الاثنين، أبريل 22، 2013

فكر الشباب العماني

 
تحدثنا في مقالة الأسبوع الماضي عن أهم الأزمات أو القضايا التي تعصف بالمجتمع العماني والتي اجملناها في قضية الفكر التي تتحكم في سلوكنا الإيجابي والسلبي على السواء. الامر الذي يحتم علينا اليوم دراسة فكر الناشئة والشباب ومحاولة فهم قضاياهم الخاصة والتي بكل تأكيد تختلف عن قضايانا عندما كنا في مثل أعمارهم. فالهدف هنا هو تجهيز الجيل القادم بكل ما يحتاج من المعرفة والمهارات والفكر اجمالا لجعله قادرا على تحمل المسؤولية وتكملة مشوار التنمية المستدامة في البلاد بكل فاعلية وكفاءة. الغريب في الامر ان التاريخ يكاد يعيد نفسه في نظرة الأجيال لبعضها البعض. فجيل آبائنا وأجدادنا لطالما تغنى بإيجابيات الحقبة الزمنية التي عاشها وكيف استطاعوا ان يعملوا بجد في ظل الظروف الصعبة آنذاك بالمقارنة مع ترف وتكاسل جيلنا الحالي. نرى ذلك يتكرر في جيلنا اليوم حيث يعمد الكثير منا الى عمل المقارنة نفسها بين تجربة الجيل الحالي وجيل الناشئة من الشباب والابناء بحيث يراهم الكثيرون غير مبالين وربما مشتتي التفكير والتركيز. بغض النظر عما يدور في خلجنا اليوم عن الجيل القادم، هناك حقيقة يجب علينا ان نعلمها وهي اننا حتما لا محالة سنعطيهم الراية عاجلا ام آجلا وعلينا ان نعمل على حل قضاياهم بدلا من الوقوف موقف المتذمر. هذه رسالة لكل مسؤول في البلاد ليعمل على تجهيز من هم أدنى منه اليوم فكرا وعلما ليستطيعوا ان يحلوا مكانه يوما ما وليتنحى كذلك من لا يرى في نفسه الكفاءة ويتيح الفرصة لمن هم أكفأ منه، «رحم الله امرؤ عرف قدره ووقف عنده». فالجيل القادم هم مستقبل هذه البلاد شئنا ام ابينا ولذلك علينا ان نركز اهم استثماراتنا عليهم أولا وبعد ذلك على القطاعات الحيوية الأخرى. فما أسهل ان يضيَع الأبناء التركة ان لم يحسن الآباء تربيتهم وتنشئتهم بالشكل الصحيح.

صدرت في مطلع هذا الشهر نتائج استبيان الشباب العربي لعام 2012 والتي تقوم بها شركة (ASDA’A Burson-Marsteller) سنويا لقياس النمط الفكري بين شباب العرب بشكل عام والخليجي بشكل خاص. أجرت هذه الدراسة مقابلات مع أكثر من ثلاثة آلاف شاب عربي من 15 دولة عربية من بينها السلطنة وكان التركيز على مسقط والباطنة لسؤالهم عن آمالهم وتطلعاتهم وقضاياهم الخاصة. بينت هذه الدراسة قضايا مهمة لدى الشباب العربي بشكل عام والعماني بشكل خاص أولها انهم يؤمنون بأن المستقبل أفضل من الماضي خصوصا بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي. فثقتهم بما هو قادم وبمواقف حكوماتهم اليوم أفضل مما كان عليه في السابق مما يشير أيضا الى أن ثقتهم في مسؤوليهم بدأت تزداد بفضل الزيادة الملحوظة في مستوى الشفافية والمحاسبة القانونية في مختلف البلدان. تبين الدراسة أيضا زيادة في إحساس الشباب الوطني وواجبهم تجاه دولهم مما يدل على أنهم اليوم أكثر حماسة ورغبة في خدمة الوطن عما سبق، مما يتيح المجال لأصحاب القرار لاستغلال هذه الطاقات وتوجيهها بشكل فعال من خلال مشاريع وطنية قومية. اما عن قضاياهم التي تؤرقهم فأهمها موضوع الرواتب والتعويضات العادلة والذي يجب ان تراعي نوع العمل ومستواه وليس نوع جهة العمل ومستواها والتي نجدها جلية في السلطنة فهناك اختلاف في رواتب بعض المؤسسات الحكومية مع تشابه الوصف الوظيفي للموظفين. تأتي كذلك قضايا الحصول على مسكن مناسب وهاجس الزيادة في مصاريف الحياة ومقارنة الشباب المستمرة بين دولهم وبعض الدول الخليجية وعلى رأسهم دولة الامارات العربية المتحدة من اهم القضايا التي تشغل فكر الشباب العربي والعماني أيضا، ناهيك أيضا عن أهمية شبكات التواصل الاجتماعي في نشر الاخبار بين فئة الشباب وفي تكوين بعض جوانب الفكر وصنع القرار. من جانب آخر، قامت شركة (booz&co) في عام 2010 بدراسة مشابهة حول فكر وقضايا الشباب الخليجي فقط والتي تلخصت اهم جوانبها حول مستوى التعليم المتدني وهاجس الحصول على وظيفة والفرق المتزايد في الكفاءة بين الذكور والاناث سواء على مستوى الدراسة او العمل.
 

كل هذه النتائج تجعلنا اليوم امام مفترق طرق مهم في وضع استراتيجياتنا القادمة والتي يجب ان تراعي فكر الشباب وقدراتهم وضرورة تأهيلهم بالمهارات المطلوبة والكفاءات اللازمة بنفس القدر الذي نهتم بها بالتخطيط لمشاريعنا الاقتصادية الحيوية. فمستوى التعليم وفجوة الكفاءة بين الجنسين بدأت تؤتي أكلها وبات الشباب العماني يطالب الحكومة اليوم بوظيفة جيدة ورواتب ملائمة ومسكن مناسب ويعتبر ذلك حقا من حقوقه، فماذا ان لم تستطع الحكومة في يوم من الأيام توفير كل ذلك؟ كيف سيكون تفهم الجيل القادم للأوضاع وقدرتهم على الاعتماد على الذات للحصول على ما يريدون؟ وماذا نحتاج اليوم لنصنع من الجيل القادم، جيلا قادرا على إيجاد الفرص بدلا من انتظارها؟

الاثنين، أبريل 15، 2013

أزمة الماء ... نهاية أم بداية؟

 
أثارت أزمة الماء التي عانت منها بعض محافظات السلطنة الأسبوع الماضي الرأي العام وانقسم الناس فيها الى صنوف عدة. فهناك من كان في قلب الحدث وعانى الأمرين من انقطاع الماء وهناك من استغل الحدث تجاريا لتحقيق مكاسب مادية سريعة، وهناك أيضا من اتصف بالطرافة وقام بنشر رسائل الاستهزاء في الجوال. لن اضيف على ما تم مناقشته حول هذه القضية ولكنها ازمة من أصل سلسلة من الازمات التي تعصف بعماننا الحبيبة والتي قد تفيدنا بقدر ما تضرنا ان أحسنا دراستها ومعالجتها. للأسف لم يعد يخلو قطاع من قطاعات البلد الحيوية الخدمية الا ويعاني من ازمة او معضلة تجعلنا حيرى لماذا لم نستطع الوصول الى التميز والامتياز في أحدها على الأقل. فقطاع التعليم وما أدراك ما قطاع التعليم والذي تشير الإحصاءات الأخيرة الى أن معدل الطلبة الذين يحققون نسبة 70% في الدبلوم العالي لا تتجاوز بشكل كبير الـ30% من اجمالي الطلبة اغلبهم من الاناث. أي اننا سنتوقع ازمة توظيف كل عام وعلينا توفير ما يقارب من ال 50 ألف وظيفة سنويا ولمدة لا تقل عن خمس سنوات بسبب مخرجات التعليم. الرهان هنا على القطاع الخاص والذي لا ندري الى متى سيستطيع استيعاب هذه الاعداد المتزايدة ام انها الجهات العسكرية التي ستتولى جزءا من المهمة؟ طبعا هذه الاعداد المتزايدة والتي ستحتاج الى وظائف لن تكون عبئا على الحكومة فحسب، فالمجتمع بدأ يتأثر بها سلبا وأصبحنا نسمع ونقرأ ونشاهد العديد من القضايا الاجرامية والسرقات وتفشي المخدرات، ناهيك عن نسب الحوادث التي ما زالت تقلق الكبير والصغير. وانظر الى قطاع الصحة والذي بالرغم من نجاحاته التي لا يمكن اغفالها الا اننا وبعددنا القليل نسبيا بالمقارنة مع دول المنطقة (ثلاثة ملايين نسمة)، نرى مواعيد الأطباء تتأخر بالشهور الطويلة والتي أجبرت الكثيرين منا على السفر خارج البلاد أو اللجوء الى المستشفيات الخاصة في البلاد. كل ذلك وأكثر مما بدأ يطفو على السطح شيئا فشيئا اليوم في مختلف قطاعات البلد الاقتصادية مما ينذر بالمزيد ان لم نحسن التعامل معه.

لا يمكن ان نغفل إنجازات البلد في كثير من المجالات والمحافل وعلى رأسها الجانب الأمني والدولي، فلله الحمد والشكر استطعنا بفضل من الله وبالتوجيهات السامية ان نصل بالبلد الى مستوى يجعلها تحتل أحد المراكز الأولى دوليا في أي تقرير دولي يُعنى بالأمن والاستقرار السياسي. كذلك هناك إنجازاتنا في مختلف قطاعات الدولة الآنفة الذكر لا يمكن اغفالها وعلى العاقل منا اليوم بقدر ما يشيد بهذه الإنجازات ان يحاول أيضا دراسة السلبيات والاخفاقات بشفافية ومصداقية وعدم محاولة تغليب طرف على طرف. فجل ما نحتاج اليوم هو النقد البناء بدلا من المدح الكاذب وعدم محاولة تجميل الواقع ونحن نعلم بأزماته. ففي قطاع تقنية المعلومات مثلا وحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير جاءت السلطنة في المركز الأربعين دوليا والخامس (او قبل الأخير) خليجيا. هذا الخبر لا يجب تجميله لأصحاب القرار والعامة بأن نقول مثلا اننا استطعنا تحقيق مركز متقدم عربيا وهو الخامس، فنحن في هذا المركز منذ عدة أعوام وفي المركز الأربعين أيضا من العام الماضي. ففي حين استطاعت اغلب الدول الخليجية تحسين مراكزها الدولية في هذا الجانب، لم نستطع الى الآن ردم الفجوة بيننا وبينهم. لذلك فأصحاب القرار اليوم وعلى رأسهم سلطاننا المفدى - حفظه الله ورعاه - بحاجة الى الناصح الأمين الذي ينظر الى الأمور بوسطية بحيث لا يبسط الازمات وفي الوقت نفسه لا يسعى الى تهويلها.
 

بالعودة الى العديد من المقالات السابقة التي كتبتها في هذا الشأن يمكنني اليوم ان اضع بين ايديكم اهم الحلول او ربما الأسباب وراء معظم الازمات التي تعاني منها البلد من وجهة نظري المتواضعة. أولا هي ازمة الفكر بين مختلف شرائح المجتمع العماني والتي يجب ان تدرس بعناية لوضع خطط استراتيجية جذرية للارتقاء بالفكر العماني مثلما كان وأفضل. فمعظم سلوكياتنا السلبية وراءها فكر واعتقادات ان أحسنا اليوم صقلها وتوجيهها سننجح بإذن الله في تغييرها الى الأفضل. فكيف هو فكر اجيالنا القادمة والتي بدأنا نستشفه من اعراضهم عن قبول الكثير من الوظائف التي تعرض لهم من قبل الهيئة العامة لسجل القوى العاملة؟ ناهيك طبعا عن العقليات المحبطة والسلبية في جهاتنا الحكومية والتي لا تنظر الى الوظيفة كمسؤولية وطنية بل تتعامل معها بمنظور شخصي غير مهني. يأخذنا هذا الى السبب الثاني وهو الخطة الاستراتيجية للبلاد 2020 والتي لا اعلم لماذا يصر المجلس الأعلى للتخطيط على تبنيها وهي تخلو من أساليب القياس. فالجمعية الاقتصادية العمانية قامت مشكورة في وقت سابق بالكشف عن الدليل الوطني للتنمية بعنوان «عمان التي نريد» وهو مساهمة فاعلة منها لتغيير الرؤية الاستراتيجية للسلطنة 2020 الى رؤية مغايرة بشكل علمي وبمنظور دولي لمواكبة التغيرات العالمية والمحلية الراهنة، فلماذا لا نستفيد منها؟ وأخيرا وليس آخرا هناك أزمة العمل المشترك بين مختلف الجهات الحكومية والتي يجب ان توحد حول اهداف مشتركة من خلال استراتيجية جديدة كما أسلفنا. نعم اخواني القراء فللأسف نجد ان العمل المشترك بين الجهات الحكومية مفقود أو بطيء أو غير فاعل وكأنها تحاول ان تتنافس على النجاح بدلا من ان تتكامل لتحقيقه.

 

الاثنين، أبريل 08، 2013

دعم الابتكارات في كومكس


اختتمت مؤخرا فعاليات معرض كومكس للتقنية والذي انقسم كالمعتاد إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي القسم الحكومي والتجاري ورجال الأعمال. بالرغم من سعي معظم الجهات لتقديم الجديد واستغلال الحدث بشكل تجاري لمختلف المنتجات والخدمات في قطاع التقنية إلا أن هذا العام جاء مغايرا بشكل كبير عن الأعوام السابقة في عدة نواحٍ أهمها الجانب الفكري خصوصا فيما يتعلق بالابتكارات ودعمها. لا نعني هنا أن النسخ السابقة للمعرض لم تحاول دعم هذا الجانب ولكن هذا العام شهد تغيرا فكريا ليس فقط من قبل المنظمين للحدث بل أيضا من قبل مرتادي المعرض من المسؤولين والأفراد ممن يمثلون الشركات ومؤسسات المجتمع الأخرى. نعم إخواني القراء فهذا ما عايشناه من خلال مشاركتنا في هذا المعرض بخمسة مشروعات طلابية في قسم الإبداع والابتكار في تقنية المعلومات والاتصالات ومن خلال أيضا تجوالنا في المعرض ومتابعة المشروعات الابتكارية الأخرى. فلم يقتصر قطاع الابتكار على مؤسسة دون أخرى فهناك مشاركات من المؤسسات الأكاديمية وهناك مساهمات من بعض الجهات الحكومية على شكل دعم مادي وإداري لبعض مشروعات الطلبة الابتكارية بالإضافة إلى مشاركة من القطاع الخاص في تقديم بعض الأفكار الإبداعية على شكل مشروعات تقنية تجارية ومحاولة تقديم عروض لتبني وتطوير وتسويق بعض الأفكار الإبداعية المعروضة في كومكس. كل هذا مما جعل كومكس هذا العام محطة ترويج جيدة للابتكارات في قطاع التقنية.

شارك قسم نظم المعلومات في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس بخمسة مشروعات إبداعية لاقت استحسان العديد من الزوار وعلى رأسهم معالي الدكتور وزير التجارة والصناعة، تمثلت هذه المشروعات في الآتي. أولا مشروع الرادار المتنقل الذي يدمج داخل المركبات ليعمل على الحد من حوادث السير من خلال ضبط سرعة المركبة وإعلام الجهات المعنية بتجاوزات قائد المركبة إذا لم يستجب لتنبيهات الجهاز الصوتية. المشروع الثاني كان خاصا بفئة الصم والبكم والذي يساعد الناس بشكل عام وأولياء الأمور بشكل خاص على التواصل مع هذه الفئة دون الحاجة لتعلم لغة الإشارة. ثالثا كان هناك مشروع كشف السرقات الأدبية (الغش) في التقارير بين الطلبة والذي يعمل على إبراز المقاطع المقتبسة والمنسوخة في محتوى التقارير ونسبة الاقتباس أو النسخ بشكل آلي مما يساعد المدرسين على كشف عمليات الغش والنسخ غير القانونية في ثوانٍ معدودة. أما المشروع الرابع فيعمل على تنظيم الطلبات في المطاعم المزدحمة بهدف تقليل أوقات الانتظار في الطوابير من خلال شاشات تنتشر حول المطعم أو على طاولات الزبائن يقوم من خلالها الزبون بإجراء مختلف أنواع الطلبات بشكل آلي دون الحاجة لانتظار الدور أو الجرسون. وخامسا مشروع تقوية التركيز لدى الناشئة والأفراد بشكل عام عن طريق لعبة تفاعلية تتطلب الكثير من مهارة التركيز وسرعة الاستجابة تهدف لتعزيز مهارات التركيز لدى المستخدمين بشكل علمي.


الحمد لله أولا والشكر موصول لهيئة تقنية المعلومات على دعمها الكبير لابتكارات الطلبة، فقد استطاعت معظم المشروعات المذكورة أعلاه الحصول على دعم مادي بأشكال مختلفة ومن خلال جهات متعددة أولها كان من قبل وزير التجارة كما أسلفنا والذي تبنى مشروع الصم والبكم وأمر بتشكيل لجنة يشترك فيها أصحاب الفكرة وهيئة تقنية المعلومات وشركة تجارية أخرى لتحويل المشروع إلى منتج تجاري في غضون أشهر معدودة مع تكفل وزارة التجارة بشراء أول ألف نسخة من المنتج كنوع من الدعم والتحفيز. كما تقدمت بعض الجهات الأكاديمية العاملة في السلطنة أيضا بطلب شراء مشروع كشف الغش مقدمة عروض بآلاف الريالات نظرا للحاجة الكبيرة الماسة لمثل هذا المشروع في جهاتنا التعليمية. أما مشروع المطاعم فقد لاقى إعجاب العديد من أصحاب المطاعم بالسلطنة مما حرى بهيئة تقنية المعلومات إلى دعم المشروع بتوفير حاضنة في واحة المعرفة لمدة ثلاثة أعوام تتكفل فيها الهيئة بالإيجار الشهري ورواتب الموظفين حتى يبلغ المشروع أشده. أما مشروع الرادار فقد تعاقد صاحب المشروع مع شركة عمانية وأخرى بلجيكية لتطوير نموذج مبدئي لتجربة وعرض الجهاز على الجهات المعنية في السلطنة ومحاولة تسويقه في معرض السلامة المرورية القادم.

كل هذا وأكثر إخواني القراء من أنواع الدعم المختلفة التي عايشناها في معرض كومكس والتي أستطيع بعد تجوالي في المعرض وجلوسي مع زميلي الدكتور جميل بن درويش الشقصي من قسم نظم المعلومات وهو صاحب العقل المبدع لجميع المشروعات الخمسة الآنفة الذكر استخلاص بعض النتائج والنصائح لجميع المبدعين في السلطنة. أولا، عدم اليأس مهما صادفنا من إحباط وسلبية ومحاولة المشاركة في جميع الفعاليات وطرق أبواب الجهات المنظمة بدلا من انتظار حدوث العكس خصوصا وأن مثل هذه الفعاليات تعطي للمشروعات دعاية أوسع وفرصة أكبر للقاء أصحاب القرار. ثانيا، الانتباه من المحبطين والاستغلاليين، والذين يمثلون الجانب المظلم في المعادلة. فمشروعاتنا المذكورة السابقة تلقت العديد من عبارات الإحباط قبل عرضها وأثناء عرضها وبعد حصولها على الدعم ناهيك عن عروض الاستغلال والرشاوى لشراء حقوق المشروعات من قبل أفراد أجانب عاملين لدى شركات محلية في السلطنة. ثالثا، يجب أن لا يكون الحصول على الدعم هو الغاية وأن لا ينتهي عملنا هنا بل هي وسيلة لتطوير الأفكار وإيصالها إلى السوق العماني والإقليمي والعالمي بعد توفيق الله.

الاثنين، أبريل 01، 2013

صناعة المؤتمرات وأبعادها على السلطنة


تستضيف السلطنة الكثير من المؤتمرات والمعارض والندوات الدولية والمحلية بشكل مستمر في شتى ميادين العمل والقطاعات الحيوية والتي تشكل ضغطا كبيرا على الحكومة للإسراع في تطوير مركز عمان للمؤتمرات والمعارض الجديد المزمع الانتهاء منه في عام 2015. كل هذه الفعاليات حاليا تتوزع بين المركز الحالي للمعارض وبين القاعات الخاصة في الفنادق وغيرها مما يجعلها تجارة رائجة في حد ذاتها. ليس ذلك فحسب، فقطاع تنظيم المعارض والمهرجانات والندوات هو أيضا من الأعمال الرائجة نظرا لشدة الطلب على هذا النوع من الاعمال خصوصا للجهات الباحثة عن الجودة والتميز. فمختلف الدوائر الحكومية هي في بحث مستمر عن التطوير وإيجاد الحلول للمشكلات والتي عادة ما تستدعي تنظيم مؤتمرات أو ندوات لمناقشة مختلف المواضيع ذات العلاقة والخروج بتوصيات عملية. من جانب آخر، تتيح مثل هذه الفعاليات الدولية للجهات المنظمة دعوة بيوت خبرة وخبراء من مختلف دول العالم للمشاركة في ابداء الرأي واقتراح الحلول مما يتيح للمسؤولين الاختلاط والتعرف على وجوه جديدة في مجالات العمل وتكوين رأس مال اجتماعي أكبر وأكثر كفاءة. كل ذلك مما يعود بالنفع على البلد بشكل عام والجهات المنظمة بشكل خاص ان أحسنا التخطيط له وفق استراتيجية معينة توثق نتائج هذه المؤتمرات وتخطط للموضوع برمته بشكل تجاري يعود بالنفع على البلاد. فكيف يمكن يا ترى لبلادنا ان تستثمر في هذا القطاع وتحويله من مجرد مصاريف تشغيلية الى عائد استثماري يساهم في تنويع مصادر الدخل؟
 
تشير دراسات بعض الدول المهتمة بقطاع سياحة المؤتمرات كالصين مثلا الى كبر حجم القطاع واهميته الاقتصادية، فقد استطاعت الصين احتلال المركز الأول آسيويا في هذا القطاع حسب إحصاءات الرابطة الدولية للمعارض والمؤتمرات والتي مقرها أمستردام في هولندا بعد ان حققت مؤخرا زيادة في مساحة المعارض بنسبة 48%. ليس ذلك فحسب طبعاً فقد استطاعت مدينة شانجهاي الصينية فقط والتي تعد أفضل مدن الصين في هذا القطاع زيادة عدد المؤتمرات السنوية من 292 مؤتمر فقط في عام 2002 الى 745 مؤتمرا في عام 2011 والذي جعلها اليوم قبلة القطاع آسيويا خصوصا بعد النجاح الكبير لمعرض إكسبو شانجهاي 2010. لذلك تهدف اليوم شانجهاي فقط الى جذب 240 مليون زائر محلي بحلول عام 2015 وأكثر من 10 ملايين آخرين من خارج الصين. اما في دول الخليج فقد قامت حكومة أبوظبي العام الماضي بدراسة الأثر الاقتصادي لقطاع المؤتمرات وفعاليات الاعمال في امارة أبوظبي فقط وتبين انه بلغ مقدار 2.4 مليار درهم في تلك السنة فقط. كما أظهرت الدراسة التي قامت بها الامارة بأن زوار هذه الفعاليات من خارج الدولة عادة ما يصرفون قرابة العشرة آلاف درهم اثناء تواجدهم بالمقارنة مع 640 درهما فقط يصرفونها الزوار من الداخل.


كل هذا يعطينا مؤشرا أن قطاع المؤتمرات والمعارض وفعاليات الاعمال مبشر وله مردود اقتصادي جيد إذا أحسنا استغلاله والتخطيط له مسبقا وبشكل استراتيجي. فالسلطنة لديها من المقومات السياسية والطبيعية ما يؤهلها لاستقطاب العديد من المؤتمرات الدولية وبشكل مستمر ناهيك عن احتضان المؤتمرات والفعاليات المحلية. انظر مثلا الى مقومات محافظة ظفار لاستقطاب هذا النوع من الفعاليات في موسم الخريف في الوقت الذي تعاني منه بقية مدن الخليج من لهيب الصيف. ليس ذلك فحسب، فنتائج هذه المؤتمرات والمعارض واعمالها المختلفة يمكن كذلك ان تسوق بشكل تجاري للعالم اجمع باستخدام التقنية الحديثة مثلا. انظر الى مؤتمر تيد (TED) العالمي والذي تباع حقوق بثه عن طريق الانترنت لمختلف دول العالم مما يشكل عائدا كبيرا على الجهة المنظمة والجهات الراعية. كما تقوم ايضا الكثير من الجهات المنظمة للمؤتمرات حول العالم ببيع تقارير الجلسات والتوصيات عن طريق مواقعها الالكترونية مع إمكانية نشر مقاطع الفعاليات والمعارض والمحاضرات لإثراء الفكر المحلي والدولي وتعزيز مكانة هذه الجهات والدولة المنظمة فكريا وعلميا. كما يمكن كذلك ان يوفر هذا القطاع الكثير من فرص العمل بالإضافة الى خلق توجهات تجارية جديدة لخدمة القطاع بما فيها استحداث تخصصات جديدة في مؤسسات التعليم العالي. الامر الذي يستوجب على الجهات المعنية في السلطنة التنسيق فيما بينها للنظر في طريقة توفير الكفاءات العمانية المطلوبة للقطاع عند اكتمال المركز الجديد في 2015. لذلك أرى ان على الحكومة اليوم انشاء مجلس أو مكتب مستقل يُعنى بقطاع سياحة المؤتمرات يعمد لتنسيق جهود مختلف الوزارات الحكومية ذات الصلة ويعمل تحت مظلة كبرى الجهات الدولية في هذا المجال كالجمعية الدولية للمؤتمرات والفعاليات والتي مقرها دالاس في ولاية تكساس الأمريكية أو الرابطة الدولية للمعارض والمؤتمرات والتي مقرها أمستردام في هولندا. عندها فقط سنستطيع استغلال هذا القطاع اقتصاديا كمصدر دخل واجتماعيا لنشر الفكر والمعرفة لمختلف محافظات السلطنة.