الخميس، نوفمبر 07، 2013

المكافآت في العمل الحكومي

 
تحدثنا في مقالة سابقة عن أهمية مبدأ الثواب والعقاب لتحسين الإنتاجية والكفاءة في العمل بما يحفز المجيدين لزيادة العطاء ويحذر في الوقت ذاته من التهاون والتساهل في إتمام مهام العمل. للأسف تفتقر معظم دوائرنا الحكومية من الاستغلال الأمثل لهذه السياسة فتارة نجد تهاونا في التعامل مع الأخطاء مما ينتج عنه تسيب واضح لدى الكثير من الموظفين ربما لضعف قوانين المحاسبة إجمالا، وتارة أخرى نجد من يعمل بجد واجتهاد ويتساوى في النهاية مع باقي الموظفين الأقل اجتهادا. لذلك أصبح من الطبيعي أن تتساوى نتائج تقييم أداء الموظفين نهاية العام في بعض دوائرنا الحكومية مما جعل من غير الإنصاف أحيانا أن يقوم المسؤول بتقييم عادل لبعض الموظفين في الوقت الذي يُعطي بقية المسؤولين المتساهلين نتائج ممتازة للباقين دون أدنى جهد منهم. ليس ذلك فحسب، فمن الملاحظ أيضا شيوع ظاهرة توقع العمل المجاني من الموظفين العمانيين بين الكثير من المسؤولين. ففي الوقت الذي قد يُدفع للأجنبي (في ظل وجود البديل العماني) آلاف الريالات نظير تقديم استشارات معينة أو دورة تدريبية، نجد ان المسؤولين يتوقعون من العمانيين أن يقوموا بنفس الأعمال بالمجان وهي أصلا خارج نطاق أعمالهم. فكم هي المرات التي ساهم فيها العديد من الموظفين العمانيين في أعمال تقع خارج مسؤولياتهم الوظيفية ولم يروا بعدها جزاءً أو شكورا وكم من المرات التي هُمش فيها دور العماني في لجان او مجموعات داخل عمل بسبب ثقة المسؤولين الزائدة ببيوت الخبرة أو بالشركات الاستشارية؟ أليس من حق العماني أن يكافأ إن أنجز بكفاءة عملا لا يندرج تحت مسؤولياته؟ ما بالنا ندفع بسخاء للأجنبي ونتردد ونبخس العماني حقه عند تساويهما في الخبرة والمعرفة ولربما أجاد العماني بسبب معرفته الأكبر بالواقع العماني.

يخبرني أحد العاملين في الوزارات بأنه عمل في لجنة وزارية لدراسة قضية معينة لمدة سنة كاملة، وحين شارفت اللجنة على إنهاء الدراسة ورفع تقريرها للمسؤولين تفاجأت بقرار وزاري يقضي بالاستعانة بشركة خارجية للقيام بالعمل ذاته. فما كان من الشركة هذه إلا أن التقت بأعضاء اللجنة واستفادت من جهودهم واستخدمت التقرير المزمع رفعه بعد إضافة القليل من التحسينات البسيطة وقدمته للمسؤولين لتفوز بعشرات الآلاف من الريالات ولم يحظ أعضاء اللجنة بأي شيء. وفي مؤتمر دولي قامت به إحدى الوزارات هذا العام، تم الاتفاق مسبقا بمكافأة المحاضرين العمانيين وغير العمانيين بمبلغ مالي جيد وما لبث أن تم الاعتراض داخل اللجنة المنظمة قبيل بدء المؤتمر بأيام معدودة عن سحب المكافآت عن العمانيين وجعلها خاصة فقط للأجانب لينتهي هذا الجدل الى تقليل حصة العماني بالمقارنة مع الأجنبي بمقدار الثلث تقريبا. القصص كثيرة في هذا الجانب.
إخواني القراء، فكم من المرات التي استعانت بعض الجهات الحكومية بأكاديميين في الجامعة لتنفيذ مشاريع معينة أو إجراء دراسات بحثية أو تطوير برمجيات مكتبية ولم يحصلوا بعدها حتى على رسالة شكر وتقدير، في الوقت الذي قد يكلف هذا العمل آلاف الريالات اذا ما تمت الاستعانة فيه بشركة خاصة لإتمامه.
 

لا ندعو هنا إلى تفشي الثقافة المادية البحتة بيننا بحيث نعمل من أجل الماديات فقط ولكن قليل من التقدير اليوم قد يغني عن الكثير من عمليات التحفيز والمراقبة لاحقا. فليس من المستغرب اليوم عزوف كثير من الكفاءات المحلية عن الانخراط في العمل المجتمعي وعدم تقبلها للوظائف العليا والأكثر مسؤولية عند تساوي العلاوات وانعدام المكافآت في جو العمل. ففي الوقت الذي ندعو فيه أنفسنا وغيرنا إلى تبني مبدأ العمل التطوعي من باب المساهمة في خدمة هذا الوطن الغالي، لا يمكن أن نهمل مبدأ الثواب والعقاب داخل المؤسسات بنوعيها العام والخاص. فالإحساس بالتهميش وعدم التقدير داخل العمل له ما له من سلبيات في قتل الإنتاجية وخفض الكفاءة والفاعلية في كثير من الأحيان. فإذا توفرت الأموال والميزانيات فليكن للعماني أولوية للحصول على المكافآت بالإضافة إلى الأجنبي أن احتجنا إليه، بدلا من العقلية التي تحاول استنزاف الطاقات المحلية بحجة أنهم يستلمون رواتب من الحكومة آخر الشهر. لا ندعو أيضا إلى التركيز على العمانيين فقط وإهمال الخبرات الدولية، فالمزيج الأفضل والأنفع للبلد والعمل هو في دمج موظفينا العمانيين مع هذه الخبرات الدولية لصقل مواهبهم ومعارفهم بما قد يحقق لنا الاكتفاء الذاتي مستقبلا. فالتحفيز الداخلي لدى الموظفين قد يفتر وينقص ان لم ندعمه بالقليل من التحفيزات الخارجية، فمن أجل عمان نعمل جميعا ومن أجل عمان أيضا علينا تقدير المجيد ومعاقبة المسيء والمهمل