الثلاثاء، أكتوبر 26، 2010

جيتكس 2010 الذي رأيت

إختتم معرض جيتكس فعالياته قبل عدة أيام وكان لي حظ الحضور والتجول في مرافقه يوم الخميس الماضي حيث إنقسمت زيارتي (القصيرة) ما بين المعرض التجاري ومعرض التسوق. تباين زوّار المعرض في أسباب زيارتهم كما تحدثنا الأسبوع الماضي كما إختلفت أيضاً وجهات نظرهم وتقييمهم للمشاركات هذا العام كلٌ على حسب ميوله وإهتماماته. أما الجهات الإخبارية والإعلامية في الإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام فقد قامت بتغطية الحدث من خلال تسليط الضوء على أفضل المنتجات والحلول التجارية المبتكرة مبينة في ذلك الإيجابيات فقط. سأحول في هذه المقالة التطرق إلى أفضل ما رأيت من تطبيقات وأسوأ ما لمست من سلبيات كذلك لفتح باب الحوار لكل من زار المعرض للمشاركة بآرائهم ووجهات نظرهم.

بدايةً أحب أن أشيد بدولة الإمارات المتحدة الشقيقة خصوصاً إمارة دبي وكيف إستطاعت في وقت وجيز التحول إلى دولة متقدمة في التقنية على الصعيدين الحكومي والتجاري. فمن أول ما تطأ قدمك مطار دبي الدولي وأنت تستطيع ملامسة التوظيف الذكي للتقنية من أمثال بوابة العبور الإلكترونية بإستخدام البطاقة الذكية وخدمة التأشيرة الإلكترونية عبر أجهزة الهاتف المتنقل (M-Visa). يأتي بعد ذلك نظام المترو والتي بات الخيار الأسهل والأرخص للوصول لبعض أهم المقاصد التجارية والسياحية بإمارة دبي. فحين أن سيارة الأجرة قد تكلفك مالا يقل عن 20 درهم وربما أكثر من نصف ساعة للوصول من المطار إلى مركز دبي التجاري العالمي، أصبح بالإمكان إستخدام المترو ودفع 2.5 درهم فقط للرحلة والوصول في أقل من ربع ساعة. أظف إلى ذلك قيام شركة دو للإتصالات بتنفيذ شبكة واي ماكس (WiMAX) في محطات وقطارات المترو ليستطيع الركاب الدخول إلى عالم الإنترنت أثناء تنقلاتهم.

أما عن معرض جيتكس التجاري فنظراً لإهتمامي الكبير بتطبيقات وإستراتيجيات الحكومة الإلكترونية فقد كان جل زيارتي لهذا القسم يدور حول أهم التطبيقات في هذا المجال والجهات الراعية والمنفذة لهذه التطبيقات. من أكثر ما شدني في هذا الخصوص هو خدمة شرطة دبي لتحديد موقع المتصل عند الإتصال بخط الطوارئ ولعلي قد تحدثت في مقالة سابقة بعنوان (خدمات الموقع وفرص تطبيقها في السلطنة) عن أهمية مثل هذه الخدمات في سرعة الإستجابة والوصول لمواقع الحوادث. حيث تستطيع شرطة دبي اليوم تحديد موقع المتصل بمجرد الإتصال دون الحاجة إلى السؤال عن مكان وقوع الحادث. فبمجرد إتصال الشخص بخط الطوارئ يتم فيه تحديد موقعه حتى قبل أن يتم الرد على الإتصال. وهناك كذلك نظام دليلي من هيئة الطرق والمواصلات في إمارة دبي بالتنسيق مع شركة ميو (Mio) المتخصصة في أنظمة الملاحة والذي يمكّن قائدي المركبات من معرفة ظروف الطريق بشكل مباشر وبتحديث مستمر لتجنب الوقوع في الطرق المزدحمة بالإضافة إلى توفير الطرق البديلة للوصول إلى الوجهة في أقصر وقت ممكن (Real-Time Traffic). أعجبتني كذلك الخدمة الإلكترونية لتجديد ملكية السيارات ورخص القيادة المقدمة من هيئة الطرق والمواصلات والتي تم فيها دمج أنظمة الهيئة بأنظمة شركات التأمين بحيث يمكن لأصحاب المركبات التنسيق مع شركات تأمينهم لتحديث بيانات بوليصة تأمينهم بشكل إلكتروني مع الهيئة ومن ثم إكمال العملية في موقع هيئة الطرق وتحديد طريقة إستلام الملكية إما في البريد أو في أحد المواقع المعتمدة من الهيئة. وبنفس الطريقة كذلك يمكن لأصحاب المركبات تجديد رخص القيادة وإستلامها دون الحاجة للذهاب إلى مراكز الهيئة وتنفيذ المعاملة وجهاً لوجه.

أما بالنسبة للسلبيات فهي قد لا تمت للتقنية بكثير صلة ولكني أود الإشارة إليها لشيوعها في معظم المعارض بإختلاف مواضيعها وتخصصاتها. فهناك ميل من العارضين إلى التكاسل أو عدم الإكتراث نلحظه في آخر أيام المعرض على عكس معرض التسوق والذي تزداد فيه العروض الشرائية في الأيام الأخيرة. الأمر الذي يشير إلى أهمية حضور المعارض التجارية في أيامها الأولى ومعارض التسوق في أيامها الأخيرة. من جانب آخر، وجدت في جيتكس (كما هو الحال في كثير من المعارض في العالم) إزدياد في إستخدام النساء بشكل رخيص للمساهمة في عرض المنتجات أو تحديداً لجذب أكبر قدر من الزوّار. فلا يتم تدشين منتج جديد إلا ونرى الشركة تحيطه بشتى أنواع النساء المتبرجات وكأنها الوسيلة الوحيدة (الإغراء) أو الأفضل للوصول إلى الزوّار. للأسف هناك العديد من النساء المسلمات باتت تنخدع وتشارك في مثل هذا الإمتهان الواضح لدور المرأة في المجتمع. ففي رأيي الشخصي أجد هذه الأعمال ليست فقط مخالفة للشرع الحنيف وإساءة للمرأة بشكل عام بل وأيضاً سوء إحترام للزوّار وكأننا إنحططنا بتفكيرنا وغرائزنا إلى مستوى البهائم (أعزكم الله). فصدق الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي حين قال في قصيدته (إليك يا إبنة الإسلام) "يا درة حفظت بالأمس غالية واليوم يبغونها للهو واللعب * ياحرة قد أرادوا جعلها أمةّ غربية العقل لكن إسمها عربي * نريد منها إحتشاماً، عفةً، أدباً وهم يريدون منها قلة الأدب".

الاثنين، أكتوبر 18، 2010

ماذا أعددتم لجيتكس يا طلاب التقنية؟

بدأ في هذا الأسبوع معرض جيتكس (Gitex) للتقنية في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة والذي سيكون محور حديثنا اليوم فقد إنتظره الكثيرون من محبي التقنية ولم يأبه به جموعاً آخرين كذلك. الغريب في الأمر أن بعض طلاب التقنية لا يعلموا عن جيتكس إلا الشيء القليل والذي ربما لا يتجاوز عن كونه معرضاً لبيع مختلف المنتجات التقنية بمختلف أنواعها وأقسامها. ليس ذلك فحسب فقد لاحظت أن هناك من طلاب التقنية وأقصد هنا طلاب نظم وتقنية المعلومات وطلاب علوم الحاسوب وكذلك طلاب هندسة الحاسوب وغيرهم من ذوي الإختصاص بعالم التقنية من لا يعلم ما هو جيتكس أو في أي مكان من العالم هو. لست هنا للتسويق لهذا المعرض والذي يحتفل هذا العام بإنجازات 30 سنة من التفاعل مع القيادات والصناعات في عالم التقنية، بل إلى ضرورة التوعية بأهمية مثل هذه التجمعات التقنية السنوية على تنمية الفرد منا، حيث يجمع المعرض العديد من الخبرات والقيادات والحلول والمنتجات الفنية في بوتقة واحدة.

دعونا ننظر لجموع العمانيين الذين يذهبون لمثل هذه المعارض (ونخص هنا معرض جيتكس) والذين يمكن تقسيمهم إلى أربعة أقسام. الأول هم مجموعة العاملين والموظفين الذي تبتعثهم جهات عملهم إلى المعرض لبعض الوقت (قد تصل لطوال أيام المعرض) للمشاركة في المعرض أو للتعرف على كل ما هو جديد بأمل إستخلاص بعض الفوائد والرجوع بحلول فنية تناسب مشاكل وتطلعات جهات العمل. والقسم الثاني هم مجموعة رجال الأعمال الذين يهدفون للترويج لشركاتهم والبحث عن فرص عمل مشتركة مع العديد من الشركات التقنية الموجودة هناك. أما القسم الثالث فهم الأفراد المحبين للتقنية والذين يهدفون للتعرف على كل ما هو جديد في هذا العالم المتجدد دائماً بغرض تحديث معلوماتهم وتكوين أكبر كم من العلاقات مع مسؤولوا مختلف الشركات لزيادة رأس مالهم الإجتماعي (Social Capital). أما القسم الرابع وهم الأغلبية فهم من يذهب لزيارة قسم التسوق في المعرض بهدف إستطلاع أسعار مختلف المنتجات وربما شراء بعض الحاجيات التقنية. فأين أنتم من كل هؤلاء يا طلاب التقنية؟ وكيف يمكن لأحدنا تجاهل كل هذا ونحن في أمس الحاجة للمعرفة والتميز في مجال أصبح العالم يتكلم لغته وباتت الشركات لا تقوى على النجاح والمنافسة بدونه؟

من أكثر ما يحزنني في مثل هذه المعارض هو تهافت معظم الناس (وأخص هنا طلاب التقنية) على أقسام التسوق دون أدنى إهتمام بالأقسام الأخرى والتي أراها أهم وأنفع لهم من موضوع الشراء. نعم هناك من يجهز قائمة مشترياته كل سنة بغرض الحصول على أفضل الأسعار والتخفيضات والعروض في قسم التسوق بمعرض جيتكس ولكن لنكن واقعيين، ما هي الإستفادة التي نجنيها من ذلك وأقصد هنا من الناحية العلمية والعملية. قد نستطيع توفير بعض الريالات والتعرف على أسعار العديد من المنتجات ورؤية بعض المنتجات الجديدة في السوق ولكن هناك جانب آخر قد أغفلناه هو من أهم أسباب تدشين مثل هذه المعارض ألا وهو التنمية العلمية والعملية. فنرى اليوم الكثير من طلاب التقنية أو الخريجين الذين يشتكون من قلة الوظائف أو إنعدامها في بعض الأحيان ملقين باللوم في ذلك على بعض الجهات الحكومية أو على المؤسسات التعليمية أو على عدم ملائمة المناهج لمتطلبات السوق متناسين في ذلك أن العملية التعليمية هي أكبر من أن تكون حكراً في منهج دراسي أو مؤسسة حكومية وتعليمية. فإذا فرضنا بأن الأسباب هي فعلاً كذلك، فهل رضيتم يا طلابنا بالحال رغم معرفتكم بنقائصه؟ وكيف عساكم تخططون لنيل التميز في العلم والإمتياز في العمل في مجال لا يرضى بأقل من ذلك؟ أم عساكم تنتظرون الحلول من الأطراف الذين تلومون دائماً والتي كانت حسب إعتقادكم وراء تأخركم؟

رساتي اليوم إلى جميع طلابنا المهتمين بأمور التقنية، يجب أن تؤمنوا بدور الطالب في العملية التعليمية خصوصاً في مجال سريع التطور كمجال تقنية المعلومات، فإن لم تريدوا مساعدة أنفسكم، لن يستطيع أحد مساعدتكم. أنصحكم أن لا تفوتوا فرصة التميز بحضور مثل هذه المعارض وأقصد هنا معرض جيتكس الخاص بعروض وحلول التقنية أولاً والقسم الخاص بالتسوق ثانياً. تجمعوا يا شباب مع بعضكم البعض وإذهبوا سوياً للمشاركة في النفقات والتجول في المعرض، ويا فتيات إذهبن مع أولياء أموركن ولا تنسوا جميعاً بطاقاتكم الأكاديمية والتي ستسهل دخولكم للمعرض. وأعلموا أن يوماً تقضونه في معرض جيتكس هو أنفع لكم من حضور يوم أكاديمي في الكلية. نعم، فاليوم في جيتكس وغيره من معارض التقنية لا يتأتى لنا إلا مرة في العام في حين يمكن لنا إستدراك اليوم الأكاديمي بسهولة. تبادلوا بطاقات التعارف مع من تجدون هناك وحاولوا الإطلاع على الجديد والقادم في المجالات التقنية التي تحبون، فقد يكون ذلك سبيلكم للحصول على عمل في إحدى هذه الشركات أو تدريباً عملياً في المستقبل. وبعد كل ذلك أتحدى أن ترجعوا ذهنياً وفكرياً بمثل ما ذهبتم به.

الاثنين، أكتوبر 11، 2010

معاملات الإنترنت الأبطأ لدينا

شدتني كثيراً هذه العبارة "معاملات الإنترنت أبطأ شيء عندنا" أو "الأبطأ لدينا" والتي سمعتها الأسبوع الماضي من إحدى الموظفات في واحدة من أكبر الجهات في السلطنة (بدون ذكر اسماء). كان ذلك بسبب أني قمت بتنفيذ معاملة إلكترونية معهم تضمنت الدفع عن طريق الإنترنت بإستخدام بوابة الدفع الإلكتروني في السلطنة. ففي حين كنت أظن أني بذلك أتفوق وأتميز على من هم يفضلون الوقوف في الطوابير لإنهاء المعاملات الحكومية والتجارية، تبين لي أني ربما قد كنت مخطئ وأن التحول إلى المعاملات الرقمية في السلطنة لا زال في مرحلة المخاض. ليس ذلك فحسب، فهذه الحادثة وغيرها تشير إلى ضرورة الإنتباه إلى أمور غاية في الأهمية يجب على القائمين على مشروع الحكومة الإلكترونية في جميع الجهات الحكومية التركيز عليها. فهناك قضايا مهمة لضمان سرعة نجاح تطبيقات الحكومة الإلكترونية ربما قد تم تهميشها أو تأخيرها أو ربما لا سبيل لتنفيذها في الوقت الراهن في رأيي الخاص والتي يجب أن تُعطى الأولوية عند الشروع في تقديم الخدمات عبر المواقع الإلكترونية.

من أهم الأمور والتي كانت وراء إعتقاد هذه الموظفة بأن معاملات الإنترنت هي الأبطأ (لديهم) هي دمج أنظمة القنوات الإلكترونية بالأنظمة الرئيسية في الشركة بحيث يتم تحديث (Update) بيانات ومعاملات الزبائن والمواطنين الإلكترونية على الأقل بنفس نسق المعاملات العادية التي تحدث وجها لوجه. الظاهر أن بعض المعاملات الإلكترونية هي إلكترونية من جانب الزبون أو المستخدم فقط، مما يعني أن فور الإنتهاء منها إلكترونياً هناك إجراءات يدوية عديدة يتم فيها جمع وربما طبع المعاملات الإلكترونية التي تمت خلال فترة زمنية ومن ثم تحديثها في الأنظمة المركزية لنفس الجهة أو غيرها من الجهات يدوياً. طبعاً تعرف هذه الطريقة فنياً بإسم المعالجة بالدفعات (Batch Processing) وهي تأتي على عكس ما نصبو إليه فيما يسمى بالمعالجة بالإنترنت (Online Processing) والتي تقوم بتحديث جميع بيانات المعاملة في النظام المركزي وقت حدوثها. الأمر الذي يوحي كذلك بأن مفهوم المعاملات الإلكترونية قد زاد من أعباء الشركة بدلاً من تقليلها، بحيث أظاف طبقة أو حلقة جديدة في العمل تهتم بإستقبال المعاملات الإلكترونية ومن ثم تحديثها يدوياً. الأمر الذي قد يفتح باب الخطأ أو التلاعب عند إجراء التحديث اليدوي، بالإظافة إلى التأخير الواضح في إنهاء العملية والتي قد تمتد لفترات أطول من الوقت التي تأخذه المعاملات التي تتم وجها لوجه على عكس ما توحي به فكرة التعاملات الإلكترونية. فمثلاً لو كانت هذه المعاملة هي لدفع فاتورة هاتف منزلي قد تم قطعه بسبب التأخر في الدفع، فالإنتظار في الطابور لساعات يعتبر أسرع لإعادة خط الهاتف إلى البيت ثانيةً من تنفيذ المعاملة في الإنترنت خلال دقائق معدودة.

من جانب آخر، قد يؤثر مثل هذا العمل على ثقة المستخدم وسمعة المؤسسة والذان يأتيان في مقام مهم لضمان نجاح تطبيقات المعاملات الإلكترونية في المؤسسة. فقد تبذل الجهات الحكومية والتجارية الكثير من الجهد والمال في الترويج والتوعية بفوائد القنوات الإلكترونية لإقناع المستخدمين بتجربة الخيار الإلكتروني في التعاملات. كل ذلك يمكن أن يُهدم في لحظة عند سماعنا لمثل العبارة المحبطة التي جائت في عنوان هذه المقالة. أظف إلى ذلك أن شعوبنا العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص تميل إلى ما هو معروف في علم الإجتماع بالنمطية (Stereotyping) بحيث يتم فيها تكوين إعتقاد (سلبي في غالب الأحيان) بسبب تجارب وآراء سابقة عن منتج أو جهة ما يصعب بعد ذلك تغييره. كذلك نحن نعيش في مجتمعات متلاحمة يكثر فيها تناقل وتصديق وتهويل الأخبار (خصوصاً السلبي) والتي عادةً ما يبني عليها أكثرنا قراراته اليومية. فأكثر المراجعين عندنا يحتاجوا لجهود توعية وإعلام عديدة حتى يتم إقناعهم بتجربة الخيار الإلكتروني، وعندها يجب أن تضمن الجهات المنفذة لهم تجارب ناجحة بجميع المقاييس وإلا سيؤثر ذلك سلباً في مسألة تكرار الزبون للتعاملات الإلكترونية. أختم بأن على جميع الجهات الحكومية والخاصة (على سواء) قبل إستحداثهم لطرق حديثة في التعامل مع الزبائن أو تدشينهم لمتنجات جديدة، ضرورة تدريب وتثقيف العاملين في قسم خدمة المراجعين بحيثيات هذه التحديثات وبكيفية الرد على جميع التساؤلات والشكاوى. فآخر ما يريد الزبون سماعه عند المراجعة أو الإتصال هو سماع بعض العبارات المعهودة مثل "لا أعرف" أو "يمكن" أو "إتصل بعد شوية"، وأسوأها على الإطلاق "لا تستعمل الإنترنت وتعال شرفنا في الطابور".

الاثنين، أكتوبر 04، 2010

معاناة أطبائنا مع التقنية

دخلت التقنية الحديثة في مجال الطب بشكل كبير وأصبح الأطباء في أغلب الأحيان يعتمدون في تشخيصهم للأمراض وإجرائهم للعمليات على مختلف الوسائل الفنية (التقنية). فلا يختلف اليوم إثنان على أن التقنية في مهنة الطب والتي تقدمت مع تطور علم الطب والتشريح على أيدي قدامى المسلمين كأمثال أبو بكر الرازي وأبو القاسم الزهراوي، تعتبر جزءاً لا يتجزء من العملية العلاجية والتي ربما بدونها لصعب على الأطباء التعرف بدقة على الأمراض وأسبابها خصوصاً ونحن نعيش اليوم في زمن كثرت فيه الأمراض التي لم تكن معروفة في الأزمنة السابقة. لن نناقش اليوم الجانب المضيء الواسع للتقنية في مهنة الطب ولكننا سنسلط الضوء على بعض سلبيات التقنية ومعاناة بعض الأطباء والمرضى منها رغم كونها لم توضع إلا لخدمتهم.

تكرر معي ومع العديد من الناس المراجعين لبعض الدوائر الطبية في السلطنة كالعيادات والمستشفيات والمراكز الصحية معاناة الإنتظار لفترات طويلة قد تصل لساعات النهار بطولها رغم حضورنا في الموعد المحدد الذي أُخبرنا به. ليس ذلك فحسب، بل بتنا نرى إنشغال العديد من الأطباء وموظفي الجهات الصحية بالحواسيب أكثر من إنشغالهم بالمرضى، فلا يكلمك أحدهم عادةً إلا وعينيه في شاشة الحاسوب ويديه على لوحة المفاتيح. طبعاً هناك عدة أسباب لذلك لن نخوض فيها اليوم لأنها لا تمت للتقنية بصلة، ولكن للأسف أرى أن بعض التقنيات المستخدمة اليوم أسهمت أيضاً في تطويل وتعقيد العملية الطبية، منها مثلاً نظام السجلات الطبية ونظام التسجيل في مراكز الإستقبال بالدوائر الطبية. فكم من المرات كان سبب التأخير أن النظام (خربان) أو أن الطابعة لا تعمل أو أن الطبيب يأخذ وقتاً طويلاً في إدخال بيانات تشخيص المريض في الحاسوب أو في كتابة الوصفات الطبية. فهذه الوصفات في غالب الأحيان تحتاج للطباعة ثم إلى ختم وتوقيع الطبيب، مما يجعل الطبيب أو المريض يهرع كل مرة إلى الغرفة التي بها الطابعة للحصول على الوصفة الطبية ثم العودة للحصول على توقيع وختم الطبيب ليكتشف في بعض الأحيان وجود خطأ ما في الوصفة ومن ثم إعادة العملية من جديد وهكذا دواليك. كل ذلك وأكثر من المعاناة اليومية التي يعانيها الأطباء والمرضى، مما دفع أكثرهم للإعتقاد أن التقنية لم تضف إلا تأخيراً وعدم إنضباط في العمل الطبي وأن الأفضل هو العمل بدونها والرجوع لزمن السجلات والوصفات المكتوبة بالحبر بأيدي الأطباء والتي كانت عادة غير مقروئة لمعظمنا.

لا تعتبر هذه القضية خاصة بالسلطنة أو الدول العربية فقط، فقد أجرت الكلية الأمريكية للأطباء التنفيذيين والتي تعتبر أقدم وأكبر جمعية مختصة بالإدارة الطبية التعليمية للأطباء في الولايات المتحدة الأمريكية، دراسة نُشرت نتائجها في مجلة الطبيب التنفيذي (Physician Executive Journal) تم فيها سؤال أكثر من ألف طبيب في أمريكا في عام 2009 لإستبيان آرائهم حول التقنية بشكل عام وأنظمة السجلات الطبية بشكل خاص. أظهرت هذه الدراسة أن معظم الأطباء يعتبرون نظام السجلات الطبية محير وصعب الإستخدام في كثير من الأحيان. الأمر الذي جعل أحد الأطباء الكبار يعرب إستياءه الشديد من تقنية السجلات الطبية قائلاً "أسوأ ما مر بي في حياتي المهنية الطبية التي إمتدت لأكثر من 25 سنة هو نظام السجلات الطبية، فهو يفسد إنتاجية الطبيب ويتسبب في تقديم خدمات عناية قليلة الجودة". كما أعرب البعض الآخر أن مثل هذه الأنظمة عادةً ما تأتي منفردة بدون إتصال وإندماج مع الأنظمة المشابهة في المراكز الصحية الأخرى سواءاً الخاصة أو الحكومية، مما لا يعطي تفصيلاً كاملاً عن بيانات المريض القديمة الذي عادةً ما يراجع عدة دوائر صحية خلال حياته.

يرجع جميع ما سبق بشكل كبير في كون أن هذه البرمجيات قد تم تطويرها من قبل خبراء في مجال التقنية تنقصهم الخبرة في مجال العمل الطبي أو أنهم لم يعتنوا في دراسة وتحليل متطلبات المستخدمين (الأطباء والموظفين والمرضى في بعض الأحيان). الأمر الذي جعل هذه الأنظمة تفتقر لبعض عناصر الجودة والتي تُعنى بمبدأ تعديل البرامج بما يتناسب مع ضروف بيئة العمل والموظفين (Customization). فيجب التنبيه هنا أن نجاح برنامج ما في دولة ما أو جهة ما، لا يعني بالضرورة نجاحه في جميع الدول أو الجهات الأخرى. فلكل بيئة عمل خصوصيتها وعوامل نجاحها وإن تشابهت أدوارها كالدور العلاجي هنا مثلاً. فقد يقع بعض القائمين على إختيار هذه البرمجيات في فخ إختيار أفضل البرمجيات الموجودة في العالم دون النظر في ملائمتها لضروف وثقافة العمل في بلدنا. أضف إلى ذلك عملية إختبار المنتج وتدريب الموظفين للعمل على النظام والعمل بدون النظام في حالات الطوارئ. الأمر الذي يشير أيضاً إلى ضرورة تطوير خطط طوارئ بديلة للعمل عند توقف النظام عن العمل لسبب ما والذي لا يجب في أي حال أن يتسبب في توقف أو تأخر الرعاية الطبية للمرضى.