السبت، أغسطس 16، 2014

ما أكثر لجاننا؟!


حضرت قبل اسابيع دورة في قيادة الحكومة الالكترونية والتي كانت من تنظيم كل من جامعة السلطان قابوس ممثلة في مركز خدمة المجتمع والتعليم المستمر وهيئة تقنية المعلومات ومركز قيادة الحكومة الالكترونية في سنغافورة. تطرق المدرب وهو رئيس المركز السنغافوري المذكور لعدة امور مهمة اغلبها غير تقني في كيفية الوصول للامتياز في ادارة مشاريع الحكومة الالكترونية مستشهدا بتجربة سنغافورة الرائدة في هذا المجال. ذكر لنا المدرب في سياق الحديث مثالا على دولة الهند وبالتحديد سلاح البحرية حيث كان يتم تخريج الضباط المستجدين من خلال احتفالين رسميين بينهما 21 يوما، الاول بحضور الاهل والاقارب والثاني بشكل اكثر رسمي حيث يتم فيه تسليم الشارات والشهادات العسكرية. لم يعلم احد ولم يتساءل عن سبب عدم دمج الاحتفالين بالرغم من التكاليف المصاحبة والاعباء المترتبة من تنظيم احتفالين متشابهين تماما. اكتشف مؤخرا (قبل اقل من عشر سنوات) بأن سبب تقسيم المناسبة الى احتفالين يرجع الى ما قبل استقلال الهند عام 1947 حيث كان يتم ارسال الشارات والشهادات العسكرية للاعتماد من قبل ملكة بريطانيا عن طريق البحر، الامر الذي كان يستغرق عادة ما لا يقل عن اسبوعين. فالاحتفال الاول هو احتفال محلي بتخريج الضباط والثاني احتفال بوصول الشهادات المعتمدة وتقليد الشارات الرسمية. ظل الوضع هكذا الى وقت قريب فقط بالرغم من استقلالية الهند وعدم حاجتها لاعتماد الشهادات من الملكة مما يعني بان معظم القادة الذين تناوبوا على هذه الاحتفالات لم يعوا بالاسباب وقاموا بتقليد الاعمال الذي تعودوا عليها دون تفكر. للاسف هذا ما تعاني منه معظم مؤسساتنا الحكومية اليوم، فكم من الاعمال والاجراءات التي تعودنا عليها واصبحت بمثابة الخيار الاوحد لنا في العمل دون ان نتفكر في سلبياتها او حتى ننظر في البدائل،واكبر مثال على ذلك هو انتشار اللجان معنا بأنواعها وكثرة الاجتماعات وطول مدتها مما يثير التساؤلات حول انتاجيتها والشكوك حول فاعليتها.

يعرّف الكوميدي الامريكي المشهور فريد آلن اللجنة بانها مجموعة من الاعضاء غير المؤهلين، يتم اختيارهم من قبل غيرالراغبين بالمشاركة، لعمل اعمال غير ضرورية. قد يكون التعريف مجحف بشكل عام ولكنه يعكس للاسف حقيقة كثير من اللجان المنتشرة في دوائرنا الحكومية اليوم. فما اكثر لجاننا واجتماعاتنا والتي تدار بعفوية دون رؤية واضحة، حتى اصبح الواحد منا لا يجد وقتا لانجاز عمله من كثرتها ولربما كان عملنا اليومي فقط هو حضور الاجتماعات والمشاركة في اللجان. الا يوجد في العمل الاداري غير مفهوم اللجان والاجتماعات لانجاز الاعمال؟ ام اننا وجدنا آباءنا عليها ونحن على آثارهم مهتدون؟ الا يتشكى معظمنا من قلة فاعلية وانتاجية معظم الاجتماعات التي نحضرها او اللجان التي نشارك فيها؟ فما بالنا اذاً لا نختار غيرها عندما يوكل الامر لنا؟ يصف رئيس شركة أبل الراحل ستيف جوبز العمل داخل شركته والتي تعتبر الشركة الاولى اليوم في التقنية ويعمل بها اكثر من 12 الف موظف، بان عدد لجان العمل بالشركة هو صفر وانها تعتمد في انتاجيتها الى تقسيم الاعمال بين الموظفين على شكل شركات ناشئة تُعنى كل منها بجانب تقني محدد. فهناك من يهتم بنظام تشغيل الاجهزة المحمولة (iOS) وهناك من يُعنى بتصميم اجهزة الحواسيب وهكذا. فلا يوجد لجان بل مشاريع محددة الاهداف توكل الى اشخاص تعطى لهم الصلاحيات ليقوموا بادارتها باستقلالية. يقوم الرئيس بالاجتماع برؤساء هذه المشاريع اسبوعيا لبضع ساعات للاطلاع على المستجدات وليتم التنسيق والتخطيط للاعمال المشتركة بين المشاريع.


لا ننتقد هنا الاجتماعات واللجان كمفاهيم وادوات ادارية، بل المأخذ هو في طرق استغلالنا لها. فلا مفر اليوم من توظيف مثل هذه الادوات في العمل، فحتى شركة ابل وبالرغم من خلوها من اللجان لم تجد بُدا من الاجتماعات والتي بالتاكيد تدار بمنهجية علمية نفتقر لها في اكثر اجتماعاتنا. للاسف اصبحت العديد من لجاننا تُشكل عندما يعزف اصحاب القرار من اتخاذ القرار او عندما نرغب في فهم بعض الامور ودراستها لمجرد العلم بالشيء بدلا من ربط ذلك بهدف او قرار استراتيجي مؤسسي. فكم من اللجان التي شكلت لدراسة قضايا معينة وآلت تقاريرها النهائية الى “الحفظ”؟ كيف سيتشجع اعضاء مثل هذه اللجان للمساهمة في غيرها وهم يرون ان اعمالهم السابقة كانت مضيعة للوقت؟ الا يقوم بعض اصحاب القرار احيانا بالاستعانة بشركات استشارية او بيوت خبرة يدفع لهم بسخاء للقيام باعمال مشابهة لاعمال اللجان والتي عادة ما تتشابه تقاريرهما؟ ماذا نتوقع من اعضاء اللجان وهم يرون اعمالهم تهمش ولا يجدون من وراءها جزاءً ولا شكورا؟ من المهم اليوم ان نراجع سياساتنا واعمالنا الادارية وان نبدأ بالتفكر في الطرق المثلى لانجاز الاعمال بدلا من التقليد الاعمى لمن سبقنا. فما اللجان والاجتماعات الا فيض من غيض، فهناك ندواتنا وموتمراتنا والتي اصبحت على كثرتها تكلف اكثر مما تحقق. ناهيك طبعا عن خلو بعض المؤسسات او الدوائر الحكومية من الاهداف والرؤية الواضحة مما ساهم في خفض انتاجية الموظف الحكومي بشكل كبير نظرا لقلة الاعمال وكثرة اوقات الفراغ وهو ما يعد من اهم اسباب تدهور الاعمال الحكومية. فالرسالة الواجب ادراكها هنا ان الناس او الموظفين ان لم نشغلهم بالايجابيات والتنمية والتخطيط، شغلونا بالسلبيات والتخلف والفوضى.