الثلاثاء، مارس 22، 2011

وماذا بعد الإصلاح الإداري والإقتصادي؟

كثر الحديث عن الاصلاح المطلوب في السلطنة في شتى ميادين الحياة الادارية والاقتصادية وصار الواحد منا يصبح ويمسي على أخبار مظاهرات واعتصامات ومطالبات اتسمت بعضها بالعقلانية والشرعية والأخرى بالسطحية. كل ذلك مما يطلبه الشعب اليوم من اصلاحات وتعديلات على الحكومة أن تأخذها محمل الجد. بدأت أتذكر مع مرور الوقت المقولة الشهيرة للرئيس الأمريكي الأسبق جوون كندي «لا تسأل عن ما تستطيع البلاد تقديمه لك، بل اسأل عن ما تستطيع أنت تقديمه للبلاد». أعتقد أنه آن الأوان اليوم لنسأل أنفسنا ماذا علينا أن نعمل نحن معشر الشعب العماني بعدما تحققت أغلب المطالبات التي نادينا بها؟ فعند وصفنا لبعض الدوائر الحكومية بالفساد، فما هي هذه الوحدات الحكومية في نهاية المطاف؟ أليست عبارة عن مجموعة أفراد من الشعب تربطنا بهم قرابة رحم أو نسب أو معرفة؟ أليس هناك نظام كامل نحن جزء منه قد ساعد بشكل مباشر أو غير مباشر أو ربما غض الطرف أحياناً عن هذا النوع من الفساد؟ باختصار، ماذا بعد الاصلاح العام في البلاد؟ وماذا علينا اليوم عمله تجاه الأوامر السامية (بالاضافة الى الشكر والعرفان) والتي أوجدت البيئة المناسبة للحرية الشعبية والمحاسبة الادارية؟

شهدت عماننا الحبيبة الكثير من عمليات الاصلاح في الأسابيع الماضية والتي أظهرت ملحمة ولاء وحب متبادلين بين الشعب والقائد تخطت جميع الحواجز البيروقراطية. الأمر الذي يشير الى أن عام 2011 سيشهد نقطة ارتفاع حادة في منحنى تطور النهضة العمانية ينبع من اكتساب الشعب العماني الحرية المطلوبة للتعبير عن الرأي ودعم القيادة لهذا الحق. الأمر الذي من شأنه احتضان الابتكار والابداع الفكري والعلمي والعملي. فالتطوير المبدع لا يتأتى الا باطلاق العنان للحريات مع الأخذ بضوابط الأخلاق والمصلحة العامة، فلا حرية مع سوء الأدب أو عند ايذاء الآخرين.



في رأيي الخاص، أرى أن أهم عمليات الاصلاح في البلد قد تمت ويجب أن تبدأ من جديد مرحلة العمل والبناء والتي يجب أن نشارك فيها جميعاً، شيباً وشباناً، موظفين وباحثين عن عمل، نساء ورجال، متعلمين وأميين. على كل واحد منا اليوم أن يضع نصب عينيه الحديث النبوي الشريف "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" ويحسن تطبيقه بكل حذافيره. فالموظف الذي (يسرق) الأدوات القرطاسية من مؤسسته الحكومية أو الخاصة من أجل أبنائه وذلك الذي يستغل التسهيلات المتاحة في مؤسسته كالهاتف والسيارة الحكومية وخلافها لأغراض شخصية ليس في رأيي بأقل فساداً من ذلك المسؤول الكبير الذي يسرق بالملايين. فكل واحد يسرق أو يفسد (على قياسه) ولو وضع الموظف الفاسد الصغير مكان المسؤول الكبير لربما زاد في طغيانه.

قال تعالى «لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، فالاصلاحات التي تمت على أرض الواقع لن يكون لها الأثر الكبير على اقتصادنا وأمتنا ما لم نبدأ باصلاح أنفسنا من الداخل. فالقائد قد قال كلمته وأمر بالعديد من الاجراءات المعلنة وغيرها التي لا أشك شخصياً بأنها طور الدراسة أيضاً للارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطن العماني وبما يكفل للجميع الحياة بكرامة وعز. لذلك وجب علينا اليوم التوقف عن القاء عبارات الاتهام واللوم على الغير واتخاذ الآخرين أحياناً كشماعات نعلق عليها اخفاقاتنا. فقد تم وضع الهيكل الأساسي لنظام المحاسبة الادارية في البلاد باعطاء كل من مجلس عمان ومجلس الشورى والادعاء العام وغيرها من الجهات الحكومية ذات الأهمية الصلاحيات المناسبة. فالواجب علينا اليوم كمواطنين محبين لهذا الوطن استغلال هذه التسهيلات الاستغلال الأمثل للحد من الفساد وكبت جماح كل من تسول له نفسه خيانة المسؤولية التي أوكلت اليه. كما أرى بعد ذلك أن نقوم بمساعدة رؤسائنا في العمل خصوصاً وزرائنا الجدد بتعريفهم بنقاط الضعف والقوة داخل مؤسساتنا الحكومية وعدم إثقال كاهلهم بالمطالبات المبالغ فيها خصوصاً المادية. فالواجب أن نولي أولوية قصوى في البداية الى الاصلاحات التي تهدف الى تنظيف الفساد الداخلي القائم على بيروقراطية العمل وخيانة الأمانة والاخفاق في توزيع المهارات والمعارف والكفاءات داخل المؤسسة التوزيع الأمثل، ولا ننسى طبعاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدلاً من السكوت عن الحق.

كما أن على مختلف المسؤولين في الحكومة صغيرهم وكبيرهم تجنب سياسة الأبواب المغلقة. فكم من المرات سابقاً زرت بعض الدوائر الحكومية واستغربت من بعض المديرين الحكوميين كيف كانوا يستمتعون باغلاق أبوابهم أمام المراجعين وتعيين مختلف المنسقين لترشيح الطلبات (أو تأخيرها) حتى أن بعضهم تخطى ذلك بتعيين رجال أمن! ما هذا الخوف ولماذا هذه العزلة ممن سنسأل عنهم يوم القيامة فرداً فرداً. فالرأي يواجه بالرأي والعمل مسؤولية أولاً وليس تشريفاً، فهناك فرق بين المدير والمالك، فالمدير مؤتمن وعامل في المؤسسة وليس مالكاً لها يتصرف فيها كيفما شاء. علينا كذلك أن نسعى الى الاتقان في العمل بدايةً من (الفرّاش) الذي يحضر الشاي للموظفين وانتهاءً بالوزير الذي جل اهتماماته التخطيط الاستراتيجي والعمل على تنفيذ خطط الدولة بما فيه المصلحة العامة للدولة والشعب. وأخيراً وليس آخراً علينا جميعاً حكومة وأفرادا الانتباه كل الانتباه وبشكل سريع وطارئ الى وضع التعليم في البلاد. فأنا مدرس في جامعة السلطان قابوس التي تعد أفضل صرح علمي في البلد والتي تستقطب زبدة طلاب السلطنة سنوياُ، صدقوني اخواني وأخواتي اذا أخبرتكم أن هناك فجوات علمية وثقافية وحياتية بين طلاب اليوم وطلاب العقود الماضية، فلننتبه!.

الاثنين، مارس 14، 2011

فلسفة المظاهرات السلمية


في حديث لي مع أحد الزملاء في العمل وهو تونسي الأصل، قلت له أنتم معشر (التوانسة) قد جلبتم الخير والشر معاً لهذه الأمة. فدعوى الإصلاح عن طريق المظاهرات السلمية وهو الخير هنا لا يتأتى إلا بعد بذل الكثير من التضحيات في المال والنفس وهو ما قد يعتبره البعض شراً أو فتنة. فإنظر إلى الهرج في ليبيا وبدايته في اليمن الشقيق وقبله الكثير في فلسطين والعراق والعديد من دول العالم، وكأننا نرى علامات تحقق نبوئة رسولنا الكريم حين قال "لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج" قالوا وما الهرج يا رسول الله قال "القتل القتل" رواه مسلم.

شهدت الساحة العربية مؤخراً العديد من المظاهرات والإعتصامات السلمية بدعوى محاربة الفساد والظلم. طبعاً عماننا لم تكن بمعزل من هذا وقام الكثير من الشباب المتحمس بالعديد من المظاهرات السلمية كالمسيرة الخضراء الأولى والثانية وغيرها ممن تضمنت العديد من المطالب المشروعة لتقابل بإستجابة لا نظير لها من قائدنا الحكيم أطال الله في عمره. تعتبر المظاهرات والإعتصامات لمحاربة الفساد في السلطنة نمط جديد على الثقافة العمانية، الأمر الذي جعلنا نرى إختلافاً في آراء الناس حول هذه القضية وتباين في الأساليب المتبعة وكأننا نحاول حل المشاكل بإسلوب التجربة والخطأ. لذلك كان لزاماً علينا توضيح الفلسفة الكامنة خلف مبدأ المظاهرات بشكل عام والسلمية بشكل خاص.

جاء في لامية الوردي "إن نصف الناس أعداءٌ لمن *** ولي الأحكام هذا إن عدل"، فمن سنن الكون أن الناس بشكل عام وبطبيعتهم يتذمرون ويتأففون ممن يرأسهم حتى وإن كان عادلاُ. فكم عدد الناس الذين نعرف اليوم ممن يمتدح رئيسه في العمل ليل مساء، أولئك قلة لا يقاس عليهم. فالرئاسة تقتضي الحزم والعدل من القائد وما أصعبه على الرؤساء اليوم. كما تقتضي من المرؤوس الطاعة والخضوع وهي شديدة على النفس الأبية لذلك حظّنا وأمرنا ديننا الحنيف على طاعة أولي الأمر (بالمعروف) وجعلها من طاعة الله ورسوله، قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ". فالمظاهرات بشكل عام هي تفسير لهذه الغريزة البشرية والتي تظهر طفوح الكيل عند إستشراء الشدة. فلذلك ربما نرى اليوم العديد من الإعتصامات والتظاهرات السلمية التي تشهدها السلطنة في بعض مؤسساتنا الحكومية والخاصة على سواء.

عند تتبع تاريخ التظاهرات السلمية نرى أكثر الدعاة لها كان الكاتب الروسي ليو تولستوي والرئيس الهندي مهاتاما غاندي ورجل الدين الأمريكي مارتن لوثر كنج الصغير وغيرهم كثر. فقد إستطاع الرئيس الهندي غاندي على سبيل المثال في عام 1947 تحرير الهند من أيدي المستعمرين البريطانيين بعد صراع طويل إتصف مجملاً بالسلمية. أما حديثاً فهناك عالمة السلوك الأمريكية جوديث هاند والتي ألفت كتاباً يصيغ إستراتيجية المظاهرات السلمية أسمته "مستقبل بلا حرب" والتي شرحت فيه تسع أساسيات علمية وعملية تهدف لإنهاء الحروب في العالم وإحداث التغييرات الإيجابية بأشكال سلمية. إشترك جميع الدعاة لهذا النوع من التظاهرات في جانب فلسفي موحد وهو "حب الإنسانية وحب الأعداء" وهو نفس المبدأ الذي تدعو له اليوم جمعية قدامى دعاة الحقوق المدنية الأمريكية. فالهدف هنا هو الوصول بالمجتمع إلى أفضل مستوى بما فيه إصلاح الفساد والمفسدين. فدعاة الفساد والظلم في المجتمعات يجب إحتوائهم بالطريقة المثلى بما يحقق الأمن والإستقرار في البلدان خصوصاً بعد إحداث التغييرات.

من جانب آخر قد يضن البعض أن للمظاهرات حكم شرعي يجب علينا فهمه وإدراكه. لذلك ذكر العلامة الجليل الدكتور يوسف القرضاوي الحكم الشرعي في المظاهرات السلمية في فتوى له على موقعه الإلكتروني في شبكة الإنترنت والتي نصت على جوازها مالم تؤدي إلى تخريب في الممتلكات وإزهاق للأنفس. فمن العبارات التي ذكرها "جواز تسيير المسيرات إذا توافرت شروط معينة يترجح معها ضمان ألا تحدث التخريبات التي تحدث في بعض الأحيان. كأن تكون في حراسة الشرطة، أو أن يتعهد منظموها بأن يتولوا ضبطها بحيث لا يقع اضطراب أو إخلال بالأمن فيها، وأن يتحملوا المسؤولية عن ذلك." فمن هنا نجد أن وحدة المسلمين وإستقرارهم الأمني والسياسي مقدم على المنافع الأخرى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم (أي يدعون لكم وتدعون لهم)، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنوهم ويلعنونكم" فسأل الصحابه أفلا ننابزهم بالسيف؟ قال صلى الله عليه وسلم "لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، إلا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة" رواه مسلم. وجاء على لسان عمرو بن العاص بأنه قال ناصحاً إبنه عبدالله "يا بني! سلطان عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم"، فقد يحتمل الظلم في البلاد (ما لم نؤمر بمعصية الله) إذا كان البديل هو الفتنة العامة والتفكك الأمني وضياع أموال وأعراض الناس.

الثلاثاء، مارس 08، 2011

لله درك من قائد

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم» وهكذا هو الحال في هذه الأرض الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا، أما الخبيث فيذهب جفاء. شهدت عماننا الحبيبة في الأيام القليلة الماضية تطورات تشهد بعظمة هذا الشعب وإصرار الإنسان العماني الذي انهمك في بناء شخصيته سلطاننا المفدى على مدى أربعين عاما. ذلك القائد الذي زكّى الشخصية العمانية إلى أن بات يشهد لها بالعزة والفخار الغريب قبل القريب. فلطالما فخرنا (ولازلنا) بهويتنا وأصالتنا التي لا تتغير ولا تتبدل مهما تغيرت الأزمان.

أنا العماني غايـات يطاولهـــــــــا *** ضحى الحضارات وفي النبل قد كمنا
إذا رأيت ركاب الفخر راحلةً إلى *** محيــــــاً له الأمجـــــاد ذاك أنـــــــــــا

مظاهرات واعتصامات ومسيرات ولاء ودموع تذرف وأصوات تعلو وآراء تتباين وأفكار تتفق ومطالبات ترفع وأخرى تصاغ، كل ذلك من العناوين التي خطتها الأيام المنصرمة التي تأذن ببزوغ شمس جديدة على عمان قابوس الأبية. أظهرت الأحداث الحالية للعالم بإجلال علاقة الشعب بالقائد وحب الراعي للرعية فلم تشهد الساحة العربية والعالمية على السواء استجابة سريعة لمطالب الشعوب كالتي شهدناها في عمان بعد أيام معدودة من رفع المطالب. فها هي عمان ترسم للمجتمع الدولي مجددا نمطا في إدارة الشعوب وتحقيق مطالبهم المشروعة بفطنة وحكمة لا نظير لها. ذلك هو نتاج القائد الأب الملهم الذي نتغنى بخصائله ونحتمي بهيبته ونفاخر العالم بحنكته. فكم من الثناءات الخالية من المجاملات التي نسمعها يوميا من زملائنا غير العمانيين تدعونا للتضرع بالحمد والشكر للمولى القدير عز وجل على ما أنعم علينا من نعم في هذه الأرض المعطاء وعلى رأسها نعمة القائد الحنون أطال الله في عمره ورزقه الصحة والعافية.

في حوار لي مع بروفيسور جزائري شاهد وعايش على مدى سنوات طوال سعي بلاده وشعبه نحو الإصلاح ومحاربة الظلم والفساد، قال لي إنكم تنعمون بقائد حكيم يتصف بصفات نادرة بين رؤساء العالم أهمها أنه لا يتكلم كثيرا (أي يعمل بصمت وثقة) ولا يكذب على شعبه، فلله درك يا سلطاننا المفدى وعدت فأوفيت. وفي الأسبوع الماضي تابعت في إحدى القنوات الإخبارية الغربية مقابلة حاول فيها المذيع التشكيك في بعض مزايا القيادة والسياسة العمانية مستضيفا لذلك عدة شخصيات عربية وغربية وعمانية. صدقوني يا إخوان، لا يمكن لمن زار هذه الأرض الطيبة واحتك بشعبها الأصيل وتبين له آثار القيادة الحكيمة إلا أن يسلم بأنها المثال والقدوة لكثير من دول العالم اليوم. فلم يجد المذيع ممن حضر اللقاء و عايش الواقع العماني غير الإشادة بالقيادة والشعب. كما أذكر كذلك أني تناقشت مع أحد الأساتذة اللبنانيين إبان أحداث استقالة الحكومة اللبنانية في مطلع هذا العام عن أسباب تدهور الأوضاع هناك وتشرذم الشعب اللبناني إلى طوائف وأحزاب يصعب التوفيق بينها. قلت له تحتاجون شخصا كسلطاننا المفدى فقد كنا مثلكم (تقريبا) قبل أكثر من أربعين عاما وانظر كيف أصبحنا اليوم يدا واحدة والحمد لله باختلاف مناطقنا وقبائلنا ومذاهبنا.

تأمل الكاتب الفرنسي جستاف ليبون (Gustave Le Bon) في ثورات ومظاهرات الشعوب وأفرز للعالم كتاب سيكولوجيا الثورة (Psychology of Revolution) الذي أوجز فيه سببين رئيسيين من أهم أسباب الثورات العالمية هما لقمة العيش عندما يموت الناس جوعا وحرمانا بالجملة وثانيا امتهان المقدسات كالدين والهوية والعادات والتقاليد. الحمد لله لم نشهد في بلدنا أحد هذين الأمرين وكانت مظاهراتنا واعتصاماتنا سلمية إصلاحية تهدف بالدرجة الأولى إلى إصلاح بعض أنواع الفساد الإداري والتي لا يخلو منها بلد في العالم اليوم. رغم ذلك إخواني الكرام فعلينا الانتباه لعناصر مهمة لضمان وصولنا جميعا إلى بر الأمان. أولها اليقين بأن الأمر من قبل ومن بعد بيد الله سبحانه وتعالى وعلينا التضرع إليه عز وجل بأن يحق الحق ويبطل الباطل ويديم الأمن والإيمان على حبيبتنا عمان. ثانيا، التمسك بأمن البلد وعزته وعدم التفريط أو التهاون مطلقا بزعزعة استقرارنا الذي تحسدنا عليه كبرى بلاد العالم. قال عليه أفضل الصلاة والسلام مبيناً أهم نعم الدنيا «من أصبح منكم آمنا في سربه (أي بيته) معافى في بدنه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا». وقال أهل العلم «إمام عادل خير من مطر وابل، وإمام ظلوم/غشوم خير من فتنة تدوم»، فما بالكم ونحن ننعم في بلدنا بقائد حكيم ملهم. ثالثا، هو تقديم المصلحة العامة على المصالح الجزئية «فلا ضرر ولا ضرار» فإن كان الإعتصام أو التظاهر أو قطع الطريق أو حتى التمسك ببعض المطالب قد تعود علينا وعماننا بالخسائر المادية أو الاقتصادية أو الاجتماعية فلا للتخريب ولا للاعتصام، فالغاية لا تبرر الوسيلة ودرء المفسدة هنا يقدم على جلب المنفعة. وأخيرا وليس آخرا علينا أن نثق جميعا في قيادتنا الحكيمة وسلطاننا المفدى في تحقيق ما فيه خير البلاد. فربما هناك أمور لا نراها نحن اليوم يراها سلطاننا بشكل أشمل وأوضح وكلنا ثقة بأنه لن يدخر وسعا كعادته لخدمة هذه الأرض الطيبة وشعبها الأصيل.

الجمعة، مارس 04، 2011

إقتصاد التقليد

إنتشر التقليد بأشكاله المختلفة في العالم حتى أصبح فناً تتباهى به بعض الدول والمؤسسات التجارية. ولم يقتصر التقليد على الدول الفقيرة بل طال كذلك بعض الدول المتقدمة في بعض الحالات الاستثنائية. ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً قامت شركة فندي (Fendi) في وقت سابق بمقاضاة شركة وول مارت (Wal Mart) لبيعها منتجات زائفة من حقائب فندي الجلدية. لا نعلم بالطبع ان كان ذلك عملاً متعمداً أم أن شركة وول مارت وقعت فريسة فنون التقليد المختلفة المنتشرة في العالم اليوم. فهناك الكثير من مصانع الماركات العالمية في كبرى الدول الداعمة للمنتجات المقلدة كالصين وتايوان تحتوي على أقسام خاصة بانتاج الزائف من المنتجات مستخدمةً في ذلك مكونات أرخص وأقل جودة. كما قامت شركة تيفاني (Tiffany) بمقاضاة شركة اي باي (eBay) الأمريكية أيضاً لسماح الأخيرة للمستهلكين من خلال موقعها ببيع منتجات الشركة الأولى المقلدة. كل ذلك يعتبر فقط غيضا من فيض في عالم يمشي بخطى واسعة ليس نحو الابداع في الجديد بل الى الابداع في التقليد، بحيث انقسم المنتجون الى قسمين أحدهما مبدع والآخر مقلد، فأين موقعنا نحن؟

يعزى أكبر أسباب هذا النمط الاقتصادي (التقليد) الى العولمة التي نعيشها اليوم وتأثيراتها الكبيرة على المؤسسات التجارية. فحدة ونوعية التنافس السوقي اختلف عن ما كان عليه في الماضي بحيث أصبحت الشركات تتنافس بشكل عالمي مما أجبرها على تبني استراتيجيات انتاجية وتسويقية جديدة كخيار الاستعانة بالسلع الرخيصة مثلاً لتقليل المصاريف. أنتج لنا ذلك مصانع عالمية في دول فقيرة تحاول تحسين اقتصادها بشتى السبل الممكنة ومنها التقليد طبعا وخرق حقوق الملكية الفكرية. فقد قدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) حجم مبيعات المنتجات المقلدة بـ 1.95% في عام 2007 اي ما يساوي تقريباً 250 مليار دولار، نسبة ليست بالبسيطة خصوصاً اذا ما علمنا أنها في ازدياد بسبب الطلب المتزايد على هذه النوعية من المنتجات. انظر مثلاً الى تهافت الناس على الأسواق الصينية والتايلندية والهندية ومنتجاتها المقلدة في كافة القطاعات. الأمر الذي يجعل المستهلك حيرانا ومتشككا خصوصاً ان أراد شراء المنتج الأصلي والذي لا يستطيع تمييزه عن المنتج الزائف الا المختص.

طالت فنون التقليد جميع القطاعات الاقتصادية بما فيها المنتجات الاستهلاكية كالملابس والعطور والأدوية والالكترونيات بالاضافة أيضا الى أساليب العمل والحلول التجارية والمستندات الرسمية (التزوير). بالرغم من ذلك نجد الفروق بين المنتجات المقلدة والأصلية تتباين باختلاف النوعية، فالمنتجات الالكترونية المقلدة مثلاً يسهل التمييز بينها بسبب فارق الجودة الواضح والملموس عند الاستخدام. أما قطاع الملابس والأحذية والحقائب والساعات وغيرها فيصعب التمييز بينها نظراً للتشابه الكبير في المظهر وهو غالباً ما يهتم به أكثر الزبائن. المصيبة هنا أن يقصد بالتقليد الغش بحيث تقدم المنتجات المقلدة على أنها أصلية وتباع بنفس السعر. فهناك تدرجات في التقليد كما هو معلوم وهناك ما يسمى بين الناس بالتقليد درجة أولى وهناك ما يتم تقليده بكفاءة عالية ليشابه الأصلي تماماً ولو لبعض الوقت حتى يتسنى للمنتجين بيعه للزبائن على أنه أصلي.

لم يقتصر التقليد على المنتجات الاستهلاكية والجانب الاقتصادي فقط بل شمل الجانب الاجتماعي كذلك من خلال أفكار الناس وطبائعهم ومعتقداتهم. فنرى التقليد واضحا بيننا نحن العرب من خلال برامجنا التلفزيونية كبرنامج من سيربح المليون وبرنامج دلع سيارتك والرابح الأكبر وغيرها كثير مما يعتبر نسخا مكررة لبرامج غربية. ليس ذلك فحسب، فالعديد من المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية وغيرها من منتجات الاعلام العربي هي في حقيقة الأمر لا تتعدى كونها ترجمات لمنتجات مشابهة من دول غربية. ناهيك طبعاً عن التقليد في اللباس والأكل واللغات والعادات والحياة بشكل عام مما بدأ يهدد هويتنا العربية الاسلامية ويقتل الابداع بين شبابنا. فلا نستغرب بعد ذلك ان نرى العديد من كبار الموظفين لا يستطيعون مثلا كتابة تقرير أو رسالة دون الرجوع الى مستندات مماثلة سابقة للاستعانة بها (تقليدها). كل ذلك مما يؤثر ايجاباً وسلبا على اقتصاديات الدول وتجعلها تتذبذب بين مؤيد ورافض للتقليد. فهناك من يرى فيه خياراً أمام الطبقات المتوسطة والسفلى في المجتمع ليهنأوا ببعض رفاهية الطبقة العليا. وهناك من ينازع في الأمر من منظورأخلاقي ليس ايماناً به (ربما) ولكن وسيلة لفرض قيود على التقليد واثراء الشركات العالمية. فهل أنتم اخواني القرّاء مع التقليد أم ضده؟