الجمعة، مارس 23، 2012

التقييم الدولي للحكومة الإلكترونية في السلطنة


يعتبر مشروع الحكومة الإلكترونية في السلطنة من أهم المشروعات التي نعوّل عليها في دفع عجلة التنمية في البلاد. فالموضوع ليس مجرد نشر للخدمات الإلكترونية الحكومية بين الأفراد والمؤسسات بأنواعها بل يتعداه لإيجاد مجتمع رقمي قادر على تقبل وفهم واستخدام التقنية بما فيه المنفعة العامة والخاصة على سواء. فأكثر مشاكلنا اليوم داخل المؤسسات الحكومية هو في الفكر السائد والثقافة المؤسسية والتي عادةً ما تأخذ بعداً غير فني. لذلك فنحن نعوّل بشكل كبير على الجيل الحالي من الشباب والأجيال القادمة لدعم استراتيجية الدولة الرقمية التي صدرت في مارس من عام 2003. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن مستوى الإنجاز الذي وصلنا إليه اليوم بعد مضي ما يقارب عقد من الزمان منذ اعتماد استراتيجية عمان الرقمية.

نشرت مؤخراً الأمم المتحدة ممثلةً في دائرة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية تقريرها الأخير الذي تقيّم فيه تطبيقات الحكومة الإلكترونية في جميع الدول الأعضاء والذي حققت فيه السلطنة المركز الـ64 عالمياً من أصل أكثر من 190 دولة متقدمةً بمقدار 18 مركزا بعدما احتلت قبل عامين المركز الـ82. يعطينا هذا التقرير تقييما عاما للجهود المبذولة في السلطنة للارتقاء بالخدمات الإلكترونية الحكومية وسرعة التحول إلى مجتمع رقمي والذي أصبح اليوم ضرورة لتنمية مختلف القطاعات الحيوية الأخرى. للأسف لم تتناول معظم وسائل إعلامنا هذا التقرير بموضوعية للوقوف على إخفاقاتنا بقدر حرصها على الإشادة بإنجازاتنا. فأصبحت تروّج إلى أن السلطنة احتلت المركز الـ16 في قطاع المشاركة الإلكترونية وكأنها تحاول تجميل الواقع الذي أراه شخصياً مبشرا في حد ذاته ويعكس حقيقة الجهود الكبيرة المبذولة في ظل الصعوبات الفنية وغير الفنية. فلا داعي للاختباء وراء الأرقام التي لا تعكس الواقع، فترتيبنا الحقيقي في قطاع المشاركة الإلكترونية هو المركز الـ36 بحكم تساوي العديد من الدول في بعض المراكز مما جعل بعضها تحتل المركز نفسه. فماذا أيضًا نستطيع أن نستنج من هذا التقرير؟

استطاعت السلطنة تحقيق المركز الـ32 في التشاور الإلكتروني والـ50 في توفر المعلومات الإلكترونية وفي عمليات اتخاذ القرار باستخدام التقنية، الأمر الذي يشير إلى سعي بعض الوحدات الحكومية للتواصل المباشر مع المواطنين إلكترونيا عن طريق أشهر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنتديات الإلكترونية المحلية. شخصياً أرى اننا على وشك إحداث طفرة في هذا الجانب خصوصاً عندما يبدأ مركز اتصالات الخدمات الحكومية أعماله والذي تقرر إنشاؤه بموجب التوجيهات السامية لسلطاننا المفدى – حفظه الله ورعاه – ليعمل كأداة لتلقي المرئيات الواردة من مختلف شرائح وقطاعات المجتمع حول الخدمات التي تقدمها الدوائر الحكومية للمواطنين. كما تم تصنيف السلطنة كإحدى أكثر الدول العاملة لتطوير قطاع الحكومة الإلكترونية خلال العامين الماضيين من أصل 41 دولة تحوي كبرى دول العالم. وتم تصنيفها أيضاً كإحدى الدول (من أصل 19 دولة عالمية) التي تستخدم جميع قنوات التواصل (الإلكترونية وغير الإلكترونية) مع المواطنين متقدمة في ذلك على كبرى دول العالم كالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً. كما أشاد التقرير بتفعيل السلطنة للتقنية في التواصل مع المستخدين باختلاف قدراتهم البصرية والتي تتيح لذوي الإعاقة البصرية سماع المعلومات المتوفرة على بوابة السلطنة للخدمات الحكومية والإرشادات الواجب عملها بدلا من قراءتها.

من جانب آخر نستطيع من خلال قراءتنا لنتائج هذا التقرير الدولي الإشارة إلى أهم الجوانب الواجب النظر فيها لتحقيق أكبر قدر من الفاعلية في خدماتنا الإلكترونية وبالتالي إلى تحقيق مراكز متقدمة أفضل في الأعوام القادمة. أولاً علينا أن نعلم أننا الدولة الأخيرة في الترتيب من بين دول الخليج العربية التي تتقدمها دولة الإمارات العربية المتحدة في المركز الـ28 عالمياً. لذلك علينا تقييم أدائنا على ضوء إنجازات الدول المجاورة ومحاولة الاستفادة من تجاربهم بما يتناسب مع خصوصيتنا المحلية. ثانياً، ضرورة العمل على تطوير البنية الأساسية لقطاع الاتصالات خصوصاً في توفير خيارات الإنترنت ذي النطاق الواسع في جميع ولايات ومحافظات السلطنة، حيث بلغت نسبة الاشتراكات في الإنترنت السريع الثابت مقدار 1.89 اشتراك لكل 100 نسمة (أقل من 2%). نعم يمكننا وبشكل مؤقت الاعتماد على بنية الاتصالات اللاسلكية التي فاقت اشتراكاتها إجمالي عدد السكان ولكن ذلك يعتبر خيارا للأمد القصير فقط. الأمر الذي يحتم علينا ضرورة تطوير شبكات الألياف البصرية حول السلطنة كخطة استراتيجية داعمة للتنمية. ثالثاً، ضرورة التركيز على مختلف مراحل تطوير خدمات الحكومة الإلكترونية والتي يقسمها التقرير إلى أربع مراحل رئيسية، تبدأ بالوجود الإلكتروني (إنشاء المواقع الإلكترونية) ثم توفير المعلومات المهمة للمستخدمين كمرحلة ثانية وبعد ذلك تطوير التعاملات الإلكترونية كمرحلة ثالثة وتنتهي بإتمام الاندماج الإلكتروني بين الجهات الحكومية كمرحلة رابعة وأخيرة. ما زالت السلطنة تعتبر حسب التقرير أنها في طور تطوير جميع هذه المراحل. فقد استطعنا إكمال ما نسبته 92% من المرحلة الأولى و64% من المرحلة الثانية و48% من المرحلة الثالثة و57% من المرحلة الرابعة محققين ما نسبته 58% من إجمالي مراحل تطوير الحكومة الإلكترونية في البلاد. لذلك علينا اليوم أن نراعي هذه النسب في وضع خطط مستقبلية لتحقيق إنجازات متقدمة في مراحل المشروع بشكل قابل للقياس. فإن كنا مثلاً نهدف لإتمام المشروع في غضون 20 عاماً من اليوم، فنحن نتكلم على ضرورة تحقيق تقدم إجمالي بمقدار 2.1% سنوياً. فإن لم نستطع فلنراجع كفاءة وفاعلية أعمالنا وخططنا بشكل دوري حتى لا نخفق في تلبية احتياجات وتطلعات المواطن ونهدر مصادر الوطن
.

الاثنين، مارس 12، 2012

الفكر أساس التنمية



عند التأمل اليوم في أهم مشاكل الأمة الإسلامية والعربية بمختلف ثقافاتها ولغاتها نجد أسبابها في فكر الشعوب والذي يعتبر المحرك الرئيسي لعجلة التنمية في جميع البلدان. للأسف لا تعتبر السلطنة بمنأى عن ذلك بحكم عصر العولمة الذي نعيشه اليوم، فالفكر العماني على الرغم من أصالته إلا أنه قد شابه الكثير من التطور أو التدهور (بمعنى آخر) والذي يتسبب اليوم في أكثر قضايانا. فعند النظر في معظم مشاكلنا الشائكة نجد جذورها متمركزة حول مستوى فكر الأفراد وقناعاتهم. فحوادث الطرق أساسها في فكر السائقين وقناعاتهم، فجميعنا نعلم علم اليقين بأهمية ربط أحزمة الأمان والتقيد بالسرعة القانونية وعدم استخدام الهواتف النقّالة أثناء القيادة، فكم منا حوّل هذا العلم إلى تطبيق؟ وكم منا يلتزم بقوانين السير عند رؤية دوريات الشرطة ويخالفها بعد ذلك؟ أما إذا تأملنا في فكر العاملين في القطاع العام والقطاع الخاص فسنجد اختلافاً واضحاً، ففكر الجهات الخاصة أكثر تنظيما وتخطيطا في حين نجد تأثر فكر القطاع العام بسياسة الدوائر أو الأقسام أو الوزارات. أما في التعامل مع الزبائن، ففكر القطاع الخاص يحرص على الخدمة الجيدة إيماناً بأهمية ذلك في نجاح المؤسسة، أما في القطاع العام فهو غالباً أقرب للتفضل والمنة منه إلى الحرص على أداء الأمانة وخدمة المراجعين (إلا ما ندر طبعاً). أضف إلى ذلك مبدأ التخطيط الذي يميل غالباً إلى قصر الأمد في الدوائر الحكومية بحكم النظام المتبع في الدولة (الخطط الخمسية) على عكس توجه معظم الشركات الكبيرة العاملة في السلطنة والتي عادة ما تضع لها استراتيجيات بعيدة الأمد تندرج تحتها خطط تنفيذية قصيرة الأمد.

أما في الجانب الصحي فعدد مرضى ضغط الدم والسكري وتصلب الشرايين وغيرها من الأمراض المزمنة في تزايد بسبب فكر النمط الغذائي المنتشر وتكاسلنا في مزاولة النشاطات الرياضية. أضف إلى ذلك فكر (مشي حالك) في التعامل مع الأمور والذي جعل الهمة لدى الكثيرين ضعيفة في تحقيق الإنجازات وطلب المعالي بحجة النظام ما يساعد، أو تفشي الواسطة أو الفساد الإداري وغيرها من شمّاعات الأعذار التي قد تكون موجودة بشكل أقل مما يجول في فكر الناس. هناك أيضاً فكر التخريب الذي بدأنا نراه مؤخراً بين فئة من شبابنا والتي أصبحت أنفسهم تسوّل لهم تخريب وتشويه المرافق العامة وإيذاء الآخرين بحجة الإصلاح أو المطالبة بالحقوق أو بحجة المتعة والرجولة. كل ذلك وأكثر مما يحثنا اليوم إلى دراسة أشكال الفكر العماني الحديثة وطرق إدارتها من خلال خطة وطنية لتطوير الفكر في البلد تشترك فيها الجهات المعنية العاملة في السلطنة (عامة وخاصة) بما يخدم مشاريع البلد التنموية في مختلف القطاعات وبما يفرز لنا أجيال مستقبلية قادرة على حمل اللواء. فالعقليات المتحجرة أو السلبية هي دائما أهم وأصعب مشاكلنا والتي للأسف قد تنتقل من جيل لآخر ومن الآباء إلى الأبناء ومن الرؤساء إلى المرؤوسين إن لم نعمل على إدارتها بالشكل المطلوب.

 
دعونا في البداية أن نفرق بين التعليم والفكر والذي قد يظن البعض أنهما وجهان لعملة واحدة. فالتعليم من عناصر الارتقاء بالفكر الأمر لا يعني بالضرورة أن المتعلمين هم فقط أصحاب الفكر الراقي ومن دونهم أقل فكراً. فهناك عناصر أخرى في منظومة تكوين الفكر لا تقل أهمية ايضاً كالتربية الدينية والاجتماعية والأسرية بالإضافة إلى وسائل الإعلام وخبرات الحياة المكتسبة لدى الفرد منا وتطبيقات التقنية الحديثة وغيرها. فكم من المتعلمين الذين يخالفون قواعد السير وكم من غير المتعلمين المنضبطين في العمل، فهي منظومة متكاملة يجب علينا دراستها والعمل على حسن تطويرها وإدارتها. كما يمكن أن تضاف خبرات الفرد منا ومهاراته المكتسبة طوال الحياة إلى منظومة الفكر لتفرز لنا أفرادا في المجتمع يفكرون بشكل مختلف. الأمر الذي نشجع عليه عند اتفاقنا على الأساسيات النابعة من ديننا وعاداتنا الأصيلة ومفهوم المواطنة. أما الفكر كمفهوم فيعرّفه الدكتور طارق السويدان بأنه إعمال للعقل في قضية معينة للوصول إلى رأي جديد. فالواجب هنا أن نسعى لصفاء العقل وجاهزيته قبل البدء بالتفكر، ففاقد الشيء لا يعطيه. يأتي هنا دور الأسرة والمدرسة والإعلام المحلي ومؤسسات الدولة إجمالاً في التصدي لجميع الأفكار الهدامة ونمطية التفكير السلبية التي تأتينا من المجتمع أو من خارج السلطنة على شكل برامج وأفلام تلفزيونية أو مجلات وكتب أو مواقع إلكترونية أو دورات وفعاليات اجتماعية عامة.

ولتأكيد اهمية الفكر في التنمية دعونا نستعرض الخطوات الجديدة أو الفكر الجديد الذي اتصفت به شريحة من القادة الشباب الجدد الذين استطاعوا الجمع بين العلم والفهم الصحيح للعقلية العمانية ومواكبة العصر الذي نعيشه اليوم. فمع احترامي الشديد لجميع السابقين إلا أنهم ربما قد افترقوا لأحد هذه العناصر إن لم يكن لجميعها. انظر اليوم مثلاً في سعي معالي رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون لقيادة مسيرة تطوير الإعلام العماني من خلال استغلال موقع الفيسبوك للتواصل مع الشباب، والذي بدأنا نرى نتائجها من خلال القضايا المطروحة في أخبار العاشرة والبقية تأتي إن شاء الله. فلذلك علينا اليوم اخواني القرّاء أخذ مسألة الفكر محمل الجد وعدم التهاون في التخطيط لتطوير الفكر العماني وإزالة الغشاوات والشوائب التي قد تكون وراء أكثر قضايانا. فالحلول المطروحة اليوم أكثرها حلول مؤقتة تركز على قشرة القضية ولا تصل في غالب الأحيان إلى لب أو جذر المسألة (الفكر).