الأحد، سبتمبر 30، 2012

ثقافة الإعتذار التجاري


لا يعترف معظم الناس بإخفاقاتهم وأعمالهم الخاطئة إلا ما ندر، ناهيك عن المبادرة بالاعتذار والتي هي من اشد وأصعب الاعمال على النفس البشرية. لذلك اود في بداية هذه المقالة ان اتوجه لكم أخواني وأخواتي القرّاء ولجميع الناس الذين اعرف ولا اعرف بالاعتذار عن اي خطأ متعمد أو غير متعمد بدر مني عمليا او لفظيا او كتابيا واحب أن أذكركم بقول المولى عز وجل في سورة الشورى "فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" وقوله ايضا في نفس السورة "وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ". فأعوذ بالله أن أذكركم بشيء وأنساه أو أن أكون جسرا تعبرون عليه الى الجنة ثم يلقى في النار. فثقافة الاعتذار وإن صعبت على النفس إلا أنها تجسد أرقى التعاملات الاجتماعية وتدل على حسن خلق الناس وطيب معادنهم. على عكس ما قد يظن البعض من أن في الاعتذار والاعتراف بالخطأ ضعفا وقلة حيلة ومسكنة. لذلك لا يعتذر إلا من استحكم على نفسه الامارة بالسوء ونجح في تهذيبها وتعامل مع الآخرين بكل احترام ولم يتكبر على تقبل الحق، فقد جاء في صحيح مسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس". ومعنى بطر الحق هنا هو دفعه وإنكاره ترفعاّ وتجبراّ وهو ما نحن بصدد الحديث عنه اليوم.

لن أقوم هنا بمناقشة الاعتذار الاجتماعي ولكني احب ان اتحدث عن مبدأ الاعتذار التجاري بين الشركات والمؤسسات المختلفة بعضها من بعض وايضا بينها وبين بقية الناس (المستهلكين والزبائن) بشكل عام. فكم يا ترى سمعنا عن مؤسسات حكومية أو تجارية بالسلطنة تعتذر عن أخطاء بدرت منها في حق مؤسسات اخرى او في حق المواطنين؟ وكم هي عدد المرات التي قام فيها احد المسؤولين سواءً في الشركات أم المؤسسات الحكومية بالاعتذار عن تصرف سيئ من احد الموظفين التي تندرج مسؤوليته تحت مسؤولية ذلك المسؤول؟ أو عن اخطاء في أحد الخدمات المقدمة للناس؟ أو في سوء اختيار للموظفين نتج عنه انخفاض في انتاجية العمل؟ أو في قرارات خاظئة نجم عنها خسائر مادية؟ لماذا لا نرى ذلك شائعا بيننا يا ترى؟ هل نحن جميعنا باختلاف وظائفنا ومسؤولياتنا مبرؤون من الخطأ في العمل؟ ألا تعاني بلدنا حالها حال بقية بلدان العالم من العديد من القضايا والاخطاء العملية والتي هي نتاج أخطاء أفراد ومجموعات؟ الا يعلم هؤلاء بأنهم على خطأ أو أنهم يعلمون ويصرون على أخطائهم؟ أهي مسألة كرامة أم خوف من المحاسبة أو ترفع ذميم يزيد الطين بلة؟ الامر الذي نراه يزداد اثراً كلما بدر الخطأ من أصحاب المراتب العليا، فتأثيرهم أوجع وأشمل والذي قد يؤثر في الآخرين بشكل مباشر وغير مباشر من باب الاقتداء. فبدلا من أن ننتهج ثقافة الاعتذار بيننا وننشرها بين مختلف شرائح الناس والمؤسسات، أصبحنا نكابر احيانا أو نستحي من الافصاح عن أخطائنا مما يزيد الامور سوءا ويعقد اعمال الاصلاحات الاقتصادية التي تنتهجها البلاد.

قام الرئيس التنفيذي لشركة أبل والتي تعتبر اليوم أكبر شركات العالم من ناحية القيمة السوقية يوم الجمعة الماضية بالاعتذار لجميع المستهلكين عن تطبيق الخرائط الجديد التي قامت الشركة بتطويره في نظامها الجديد (iOS6) بدلا من تطبيق خرائط جوجل الذي كان يأتي في نسخ الايفون السابقة. فقد ابدى العديد من ملاك الجهاز الجديد (الأيفون 5) استياءهم من هذا التطبيق الجديد عند تجربتهم له مما حرى بالشركة ليس فقط بالاعتراف بالخطأ والاعتذار منه، بل بتقديم النصح للمستلهكين باستخدام تطبيقات منافسة والاشارة اليها بالإسم كتطبيق جوجل للخرائط وتطبيق مشابه ايضا من نوكيا. كما قامت الشركة ايضا بتقديم النصح بشراء بعض التطبيقات من متجر التطبيقات الخاص بالشركة ريثما يتسنى للشركة تعديل الاخطاء في تحديثها القادم. ففي الوقت الذي قد يستغل هذا الحدث بعض المنافسين والمغرضين للتشفي من الشركة وانها على وشك الانهيار وخسارة الكثير من الزبائن، أرى شخصياً أن هذا الحدث يزيد من مكانة الشركة في قلوب المستهلكين بل يكبرها ايضا امام الشركات الأخرى. فهي بذلك تعترف بأخطائها واحترامها لذاتها ولزبائنها مما يقوي مصداقيتها في المستقبل. كما انه من النادر اليوم أن نجد من المؤسسات التجارية (ناهيك عن المؤسسات الحكومية) من تحاول أن تتابع باهتمام آراء زبائنها لمحاولة خدمتهم بكل عناية وأمانة وإن تطلب الامر ان تقترح عليهم شراء أو استخدام منتجات لشركات منافسة. لا يعتبر هذا الدرس حكرا علينا نحن في السلطنة ولكن يعتبر مثلا يقتدى به عالميا بما فيه ايضا الاقتصاد الامريكي. فالعديد من الشركات التجارية لا تقوم بالاعتذار إلا إن خشت الملاحقة القانونية، ومن أمن العقوبة فقد يمتد به الحال إلى التمادي في الخطأ إلى ان يقع الفأس في الرأس ولنا في شركة إنرون (Enron) الأمريكية عبرة في هذا الشأن. لذلك علينا أن نشجع وننشر بيننا ثقافة الاعتذار بدءا بالبيت و انتهاءً بالعمل "فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

الأحد، سبتمبر 23، 2012

عمل المرأة بين العدل والمساواة


لا يخفى على أحد اليوم دور المرأة المهم في نهضة المجتمعات فكريا واقتصاديا وضرورة مشاركتها للرجل في ميادين العمل بما يتناسب مع طبيعتها الأنثوية. ولكن من المؤسف أن نجد المرأة اليوم تعامل معاملة الرجل دون النظر إلى طبيعتها الانثوية ومحاولة تنفيذ مبادئ الاسلام الحنيف القائمة على "استوصوا بالنساء خيرا" و"رفقا بالقوارير". فما أكثر ما نرى النساء اللاتي يمشين في الشوارع العامة لقضاء بعض المآرب دون ان يكون لهن وسيلة نقل. وما أكثر الأمهات العاملات اللاتي يذقن مرارة ترك اطفالهن الرضع مع عاملة المنزل من أجل الخروج للعمل. وما أكثر النساء الحوامل العاملات اللاتي يعانين الامرين في محاولة التوفيق بين أداء مقتضيات العمل والحمل وواجب الامومة وواجب الزوجية بالاضافة إلى محاولة البقاء على قيد الحياة. فأين نحن من قصة سيدنا موسى الذي بالرغم من تعرضه لإجهاد السفر الشديد عند وصوله لماء مدين إلا انه لم يتمالك نفسه من قضاء حاجة الامرأتين اللتين وجدهما تذودان بقطيع من الغنم خلف قطيع الذكور الذين آثروا أنفسهم عليهن. وأصفهم هنا بالذكور لانهم لم يتصفوا بصفات الرجولة آنذاك والتي تقتضي منهم حسن معاملة النساء. نساؤنا في ديننا الاسلامي يا اخواني الكرام كالجواهر الثمينة التي يجب أن يعاملن كذلك حتى يفرزن لنا أجيالا يعتمد عليها في المستقبل. لا ادعو هنا إلى التمييز غير المدروس بين المرأة والرجل أو إلى تحرير المرأة من جميع الضوابط التي وضعها ديننا الحنيف، ولكني أدعو لإنصاف المرأة في العمل واضعين نصب أعيينا وظائفها الاخرى في الحياة والتي قد تكون أكثر اهمية. أفلا نشتكي اليوم من انشغال النساء العاملات عن واجب الامومة والرضاعة وتربية الابناء؟ فكيف للمرأة اليوم ان تكون اماً حنونة ومربية جليلة وزوجة صالحة وبنتا بارة وفوق ذلك عليها ايضا ان تشارك وتنافس الرجل في العمل بنفس عدد ساعات العمل ونفس المهام والمسؤوليات دون مراعاة للفروقات الواضحة بين مهام الجنسين في المجتمع؟


من أكثر ما يثير تحفظي في هذا الموضوع هو استخدام مصطلحي (المرأة) و(الرجل) وكأننا نحاول الحديث عن شيئين مختلفين منفصلين عن بعضهما البعض. أليست المرأة هذه هي أمنا وأختنا وجدتنا وعمتنا وخالتنا وابنتنا؟ أليست المرأة هذه هي مربية الاجيال القادمة الذين نعول عليهم كثيرا في حمل راية التطوير والنهضة؟ لماذا التفرق اذا وتأثير الجنسين على بعضهما البعض لا يخفى على أحد، مما يجعل من مصلحة كل منهما اعطائهما حقوقهما بشكل عادل. فلسنا هنا في تنافس، كما يحاول النظام الرأسمالي زراعته في أنفسنا وعقولنا خصوصا في العمل. فنجد التنافس في العمل بشكل جنوني مما يجعلنا نتناسى خصوصية الجنسين في العمل التي علينا مراعاتها بوضع القوانين المشرعة للحقوق والواجبات. من جانب آخر، كثر الحديث عالمياً عن حقوق المرأة وضرورة مساواتها بالرجل خصوصا من قبل الدول الغربية في محاولة للرفع من شأنها في دول العالم الثالث التي ننتمي إليها. الأمر الذي أثار الكثير من زوابع الانتقادات واختلاف الآراء بين مؤيد ورافض، مما حرى بعلمائنا الأجلاء للتصدي لمعضم هذه الدعاوى مبينين أهمية العدل في الحقوق بدلاً من المساواة. فمساواة المرأة بالرجل ليس من الأنصاف في شيء، بل فيه من الامتهان وقلة التقدير ما لا يخفى على أحد نظرا لاختلاف الجنسين جسديا ونفسيا وكذلك اختلاف مهامهم المنوطة بهم في المجتمع والبلاد. فهناك ضرورة للتفريق بين حقوق وواجبات الرجل في المجتمع والبلد والعمل من جهة، وبين حقوق وواجبات المرأة من جهة أخرى مراعين في ذلك خصوصية كل منهما. فالمرأة اليوم نجدها تزاحم الرجل في الكثير من ميادين العمل بل وتتفوق عليه في جوانب أخرى. الامر الذي يجعلنا نتساءل عن ما إذا كان عليها ان تعمل بنفس اسلوب وطريقة الرجل، ام يجب علينا التفريق بين الجنسين في الحقوق والواجبات والصلاحيات في الوظيفة كلٌ حسب مجمل مهام عمله؟

قمت بإجراء بحث صغير لمحاولة استقراء آراء بعض النساء العاملات في السلطنة وما إذا كن يحضين بجميع الحقوق العادلة في العمل. للأسف لم أجد من الحقوق سوى الكثير من الشفقة بدلا من العدالة، والكثير من الرجاء بدلاً من كفالة الحقوق. ربما قد تكون هناك حقوق مكتوبة لا يعلمها أكثر النساء، فما هي يا ترى حقوق المرأة العاملة الحامل بالمقارنة مع غير الحامل؟ وما هي حقوقها بعد الولادة؟ وأثناء الرضاعة؟ بل وما هي حقوقها وهي تحاول أن تربي أولادها الذين هم في سن الدراسة؟ للاسف سمعت من كثير من النساء الذين مررن بمثل هذه المراحل أن الطريقة الوحيدة لمحاولة كسب بعض الوقت قبل أو بعد دوام العمل لإرضاع الاطفال أو الاعتناء بمن هم في سن الدراسة هو عن طريق استجداء المسؤولين وتلمس الشفقة منهم. أهذا ما نريده لبناتنا وأخواتنا وأمهاتنا بدلا من ان وضع قوانين تعطيها حقها بكل كرامة وعزة مراعاةً لابنائها؟ ومن هم هؤلاء الابناء في النهاية؟ اليسوا هم من نعول عليهم لحمل راية التطوير في المستقبل؟ أليس تأثيرهم بات واضحا في الكثير من الايجابيات والسلبيات التي نعيشها اليوم في المجتمع؟ أليس من أهم أسباب السلبيات هو عدم تفرغ المرأة لدورها المقدس في البيت؟ أفلا يجدر بنا بدلا من إلقاء اللوم على الأم بشكل خاص، أن نعطيها المساحة والوقت الكافيين للعمل داخل البيت وخارجه؟ الشاهد في الامر يا اخواني وأخواتي أن علينا اليوم أن نبادر بإصدار قوانين واضحة تضبط حقوق المرأة عند تحملها مصاعب العمل مع الحمل أو الامومة أو الرضاعة أو غير ذلك من خصوصية النساء. فالامهات العاملات اليوم يحتجن منا وقفة صادقة لتشريع مثل هذه القوانين حفظاً لمكانتهن بكل عدل واحترام مراعين في ذلك أوضاعهن الاجتماعية التي لا تنعكس تأثيراتها عليهن فقط بل على المجتمع والبلاد والعالم اجمع. فلماذا الانتظار يا ترى؟ أم أننا ننتظر الغرب حتى يصيغوا لنا قوانين مشابهة نتعلم منها وصايا ديننا الحنيف بالنساء؟

الاثنين، سبتمبر 17، 2012

شركة أبل في مواجهة شركات التقنية


تحدثنا الاسبوع الماضي عن كيف قامت بعض كبرى شركات التقنية بتدشين منتجات جديدة بهدف منافسة منتجات شركة أبل في إشارة إلى أن الشركة الاخيرة قد تربعت على عرش شركات التقنية وأصبحت منتجاتها يقاس عليها جودة المنتجات الاخرى. فنرى اليوم جمهور شركات التقنية تحاول جاهدة لتصنيع منتجات مشابهة قدر المستطاع لمنتجات شركة ابل ناهيك عن محاولة التفوق عليها. فقد استطاعت شركة أبل في عهد رئيسها التنفيذي السابق ستيف جوبز أنتاج أصناف جديدة من الاجهزة الالكترونية أفرزت لنا اسواق جديدة لم نكن نعهدها من قبل. حيث نالت هذه المنتجات وبسرعة على إستحسان المستخدمين مما اضطر شركات التقنية الاخرى لانتاج منتجات مشابهة بهدف الحصول على جزء (ولو يسير) من هذه الاسواق الناشئة. فإنظر مثلا الى قطاع اجهزة الحواسيب الكفية (Tablets) كيف اصبح بعد تدشين جهاز الآيباد وانظر الى قطاع الحواسيب المحمولة الخفيفة (Ultrabook) اليوم بعدما بدأت الشركات الاخرى محاولة تصنيع اجهزة على غرار جهاز الماكبوك اير من أبل، ناهيك طبعا عن النجاح الكبير الذي حققه جهاز الآيبود الموسيقي في بداية القرن الحادي والعشرين بالاضافة لمحاولة العديد من الشركات وعلى رأسهم شركة مايكروسوفت تصميم مراكز تسويقية على شاكلة مراكز البيع لأبل (Apple Store). كل ذلك ليس الا امتداد لفكر ملهم هذه الشركة منذ البداية وهو رئيسها الراحل ستيف جوبز الامر يجعلنا نتسائل اليوم عن مقدرة شركة أبل في الاحتفاظ بالصدارة خصوصا بعد الاحباط العام الذي عقب مؤتمر شركة أبل الاربعاء الماضي بعد تدشينها لجهازها الجديد الأيفون 5.

بعد انتهاء مؤتمر أبل الاربعاء الماضي، قام معدو أحد برامج الحوار الترفيهية على قناة الـ (ABC) الامريكية بالنزول إلى الشارع الامريكي في محاولة لاستقصاء آراء الناس هناك عن الأيفون الجديد (iPhone 5) مستخدمين في ذلك جهاز الأيفون القديم (iPhone 4S). حيث قام المذيع بإعطاء الناس في الشارع جهاز الايفون القديم مدعيا انه الجهاز الجديد في محاولة لمعرفة إن كانوا سيتمكنوا من معرفة الفرق أم لا. الطريف في الموضوع ان الحيلة انطلت على الاغلبية حيث قاموا بالثناء على الجهاز وأشاروا إلى انه افضل واسرع من الجهاز القديم بالرغم من ان بعظهم كان بالفعل من مالكي الجهاز القديم الذي هو نفس الجهاز المستخدم في المحادثة. يجعلنا هذا نعتقد إما بسذاجة الرأي العام في الولايات المتحدة وأن موضوع حب الشراء والتجديد ليس إلا عامل نفسي في النهاية أو ربما يدل ذلك على نجاح شركة أبل الكبير في كسب ولاء المستخدمين لدرجة أفقدتهم القدرة على التحليل والتفكير. فاصبحوا يؤمنون يقينا ويسلمون سلفا بأن الشركة دائما وابدا سوف تأتي بالافضل. فهل يا ترى وبعد كل هذا يمكن لاحد اليوم أن يظن بأن شركة أبل باتت على وشك الانهيار؟



بالرغم من تهافت العدد الكبير من الناس لطلب الآيفون الجديد من خلال موقع الشركة والذي تسبب في توقف موقع الشركة لبعض الوقت كما أجبر بعض شركات الاتصالات الامريكية كشركة (AT&T) في تأجيل موعد شحن هواتف الآيفون 5 بسبب نفاذ الحصة المخصصة لها من شركة أبل، إلا أن هناك بعض المؤشرات السلبية التي نستنتجها بعد المؤتمر السابق والتي اعتقد شخصيا انها قد تتسب في خسارة الشركة لمكانتها السوقية عاجلا أم آجلا. بداية بات واضحاً بعد المؤتمر الاخير للشركة النقص الكبير الذي أوجده رحيل ستيف جوبز كملهم للافكار الابداعية وقائد لعامل الابهار في تدشين الاجهزة الجديدة. فالرئيس الحالي يأتي بخبرة وخلفية مهنية تصنيعية أكثرمن إتصافه بمهارات القيادة الامر الذي كان واضحا في اسلوب تدشين المنتجات والتي أهتم فيها بالتفاصيل التقنية أكثرمن الملامح الابداعية. السبب الثاني هو فقدان شركة أبل لقدرتها الامنية في التكتم على منتجاتها فقد تأكدت معظم الاشاعات التي سبقت تدشين المنتجات الجديدة بعكس ما كان يحدث في السابق والتي لم يستطع احد فيها آنذاك التنبأ بأسماء المنتجات ناهيك عن مكنوناتها. ثالثا هو سعي شركة أبل للتفرد بعيدا عن التحزبات التقنية والذي اصبح واضحا في سعيها لتطوير منتجاتها دون النظر في الاتفاقيات الدولية. فإلى متى يمكن لها العمل بمعزل عن هذه التجمعات؟ انظر مثلا إلى المنفذ الجديد الذي جاء في الايفون الجديد بمسمى (Lightning) والذي يهدد بإلغاء جميع الاكسسوارات السابقة لأجهزة أبل إن لم يقوم المستخدمين بشراء محول خاص لها بقيمة تتراوح بين 30 و 50 دولار. فمعظم اصحاب الايفون القديم لا يفكروا بشراء الجديد لما يتضمنه ذلك من تبعات مادية، خصوصا وأنهم سوف يحصلون على التحديث الجديد لنظام التشغيل (iOS6) قريبا والذي يعتبر من أكثر مميزات الايفون الجديد. كما أن هناك الاجهزة الاخرى من الشركات المنافسة والتي تتفوق في ميزاتها عن جهاز الايفون الجديد والتي من المفترض أن تعرض باسعار منخفضة كجهاز نوكيا لوميا 920 وأجهزة موتورولا الجديدة من نوعية الرازر (Razr). كل ذلك مما يجعل الأيفون الجديد أشبه برولكس الهواتف الذكية، فمقتني الرولكس لا يهتموا عند شرائهم للساعة بمعرفة الوقت اكثر من اهتمامهم بتصميم وجاذبية الساعة.

الاثنين، سبتمبر 10، 2012

مهرجان التقنية أمام شركة أبل


شهد قطاع التقنية في الأسبوعين الماضيين تدشين منتجات جديدة لطالما تحدثت عنها الصحافة وانتظرها بشغف محبو التقنية والمتخصصون. حيث تعول كبرى الشركات كثيرا على هذه الكوكبة الجديدة من الأجهزة لتحسين أوضاعها السوقية ولمحاولة فتح قطاعات جديدة للتنافس. ففي البداية كان معرض برلين الدولي (IFA) الذي أبدعت فيه شركة سامسونج بمنتجات جديدة وكأنها توجه تحديا لشركة أبل الأمريكية بعد كسب الأخيرة لدعوى قضائية في الولايات المتحدة تساوي أكثر من مليار دولار أمريكي تتهم فيها سامسونج بسرقة براءات اختراعها. كما أضافت شركات تقنية كبيرة أخرى في المعرض منتجات جديدة لا تقل جودة تتركز معظمها في الحواسيب اللوحية والمحمولة والهواتف النقالة. تلت هذا المعرض مؤتمرات حصرية خاصة بشركات تقنية أخرى كشركة نوكيا وأمازون وموتورولا لتدشين منتجات جديدة برؤى إبداعية جديدة. الغريب في الأمر أن هذه الشركات الكبيرة تهافتت وفي مدة زمنية قصيرة لتدشين منتجاتها الجديدة قبل موعد تدشين المنتج المرتقب لشركة أبل يوم الأربعاء القادم في سابقة تجعلنا نتساءل عن السبب الذي لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال مجرد صدفة. ناهيك طبعا عن التأثير المهني على مستقبل شركة أبل اذا ما أخفقت في تقديم ما يتناسب مع تطلعات الشارع التقني.

بدأ مهرجان التقنية مع المعرض الدولي في برلين والذي شهد ظهور جيل جديد من التلفزيونات عالية الجودة (4K) والتي تفوق جودتها الأجهزة الحالية من نوع (1080p)  بمقدار الضعف وبأحجام كبيرة تتجاوز الـ80 بوصة. كما شهد تدشين منتجات جديدة في الساحة التقنية كالحواسيب ثنائية الواجهة وهي عبارة عن حواسيب محمولة تحتوي على شاشتي لمس بحيث يمكن استخدام الجهاز كحاسوب وكجهاز لوحي عند إغلاقه. وهناك أيضا الجيل الجديد من آلات التصوير بنظام تشغيل من نوع أندرويد مع قدرة اتصال باستخدام الواي فاي أو من خلال شبكات الهاتف والتي تشبه بشكل كبير الهواتف المحمولة. تلى هذا المعرض بأيام معدودة مؤتمر مشترك بين شركتي نوكيا ومايكروسوفت والذي خطفت فيه شركة نوكيا الأضواء بتدشينها الأجهزة الجديدة من نوع لوميا بنظام التشغيل الجديد من مايكروسوفت ويندوز فون 8 في محاولة لإقناع المستهلكين بالتغيير عن الأنظمة المعهودة كالاندر ويد والأيوأس (iOS). حيث قدمت نوكيا لنا تقنيات جديدة لم نعهدها سابقا كتقنية العدسة العائمة في نظام التصوير والتي تساعد على إعطاء وضوح أكثر للصور الليلية أو المهتزة. بعد هذا الحدث قدمت لنا شركة أمازون مجموعة من الحواسيب الكفية معلنة دخولها وبقوة في قطاع الحواسيب اللوحية ومنافسة في ذلك كبار الشركات في هذا القطاع خصوصا وهي تتبنى استراتيجية تقديم منتجات عالية الجودة بأسعار منخفضة. تلى هذا الحدث بسويعات معدودة قيام شركة موتورولا بتدشين أجهزة هواتف ذكية جديدة في أول ظهور لها بعد استحواذ شركة جوجل لقطاع الهواتف المحمولة فيها نهاية شهر مايو الماضي. لم ينته مهرجان التقنية بعد فالقادم أفضل وأكثر تشويقا حيث من المتوقع أن تدشن شركة أبل النسخة الجديدة من هاتفها الناجح الأيفون يوم الأربعاء القادم والذي طالما انتظره المعجبون والمنافسون على حد سواء.
حاولت استقصاء آراء الأصدقاء ومحبي التقنية في هذا الشأن من خلال موقعي فيسبوك وتويتر بالإضافة إلى الأحاديث الاجتماعية في العمل مع الزملاء وطلبة الجامعة وتأكد لي فيها قناعة معظم المهتمين والمتابعين لأخبار التقنية بأن اختيار هذه الشركات للتوقيت المبكر لعرض منتجاتها لم يكن إلا توقعا بأن تأتي أبل بإبداع جديد يخطف الأضواء عن كل ما يأتي بعده مما قد يعرض هذه الشركات للحرج عن تدشين منتجاتها خصوصا أن لم ترتق هذه المنتجات بمستوى جودة وإبداع المنتج المتوقع من أبل. من جهة أخرى هناك من يظن أيضا أنه وإن صح هذا التوقع فإن الكم الكبير من التدشينات الجديدة لمنتجات تستهدف في المقام الأول منافسة أجهزة ابل تضع هذه الشركة في موضع حرج، فالجميع اليوم ينتظرون ما سيكشف عنه يوم الأربعاء من إبداعات بكل ما تحويه الكلمة من معنى. لذلك على شركة أبل أن ترتقي إلى مستوى هذا التوقع وإلا لبدأت تخسر ثقة محبيها لصالح الشركات الأخرى وخصوصا شركة سامسونج والتي تحاول جاهدة أن ترد لها الكيل كيلين. فخسارتها لقضية براءات الاختراع من جهة وأيضا عزم شركة أبل على تقليل حجم وارداتها من رقاقات الحواسيب من شركة سامسونج من جهة أخرى وكأنها تحاول قطع علاقتهما العملية شيئا فشيئا. تجدر الإشاره هنا إلى أن مؤتمر شركة أبل القادم يعتبر أيضا بمثابة اختبار لقدرة الشركة الابداعية بعيدا عن ملهم الشركة ستيف جوبز. حيث أن جميع ما قامت به الشركة من تدشينات سابقة ليست إلا امتدادا لأفكار الرئيس التنفيذي السابق فهل سنرى يا ترى ما يبهرنا يوم الأربعاء القادم أم أننا سنحبط كما كان الحال مع تدشين نسخة الآيفون السابقة (4S) والتي لم ترتق كما يجب بتوقعات الشارع التقني؟