الثلاثاء، مايو 28، 2013

الاستراتيجيات في السلطنة: إلى أين؟

 
كثيرا ما نسمع عن الاستراتيجيات في حياتنا العملية وعن ضرورة وضع استراتيجية لكل شيء تقريبا، فهناك الاستراتيجية الشاملة للبلاد باسم رؤية 2020 وهناك استراتيجية لقطاع التعليم تعكف عليها وزارة التربية والتعليم واستراتيجية للسياحة من قبل وزارة السياحة وأخرى خاصة بالمناطق الصناعية واستراتيجية رقمية لمشروع الحكومة الإلكترونية واستراتيجية للقطاع السمكي وغيرها كثير. ليس ذلك فحسب فأصبح اليوم لدينا مجلس أعلى للتخطيط يُعنى بهذه الاستراتيجيات الوطنية وأصبح حديث المسؤولين في الندوات والمؤتمرات هو ضرورة وضع الاستراتيجيات لمختلف الأعمال. حتى مشاريعنا الأقل حجما كمشروع صندوق الرفد مثلا سيوضع له استراتيجية للعمل، وهناك استراتيجية للتوظيف خاصة بالباحثين عن عمل وحتى البحوث العلمية والأكاديمية لم تبتعد عن هذا التوجه فأصبحت توصف أحيانا بالاستراتيجية بحسب حجمها ومدتها. ويستمر مسلسل الاستراتيجيات حتى أصبح لدينا اليوم برنامج تلفزيوني مميز باسم «استراتيجيات» للأسف دون أن نعي صغارا وكبارا جدوى وأبعاد هذا المصطلح ومضامينه، حتى بدأنا نرى في كلمة «استراتيجية» ما نراه عادة في مصطلح «لجنة»، المصطلح الإداري الذي يظهر التنظيم والتركيز ويخفي داخله قتل العمل وتأخيره.

كتبت سابقا عن موضوع التخطيط الاستراتيجي وأهميته على الجانب الفردي والاجتماعي والمؤسسي مؤكدا على أن من أكثر ما ينقصنا اليوم في السلطنة هو مهارة التخطيط بيننا بشكل عام وبين المسؤولين وأصحاب القرار بشكل خاص. فما أكثر ما نختلف على مصطلحي الرؤية والمهمة حتى أصبحنا نستعمل كلمة استراتيجية بمعنى خطة وشتان بين المصطلحين. ليس ذلك بمستغرب فلم نتعلم التخطيط الاستراتيجي في مدارسنا ولم نتدرب عليه في حياتنا إلا من خلال خطط الدولة الخمسية وهي خطط في مجملها قصيرة الأمد لم نشارك في وضعها. فأفضلنا اليوم يعتقد بأن الاستراتيجية ما هي إلا تحديد للرؤية والمهمة ومجموعة الأهداف الواجب تحقيقها بشكل قابل للقياس ومن بعد ذلك وضع الخطة اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، وما هذا كله إلا أدوات الاستراتيجية وليست الاستراتيجية بالنفس. يقول كين فافارو أحد كبار شركاء مجموعة (booz&co) إن على المؤسسات اليوم أن تحدد أولا قطاعات العمل التي ترغب في دخولها وبعد ذلك تخطط في كيفية الوصول إلى الامتياز فيها. يمكن أن يعمم هذا على مستوى الدول أيضا، فعليها أولا أن تحدد وتختار مجموعة القطاعات التي تريد أن تركز عليها بشكل تكاملي لتحقيق التنافسية العالمية والإقليمية بدلا من تشتيت الجهود بين جميع القطاعات الاقتصادية. للأسف نجد من الصعب أن نرى في السلطنة هذا التكامل في الرؤى والأهداف بين مختلف مشاريعنا الاستراتيجية. انظر مثلا إلى مشاريعنا الصناعية ومشاريعنا في قطاع السياحة وقطاعات الثروة السمكية والصحة والتعليم والنقل والاتصالات؟ كل منها للأسف يعمل بشكل كبير بمعزل عن الآخر وهو أساس مشكلة العمل البيني التي تحدثنا عنها الأسبوع الماضي. قد يقول قائل بأن جميعها ينصب في تنويع مصادر الدخل لتقليل الاعتماد على النفط وللأسف هذا أيضا هو الفكر المتواضع الذي يسيطر على أغلبنا. فتنوع مصادر الدخل لا يعني التشتت وإهدار الموارد بل يهدف للتركيز بتحديد القطاعات التي يمكن أن تساعدنا في تقليل الاعتماد على قطاع النفط والغاز، وأركز هنا على كلمة «تحديد» بدلا من كلمة «تنويع». فمن السذاجة اليوم أن نعتقد بأننا يمكن أن ننجح في تطوير جميع القطاعات بشكل تنافسي. نعم هناك حدود دنيا علينا معرفتها والعمل على إتمامها لجميع القطاعات خصوصا تلك التي تمس البنية الأساسية للبلاد ولكن علينا فقط أن نهدف لتحقيق التنافسية العالمية في بعض هذه القطاعات بعد تحليل مقومات البلد ومواطن تميزها بشكل يتكامل مع المشاريع الإقليمية ويراعي خصوصيتها.
 
 

في رأيي الخاص أجد قطاعي السياحة والغذاء من أكبر القطاعات الواعدة في السلطنة والتي يمكن أن تحقق لنا الاستدامة الاقتصادية المنشودة إذا ما أجدنا عملية لتخطيط. ففي السياحة يمكننا أن نركز على السياحة العائلية للدول العربية وسياحة الرحلات البحرية والبرية، وفي الغذاء يمكننا أن نركز على الأغذية العضوية كخيار صحي ليس فقط لدول المنطقة بل لدول العالم اجمع. ليس المقصود هنا أن نرجع بالبلاد إلى زمن البيادير (المزارعين) والعمل في الأرض بقدر ما نهدف لاختيار القطاعات التي تناسب طبيعتنا واحتياجاتنا. ألا تعتبر الزراعة والثروة السمكية هي أصل العمل في البلاد من قديم الأزل إلى يومنا هذا؟ ألا نرى ارتباط العماني الكبير بالأرض وتفانيه في خدمتها كجزء من موروثنا الأصيل، فلماذا نحاول أن نلبسه لباسا آخر؟ لطالما كانت عمان ومازالت بشكل خجول اليوم بلدا زراعية تمتد جذورها عميقا في التاريخ فلم لا نسعى لجعلها سلة الغذاء العضوي للدول العربية والإسلامية؟ يشاركني في هذا الرأي عيسى المهمولي أخصائي في قسم المحاصيل بكلية الزراعة بالجامعة والذي يرى بأن الغذاء العضوي الخالي من الكيماويات والهرمونات الصناعية يشكل قطاعا واعدا في العالم ونقصد هنا ليس فقط في الخضراوات والفواكه بل أيضا في استزراع أنواع الأغذية البحرية وصناعة اللحوم والدواجن بشكل صحي، ولنا في بعض المزارع الخاصة بالسلطنة تجربة في هذا الشأن. انظر إلى المساحات الزراعية الشاسعة في محافظات السلطنة والتي تختلف في طبيعتها ومناخها بشكل يجعلها مؤهلة لزراعة صنوف مختلفة من الفواكه والخضروات. وانظر إلى سواحلنا الممتدة التي يمكن أن تشكل لنا موردا مائيا لهذه المشاريع بالإضافة إلى صنوف الأغذية البحرية. ألا يشكل ذلك كسبا مزدوجا بتحقيقنا للتنافسية الدولية في قطاع واعد لا يضر بالبيئة مع ضمان البيئة الصحية والغذاء السليم لنا ولأجيالنا القادمة؟ ألا نشتكي اليوم من التلوث الصناعي في بعض مناطقنا المحلية وبالكم الهائل من أنواع الغش التجاري وكميات الفيتامينات والكيماويات الضارة التي تأتينا في مختلف مأكولاتنا المستوردة؟ ألا يحتاج العالم اجمع وليس فقط دول الخليج إلى بديل غذائي صحي مع تزايد الأمراض وانتشار الوعي بين الناس بمخاطر الأطعمة المصنعة مختبريا؟ فلماذا إذا لا نسعى لحيازة الدنيا بحذافيرها بتحقيق الاكتفاء الغذائي الصحي والبيئة السليمة للعيش الكريم تصديقا لقول الحبيب المصطفى «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا».

الثلاثاء، مايو 21، 2013

وليس الذكر كالأنثى


كشف سعادة وكيل وزارة التعليم العالي في مؤتمر صحفي أجراه نهاية شهر مارس الماضي عن مؤشرات مقلقة عن وضع مخرجات التعليم في السلطنة. ربما لم يكن آنذاك جوهر الحوار والمؤتمر الصحفي مناقشة هذه المؤشرات، ولكنها أظهرت لنا قضية مهمة تهدد منظومة التنمية في البلاد إذا ما بدأت تشكل نمطا عاما بين مخرجات التعليم العام. أشار سعادته إلى أن عدد طلبة دبلوم التعليم العام أو ما يعادله في الفئة العمرية من ١٦ إلى ٢٥ سنة تشكل أكثر من ٥٣ ألف طالب وطالبة ويشكل الذكور النسبة الأكبر في العدد والأقل في التحصيل الدراسي. فنسبة الذكور هي ٥٦٪ (أي ما يعادل ٢٩٨٠٠ طالب تقريبا) في مقابل ٤٤٪ إناث (ما يعادل ٢٣٤٠٠ طالبة)، ونسبة الطلبة من الإناث والذكور الحاصلين على معدل عام 70٪ وأعلى هم فقط ٣٢٪ (١٧٠٠٠ طالب وطالبة تقريبا)، أغلبهم من الإناث بنسبة ٧٣٪ (١٢٤٠٠ طالبة تقريبا). أي أن نسبة الذكور الحاصلين على معدل عام ٧٠٪ وأعلى لا تتجاوز الـ ٩٪ (٤٦٠٠ طالب تقريبا) من إجمالي الـ٥٣ ألف طالب وطالبة، أما الباقي فهم دون الـ ٧٠٪ (٢٥٢٠٠ طالب تقريبا). لن نخوض في مستوى التعليم والذي أصبح حديث الكثيرين مؤخرا ولكن إن سلمنا بأن مناهجنا متماشية مع مستوى التحصيل الدراسي المطلوب والمنشود إقليميا ودوليا، فإن ذلك يجعلنا أمام أعداد متزايدة من مخرجات التعليم العام (أغلبهم من الذكور) علينا اليوم توفير المسار الدراسي أو الوظيفي لهم بعد دبلوم التعليم العام. ليس ذلك فحسب، فالفجوة الدراسية بين الجنسين والتي بدأت تتضح ملامحها اليوم ليس فقط بين مخرجات الدبلوم العام بل حتى بين خريجي التعليم العالي تهدد بزعزعة التركيبة الوظيفية في مختلف جهات العمل في المستقبل القريب. فماذا لو كنا نشتكي أصلا من ضعف في المناهج والتحصيل الدراسي بشكل عام، لأصبحت المعضلة أكبر وبات علينا التفكير ليس فقط في المسارات الدراسية أو الحياتية بل في كفاءة المخرجات أصلا ومدى استحقاقهم لشهادات الدبلوم العام أو العالي على السواء.

أجريت الأسبوع الماضي بعض المقابلات الشخصية مع بعض العاملين في قطاع التعليم عن موضوع الفجوة بين الجنسين في التعليم العام في السلطنة. تبين من المقابلات بأن نسبة التسرب الدراسي والانقطاع عن المدارس في السلطنة في تزايد مستمر وأن أكبر نسبة تلاحظ هي في الصفين الحادي عشر والثاني عشر لعدة أسباب أهمها الرغبة بالالتحاق بسوق العمل. فجهود السلطنة والحكومة في توفير الوظائف للباحثين عن عمل تواجه من بعض الطلبة بنفور من الدراسة رغبة في تحصيل الـ 150 ريالا أو الـ325 ريالا كحد أدنى للرواتب في القطاع الخاص. فمعظم هؤلاء الطلبة لا يجدون الناصح الأمين سواء في المدرسة أو في العائلة أو حتى في المجتمع يشجعهم على ضرورة إكمال الدراسة لتبؤ المراكز الوظيفية العليا. فهناك من أولياء الأمور من يشجعون أولادهم على ترك المدرسة لتحصيل فرص العمل المتاحة اليوم والتي (من وجهة نظرهم) قد لا تتأتى للكثيرين في المستقبل، فالسبب الرئيسي قد يرجع لأسباب مادية بحتة أو رغبة في الزواج لدى الإناث والذي لا يواجه بطاقم إداري مدرسي مؤهل لإقناع أولياء الأمور والطلبة أنفسهم على تعديل مساراتهم الفكرية الحياتية. ليس ذلك فحسب فقد لوحظ مؤخرا أيضا بأن مستوى التحصيل الدراسي بين الذكور يتدهور بشكل ملحوظ من بعد الصف الخامس وكأنها إشارة إلى ضعف الكادر التعليمي (المدرسين) من الذكور. فالفجوة لم تعد فقط بين الإناث والذكور من الطلبة بل حتى بين المعلمين الذكور والإناث أنفسهم من حيث مستوى الكفاءة والإنتاجية (بدون تعميم طبعا).


لا يمكن أن ننكر جهود وزارة التربية والتعليم الكبيرة في هذا الشأن والتي تحاول بقيادة معالي الوزيرة أن تسابق الزمن لإصلاح ما يمكن إصلاحه من التركة الملقاة على عاتقها. ولكن في رأيي الخاص أجد بأن الأمر جلل وأصبح أكبر من حدود مقدرة الوزارة. فهو أشبه بحالات الطوارئ التي مرت بها البلاد أيام الأنواء المناخية قبل أعوام والتي لم يعهد بالبناء فيها لجهة دون أخرى بل ساهم الصغير والكبير والقطاع العام والخاص في البناء وإرجاع البلد لأفضل مما كانت. فوضع التعليم اليوم يجب أن تساهم فيه جميع مؤسسات البلد ومختلف جهات المجتمع، فوزارة القوى العاملة عندما تسمح بتوظيف من هم دون أل 18 عاما ربما شجعت بشكل غير مباشر على التسرب الدراسي. فإن كان وراء التسرب موافقة أولياء الأمور، فأين وزارة التنمية الاجتماعية ومكاتب أصحاب السعادة الولاة وغيرها من الجهات المعنية في الوقوف على الأسباب وحلها؟ لماذا لا يصرف على العائلة بما يتناسب مع احتياجاتها لمنعها من تسريب أبنائها من الدراسة؟ ولماذا لا توضع برامج توعوية وتدريبية تتبناها وزارة الإعلام والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ووزارة التنمية الاجتماعية والقطاع الخاص لتأهيل أولياء الأمور خصوصا الأمهات باختلاف ظروفهن؟ ماذا عن دور بقية جهات العمل في توفير البيئة المناسبة للنساء العاملات ومراعاة ظروفهن الاجتماعية بما يوفر لهن الوقت الكافي للاعتناء بأطفالهن منذ نعومة أظافرهم؟ لماذا لا يصرف القطاع الخاص بسخاء من الميزانية المخصصة لخدمة المجتمع على قطاع التعليم بدلا من رعاية المهرجانات الترفيهية والفعاليات التي لا طائل منها؟ للأسف لن يتأتى لنا كل ذلك ما لم نع بأن قضية التعليم أصبحت قضية طوارئ من مسؤولية الجميع وتأثيراتها ستطال جميع القطاعات عاجلا أم آجلا. علينا اليوم أن نوحد العمل البيني بين مختلف مؤسسات البلد خصوصا الجهات الحكومية لخدمة هذه القضية الوطنية تحت مظلة استراتيجية عامة جديدة للبلاد بديلة لرؤية ٢٠٢٠ تصاغ بشكل مدروس وقابل للقياس. للأسف مازلنا نجد أن العمل المشترك بين الجهات الحكومية مفقود أو بطيء أو غير فاعل وكأنها تحاول أن تتنافس على النجاح بدلا من أن تتكامل لتحقيقه. كما اصبح الناس بشكل عام ينتظرون من الحكومة توفير الحلول بدلا من محاولة إحداث التغييرات الإيجابية بأنفسهم. ولنا في مدرسة عائشة الريامية بولاية بهلا عبرة في توظيفها لمختلف جهات المجتمع والمصادر المحدودة المتاحة لها لإيجاد بيئة تعليمية إيجابية للطالبات بدلا من محاولة الانتصار لمطالب النفس الشخصية. فالله الله أيها العمانيون في أجيالكم القادمة، فما أسهل أن يضيع الأبناء الإرث إن لم يحسن الآباء جوانب التربية والتعليم.

الخميس، مايو 16، 2013

أجيال الديجيتال


كثيرا ما يتساءل الناس عما اذا كان عليهم ان يشتروا لأبنائهم هواتف نقالة واجهزة حواسيب لوحية وإعطائهم حرية الولوج لشبكة الانترنت وفيما اذا كان عليهم السماح لهم بالتسجيل في كبرى مواقع التواصل الاجتماعية والتي لها ما لها وعليها ما عليها. ناهيك طبعا عن خيارات انواع الترفيه الالكتروني والتي تأتي على هيئة اجهزة مختلفة واشتراكات في مواقع الكترونية وشراء وتثبيت لبرمجيات مختلفة كفيلة جميعها بأن تجعل الواحد منهم ينعزل وينشغل عن العالم الخارجي لفترات طويلة. خذ على سبيل المثال موقع فيسبوك والتي تشير الإحصائيات الى ان عدد مشتركيه اليوم يفوق عدد تعداد العالم قبل ٢٠٠ عام، وفي السلطنة يقدر عدد مستخدمي هذا الموقع باكثر من نصف مليون مستخدم حسب تقديرات موقع احصائات الانترنت العالمي. ليس ذلك فحسب، فإن كانت اللغة الانجليزية هي لغة الأعمال اليومية، فلغة التقنية اصبحت اللغة العالمية التي لا نجدها فقط في بيئة الأعمال بل في كل شيء حوالينا. فالبيت مليء بالاجهزة التقنية وأولها التلفاز والذي لم يعد كما عهدناه سابقا، فهناك تقنيات الشاشة المختلفة وانواع الاجهزة المستقبلة للقنوات وطرق ربطها بالانترنت احيانا أو ببعض انواع البطاقات الذكية احيانا اخرى والتي تستطيع ان تتخاطب مع اقمارها الخاصة لتحميل التحديثات واستقبال رسائل التنبيه. اخرج خارج البيت لتجد التقنية تستقبلك في مختلف الاشياء كوسائل النقل ومراكز التسوق والشوارع ومختلف جهات العمل والمستشفيات وفوق كل هذا اصبحت تدرس في معظم مدارسنا. لذلك فلا مفر من التقنية مهما حاولنا الابتعاد عنها، فالبعض ينظر اليها كشر لا بد منه وآخرين يرون فيها أدوات لتحقيق أهداف معينة أما الجيل القادم فيرونها أسلوب حياة.

لا يستطيع احدنا اليوم انكار القلق السائد بيننا من الجانب المظلم للتقنية والتي قد تجعل البعض ينأون بعوائلهم بعيدا خوفا من المواجهة. فالتأثيرات النفسية والصحية والاجتماعية التي يحذر منها الأطباء والخبراء بدأت تنتشر بيننا مما اضطر أكثرنا لانتهاج مبدأ المنع في اقتناء مختلف الأجهزة التقنية أو من استخدام الانترنت أو من التسجيل في المواقع الاجتماعية أو جميع ما سبق. في المقابل، نجد ايضا من لا يلقي بالا لجميع التقارير السلبية عن التقنية ونراهم يشترون لأبنائهم أشكال الأجهزة التقنية بسخاء، فلم يعد من المستغرب ان نرى أطفالا لم يتجاوزوا الستة أعوام يمتلكون هواتف نقالة ذكية وحواسيب لوحية مع اشتراكات في الانترنت، بل وحسابات في التويتر والفيسبوك واليوتيوب. ناهيك طبعا عن أجهزة الحواسيب المختلفة والألعاب بأنواعها حتى أصبح لكل طفل في بعض العائلات شاشة خاصة به ليس فقط في غرفته بل في السيارة ايضا. لا نتحدث هنا عن واقع الدول الغربية بل اصبح هذا نمطا نلامسه في بلداننا العربية والسلطنة ليست بمعزل. لذلك فالتقنية أصبحت واقعا يجب التعامل معه بحكمه ومواجهته بدلا من محاولة الهروب منه. فربما نستطيع منع أبنائنا من التقنية طالما هم تحت ناظرينا، ولكن من يمنعهم من ذلك وهم في مدارسهم أو بين اصدقائهم؟ وهل هذا المنع ايجابي ونحن نعيش التوجه العالمي في توظيف التقنيات الحديثة واستغلالها في امور البحث العلمي والابتكار والابداع؟ فكل تأخير في فهم التقنية وتطوير مهارات التعامل معها ليس في صالحنا وصالح ابنائنا إن أردنا تحسين مستواهم التنافسي. لا يعني هذا بأن النقيض صحيح ايضا، فإطلاق الأمور على مصراعيها قد يؤدي الى ما لا يحمد عقباه من الانخراط في امور غير أخلاقية أو تدهور في الأوضاع النفسية والصحية للأطفال وهو ما نسمعه دائما يوما بعد يوم في وسائل الاعلام العالمي، فما الحل اذا؟


أرى ان المصيبة والمعضلة تكمن في الفجوة بين جيل الآباء وجيل الابناء فكريا وعلميا وتقنيا. لا يعني ذلك بأن احد الجيلين هو الصواب والآخر على خطأ، بل على العكس تماما لكل جيل خصوصيته وظروفه التي انتجت له خلاصة افكاره واهتماماته. فالفجوة تتفاقم عندما يعامل كل جيل الآخر من منظوره الشخصي دون تفهم لطبيعة وفكر الجيل الآخر. فثقافة المقارنة هي السائدة بيننا بحيث يقيس الآباء في نصائحهم وتوجيهاتهم على أزمنتهم متناسين ان الأمور في مجملها قد اختلفت ونقصد هنا الأمور الحياتية وليس العقائدية والأخلاقية، فالمعاصرة شيء ومحاولة إعادة التاريخ للوراء شيء آخر. في المقابل، لا يحاول الأبناء تفهم النصح الناتج من تجارب الآباء لانشغالهم بملهيات العصر واغترارهم بنشوة الشباب. لا توجد هذه الفجوة داخل البيوت فقط بل تتعداها الى مختلف جهات المجتمع والعمل. فنجد الفجوة بين الموظفين القدامى والجدد دائما والذي ينعكس سلبا على التطور الوظيفي للموظفين والتقدم التنموي لمختلف الجهات. فعند اختلاف اثنين في الرأي، نادرا ما يحاول احدهما تفهم سبب الاختلاف بقدر ما يحاولا الانتصار لرأيهما. لذلك سيظل دائما هناك فجوة فكرية بين الاجيال ان لم يعمل كل واحد منا على ردمها ويحاول استيعاب الآخر وفهم خصوصيته بدلا من التصادم المذموم الذي يؤخر تقدمنا.

الثلاثاء، مايو 07، 2013

الاعلام الاجتماعي خير لابد منه

 
شهدت السلطنة الأسبوع الماضي انسجاما منقطع النظير بين قنواتنا الإعلامية التقليدية وبين جيل الاعلام الاجتماعي الحديث. فلأول مرة في السلطنة نرى هذا التمازج الجميل في نقل المعلومة والتكامل بين الاعلام المحلي من خلال التلفاز والجرائد المحلية وبين شبكات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها موقعا التويتر والفيسبوك. قد لا يعني هذا الكثير لدى البعض ولكن ما شهدناه الأسبوع الماضي ينذر بتحول تدريجي في طرق عرض المعلومات على الناس بشكل عام وبين فئة الشباب بشكل خاص إذا أحسنا استغلاله. ليس ذلك فحسب، فقد لوحظ ان التقنية ذاتها التي طالما تغنى الكثيرون بتسهيلها لنشر الاشاعات اصبحت هي المحرك الفعلي لكبح هذه الاشاعات عندما لاقت التفاعل والاحتضان الرسمي من قبل الحكومة بشكل عام واعلامنا الرسمي بشكل خاص. فكان التلفزيون والإذاعة العمانية في قلب الحدث دائما من خلال تخصيص المساحات الهوائية الكافية لتلقي البلاغات والاخبار واطلاع المشاهدين والمستمعين بالجديد مستغلين في ذلك قنواتهما الالكترونية على كبرى مواقع التواصل الاجتماعي لتلقي رسائل المغردين ومحاولة التأكد منها فورا من خلال التواصل المباشر مع مختلف المسؤولين والذين لم يألوا جهدا أيضا في التواصل مع المتابعين لوضعهم في الصورة الصحيحة. فلم يجد المحرضون ومثيرو الاشاعات بيئة خصبة يعملون من خلالها، فالكل وقف لهم بالمرصاد فآثروا الصمت والمتابعة.

شاركت في عدة حوارات مؤخرا عن التأثيرات السلبية لشبكات التواصل الاجتماعي وقرأت للعديد من نتائج الندوات التي اجرت في السلطنة عن نفس الموضوع وكان مجملها ينصب حول الجانب المظلم في المعادلة. فهناك من يرى بأنها شر لابد منه وهناك من لا يرى فيها الا القيل والقال وكثرة السؤال متناسين بأنها وسيلة مجانية لقياس رضا الناس وسخطهم وقناة سهلة للتواصل المباشر بين الرؤساء والمرؤوسين بكافة مستوياتهم لتحقيق الدعم المناسب للقرارات إذا ما اتخذت بمرأى من الجميع ورضاهم. ليس ذلك فحسب، فمن أكثر ما استغرب له هو محاولة البعض تقنين أو حجب هذه التقنيات الحديثة بحجة تأثيراتها السلبية الفكرية ونشرها للإشاعات، متجاهلين في ذلك بأن التقنية ليست الا اداة في ايدينا وليست هي السبب الحقيقي وراء معظم السلبيات التي نعرف. فلكل شيء في الحياة ايجابيات وسلبيات تنبثق من حسن أو سوء استخدامنا لها ومن مستوى المعرفة والتوعية بسبل الاستغلال الامثل لها. لذلك أرى ان القضية برمتها هي مسألة فكر بين الناس وما التقنية الا وسيلة هدم أو بناء من بين عدة وسائل تعتمد في مستوى تأثيرها على مدى احتضاننا لها. فلا مجال اليوم للمنع والحجب مع عالم التقنية، فهي بكل بساطة قادرة على إيصال المعلومة وان انقطعت شبكات الاتصال. نلاحظ ذلك جليا في دول الربيع العربي وكيف استطاع الثوار والمصورون إيصال الاخبار صوتا وصورة في عز المحنة وكيف لا زلنا نرى الشعب ومختلف الاحزاب في سوريا يحمّلون عشرات مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي وأبرزها موقع اليوتيوب، فهل يا ترى يستخدمون في ذلك شبكة سوريا الوطنية للاتصالات؟
 

استطعنا مطلع هذا الأسبوع في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وبالتحديد في قسم نظم المعلومات الفوز بشرف التمويل السامي لمشروع بحثي يعنى بشبكات التواصل الاجتماعي وسبل استخدامها استراتيجيا من قبل الجهات الحكومية والذي يأتي من أصل ستة مشاريع فائزة هذا العام تم اختيارها بعد تقييم اثني عشر مقترحا لمشاريع بحثية من نفس الفئة. يقود هذا المشروع الدكتور يوسف بن سالم الهنائي من قسم نظم المعلومات ونخبة من الباحثين لدراسة جميع سلبيات وايجابيات وسائل الاعلام الاجتماعية وسبل توظيفها من قبل الجهات الحكومية. تشير الدراسات الأولية الى الأهمية القصوى لهذا القطاع وضرورة وضع خطة استراتيجية لاستغلاله من قبل مختلف المسؤولين والجهات العامة والخاصة في البلد. لذلك نرى بعض رؤساء الدول والوزراء وكبار الموظفين في القطاع الخاص وأصحاب الملايين يتواصلون بحسابات شخصية ربما تدار من خلال مكاتبهم الخاصة او من قبلهم شخصيا لتحقيق الانسجام المطلوب بينهم وبين متابعيهم ولدرء الاشاعات التي قد تحاك حولهم وللمساعدة على ردم الفجوة الثقافية والطبقية بينهم وبين مختلف فئات المجتمع. لذلك فإني اتعجب اليوم من بعض جهاتنا الحكومية التي مازالت غير موجودة على كبرى الشبكات الاجتماعية وأكثرها شيوعا في السلطنة كموقعي التويتر والفيسبوك. واتعجب كذلك من بعض رموزنا القيادية والاقتصادية والاجتماعية والذين مازالوا يؤثرون القنوات التقليدية للتواصل. فهل يا ترى هي قلة في الوقت أم قلة في المعرفة أم الخوف من المواجهة؟