أثارت أزمة الماء التي عانت منها بعض محافظات السلطنة الأسبوع الماضي الرأي العام وانقسم الناس فيها الى صنوف عدة. فهناك من كان في قلب الحدث وعانى الأمرين من انقطاع الماء وهناك من استغل الحدث تجاريا لتحقيق مكاسب مادية سريعة، وهناك أيضا من اتصف بالطرافة وقام بنشر رسائل الاستهزاء في الجوال. لن اضيف على ما تم مناقشته حول هذه القضية ولكنها ازمة من أصل سلسلة من الازمات التي تعصف بعماننا الحبيبة والتي قد تفيدنا بقدر ما تضرنا ان أحسنا دراستها ومعالجتها. للأسف لم يعد يخلو قطاع من قطاعات البلد الحيوية الخدمية الا ويعاني من ازمة او معضلة تجعلنا حيرى لماذا لم نستطع الوصول الى التميز والامتياز في أحدها على الأقل. فقطاع التعليم وما أدراك ما قطاع التعليم والذي تشير الإحصاءات الأخيرة الى أن معدل الطلبة الذين يحققون نسبة 70% في الدبلوم العالي لا تتجاوز بشكل كبير الـ30% من اجمالي الطلبة اغلبهم من الاناث. أي اننا سنتوقع ازمة توظيف كل عام وعلينا توفير ما يقارب من ال 50 ألف وظيفة سنويا ولمدة لا تقل عن خمس سنوات بسبب مخرجات التعليم. الرهان هنا على القطاع الخاص والذي لا ندري الى متى سيستطيع استيعاب هذه الاعداد المتزايدة ام انها الجهات العسكرية التي ستتولى جزءا من المهمة؟ طبعا هذه الاعداد المتزايدة والتي ستحتاج الى وظائف لن تكون عبئا على الحكومة فحسب، فالمجتمع بدأ يتأثر بها سلبا وأصبحنا نسمع ونقرأ ونشاهد العديد من القضايا الاجرامية والسرقات وتفشي المخدرات، ناهيك عن نسب الحوادث التي ما زالت تقلق الكبير والصغير. وانظر الى قطاع الصحة والذي بالرغم من نجاحاته التي لا يمكن اغفالها الا اننا وبعددنا القليل نسبيا بالمقارنة مع دول المنطقة (ثلاثة ملايين نسمة)، نرى مواعيد الأطباء تتأخر بالشهور الطويلة والتي أجبرت الكثيرين منا على السفر خارج البلاد أو اللجوء الى المستشفيات الخاصة في البلاد. كل ذلك وأكثر مما بدأ يطفو على السطح شيئا فشيئا اليوم في مختلف قطاعات البلد الاقتصادية مما ينذر بالمزيد ان لم نحسن التعامل معه.
لا يمكن ان نغفل إنجازات البلد في كثير من المجالات والمحافل وعلى رأسها الجانب الأمني والدولي، فلله الحمد والشكر استطعنا بفضل من الله وبالتوجيهات السامية ان نصل بالبلد الى مستوى يجعلها تحتل أحد المراكز الأولى دوليا في أي تقرير دولي يُعنى بالأمن والاستقرار السياسي. كذلك هناك إنجازاتنا في مختلف قطاعات الدولة الآنفة الذكر لا يمكن اغفالها وعلى العاقل منا اليوم بقدر ما يشيد بهذه الإنجازات ان يحاول أيضا دراسة السلبيات والاخفاقات بشفافية ومصداقية وعدم محاولة تغليب طرف على طرف. فجل ما نحتاج اليوم هو النقد البناء بدلا من المدح الكاذب وعدم محاولة تجميل الواقع ونحن نعلم بأزماته. ففي قطاع تقنية المعلومات مثلا وحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير جاءت السلطنة في المركز الأربعين دوليا والخامس (او قبل الأخير) خليجيا. هذا الخبر لا يجب تجميله لأصحاب القرار والعامة بأن نقول مثلا اننا استطعنا تحقيق مركز متقدم عربيا وهو الخامس، فنحن في هذا المركز منذ عدة أعوام وفي المركز الأربعين أيضا من العام الماضي. ففي حين استطاعت اغلب الدول الخليجية تحسين مراكزها الدولية في هذا الجانب، لم نستطع الى الآن ردم الفجوة بيننا وبينهم. لذلك فأصحاب القرار اليوم وعلى رأسهم سلطاننا المفدى - حفظه الله ورعاه - بحاجة الى الناصح الأمين الذي ينظر الى الأمور بوسطية بحيث لا يبسط الازمات وفي الوقت نفسه لا يسعى الى تهويلها.
بالعودة الى العديد من المقالات السابقة التي كتبتها في هذا الشأن يمكنني اليوم ان اضع بين ايديكم اهم الحلول او ربما الأسباب وراء معظم الازمات التي تعاني منها البلد من وجهة نظري المتواضعة. أولا هي ازمة الفكر بين مختلف شرائح المجتمع العماني والتي يجب ان تدرس بعناية لوضع خطط استراتيجية جذرية للارتقاء بالفكر العماني مثلما كان وأفضل. فمعظم سلوكياتنا السلبية وراءها فكر واعتقادات ان أحسنا اليوم صقلها وتوجيهها سننجح بإذن الله في تغييرها الى الأفضل. فكيف هو فكر اجيالنا القادمة والتي بدأنا نستشفه من اعراضهم عن قبول الكثير من الوظائف التي تعرض لهم من قبل الهيئة العامة لسجل القوى العاملة؟ ناهيك طبعا عن العقليات المحبطة والسلبية في جهاتنا الحكومية والتي لا تنظر الى الوظيفة كمسؤولية وطنية بل تتعامل معها بمنظور شخصي غير مهني. يأخذنا هذا الى السبب الثاني وهو الخطة الاستراتيجية للبلاد 2020 والتي لا اعلم لماذا يصر المجلس الأعلى للتخطيط على تبنيها وهي تخلو من أساليب القياس. فالجمعية الاقتصادية العمانية قامت مشكورة في وقت سابق بالكشف عن الدليل الوطني للتنمية بعنوان «عمان التي نريد» وهو مساهمة فاعلة منها لتغيير الرؤية الاستراتيجية للسلطنة 2020 الى رؤية مغايرة بشكل علمي وبمنظور دولي لمواكبة التغيرات العالمية والمحلية الراهنة، فلماذا لا نستفيد منها؟ وأخيرا وليس آخرا هناك أزمة العمل المشترك بين مختلف الجهات الحكومية والتي يجب ان توحد حول اهداف مشتركة من خلال استراتيجية جديدة كما أسلفنا. نعم اخواني القراء فللأسف نجد ان العمل المشترك بين الجهات الحكومية مفقود أو بطيء أو غير فاعل وكأنها تحاول ان تتنافس على النجاح بدلا من ان تتكامل لتحقيقه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ردحذفمشكور على طرحك د. حافظ، أوافقك في الكثير مما كتبت.
عندي مداخلة بسيطة بخصوص المراكز الدولية او العربية في مجال تقنية المعلومات.. هناك قاعدة عامة وهي: وجودي في نفس المركز لا يعني اني لم اتطور، وتقدمي في المركز لا يعني اني تطورت!
كما نعلم بأن قطاع التقنية عندنا في اجتهاد مستمر للتقدم ولكن هل يا ترى جميع الذين هم أمامنا في هذا المجال مستمرون في الاجتهاد أم أنهم اكتفوا ووضعوا رجلاً على رجل!؟ بطبيعة الحال هم لا زالوا يجتهدون للتحسين من مستواهم.. فإن تطورنا نحن بمقدار ٢٠ وحدة فلربما هم كذلك تطوروا بمقدار ٢٠ وحدة او أقل بقليل والذي هو غالباً ما يُبقي الترتيب على حاله. لستُ أملك التقارير التي تُثبت اننا نتقدم ولكن ثقتي بهم لا زالت كبيرة :)