كثيرا ما يتساءل الناس عما اذا كان عليهم ان يشتروا لأبنائهم هواتف نقالة
واجهزة حواسيب لوحية وإعطائهم حرية الولوج لشبكة الانترنت وفيما
اذا كان عليهم السماح لهم بالتسجيل في كبرى مواقع التواصل الاجتماعية والتي
لها ما لها وعليها ما عليها. ناهيك طبعا عن خيارات انواع الترفيه
الالكتروني والتي تأتي على هيئة اجهزة مختلفة واشتراكات في مواقع الكترونية
وشراء وتثبيت لبرمجيات مختلفة كفيلة جميعها بأن تجعل الواحد منهم ينعزل
وينشغل عن العالم الخارجي لفترات طويلة. خذ على سبيل المثال موقع فيسبوك
والتي تشير الإحصائيات الى ان عدد مشتركيه اليوم يفوق عدد تعداد العالم قبل
٢٠٠ عام، وفي السلطنة يقدر عدد مستخدمي هذا الموقع باكثر من نصف مليون
مستخدم حسب تقديرات موقع احصائات الانترنت العالمي. ليس ذلك فحسب، فإن كانت اللغة الانجليزية هي لغة الأعمال اليومية،
فلغة التقنية اصبحت اللغة العالمية التي لا نجدها فقط في بيئة الأعمال بل
في كل شيء حوالينا. فالبيت مليء بالاجهزة التقنية وأولها التلفاز والذي لم
يعد كما عهدناه سابقا، فهناك تقنيات الشاشة المختلفة وانواع الاجهزة
المستقبلة للقنوات وطرق ربطها بالانترنت احيانا أو ببعض انواع البطاقات
الذكية احيانا اخرى والتي تستطيع ان تتخاطب مع اقمارها الخاصة لتحميل
التحديثات واستقبال رسائل التنبيه. اخرج خارج البيت لتجد التقنية تستقبلك
في مختلف الاشياء كوسائل النقل ومراكز التسوق والشوارع ومختلف جهات العمل
والمستشفيات وفوق كل هذا اصبحت تدرس في معظم مدارسنا. لذلك فلا مفر من
التقنية مهما حاولنا الابتعاد عنها، فالبعض ينظر اليها كشر لا بد منه
وآخرين يرون فيها أدوات لتحقيق أهداف معينة أما الجيل القادم فيرونها أسلوب
حياة.
لا يستطيع احدنا اليوم انكار القلق السائد بيننا من الجانب المظلم للتقنية والتي قد تجعل البعض ينأون بعوائلهم بعيدا خوفا من المواجهة. فالتأثيرات النفسية والصحية والاجتماعية التي يحذر منها الأطباء والخبراء بدأت تنتشر بيننا مما اضطر أكثرنا لانتهاج مبدأ المنع في اقتناء مختلف الأجهزة التقنية أو من استخدام الانترنت أو من التسجيل في المواقع الاجتماعية أو جميع ما سبق. في المقابل، نجد ايضا من لا يلقي بالا لجميع التقارير السلبية عن التقنية ونراهم يشترون لأبنائهم أشكال الأجهزة التقنية بسخاء، فلم يعد من المستغرب ان نرى أطفالا لم يتجاوزوا الستة أعوام يمتلكون هواتف نقالة ذكية وحواسيب لوحية مع اشتراكات في الانترنت، بل وحسابات في التويتر والفيسبوك واليوتيوب. ناهيك طبعا عن أجهزة الحواسيب المختلفة والألعاب بأنواعها حتى أصبح لكل طفل في بعض العائلات شاشة خاصة به ليس فقط في غرفته بل في السيارة ايضا. لا نتحدث هنا عن واقع الدول الغربية بل اصبح هذا نمطا نلامسه في بلداننا العربية والسلطنة ليست بمعزل. لذلك فالتقنية أصبحت واقعا يجب التعامل معه بحكمه ومواجهته بدلا من محاولة الهروب منه. فربما نستطيع منع أبنائنا من التقنية طالما هم تحت ناظرينا، ولكن من يمنعهم من ذلك وهم في مدارسهم أو بين اصدقائهم؟ وهل هذا المنع ايجابي ونحن نعيش التوجه العالمي في توظيف التقنيات الحديثة واستغلالها في امور البحث العلمي والابتكار والابداع؟ فكل تأخير في فهم التقنية وتطوير مهارات التعامل معها ليس في صالحنا وصالح ابنائنا إن أردنا تحسين مستواهم التنافسي. لا يعني هذا بأن النقيض صحيح ايضا، فإطلاق الأمور على مصراعيها قد يؤدي الى ما لا يحمد عقباه من الانخراط في امور غير أخلاقية أو تدهور في الأوضاع النفسية والصحية للأطفال وهو ما نسمعه دائما يوما بعد يوم في وسائل الاعلام العالمي، فما الحل اذا؟
أرى ان المصيبة والمعضلة تكمن في الفجوة بين جيل الآباء وجيل الابناء فكريا
وعلميا وتقنيا. لا يعني ذلك بأن احد الجيلين هو الصواب والآخر على خطأ، بل
على العكس تماما لكل جيل خصوصيته وظروفه التي انتجت له خلاصة افكاره
واهتماماته. فالفجوة تتفاقم عندما يعامل كل جيل الآخر من منظوره الشخصي دون
تفهم لطبيعة وفكر الجيل الآخر. فثقافة المقارنة هي السائدة بيننا بحيث
يقيس الآباء في نصائحهم وتوجيهاتهم على أزمنتهم متناسين ان الأمور في
مجملها قد اختلفت ونقصد هنا الأمور الحياتية وليس العقائدية والأخلاقية،
فالمعاصرة شيء ومحاولة إعادة التاريخ للوراء شيء آخر. في المقابل، لا يحاول
الأبناء تفهم النصح الناتج من تجارب الآباء لانشغالهم بملهيات العصر
واغترارهم بنشوة الشباب. لا توجد هذه الفجوة داخل البيوت فقط بل تتعداها
الى مختلف جهات المجتمع والعمل. فنجد الفجوة بين الموظفين القدامى والجدد
دائما والذي ينعكس سلبا على التطور الوظيفي للموظفين والتقدم التنموي
لمختلف الجهات. فعند اختلاف اثنين في الرأي، نادرا ما يحاول احدهما تفهم
سبب الاختلاف بقدر ما يحاولا الانتصار لرأيهما. لذلك سيظل دائما هناك فجوة
فكرية بين الاجيال ان لم يعمل كل واحد منا على ردمها ويحاول استيعاب الآخر
وفهم خصوصيته بدلا من التصادم المذموم الذي يؤخر تقدمنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق