الاثنين، ديسمبر 24، 2012

نحو سياحة مستدامة في السلطنة


تشرفت الأسبوع الماضي بالمشاركة في ندوة حوار اجرتها احدى الصحف المحلية حول جوانب التخطيط الاستراتيجي لمحافظة مسندم تماشيا مع التوجيهات السامية بإقامة العديد من المشاريع التنموية في المحافظة. اجمع معظم المشاركين في الندوة على ضرورة التركيز على السياحة كاحدى الركائز المهمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المحافظة. الأمر الذي يجعلنا دائما امام مفترق طرق عند محاولة التخطيط لمشاريعنا بمعزل عن الرؤية الشاملة للبلاد. فغالبا ما يكون تركيزنا على مشاريع التنمية في المحافظات دون النظر في طريقة تكامل هذه المشاريع مع بعضها لخدمة البلاد بشكل عام بما يضمن لها مراكز عالمية تنافسية متقدمة. فالسبب يكمن في عدم وضوح الرؤية الاستراتيجية للسلطنة 2020 لمعظمنا وخصوصا لأصحاب القرار. فالأهداف الموضوعة لا تتعدى كونها اطرا عامة على الجميع التقيد بها في العمل والتي تخلوا في جوانب كثيرة من اساليب القياس. فهي اشبه بالتوصيات القابلة للتفسير والتأويل بأشكال مختلفة مما يجعل معظم اعمالنا تندرج تحتها ولو كانت في الاتجاه الخاطئ. الشاهد هنا ان موضوع السياحة في السلطنة هو من اهم الجوانب الاقتصادية ذات البعد الاستراتيجي الداعمة للاقتصاد وهي احد مصادر الدخل المعول عليها لتقليل الاعتماد الكبير على قطاع النفط بل وربما للاستغناء عنه اذا ما طورت بالشكل الصحيح. نعلم بأن وزارة السياحة لا تألوا جهدا في هذا الجانب ولكن اليد الواحدة لا تصفق، فعمل الوزارات بمعزل عن بعضها لن يساعدنا في مواكبة التطور الاقليمي ناهيك عن التطور العالمي في هذا الجانب. لذلك ارى ان علينا اليوم تطوير خطة سياحية للبلاد تجعل من السلطنة وجهة سياحية على مدار العام تتكامل فيها جميع المؤسسات العاملة في السلطنة للارتقاء بالخدمات المقدمة وتوفير التنوع السياحي المطلوب 
.
تقدر منظمة السياحة العالمية التابعة للامم المتحدة بأن عدد السياح في العالم تجاوز في عام 2012 المليار سائح محققين ما مقداره 1.2 تريليون دولار من عائدات التصدير. كما استطاع قطاع السياحة في العالم أن يحوز على 30% من صادرات الخدمات ممثلا ما نسبته 9% من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي العالمي. تقوم هذه المنظمة ايضا بترتيب دول العالم سياحيا من خلال حساب ثلاثة مؤشرات اساسية هي عدد السياح القادمين من الخارج وحجم الدخل الذي تحققه السياحة الداخلية بالاضافة الى حجم انفاق السياحة الخارجية. في عام 2011 جاءت فرنسا والولايات المتحدة والصين في المراكز الثلاثة الأولى عالميا على التوالي. في حين احتلت تركيا المركز الاول بين دول العالم الاسلامي والسادس عالميا تليها ماليزيا في المركز الثاني بين الدول الاسلامية والتاسع عالميا. اما في دول الشرق الاوسط فاحتلت المملكة العربية السعودية المركز الاول محققة اجمالي عدد زوار فاق الـ 17.34 مليون زائر والذي يعزى ربما وبشكل كبير لعدد الحجاج والمعتمرين. أما السلطنة فقد احتلت المركز العاشر بين دول منطقة الشرق الاوسط بعدد زوار يقارب الـ 1.52 مليون زائر متقدمين في ذلك على دولة الكويت فقط من بين دول الخليج العربي. الامر الذي يجعلنا نتساءل عن اسباب تراجعنا في هذا القطاع خصوصا عند مقارنة ادائنا بدول المنطقة، فكيف استطاعت دولة صغيرة كالبحرين التفوق علينا واستقطاب اكثر من 4.94 مليون زائر في الوقت الذي تمتلك فيه السلطنة من المقومات السياحية ما تمتلك؟


بداية أرى بأن منظومة العمل الحكومي والخاص في السلطنة تحتاج الى اعادة نظر فيما يختص بثقافة المؤسسات وادارة مشاريع التغيير لتحقيق التكامل المنشود في العمل. فقطاع السياحة ليس حكرا على وزارة السياحة فقط، بل على بقية الوزارات دور مهم ايضا في الارتقاء بالقطاع بما يخدم المصلحة العامة للدولة. فللسائح متطلبات اساسية قد تتعدى مسؤولية وزارة السياحة، كتوفر وسائل المواصلات المريحة والخدمات الصحية النظيفة وتعدد المطاعم في البلاد وتسهيلات استخراج التأشيرات وتوفر اماكن الايواء في مختلف المناطق بمختلف مستوياتها السياحية. الأمر الذي يدعو ليس فقط الى تكامل العمل الحكومي، بل الى تحفيز القطاع الخاص لاستغلال مقومات السلطنة السياحية من خلال استثمارات تستقطب مختلف انواع السياحة العالمية. فاليوم نجد اهم مهرجاناتنا السياحية تركز على موسم الخريف في محافظة ظفار وموسم الشتاء في مسقط، فماذا عن بقية محافظات السلطنة؟ لماذا لا تكون هناك فعاليات اقل كلفة على مدار العام تستهدف مواسم او مقومات سياحية في مختلف ارجاء البلاد بحيث تصبح السلطنة مرتعا سياحيا في مختلف مواسم السنة؟ لذلك ارى ان علينا تطوير خطة سياحية عملية للدولة تشترك فيها الحكومة مع القطاع الخاص على غرار خطط الدول العالمية الاخرى، لدراسة مقومات السلطنة السياحية ومواطن النقص أو الضعف للخروج بمشاريع مشتركة تستهدف صناعة الطلب السياحي وليس فقط توفير العروض. ففي استراليا قامت مدينة ملبورن ممثلة في ولاية فكتوريا الاسترالية بتطوير خطة سياحية خمسية تندرج تحت رؤية الولاية العامة تحدد معالم ركائز السياحة في المدينة وطرق تطويرها. كان من اهم ركائز هذه الخطة هو تحقيق سياحة مستدامة عن طريق توحيد جهود مختلف المؤسسات العاملة في المدينة والولاية من خلال مشاريع تكاملية وشراكات عملية تنبثق من جهود عمليات التخطيط والبحث في هذا المجال، وهذا اقل ما علينا فعله.

الاثنين، ديسمبر 17، 2012

أنواع الفساد في البلاد


أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرها الأخير لعام ٢٠١٢ حول مستويات الفساد العالمي والذي يهدف لترتيب دول العالم وفق منهجية معينة حسب مؤشر فساد المؤسسات العامة في هذه البلدان. واحتلت السلطنة في هذا التقرير الترتيب الـ٦١ من اصل ١٧٦ دولة عالمية متقدمة فقط على دولتين من دول الخليج هما دولة الكويت والمملكة العربية السعودية. فيما احتلت دولتا قطر والإمارات العربية المتحدة المركز الأول خليجيا (مكرر) والمركز الـ٢٧ عالميا. يعطينا هذا الترتيب الانطباع العام الدولي عن حجم الفساد في البلدان وليس القياس الحقيقي لحجم الفساد لصعوبة قياس ذلك بسبب سرية معظم التعاملات الفاسدة. لذلك يعتمد التقرير وبشكل كبير في حساب مؤشر الفساد للدول على منهجية جديدة قابلة للمقارنة مع مؤشرات الأعوام المقبلة فقط لاختلافها الكلي عن المنهجية السابقة. تقوم المنهجية الجديدة لهذا البحث على دراسة عدة تقارير ومصادر معلومات دولية مختصة بموضوعات الحوكمة والمخاطر الاقتصادية الدولية والتقييمات الدولية للسياسات المتبعة في البلدان لتحليل الانطباع أو النمط العام لموضوع الفساد في كل دولة. طبعا مجرد العلم بهذا التقييم يجعلنا أمام تحدٍ دولي جديد لمحاولة دراسة طرق ومصادر حساب المؤشر ليتسنى لنا وضع خطط عملية للارتقاء بمبدأ الشفافية ومحاربة الفساد في السلطنة، فما موضوع التعدين المنشور في جريدة (عُمان) الغراء الأسبوع الماضي غير فيض من غيض. لذلك علينا أن نعي أن مثل هذه التقارير الدولية لها تأثيرات سلبية على البلاد خصوصا على مساعينا في جذب الاستثمارات الدولية لتطوير الاقتصاد المحلي ومحاولة حل معضلة الباحثين عن عمل بإيجاد فرص وظائف لآلاف الشباب الباحثين عن عمل. فما دمنا نعوّل على القطاع الخاص في المستقبل لاستقطاب الأعداد المتزايدة من الباحثين عن عمل، علينا أن نوفر البيئة المناسبة له للعمل والتنافس بشكل شريف وعادل.

بداية علينا أن نعي أن للفساد أشكالا مختلفة تتعدى المفهوم العام لدى الناس وهو سرقة أموال الدولة واستغلال المسؤولين لمناصبهم من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية. فبالرغم من تركيز هذا التقرير على بعض أنواع الفساد ذات التأثير الاقتصادي، إلا أن هناك أنواعا أخرى لا تقل أهمية كالفساد الأخلاقي والإداري والاجتماعي والسياسي والديني وغيرها من الجوانب التي تشترك جميعها في عنصر مهم من وجهة نظري وهو عدم اتصاف البعض منا بالصدق والأمانة في التعامل مع الأمور. فعدم وضع الموظف المناسب في المكان المناسب لأي سبب كان يعتبر من الفساد، ومحاباة المعارف في العمل أو ما يعرف محليا بالواسطة أيضا فساد والتصويت للمعارف مع وجود الأكفأ فسادا والمجاملة المذمومة اجتماعيا ومهنيا أيضا فساد وهي عندما نجامل المخطئ ونحن نعلم بخطئه وقس على ذلك. كذلك لا يعتبر الفساد حكرا على طبقة أو فئة اجتماعية دون الأخرى، فجميعنا فاسدون إن لم نتصف بالأمانة والصدق في جميع أمورنا. فالآباء فاسدون إن انشغلوا عن تربية أبنائهم فيما هو أقل أهمية، والطلبة فاسدون ان لم يحاولوا النجاح في دراستهم، والموظفون فاسدون ان اخفقوا في أعمالهم وسرقوا ساعات العمل لمصالحهم الشخصية، والمستشارون فاسدون إذا لم يحسنوا النصح لأصحاب القرار، والعلماء فاسدون إذا كتموا العلم والحق عن الناس والرؤساء فاسدون إن لم يتقوا الله في المرؤوسين وهلم جرا.

لا يعتبر الفساد حكرا علينا في الشرق الأوسط، فمعظم دول العالم بما فيها الدول المتقدمة تعاني من موضوع الفساد بمختلف أنواعه. فالتقرير المشار إليه سابقا يظهر لنا أن روسيا تحتل المركز الـ١٣٣ والولايات المتحدة والمملكة المتحدة لم يأتيا في أعلى القائمة بل احتلا المركزين الـ١٩ والـ١٧ على التوالي، في حين احتلت الدنمارك وفنلندا ونيوزيلندا المركز الأول مكرر. حتى مع احتلال هذه الدول للمركز الأول إلا أن التقرير يشير إلى عدم خلو هذه البلدان من الفساد بشكل عام ولكن السياسات المتبعة والقوانين والضوابط المعمول بها هي الأفضل عالميا للحد من الفساد مما جعل الانطباع العام والذي يحسب كما أسلفنا بالرجوع لعدة مؤشرات رسمية عالمية في هذا الشأن هو الأفضل من بين دول العالم. أضف إلى ذلك أن الترتيب العام ليس كل شيء في هذا التقرير فهناك النتيجة الرقمية لكل دولة في عملية حساب الفساد والتي تتدرج من صفر للدول ألأكتل فسادا في العالم إلى مائة للدول الخالية من الفساد والتي لم تستطع أي دولة في العالم تحقيقها. فالدول الأولى عالميا استطاعت تحقيق نتيجة ٩٠ في حين استطعنا نحن في السلطنة أن نحقق قيمة ٤٧ بشكل عام. من جانب آخر يقدم لنا التقرير نسبة الخطأ في حساب القيمة بالإضافة إلى أعلى وأقل نسبة تم رصدها للوصول إلى الرقم السابق والذي يعطينا مؤشرا آخر اكثر تفاؤلا نستطيع من خلاله التركيز على مواطن الضعف بالرجوع إلى آليات البحث في التقرير بشكل مفصل ودقيق. ختاما أرى أن مسؤولية محاربة الفساد في بلادنا مسؤولية مشتركة غير مقتصرة على الحكومة أو بعض الجهات المختصة. فالفساد أنواع كما أسلفنا وجميع هذه الأنواع تؤثر في بعضها البعض سلبا وإيجابا. لذلك علينا بداية إخواني القراء وقبل توجيه الاتهامات للغير، أن ننظر في أعمالنا الخاصة من باب «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» لتغيير مواطن الفساد فينا قبل محاولة التفكر في الفساد العام في البلاد، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة. ولنعلم أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة ما لم تؤدي إلى ضرر، وما هذا الفساد إلا نتيجة أخطاء متراكمة من الجميع بشكل مباشر وغير مباشر.

الأربعاء، ديسمبر 12، 2012

خريجون ولكن؟


احتفلت الجامعة مطلع هذا الأسبوع بتخريج فوج جديد من الطلبة في امسية بهية حضرها الأقارب والمدرسون امتزجت فيها عبارات التهاني بدموع الوداع وذكريات النجاح بحنين العودة. التقيت ببعض الخريجين الذي كان لي شرف تدريسهم في الأعوام السابقة وعلى الرغم من فرحة التخرج الا انني تلمست في اعينهم هاجس الحصول على وظيفة خصوصا ونحن نعيش اليوم في السلطنة مكابدة توفير الوظائف لآلاف الباحثين عن عمل. فمعظم الخريجات مثلاً كان خيارهن الأول في التوظيف هو العمل الحكومي لتناسبه مع ظروفهن الاجتماعية وربما ميولهن الشخصية. الأمر الذي يجعلنا نتذكر التوجيهات السامية في هذا الشأن وهو عدم قدرة القطاع الحكومي الاستمرار في استيعاب الكثير من الوظائف في الأعوام المقبلة. فهي مسألة اعوام ونجد انفسنا امام مشكلة حقيقية وهي تشبع سوق العمل بالكثير من الوظائف التي نسعى لإيجادها اليوم دون ان نعي اننا بعملنا هذا (توفير الوظائف) قد نتسبب في إيجاد مشكلة اخرى ايضاً. فما هي خطتنا الاستراتيجية للتعامل مع تناقص شواغر الوظائف في الاعوام المقبلة؟ وكيف لنا ان نوازن بين تمكين القطاع الخاص واستقطاب الاستثمارات الخارجية من جهة وبين حض هذا القطاع على توظيف الايدي العاملة الوطنية التي قد لا تكون بنفس كفاءة الايدي العاملة الأجنبية الأرخص تكلفة من جهة اخرى؟ أعلم بأن الجهات المسؤولة لا تألوا جهدا في هذا الشأن، ولكن وجب علينا اليوم التكاتف لتسليط الضوء على أهم القضايا في هذا الجانب واقتراح الحلول بدلا من الوقوف موقف المشاهد.

نعلم ان على القطاع الخاص اليوم ان يساهم في ايجاد الوظائف اللازمة لآلاف الباحثين عن عمل وان القطاع العام لن يستطيع توفيرالوظائف للعمانيين الى الابد. السبب يكمن في حجم النماء والزيادة والتوسع والتي عادة ما تكون دائما من نصيب القطاع الخاص، فإذا تساوى القطاعان في هذه النسبة فإن المصير واحد في توفر الوظائف، فهل يا ترى تطور القطاع الخاص الحالي في السلطنة يبشر بوظائف اكثر في المستقبل؟ من جانب آخر تسعى الحكومة لتدريب الباحثين عن عمل لحضهم على الالتحاق بوظائف افضل او لتشجيعهم على تبني العمل الحر. طبعاً التدريب يأتي بشكل اساسي لتأهيل الباحثين عن عمل ليستطيعوا ممارسة اعمالهم بحدودها الدنيا. فالوضع الحالي لا يشجع الشركات على توظيف الكثير من الباحثين عن عمل الا في الا عمال الدنيا والتي قد لا تتناسب مع احتياجات هؤلاء الباحثين الحالية، ناهيك عن تطلعاتهم المستقبلية. من هنا نرى التأكيد على أهمية رفع سقف الحد الادني للرواتب في القطاع الخاص، فالغالبية ستتركز هناك. فلماذا يا ترى لا يوضع سقف أعلى ايضا للرواتب؟ ليس ذلك حسدا لا سمح الله، نسأل الله ان يبارك لهم ويزيدهم من نعيمه، ولكن هي دعوة للتوازن في العطاء والعدالة في الحكم على الامور. فهناك من الشركات من تصرف عشرات الآلاف من الريالات شهريا لبعض الوظائف العليا في حين تعارض أو تتلكأ نفس هذه الشركات في رفع الحدود الدنيا للرواتب لبضعة مئات من الريالات. من جانب آخر ومن القضايا المهمة ايضا هو مستوى خريجي الثانوية العامة، فما بالهم لا يحسنون الكثير من المهارات بحيث اصبحت هذه الشهادة لا تعني الكثير عند التوظيف؟ ولماذا نرى عزوفا من خريجي الجامعات (بشكل عام) للالتحاق بالاعمال الحرة مع توفر التسهيلات الحكومية في هذا الشأن؟


قضايا مهمة اخواني القراء علينا الانتباه اليها، فالقطاع الخاص يحتاج للتمكين والتسهيلات للعمل بأريحية بدلا من فرض القيود خصوصا اذا كنا نتكلم عن استثمارات خارجية قد لا تعني لها سياسة التعمين الكثير. كيف لنا ان نستقطب مزيدا من الاستثمارات الخارجية ونحن نحابي الشركات الوطنية؟ معضلة علينا التفكر بها للخروج بحلول وسط تخدم سياساتنا الوطنية ولا تتعارض مع مصالح الشركات الدولية. ما هي قدرتنا التنافسية في السلطنة والتي تحدثت عنها في مقالة سابقة؟ هل باستطاعتنا التنافس لجذب الاستثمارات الدولية؟ ما هي اهم نقاط القوة للسلطنة دوليا وما هي مقومات التطور بالمقارنة مع نقاط الضعف أو النقص ان وجدت؟ الا يجدر بنا وضع خطة استراتيجية تقاس بمستوانا الاقتصادي العالمي، بدلا من تركيزنا فقط على الخطط المحلية قصيرة الامد التي تهدف لسد الاحتياجات الداخلية فقط؟ كيف يمكن اليوم ان نوحد الجهود بين جميع الجهات الحكومية من جهة وبين الشركات الحكومية والأهلية من جهة اخرى للارتقاء بركائز التنافس العالمي الاثنى عشر حسب تقرير المنتدى الاقتصادي؟ والأهم من ذلك كله، كيف يمكن ان تلعب وزارة الإعلام ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ومؤسساتها المختلفة ووزارة التنمية الاجتماعية بنشر فكر سليم بين شبابنا واجيالنا المستقبلية يجعلهم يعتمدون على انفسهم في بناء مستقبلهم اكثر من اعتمادهم على الحكومة ومؤسساتها؟

الاثنين، ديسمبر 03، 2012

لماذا لا نعمل من المنزل؟


قد لا تكون فكرة العمل من المنزل بجديدة على الكثيرين منا، فالعالم اليوم مليء بمثل هذه الوظائف التي تعطي أيا منا الفرصة للعمل من المنزل بشكل كامل او جزئي. فأصبحت شبكة الانترنت مليئة بالعديد من المواقع الالكترونية التي نستطيع من خلالها الحصول على وظائف لا تحتاج لأكثر من حاسوب شخصي موصل بالانترنت وبعض البرمجيات. لذلك نرى اليوم كبرى الشركات العالمية تعمد لرفع انتاجيتها وتقليل مصاريفها التشغيلية بالاستعانة بمثل هذه الوظائف. فشركة آي بي أم (IBM)  الأمريكية توظف 42% من اجمالي موظفيها من منازلهم وأكثر من نصف موظفي شركة سن مايكروسيستم (Sun Microsystem)  يعملون من البيت ايضا، وبنفس النسق نجد توجه الشركات الكبرى ايضا كشركة جوجل وساب (SAP) الالمانية وغيرها من الشركات التي تسعى لتوفير المرونة المطلوبة للموظف في العمل لرفع الفاعلية والانتاجية وخفض التكاليف. لذلك لم يعد العمل من المنزل اليوم حكرا فقط على الامهات أو النساء الحوامل، بل اصبح جزءا من استراتيجية الاعمال في العالم واصبحت الحكمة من ورائه واضحة. فالتركيز ليس في مكان العمل بقدر ما هو في انجاز العمل (الانتاجية) في الوقت المناسب وبالشكل المطلوب. الامر الذي يجعلنا نتفكر في كيفية الاستفادة من مثل هذه التجارب العالمية في السلطنة والتي قد تساعدنا في حل الكثير من المشاكل. فإن كان بإمكان الموظف الحكومي مثلاً اليوم اتمام العمل المطلوب من بيته، فليكن ذلك ولنساهم في تقليل الحوادث وازدحام الشوارع وترشيد مصاريف الماء والكهرباء في العمل. ناهيك طبعا عن تقليل عدد ومساحات المكاتب في العمل والتي اصبحت تقاس وتسعر بالمتر المربع في بعض المواقع. الامر الذي قد يعود ايضاً على الموظف نفسه بفوائد اقتصادية واجتماعية كتوفير مصاريف النقل وحضانة الاطفال وربما عاملات المنزل، بالاضافة الى توفير نوعية الوقت المطلوبة للاعتناء بالاطفال وزيارة الأرحام لتقوية النسيج الاجتماعي في المجتمع.

عند التأمل في مهام معظم الوظائف الحكومية والتجارية اليوم نجد الكثير منها لا تحتاج لحضور الموظف الى العمل خصوصا مع التطور الكبير لتقنية الاتصالات والمعلومات. فهناك المصممون بأنواعهم، وموظفو مراكز الاتصالات ومنسقو الاقسام التي تنحصر مهامهم في كتابة وطباعة التقارير وهناك مدققو الحسابات ومقدمو الاستشارات الادارية والتخصصية ومحللو البيانات وغيرهم كثير ممن لا يتعاملون مع الزبائن بشكل مباشر. ليس ذلك فحسب، فهناك وظائف خصوصا في القطاع الحكومي لا تحتوي على وصف دقيق للعمل ولا يعلم صاحبها حدود مسؤولياته وواجباته غير كونه "موظفا" أو "موظفا اداريا" أو "منسقا" أو "مشرفا" وغيرها من الاسماء التي لا توحي بعمل محدد ومهم. فإن كانت مهام الوظيفة تقتصر على استخدام الحاسوب أو في مخاطبة الزبائن عبر الهاتف أو من خلال احدى الوسائل الالكترونية أو ليس لها اهمية اصلا، فلماذا لا يعمل الموظف من البيت، ام هي مسألة مساواة بين الموظفين في مسألة الحضور؟ ولماذا يا ترى اصبحنا نركز على تسجيل الحضور والانصراف اكثر من تركيزنا على قياس انتاجية الموظف وزيادتها؟ فكم من الموظفين الذين لا تزيد انتاجيتهم في العمل اكثر من ساعة والباقي اهدار للمصادر والطاقات؟ الا نرى العديد من الموظفين اليوم يخصصون جل اوقات العمل للاحاديث الاجتماعية وتناول الاطعمة؟ اليس هناك الكثير من المتسللين أو المتأخرين عن العمل، والذين يستخدمون اوقات العمل لأعمالهم الخاصة دون ان يلاحظ احد؟ فما فائدة حضورهم اصلاً؟

لذلك اخواني واخواتي القراء علينا اليوم التفكر في كيفية الاستفادة من الموظف وقدراته في رفع انتاجية العمل بغض النظر عن زمان ومكان العمل. من هنا قامت شركة أكسنتر (Accenture) المتخصصة في الاستشارات الادارية بالنظر في اعمال بعض المؤسسات بهدف تفكيك مهام اعمالها وتمييز المهام المرنة القابلة للانجاز من المنزل لاعطاء المديرين القدرة على تخصيص مهام العمل لكل موظف على حسب ظروفه وقدراته. طبعا يجب ان يراعى هنا تطوير وصف عمل دقيق يلزم الموظف بجدول زمني لتحقيق اهداف العمل والتي قد تحتاج للمتابعة الدورية من قبل المسؤول المباشر على شكل اجتماعات اسبوعية أو شهرية أو باستخدام انظمة الكترونية لتحقيق التعاون الالكتروني المطلوب بين مجموعات العمل المختلفة. الأمر الذي انتج لنا ثقافة جديدة في ادوات التوظيف ومزيجا من الموظفين على شكل عاملين بشكل دائم داخل العمل وبشكل دائم من المنزل وآخرين بشكل جزئي. تجدر الاشارة ايضا الى ان العمل من المنزل قد لا يكون بالبساطة والمتعة التي قد يتخيلها البعض، فهناك الكثير من الملهيات التي قد تعترض الموظف في البيت. كما ان العمل من المنزل يحتاج الى الكثير من الانضباط في انجاز العمل في الوقت المناسب وبالشكل المطلوب، ناهيك طبعا عن ضرورة اتصاف الموظف بالقدرة على العمل الفردي بمعزل عن مساعدة الزملاء. الأمر الذي يجعل فكرة العمل من المنزل ليست مناسبة للجميع وتحتاج لتقنين اولوياتها والتي من وجهة نظري يجب ان تعطى للنساء والامهات واصحاب الاحتياجات الخاصة اولاً.