تعتبر السياحة من أهم المقومات الاقتصادية التي تمتاز بها السلطنة
والتي تلزمنا بالتفكر والتخطيط للعمل على النهوض بقطاعاتها المختلفة في جميع مناطق
السلطنة. يأتي خريف صلالة على رأس أهم المقومات السياحية في البلاد والتي تنفرد
فيها السلطنة دون غيرها من دول المنطقة بجو استثنائي معتدل في حين يعاني الآخرون
لهيب الشمس الحارقة وحرارة الصيف المرتفعة. لم تألوا الحكومة جهدا في التفكر في
كيفية تنظيم العمل السياحي وتطوير الخدمات السياحية في محافظة ظفار بما يشجع على
السياحة الداخلية اولاً والخارجية ثانياً. لذلك علينا ايضا المساهمة جميعاً في هذا
المشروع الوطني ولو كان بالرأي أوالمشورة. فما أكثر المقترحات التي تطرح سنويا من
قبل الزائرين لخريف صلالة لتطوير الخدمات والمرافق بالاضافة ايضا الى الكثير من الانتقادات
السلبية والتي ربما كانت نتاج معاناة حقيقية أو سوء تخطيط من الزائر. لن نقوم هنا
بسرد هذه السلبيات أو الاقتراحات ولكن سنحاول ان نشير الى اهم النقاط الواجب
مراعاتها عند الشروع لعمل خطة استراتيجية تنهض بالسياحة في محافظة ظفار.
بداية وبالرغم من تميز فصل الخريف بمحافظة ظفار بهذا الجو الاستثنائي فلا يشكل ذلك عامل جذب للاستثمارات الخارجية أو الداخلية على سواء بسبب قصر فترة الخريف. حيث تبلغ فلكيا 3 أشهر فقط وفي الواقع قد لا تتجاوز فترة الذروة أكثر من الشهر والنصف في احسن الاحوال، فماذا عن باقي ايام العام؟ يخبرني احد العاملين في احد المشاريع السياحية في المحافظة والتي شرعت في تطوير مجمع سكني متكامل بهدف بيع وحداته السكنية، أن المشروع لم يلبث ان توقف في مرحلته الأولى، بسبب قلة الطلب وقناعة المستثمرين بعدم جدوى شراء هذه الوحدات. فإن كانت الوحدة السكنية مثلا ستكلف ما يقارب الاربعين الف ريال عماني (شقة مكونة من غرفتين وصالة والمرافق)، فمتى يمكن للمستثمر استرجاع هذا المبلغ وتحقيق الارباح؟ فإن قام بتأجير العقار خلال موسم الخريف بمعدل 50 ريالا يوميا (يزيد وينقص حسب مستوى الطلب) لمدة 60 يوماً (في احسن الاحوال) فذلك يعني انه استطاع تجميع 3 آلاف ريال في العام. أي ما يساوي تأجير نفس العقار شهريا لمدة عام بما يساوي 250 ريالا، فهل هذا مشجع اذا ما أخذنا في الحسبان قيمة العناية والصيانة للشقة ومصاريف مكتب العقارات وفواتير الكهرباء والماء؟ كذلك من الطبيعي ايضاً ان يقوم بقية المستثمرين في القطاعات الاخرى بدراسة الجدوى الاقتصادية بنفس النسق خصوصا تلك التي تستهدف بالدرجة الاولى السياحة في موسم الخريف مما يجعل محافظة ظفار غير ذات جدوى اقتصادية ما لم نحاول جذب الانظار لها في مواسم اخرى، فماذا نعمل؟ للأسف معظم الناس تضع عبء مثل هذه المشاريع (السكنية والترفيهية) على الحكومة وكأن على الحكومة تكبد مشقة تطوير وادارة وتنظيم مشاريع فاشلة اقتصاديا لا تستطيع تحقيق ايرادات تغطي على الاقل التكاليف المصروفة.
الأمر الآخر الذي يجب علينا أن نشير اليه هو مقومات الجذب السياحي في محافظة ظفار وسبل الترويج لها. فمن المؤكد ان لدى الحكومة ممثلة في وزارة السياحة معرفة دقيقة بهذه المقومات والتي تتجاوز الخضرة والرذاذ في فصل الخريف، فالمحافظة تمثل بشكل عام مرتعا خصبا لمحبي السياحة البيئية والتاريخية والجغرافية اذا ما تم الترويج لها في الوقت الصحيح وبالشكل المطلوب. كما ان هناك ايضا الكهوف التي لا يمكن ارتيادها عادة في فصل الخريف بسبب تعذر الرؤية. وهناك سلاسل الجبال التي تشكل عامل جذب للرياضات الجبلية كرياضة المشي الجبلي والتسلق وغيرها من عوامل الجذب التي تحتاج لخطة ترويجية علمية ذكية. أظف الى ذلك دراسة امكانية نقل بعض مشاريع الحكومة التنموية في محافظة مسقط الى محافظة ظفار بهدف تقليل الازدحام على العاصمة واعطاء زخم اكبر لمحافظة ظفار كمشروع مركز عمان للمعارض والمؤتمرات مثلاً. أو تنظيم تظاهرات حصرية في المحافظة كالمهرجانات أو المسابقات الرياضية الدولية كطواف عمان مثلاً، الأمر الذي يجعلنا نهدف لتمييز كل محافظة في السلطنة بما يتناسب مع مقوماتها من خلال رؤية شاملة تتبناها وزارة السياحة تندرج تحت الخطة الاستراتيجية للسلطنة التي نفترض ان المجلس الاعلى للتخطيط يعمل عليها حاليا.
أخيرا ومن الاهمية بمكان ان علينا فهم العقلية والثقافة الظفارية
بجميع ايجابياتها وسلبياتها، فاختلاف الثقافات والعادات أمر تكلم فيه الباحثون لسنوات
طويلة مبينين تاثيره الكبير على عمليات التطوير والتحديث. فمن السذاجة ان ننظر
ونخطط ونعمل دون فهم واضح للتأثيرات الثقافية على جو العمل. مما يحتم علينا وضع
خطط تتماشى مع ثقافة محافظة ظفار التاريخية والحالية دون تعارض. ففي دراسة قامت
بها جامعة هارفرد الامريكية ونشرت في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو في نسختها لشهر
يوليو وأغسطس الماضي، قام الباحثون بالتأكيد على ضرورة فهم الثقافات سواء تلك الخاصة
بالدول أو المدن أو المؤسسات والعمل من خلالها بدلا من محاولة تغييرها من البداية. فالتغيير صعب مالم نبدأ بفهم ايجابيات الثقافة والانطلاق منها ثم بعد
ذلك محاولة تذليل السلبيات رويدا مع مرور الوقت وتطور العمل.
بارك الله قلمك يا دكتور ..
ردحذفكتبت فـ أصبت ..
أعتقد أن ما تحتاجه البلد في هذه المرحلة أكثر من أيوقت مضى هو التخطيط بعيد المدى و الذي يقوم على خطط و أفكار ذكية و مبتكرة.
دائماً , التفكير العميق أو كما يسمى التفكير "خارج الصندوق" هو الذي يصنع الفروقات بين المجتمعات و هذا ما نحتاجه اليوم لكي نقارع العالم و نصل للقمم.