحكومة المباشرة في بريطانيا (www.direct.gov.uk).
  • حكومة إلى شركة (Government to Business). تقوم هنا المؤسسات الحكومية بإستهداف القطاع الخاص بإختلاف مؤسساته من خلال تسهيل الوصول إلى المعلومات والخدمات المهمة للشركات. يتم ذلك عادةً كما في الشكل السابق من خلال موقع المؤسسه الحكومي أو من خلال بوابة خاصة للتعاملات الحكومية مع القطاع الخاص أو من خلال البوابة الحكومية المركزية. من الأمثلة على هذا النوع في السلطنة هو بوابة غرفة تجارة وصناعة عمان (www.chamberoman.com) التي توفر الكثير من المعلومات المهمة للشركات الموجودة حالياً وكذلك لجميع الشركات الأخرى الراغبة في إقامة أعمال تجارية في السلطنة.
  • حكومة إلى حكومة (Government to Government). يعتبر هذا النوع الأكثر تعقيداً من حيث إستهدافه لدمج وتوحيد الخدمات والإجراءات والتعاملات الحكومية التي تتضمن أكثر من مؤسسة حكومية بمختلف تخصصاتها وبرمجياتها. يأتي أهمية هذا الشكل في كون الكثير من الخدمات الحكومية تستلزم مدخلات وموافقات من عدة دوائر حكومية مختلفة. كذلك فإن هناك تعاملات مهمة تحدث يوميا فيما بين المؤسسات الحكومية بما يخص تنفيذ العديد من المشاريع المشتركة. من الأمثلة الحية على هذا النوع نجده في بوابة الولايات المتحدة الأمريكية (www.usa.gov).
  • حكومة إلى موظف (Government to Employee). لم يتم إستغلال وتطوير هذا النوع كثيراً في العالم، حيث تهدف تطبيقات هذا الجانب إلى قيام المؤسسات الحكومية بإدارة معاملاتها وإتصالاتها بموظفيها بإستخدام تقنية المعلومات. عادةً ما يتم إستغلال الشبكة الداخلية في المؤسسات الحكومية (Intranet) لتوفير المعلومات المهمة للموظفين على المستوى الشخصي كمعلومات الراتب والإجازات والدورات التدريبية القادمة، أو على المستوى الوظيفي كعرض تقارير الإجتماعات وخطط الأقسام المختلفة وغيرها. قامت جامعة السلطان قابوس في السلطنة بتطوير بوابة داخلية خاصة بالموظفين والطلاب والتي يمكن أن تندرج تحت هذا الشكل من أشكال الحكومة الإلكترونية.
  • الحكومة الإلكترونية بإستخدام الهاتف المحمول (Mobile Government). يعتبر هذا النوع الأجدد من بين الأشكال السابقة حيث بدأ مع تطور تقنيات الإتصالات والشبكات اللاسلكية. يمكن أن نجد هذا النوع في جميع الأنواع المذكورة السابقة ويتميز بتوظيفه للأجهزة المحمولة كالهاتف النقّال وأجهزة الحاسوب المحمولة للوصول للأفراد بطريقة سريعه وسهلة وأكثر تلائماً لأنماط حياة الناس المختلفة. تم تطبيق هذا النوع في جوانب كثيرة ودول مختلفة حول العالم ومن الأمثلة عليه هو نظام حجز المركبات بإستخدام الرسائل النصية المطبق في السلطنة من قبل بلدية مسقط.


من خلال ما سبق، نجد أن للحكومة الإلكترونية أشكال متعددة تختلف بإختلاف الفئة المستهدفة من أصحاب المصالح (Stakeholder). تعتبر هذه الأشكال أهم القوائم التي تعتمد عليها الحكومات في إدارة أمور الدول من خلال تطبيقات مختلفة سنتطرق لها في درسنا القادم إن شاء الله. يجب التنويه هنا إلى ما تم مناقشته في الدرس السابق من إختلاف أهداف الدول في تطبيقها لمبدأ الحكومة الإلكترونية والذي سينعكس على ميلها إلى تنفيذ بعض الأشكال وتأخير أو ربما إلغاء فكرة تنفيذ البعض الآخر. قد تختلف الأسباب هنا بإختلاف الظروف والتي عادةً ما تكون مادية وأحياناً سياسية. كذلك فإن المدة الزمنية والتكلفة المادية قد تختلف عند التطبيق فيما بين هذه الأشكال والذي قد يؤثر إيجابا وسلبا أحيانا في ترتيب الدولة العالمي من ناحية جاهزيتها للحكومة الإلكترونية. ندعو الباحثين إلى عمل المزيد من البحوث والدراسات في كل شكل من هذه الأشكال والتي ستساعد الدولة على التخطيط والتنفيذ السليمين من أجل الوصول لتطبيقات ناجحة تكنولوجيا وإقتصاديا وإجتماعيا.

السبت، أكتوبر 10، 2009

الحكومة الإلكترونية: غاية أم وسيلة؟




بدأنا الأسبوع الماضي سلسلة من الدروس نهدف من خلالها إلى تسليط الضوء على أهم القضايا المحيطة بمفهوم الحكومة الإلكترونية. نعلم جميعاً بأن السلطنة تخطو خطوات ثابتة في هذا الإتجاه وتعمل الحكومة ممثلة بهيئة تقنية المعلومات ووزارة الإقتصاد الوطني إلى التخطيط لنشر الوعي بهذا المفهوم وتهيئة جميع الظروف لخلق بيئة ومجتمع رقمي في البلاد. تأتي هذه الدروس لزيادة التوعية بحيثيات هذا الموضوع ولتشجيع الباحثين والمهتمين لعمل المزيد من البحوث في قضايا مهمة ذات علاقة وتأثير مباشرين لنجاح مبادرات الحكومة الإلكترونية في البلاد.
تحدثنا في درسنا الماضي عن أهمية معرفة الفرق بين المؤسسة الحكومية والمؤسسة التجارية لتجنب الوقوع في بعض المغالطات كالظن بأن بإمكان الحكومات بصفة عامة والمؤسسات الحكومية بصفة خاصة تبني نفس التطبيقات الموجودة في القطاع الخاص بنفس الكيفية والأسلوب متوقعين نفس النتائج. وإستنتجنا بأن المؤسستين (الحكومية والخاصة) مختلفتين في جوانب كثيرة مما يحتم على المسؤولين في الحكومة ضرورة تبني أساليب مختلفة وربما برمجيات وتطبيقات مختلفة أو معدلة حسب إحتياجات وضروف وخصوصية المؤسسة الحكومية. سنقوم في هذا الأسبوع بإذن الله بتسليط الضوء على تعريف مصطلح الحكومة الإلكترونية والأهداف المرجوة منها. ستلاحظوا معي أخواني القرّاء بأن هناك تعاريف مختلفة بين البلدان تختلف بإختلاف الأهداف المرجوة، كما سنرى بأن بعض الدول قد تتبنى فكرة الحكومة الإلكترونية بسسب أهداف خاصة غير معلنة.
يُعرّف البنك الدولي مصطلح الحكومة الإلكترونية بأنه إستخدام الحكومات لأحدث تقنيات المعلومات والإتصالات. فالتركيز في التعريف السابق على إستخدام التقنية والتقنية الحديثة وليست القديمة. في حين تنظر منظمة التعاون والتطوير الإقتصادي الأوروبي (OECD) إلى التقنية كوسيلة لا غاية وأن على الحكومات تطوير إجراءاتها وتحسين معاملاتها الداخلية والخارجية قبل تبني التقنية الحديثة. من جانب آخر، تعتبر بعض الحكومات الأفريقية مفهوم الحكومة الإلكترونية بأنه أي إستخدام (صغر أو كبر) للتقنية داخل المؤسسات الحكومية. فإذا وُجد جهاز حاسوب واحد فقط لطباعة التقارير في أحد المؤسسات الحكومية فذلك في منظور هذه الدول بمثابة "حكومة إلكترونية". في حين تعتبر بعض الدول الآسيوية وجود وحضور المؤسسات الحكومية في الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت) على هيئة مواقع إلكترونية (Websites) بمثابة حكومة إلكترونية بغض النظر عن مدى فاعلية هذه المواقع. فما هو يا ترى حقيقة مفهوم الحكومة الإلكترونية؟
في الواقع، جميع هذه التعاريف صحيحة على الأقل من منظور الدول والحكومات التي تختلف فيما بينها في الأهداف المرجوة من تطبيقها لمشروع الحكومة الإلكترونية. فبعض الدول تؤمن فعلاً بأهمية تحسين الأداء الحكومي من خلال توظيف التقنيات الحديثة بهدف الإرتقاء بخدمات المواطنين والمساهمة في تطوير الإقتصاد المحلي. في حين تهدف دول أخرى لزيادة شعبية الحزب أو النظام الحاكم خصوصاً قبيل الإنتخابات بتبني مبدأ الحكومة الإلكترونية لإظهار تعاون وتعاطف وتفهم الحاكم المقبل لأهمية تسهيل خدمات المواطنين والقضاء على الفساد وزيادة الشفافية في إتخاذ القرارات. أما دول أخرى فقد تهدف بالحكومة الإلكترونية فقط إلى مجاراة الواقع والسوق وربما إلى تحسين صورة الدولة أمام نظيراتها من الدول (عادةً المجاورة)، فالفائدة المنشودة هنا هي منافسة الدول المحيطة أولاً ومن ثم خدمة الأداء الحكومي ثانياً وربما ثالثاً. يؤكد لنا هذا الإختلاف في التعريفات والأهداف المنشودة من تبني الحكومة الإلكترونية القضية التي طرحناها الأسبوع الماضي في إختلاف المؤسسات الحكومية عن المؤسسات الخاصة. فإذا أحببتم أخواني القرّاء البحث في تعريف التجارة الإلكترونية (E-commerce) أو العمل التجاري (E-Business) وهما المصطلحان المرادفين لمصطلح الحكومة الإلكترونية في عالم القطاع الخاص، فلن تجد ذلك الإختلاف الكبير والظاهر كما هو الحال في مفهوم الحكومة الإلكترونية. ذلك أن الشركات التجارية وإن إختلفت أنواعها وتخصصاتها فأهدافها واحدة بصورة عامة (الربح المادي)، أما الحكومات والدول فتختلف فيما بينها في جوانب كثيرة منها السياسية والإقتصادية والديموغرافية والإيديولوجية وغيرها.
مما سبق قد تتسائل أخي القارئ أختي القارئة عن كيفية معرفة الأهداف الفعلية المرجوة من الحكومة الإلكترونية لدى الدول في ظل وجود أهداف غير معلنة. للإجابة على ذلك أقترح على الباحثين والمهتمين المقارنة بين تعريف الدول الخاص للحكومة الإلكترونية وبين الخطط والإنجازات المنفذة على الواقع. فللحكومة الإلكترونية عدة وجوه (جوانب أو أنواع) يمكن تطبيقها بتدرج والتي عادةً ما يتبين من خلالها أهداف الدولة المرجوة من الحكومة الإلكترونية. لعل من أهم هذه الوجوه تطبيقاً هو جانب تسهيل الوصول للمعلومات والذي تقوم من خلاله المؤسسة الحكومية بتوفير المعلومات المطلوبة للأفراد والشركات بإختلاف إحتياجاتهم وتخصصاتهم عن طريق موقع المؤسسة الإلكتروني. عادةً ما يتبع هذا الجانب جوانب أخرى كتقديم الخدمات الإلكترونية (e-services) وعمليات البيع (e-commerce) والشراء (e-procurement) الإلكتروني. في المقابل، من أقل جوانب الحكومة الإلكترونية تطبيقاً عالمياً هو الحوكمة الإلكترونية (e-governance) بإختلاف تعريفاته دولياً وكذلك جانب الإمتثال الإلكتروني (e-compliance). يهدف الجانبين الأخيرين بصورة عامة إلى إشراك الدول للأفراد في إتخاذ القرارات المحلية وإلى التخاطب المباشر (بشفافية) بين المسؤولين الحكوميين بإختلاف مناصبهم وبين الأفراد مما قد يزيد من إذعان وإمتثال المواطنين للقرارات المطروحة والتي شارك الجميع في كتابتها. من جانب آخر يجب التنبه إلى مقدار الصرف المادي للدول المبذول في هذا الجانب ومقارنته بمقدرة الدولة المادية وأولوياتها المطروحة.
ختاماً نستنتج مما سبق خصوصية الحكومة الإلكترونية والتي تحتم على الدول دراسة الحال والواقع قبل محاولتها من الإستفادة من التجارب الدولية. فما هو جيد للسلطنة ليس من الضروري أن يكون جيد لدولة أخرى والعمانيون هم الأقدر على معرفة ما هو مناسب للسلطنة وليس غيرهم وإن تفوّق الغير علينا بالعلم والخبرة. فالحكمة أن نستفيد من تجارب الغير بعد معرفتنا بواقع الحال.

الأحد، أكتوبر 04، 2009

الفرق بين المؤسسة الحكومية والمؤسسة التجارية

كثر في السنين القليلة الماضية الحديث عن مصطلح الحكومة الإلكترونية في السلطنة وفي جميع بلدان العالم مما أثار العديد من التساؤلات بين الناس عن الكثير من جوانب وقضايا هذه التقنية. قمنا في كلية التجارة مؤخراً بتقديم مادة جديدة تعتبر من أوائل المواد في الشرق الأوسط التي تسلط الضوء على مفهوم الحكومة الإلكترونية تلبيةً لحاجة السوق في نشر الوعي الصحيح والمعرفة العميقة بأهم جوانب هذا المفهوم. بالتوازي مع هذه المبادرة وتلبيةً لطلب العديد من الطلبة والمهتمين والباحثين في هذا المجال (الحكومة الإلكترونية) من كافة المستويات بدايةً بالثانوية العامة وإنتهاءاً بمستوى الدكتوراه، سنقوم يإذن الله وتوفيقه من خلال هذا المنبر الإسبوعي بكتابة سلسلة من الدروس التي تهدف لشرح معظم (إن لم تكن جميع) القضايا المهمة حول مصطلح الحكومة الإلكترونية. أود الإشادة في البداية بجهود هيئة تقنية المعلومات في توعية المجتمع العماني بأساسيات تقنية المعلومات ومفهوم الحكومة الإلكترونية والتي تهدف من خلالها الهيئة لسد الفجوة الرقمية في البلاد. سنحاول من خلال هذه الدروس إن شاء الله تخطي هذه الأساسيات إلى كبرى القضايا المهمة المحيطة بمصطلح الحكومة الإلكترونية والتي ربما تقوم الهيئة حالياً بدراستها والتخطيط لكيفية الإستفادة منها. هدفنا هنا هو تشجيع الباحثين وإنارة الطريق لهم إلى إكتشاف ودراسة قضايا ذات أهمية قصوى في فهم ونجاح مبدأ إستخدام تقنية المعلومات داخل المؤسسات الحكومية.
أنتشر بين الكثير من الناس خصوصاً المتعلمين منهم بعض المغالطات وسوء التقدير للكثير من جوانب الحياة ناهيك عن ما يخص إدارة نظم وتقنية المعلومات، من بينها مثلاً مساواة المؤسسة الحكومية بالمؤسسة التجارية في كيفية تبني التقنيات الحديثة. على سبيل المثال، يظن البعض بأن ماهو مناسب للشركات التجارية من برمجيات وتقنيات هو من باب أولى أن يكون مناسب جداً للمؤسسات الحكومية. فنرى العديد من الناس يعتقدون بأن بعض البرامج والتقنيات إذا ما أثبتت نجاحها في رفع كفاءة وأداء إحدى الشركات، فعلينا حينئذ إستخدامها في المؤسسات الحكومية متوقعين نفس النتائج. ربما يتعدى البعض ذلك إلى مستوى الدول فيظن بأن ما هو ناجح في أحد الدول المتقدمة سيكون ناجحاً كذلك في بلادنا أو أي بلد آخر. فكرة تبدو صحيحة ولكنها تحمل في طيّاتها خطأ كبير سنحاول في هذه المقالة تسليط الضوء عليه من خلال شرح أوجه التشابه والإختلاف بين المؤسسات التجارية والحكومية.

تختلف المؤسسة الحكومية عن المؤسسة التجارية في كل شيء تقريباً نستعرض على سبيل المثال لا الحصر مايلي:
الأهداف (Objectives): تعتبر أهداف الحكومة بشكل عام والمؤسسات الحكومية بشكل أخص أكثر عموماً وإتساعاً من أهداف المؤسسات التجارية. فحين تسعى الشركات الخاصة بإختلاف أنواعها وتخصصاتها إلى هدف وحيد وهو تحقيق المكاسب المادية (الأرباح) بشتّى الطرق، نجد أن المؤسسات الحكومية تضع لنفسها أهداف أخرى أكثر شمولية. فعلى سبيل المثال تختلف أهداف المدارس الخاصة في السلطنة وأهداف وزارة التربية والتعليم وإن تشابه أمامنا الدور التعليمي المشترك بينها. فتركيز الوزارة أكثر إتساعاً من مجرد العملية التدريسية، فتتعداه إلى تطوير المناهج، ومراقبة وتطوير أداء المدارس والمدرسين، والإرتقاء بمستوى الطلاب في شتى الميادين وتثقيف الآباء وغيرها بهدف نشر التعليم في البلاد. في حين أن المدرسة الخاصة قد تضع لها أهداف بما يتناسب مع إمكانياتها المادية والمعنوية وبما يحقق لها أفضل سمعه ومكسب سوقي مادي.
الزبائن (Customers): تنظر المؤسسات الحكومية إلى المستفيدين من خدماتها على أنهم مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات في حين تكون نظرة الشركات التجارية للمستفيدين أو الزبائن بانهم أشبه بكونهم أكياس مليئة بالنقود تسعى الشركات للإستيلاء عليهم بشتى الطرق المباحة. إختلاف النظرات هذه تؤثر سلباً وإيجاباً فيما نسميه في تخصص التسويق بخدمة الزبائن. فالزبون في المؤسسة الحكومية لن يساهم في دفع رواتب الموظفين على عكس المؤسسة التجارية مما يجعلنا نرى خدمات أفضل في الشركات بالمقارنة مع الدوائر الحكومية، ليس ذلك من أجل سواد أعيُننا بل ربما من أجل ما في محافظ نقودنا. بالإظافة لذلك نجد الإختلاف كذلك في تركيز المؤسسات على أنواع الزبائن. ففي الشركات التجارية يكون التركيز مقصور على الزبائن الأقدر على الدفع والأقدر على الإستفادة من منتجات وخدمات الشركة، في حين على المؤسسة الحكومية التركيز على كل المواطنين بإختلاف أعمارهم وأجناسهم وأماكن تواجدهم. فوزارة النقل والإتصالات في السلطنة تسعى لخدمة كل المواطنين في كل شبر من هذه البلد الطيبة، قارن ذلك بتركيز شركات الإتصالات التجارية في خدمة الجيل الثالث مثلاً المقصور على بعض المناطق.

من أوجه الإختلاف أيضاً نجده في أصحاب المصلحة (Stakeholders) ونظام المساءلة (Accountability) في هذه المؤسسات. فنجد أن عدد أصحاب المصلحة (الأشخاص الذين يتأثرون بنجاح أو فشل المؤسسة) ونظام المساءلة القانونية أكبر وأكثر تعقيداًً في المؤسسة الحكومية عن المؤسسة التجارية. من جانب آخر، تختلف العمليات (Processes) داخل هذه المؤسسات بإختلاف نسبة التسييس (Politicization) فنجده أكبر في المؤسسات الحكومية حيث يغلب طابع إخضاع العمليات لسياسة المؤسسة المستمدة من سياسة وإستراتيجية الدولة. أما بالنسبة للبنية التحتية الإنسانية والتقنية (Human and Technology Infrastructure) فهي كما هو معلوم أضعف في المؤسسات الحكومية وهو ربما وراء إزدهار مفهوم الحكومة الإلكترونية.كذلك هو الحال بالنسبة لعمليات المنافسة (Competition) بين المؤسسات الحكومية بعضها البعض والمؤسسات التجارية فيما بينها. فنجد نسبة التنافس اقل وأضعف بين المؤسسات الحكومية وأكثر حدة بين المؤسسات التجارية.

مما سبق نجد أن المؤسسة الحكومية تختلف في جوانب كثيرة عن المؤسسة التجارية، مما يجعلني أعتقد أن لا وجه تشابه بينهما (إذا وجدتم شي أخبروني). فكيف يمكن أن نعتقد أن ما هو جيد للشركة الفلانية سيعمل بنفس النسق والنتائج في المؤسسة الحكومية العلانية بعد كل هذه الإختلافات. من هذا المنطلق، يجب التنويه بأن من أوائل الأشياء التي يجب التنبه إليها في دراسة مفهوم الحكومة الإلكترونية هو التباين بين الحكومة (Government) والعمل التجاري (Business)، مما يجعلنا نتوقع بل نتيقن من عدم ملائمة الكثير من التطبيقات الناجحة تجاريا للمؤسسات الحكومية. فما هو الحل إذاً؟ تابع معي بقية الدروس في الأسابيع القادمة إن شاء الله.