الجمعة، يناير 18، 2013

مستقبل التقنيات الاستهلاكية


اختتم معرض الالكترونيات الاستهلاكية (سي إي أس) الدولي للتقنية فعالياته نهاية الأسبوع الماضي بعدما جاء بتقنيات كثيرة ومنتجات مبتكرة تتنافس فيها كبرى شركات التقنية لتقديم أفضل ما لديها. يعتبر هذا المعرض مؤشرا للأنماط الاستهلاكية القادمة في القطاع التقني بشكل واقعي وفي بعض الاحيان بشكل مفتعل. فالعادة ان نرى شركات التقنية تحاول مجاراة الواقع في تقديم تقنيات جديدة تلبي حاجة المستهلكين بما يتناسب مع واقعهم العملي والاجتماعي، ولكننا اصبحنا نرى الشركات نفسها تفتعل احيانا هذه الحاجات عن طريق خلق اشكال جديدة من المنتجات تسعى لابتكار حاجات ومشاكل لدى المستهلكين قد لا تكون موجودة أصلا او غير ذات أهمية ومن ثم محاولة اقناعهم بأهمية شرائها. أنظر مثلاً الى قطاع الحواسيب اللوحية كيف ابدعت لنا حاجة جديدة لم تكن في الحسبان محققة في ذلك ازدهار وقبول منقطع النظير بين المستهلكين. لا يعني ذلك بالضرورة بأن المستهلكين يتقبلوا كل ما يعرض عليهم، فالعبرة هنا بسهولة الاستخدام وسلاسة الاداء بالمقارنة مع البدائل. ولنا في أجهزة التلفاز ثلاثية الابعاد عبرة في ذلك، فبالرغم من تبني معظم الشركات المصنعة لأجهزة التلفاز هذه التقنية إلا ان حجم الاقبال كان دون المستوى بسبب اضطرار المستهلكين لوضع النظارات المخصصة للرؤية ثلاثية الابعاد وقلة الدعم من شركات الاعلام للمحتوى. فالأمر أصبح مرهوناً بخلق تجربة ناجحة للمستهلكين عند الاستخدام بشكل يتفوق على البدائل إما بالجودة أو بالسعر أو بسرعة وسلاسة الاداء. الشاهد في الموضوع إخواني القرّاء هو ان مثل هذه المعارض التقنية الكبيرة تعطي لنا مؤشرا لحجم الانفاق والاستثمارات في هذا القطاع خصوصا على جانب البحوث وعمليات التطوير والابتكار بما يخدم الباحثين لتبني افكارا بحثية تواكب آخر ما توصل اليه العلم وتتماشي مع النمط السائد والقادم. فما هي يا ترى أهم الانماط القادمة في قطاع التقنية الاستهلاكية؟


بحكم تأثر هذا المعرض بالقطاع الاستهلاكي للتقنية، نجد اكثر توجه الشركات الحالي هو في اشباع الحاجة الترفيهية للمستهلك ومن اكبرها هو قطاع الشاشات المرئية. التوجه القادم والواضح هو في اظهار الصور بنقاوة فائقة أطلقوا عليها اسم (4K) والتي تعتبر ضعف النقاوة المعروفة الآن بـ (HD). لا تعتبر هذه التقنية بجديدة على الساحة التقنية ولكن التركيز الكبير عليها والذي تعدى أجهزة التلفاز إلى أجهزة الحواسيب اللوحية يعد بمزيد من الانتشار. العبرة هنا هو في الموت التدريجي للشاشات الداعمة لتقنية الابعاد الثلاثية كما اسلفنا فهل يا ترى ستواجه هذه التقنية نفس المصير خصوصا مع قلة توفر المحتوى؟ من جانب آخر، نرى توجه جديد بين الشركات في محاولة مواكبة التغييرات في قطاع التقنية بفتح خطوط عمل جديدة لم تكن معهودة منها سابقا. فالفكرة تنقسم الى شقين، الأول في انتهاج شركات البرمجيات نهج جديد في انتاج اجهزتها الخاصة بها والشق الآخر هو في سعي بعض الشركات لاستغلال نجاح البرامج وانظمة التشغيل المنتشرة بين الناس خصوصا نظام الأندرويد في كونه نظام مفتوح المصدر ونظام الأيو أس من أبل لتقديم اجهزة داعمة بشكل مبتكر. ففي الشق الاول قامت شركة أمازون في وقت سابق بانتاج مجموعة من الأجهزة اللوحية تحاول فيها اكتساح هذا القطاع ودعم نظامها البيئي من الانظمة والبرمجيات. وقامت ايضا شركة مايكروسوفت بإنتاج جهازين لوحيين لدعم نظامها الجديد من ويندوز 8. وهناك ايضاً شائعات بين الوسط التقني تدور حول احتمالية شراء شركة مايكروسوفت لقطاع الهواتف من شركة نوكيا بحيث تقوم مستقبلا بإنتاج هواتفها الخاصة بها لدعم انظمة تشغيل هواتف ويندوز على غرار ما فعلته جووجل عند شرائها لقطاع الهواتف من شركة موتورولا.


أما في الشق الثاني فنجد ان شركة نوكيا بدأت تركز على قطاع البرمجيات والخدمات وتحديدا في انتاج نسخ من انظمة الملاحة الخاصة بها في أشهر انظمة التشغيل اليوم كبرنامج هير (HERE) الخاص بنظام الأيو أس من أبل مثلا. هناك كذلك النسخة الجديدة من وحدات تحكم الالعاب باسم شيلد (Shield) من شركة المعالجات نيفيديا بمعالج من نفس الشركة من نوع تيجرا 4 والتي تأتي داعمة لنظام الاندرويد مستفيدة من تجانس النظام مع الكثير من الاجهزة الاخرى بالاضافة الى احتوائه على آلاف الالعاب في المتجر. ناهيك طبعاً عن الانتشار الكبير لهذا النظام ليس فقط في الهواتف النقالة ولكن بدأنا نراه في بعض آلات التصوير والحواسيب الصغيرة ووحدات تحكم الالعاب كما أسلفنا ومؤخرا في شوك الطعام والثلاجات. نعم في الثلاجات، فقد أعلنت شركة سامسونج في المعرض عن الثلاجة الذكية القادرة على اقتراح وصفات الطعام للمستهلكين بما يتناسب مع محتوياتها من الأطعمة والمشروبات. ليس ذلك فحسب فهناك ميزة دمج شاشة الثلاجة بهواتف المستخدمين بحيث تستطيع الزوجة ادخال قائمة المشتريات في البيت من خلال برنامج افرنوت (Evernote) المدمج في شاشة الثلاجة بشكل يتحدث آليا ويتزامن مع هاتف الزوج عند تسوقه للمشتريات. وفي قطاع السيارات، هناك توجه في اتمتة عمليات القيادة بحيث تعتمد السيارة على نفسها في القيادة قدر الامكان. فالواضح بأن من أكثر مخاطر القيادة على الطرق هم قائدي المركبات انفسهم على غرار أمن المعلومات بحيث اصبح المستخدمين هم النقطة الأضعف في المنظومة. لذلك نجد توجها بين الشركات المصنعة للسيارات في استحداث أنظمة تقنية حديثة كان آخرها نظام القيادة الآلي من شركة أودي الالمانية والتي تستطيع بضغطة زر من هاتف مالك السيارة ان تأتي له من الموقف أو العكس بحيث يتركها السائق امام مدخل البيت أو المركز التجاري وتقوم هي بنفسها بالبحث عن موقف شاغر والوقوف بشكل آلي، عجيب اليس كذلك؟ هذا قليل مما ينتظرنا في الاعوام المقبلة.

الثلاثاء، يناير 08، 2013

شكراَ مجلس الشورى، ولكن!


تابعنا جميعا في الأسابيع الماضية الحوار الهادف والوطني الذي جرى بين سعادة أعضاء مجلس الشورى ومعالي وزير السياحة الموقر الذي اتصف بالشفافية والحنكة والذكاء العاطفي عند اجابته على تساؤلات الأعضاء. سبق وان تحدثت في المقالة السابقة عن الوضع السياحي للبلد بالمقارنة مع دول الجوار حسب احصائيات منظمة السياحة العالمية والتي خلصنا فيها الى بعض ما خلص إليه مجلس الشورى في ضرورة وضع خطة استراتيجية للسياحة في البلاد تعتمد بالدرجة الأولى على التنسيق بين مختلف الجهات المعنية من أجل الرقي بالخدمات الموفرة والتي تتجاوز في ابعاد كثيرة مسؤولية وزارة السياحة. كما أشرت مرارا وتكرارا في مقالات كثيرة الى ان من أهم مشاكلنا في السلطنة هو عدم فاعلية العمل المشترك بين الوحدات الحكومية في البلاد والذي يرجع في وجهة نظري الى خلل في الاستراتيجية العامة للبلد (رؤية 2020) والذي انتقدها الكثير من أعضاء المجلس ايضا. فهي على أهميتها لا توحد جهود الحكومة بسبب افتقارها لأدوات القياس وعموم بنودها وأهدافها بشكل يجعلها قابلة للتأويل والتفسير بأشكال مختلفة. الشاهد في الموضوع وما وددت الحديث عنه اليوم هو دور اعضاء مجلس الشورى في كل هذا، فهل يا ترى يقتصر فقط على إيصال احتياجات مختلف الولايات والمحافظات في البلاد الى الحكومة والمسؤولين؟ طبعا لا ولذلك نرى ان هناك لجانا مصغرة بالمجلس تنظر في مختلف الأحوال الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الجوانب التي تعنى بالارتقاء بمستوى المعيشة للمواطن العماني اينما كان. في رأيي الشخصي أرى ان على اعضاء مجلس الشورى اليوم مسؤولية عكسية مهمة تتعدى فقط مسألة نقد السياسات الخاطئة في الجهات الحكومية الى محاولة الارتقاء بفكر المواطنين بما يخدم جهود الدولة في التنمية. فكيف يمكن للتنمية ان تمضي بوتيرة سريعة دون ان يساهم المواطن نفسه في التنمية من خلال فكر سليم يتعامل مع المنجزات بإيجابية؟

التقيت في إجازة نهاية الاسبوع الماضي بأحد الخبراء العمانيين في المجال السياحي والذي أصدر كتابين سياحيين مصورين عن السلطنة بعدما قضى أكثر من خمسة عشر عاماً يعمل في القطاع السياحي والتصوير الفوتوغرافي. استطاع خبيرنا خلالها ان يجوب جميع مناطق السلطنة، فقد قام بإرشاد انواع مختلفين من الزوار من جنسيات مختلفة تباينت اسباب زيارتهم بين الاستجمام وهواية التصوير والعمل واحيانا للتصوير الوثائقي لقنوات اعلام عالمية. وبعد نقاش طويل حول السياحة في السلطنة خلصنا الى أمور مهمة علينا الانتباه لها رغم بساطتها الا انها ذات تأثير كبير على مستقبل السياحة في البلاد. أولا الفكر السائد بين المواطنين عن اهمية النظافة خصوصا عند ارتيادهم للامكان السياحية في البلاد. فمن المؤسف ان نرى أكوام القمامة في الطرقات والأودية وأماكن الجذب السياحي بعيدة عن الأماكن المخصصة لرميها. انظروا مثلا كيف حولت بعض حاراتنا القديمة كحارة بركة الموز وحارة الحمراء القديمة الى مرتع للنفايات كما يقول خبيرنا. فكما اننا نطالب الدولة بتوفير عمال النظافة لجمع النفايات من صناديق القمامة، أليس واجبا علينا نحن المواطنين والمقيمين ان نساهم ولو بالقليل من الجهد لجمع مخلفاتنا ورميها في الاماكن المخصصة؟ على بساطة هذا الموضوع الا انه قد يعطي انطباعا سيئا لدى الأجانب عن ثقافة المواطنين وعن سمعة البلد التي حازت كثيرا على مراتب عالمية متقدمة في النظافة. الامر الذي يخالف ايضا تعليمات عاهل البلاد وحرصه الكبير على حماية البيئة من خلال تقديم جائزة دولية سنوية لهذا الغرض. لذلك نطالب اعضاء مجلس الشورى بزيارة هذه المواقع في الاجازات للوقوف على حجم المشكلة التي تسبب تهديدا للسياحة البيئية في السلطنة. وكما ذكر خبيرنا السياحي ايضا أن هناك مناطق جذب سياحية في السلطنة محمية من التلوث فقط بسبب وعورة الطريق، اي ان كثرة المرتادين من داخل السلطنة في احيان كثيرة قد تسيء للمواقع اكثر من خدمتها. فما هو دورنا وعلى الخصوص دور اعضاء مجلس الشورى في كل هذا؟ اليس من المفروض ان نوعي باستمرار وبكافة انواع السبل بهذا الشأن؟ ام اننا ننتظر كل شيء من الحكومة؟


ثانيا هو فكر السياحة الداخلية وضرورة التخطيط والتفريق بين سياحة الشباب من جهة والعائلات من جهة أخرى. فمن الملاحظ شيوع بعض الممارسات من بعض الشباب في الاماكن العامة التي قد لا تتناسب مع وجود العائلات، كالتطبيل والرقص وقيادة الدراجات المزعجة وارتفاع الاصوات بالكلام الصاخب واحيانا الفاحش. لا ندعوا هنا الى الحد من الحريات ولكن ندعوا الى احترام الجو العام في الاماكن السياحية بما لا يضايق الآخرين، فحرياتنا تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. لذلك هناك ضرورة لوضع بعض الحراس على بعض المواقع السياحية الاكثر جذبا في البلاد كوادي بني خالد مثلا لتنظيم مثل هذه التصرفات ومتابعة موضوع النظافة خصوصا وان سياحتنا الداخلية تحب الطبخ والشواء مما ينتج عنه الكثير من المخلفات. كما ندعو ايضاً الجهات المعنية وعلى رأسها شركات السياحة العاملة في البلاد الى ضرورة تنبيه السواح الاجانب الى ضرورة الاحتشام في الأماكن العامة وعدم السباحة بالملابس الفاضحة الخادشة للحياء، فكما يحبون ان نحترم قوانينهم وعاداتهم عند زيارة بلدانهم نطالبهم بنفس الشيء في بلدنا. أخيرا اخواني القراء، نود التأكيد على دورنا جميعا وعلى رأسنا أعضاء مجلس الشورى لتبني دور اجتماعي كل حسب ولايته للارتقاء بالفكر بين الناس والأسر بما يخدم عملية التنمية في البلاد، فكما أننا مازلنا نعاتب الحكومة على قلة عدد دورات المياه العامة ووساختها فلا بد لنا ايضا ان نعالج ونعاتب بعض المستخدمين لهذه المرافق والمتسببين بأنواع الوساخة والتخريب في بعض الاحيان، فالعملية مشتركة بيننا وبين الحكومة وليست أحادية الجانب.