الأربعاء، ديسمبر 12، 2012

خريجون ولكن؟


احتفلت الجامعة مطلع هذا الأسبوع بتخريج فوج جديد من الطلبة في امسية بهية حضرها الأقارب والمدرسون امتزجت فيها عبارات التهاني بدموع الوداع وذكريات النجاح بحنين العودة. التقيت ببعض الخريجين الذي كان لي شرف تدريسهم في الأعوام السابقة وعلى الرغم من فرحة التخرج الا انني تلمست في اعينهم هاجس الحصول على وظيفة خصوصا ونحن نعيش اليوم في السلطنة مكابدة توفير الوظائف لآلاف الباحثين عن عمل. فمعظم الخريجات مثلاً كان خيارهن الأول في التوظيف هو العمل الحكومي لتناسبه مع ظروفهن الاجتماعية وربما ميولهن الشخصية. الأمر الذي يجعلنا نتذكر التوجيهات السامية في هذا الشأن وهو عدم قدرة القطاع الحكومي الاستمرار في استيعاب الكثير من الوظائف في الأعوام المقبلة. فهي مسألة اعوام ونجد انفسنا امام مشكلة حقيقية وهي تشبع سوق العمل بالكثير من الوظائف التي نسعى لإيجادها اليوم دون ان نعي اننا بعملنا هذا (توفير الوظائف) قد نتسبب في إيجاد مشكلة اخرى ايضاً. فما هي خطتنا الاستراتيجية للتعامل مع تناقص شواغر الوظائف في الاعوام المقبلة؟ وكيف لنا ان نوازن بين تمكين القطاع الخاص واستقطاب الاستثمارات الخارجية من جهة وبين حض هذا القطاع على توظيف الايدي العاملة الوطنية التي قد لا تكون بنفس كفاءة الايدي العاملة الأجنبية الأرخص تكلفة من جهة اخرى؟ أعلم بأن الجهات المسؤولة لا تألوا جهدا في هذا الشأن، ولكن وجب علينا اليوم التكاتف لتسليط الضوء على أهم القضايا في هذا الجانب واقتراح الحلول بدلا من الوقوف موقف المشاهد.

نعلم ان على القطاع الخاص اليوم ان يساهم في ايجاد الوظائف اللازمة لآلاف الباحثين عن عمل وان القطاع العام لن يستطيع توفيرالوظائف للعمانيين الى الابد. السبب يكمن في حجم النماء والزيادة والتوسع والتي عادة ما تكون دائما من نصيب القطاع الخاص، فإذا تساوى القطاعان في هذه النسبة فإن المصير واحد في توفر الوظائف، فهل يا ترى تطور القطاع الخاص الحالي في السلطنة يبشر بوظائف اكثر في المستقبل؟ من جانب آخر تسعى الحكومة لتدريب الباحثين عن عمل لحضهم على الالتحاق بوظائف افضل او لتشجيعهم على تبني العمل الحر. طبعاً التدريب يأتي بشكل اساسي لتأهيل الباحثين عن عمل ليستطيعوا ممارسة اعمالهم بحدودها الدنيا. فالوضع الحالي لا يشجع الشركات على توظيف الكثير من الباحثين عن عمل الا في الا عمال الدنيا والتي قد لا تتناسب مع احتياجات هؤلاء الباحثين الحالية، ناهيك عن تطلعاتهم المستقبلية. من هنا نرى التأكيد على أهمية رفع سقف الحد الادني للرواتب في القطاع الخاص، فالغالبية ستتركز هناك. فلماذا يا ترى لا يوضع سقف أعلى ايضا للرواتب؟ ليس ذلك حسدا لا سمح الله، نسأل الله ان يبارك لهم ويزيدهم من نعيمه، ولكن هي دعوة للتوازن في العطاء والعدالة في الحكم على الامور. فهناك من الشركات من تصرف عشرات الآلاف من الريالات شهريا لبعض الوظائف العليا في حين تعارض أو تتلكأ نفس هذه الشركات في رفع الحدود الدنيا للرواتب لبضعة مئات من الريالات. من جانب آخر ومن القضايا المهمة ايضا هو مستوى خريجي الثانوية العامة، فما بالهم لا يحسنون الكثير من المهارات بحيث اصبحت هذه الشهادة لا تعني الكثير عند التوظيف؟ ولماذا نرى عزوفا من خريجي الجامعات (بشكل عام) للالتحاق بالاعمال الحرة مع توفر التسهيلات الحكومية في هذا الشأن؟


قضايا مهمة اخواني القراء علينا الانتباه اليها، فالقطاع الخاص يحتاج للتمكين والتسهيلات للعمل بأريحية بدلا من فرض القيود خصوصا اذا كنا نتكلم عن استثمارات خارجية قد لا تعني لها سياسة التعمين الكثير. كيف لنا ان نستقطب مزيدا من الاستثمارات الخارجية ونحن نحابي الشركات الوطنية؟ معضلة علينا التفكر بها للخروج بحلول وسط تخدم سياساتنا الوطنية ولا تتعارض مع مصالح الشركات الدولية. ما هي قدرتنا التنافسية في السلطنة والتي تحدثت عنها في مقالة سابقة؟ هل باستطاعتنا التنافس لجذب الاستثمارات الدولية؟ ما هي اهم نقاط القوة للسلطنة دوليا وما هي مقومات التطور بالمقارنة مع نقاط الضعف أو النقص ان وجدت؟ الا يجدر بنا وضع خطة استراتيجية تقاس بمستوانا الاقتصادي العالمي، بدلا من تركيزنا فقط على الخطط المحلية قصيرة الامد التي تهدف لسد الاحتياجات الداخلية فقط؟ كيف يمكن اليوم ان نوحد الجهود بين جميع الجهات الحكومية من جهة وبين الشركات الحكومية والأهلية من جهة اخرى للارتقاء بركائز التنافس العالمي الاثنى عشر حسب تقرير المنتدى الاقتصادي؟ والأهم من ذلك كله، كيف يمكن ان تلعب وزارة الإعلام ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ومؤسساتها المختلفة ووزارة التنمية الاجتماعية بنشر فكر سليم بين شبابنا واجيالنا المستقبلية يجعلهم يعتمدون على انفسهم في بناء مستقبلهم اكثر من اعتمادهم على الحكومة ومؤسساتها؟

هناك تعليق واحد:

  1. المقالة اعجبتني لأن فيها نوع من الإنصاف عندما تناولت المشكلة من جهات عدة. أوافق الدكتور في معظم ما ذكر.

    ردحذف