الاثنين، أكتوبر 04، 2010

معاناة أطبائنا مع التقنية

دخلت التقنية الحديثة في مجال الطب بشكل كبير وأصبح الأطباء في أغلب الأحيان يعتمدون في تشخيصهم للأمراض وإجرائهم للعمليات على مختلف الوسائل الفنية (التقنية). فلا يختلف اليوم إثنان على أن التقنية في مهنة الطب والتي تقدمت مع تطور علم الطب والتشريح على أيدي قدامى المسلمين كأمثال أبو بكر الرازي وأبو القاسم الزهراوي، تعتبر جزءاً لا يتجزء من العملية العلاجية والتي ربما بدونها لصعب على الأطباء التعرف بدقة على الأمراض وأسبابها خصوصاً ونحن نعيش اليوم في زمن كثرت فيه الأمراض التي لم تكن معروفة في الأزمنة السابقة. لن نناقش اليوم الجانب المضيء الواسع للتقنية في مهنة الطب ولكننا سنسلط الضوء على بعض سلبيات التقنية ومعاناة بعض الأطباء والمرضى منها رغم كونها لم توضع إلا لخدمتهم.

تكرر معي ومع العديد من الناس المراجعين لبعض الدوائر الطبية في السلطنة كالعيادات والمستشفيات والمراكز الصحية معاناة الإنتظار لفترات طويلة قد تصل لساعات النهار بطولها رغم حضورنا في الموعد المحدد الذي أُخبرنا به. ليس ذلك فحسب، بل بتنا نرى إنشغال العديد من الأطباء وموظفي الجهات الصحية بالحواسيب أكثر من إنشغالهم بالمرضى، فلا يكلمك أحدهم عادةً إلا وعينيه في شاشة الحاسوب ويديه على لوحة المفاتيح. طبعاً هناك عدة أسباب لذلك لن نخوض فيها اليوم لأنها لا تمت للتقنية بصلة، ولكن للأسف أرى أن بعض التقنيات المستخدمة اليوم أسهمت أيضاً في تطويل وتعقيد العملية الطبية، منها مثلاً نظام السجلات الطبية ونظام التسجيل في مراكز الإستقبال بالدوائر الطبية. فكم من المرات كان سبب التأخير أن النظام (خربان) أو أن الطابعة لا تعمل أو أن الطبيب يأخذ وقتاً طويلاً في إدخال بيانات تشخيص المريض في الحاسوب أو في كتابة الوصفات الطبية. فهذه الوصفات في غالب الأحيان تحتاج للطباعة ثم إلى ختم وتوقيع الطبيب، مما يجعل الطبيب أو المريض يهرع كل مرة إلى الغرفة التي بها الطابعة للحصول على الوصفة الطبية ثم العودة للحصول على توقيع وختم الطبيب ليكتشف في بعض الأحيان وجود خطأ ما في الوصفة ومن ثم إعادة العملية من جديد وهكذا دواليك. كل ذلك وأكثر من المعاناة اليومية التي يعانيها الأطباء والمرضى، مما دفع أكثرهم للإعتقاد أن التقنية لم تضف إلا تأخيراً وعدم إنضباط في العمل الطبي وأن الأفضل هو العمل بدونها والرجوع لزمن السجلات والوصفات المكتوبة بالحبر بأيدي الأطباء والتي كانت عادة غير مقروئة لمعظمنا.

لا تعتبر هذه القضية خاصة بالسلطنة أو الدول العربية فقط، فقد أجرت الكلية الأمريكية للأطباء التنفيذيين والتي تعتبر أقدم وأكبر جمعية مختصة بالإدارة الطبية التعليمية للأطباء في الولايات المتحدة الأمريكية، دراسة نُشرت نتائجها في مجلة الطبيب التنفيذي (Physician Executive Journal) تم فيها سؤال أكثر من ألف طبيب في أمريكا في عام 2009 لإستبيان آرائهم حول التقنية بشكل عام وأنظمة السجلات الطبية بشكل خاص. أظهرت هذه الدراسة أن معظم الأطباء يعتبرون نظام السجلات الطبية محير وصعب الإستخدام في كثير من الأحيان. الأمر الذي جعل أحد الأطباء الكبار يعرب إستياءه الشديد من تقنية السجلات الطبية قائلاً "أسوأ ما مر بي في حياتي المهنية الطبية التي إمتدت لأكثر من 25 سنة هو نظام السجلات الطبية، فهو يفسد إنتاجية الطبيب ويتسبب في تقديم خدمات عناية قليلة الجودة". كما أعرب البعض الآخر أن مثل هذه الأنظمة عادةً ما تأتي منفردة بدون إتصال وإندماج مع الأنظمة المشابهة في المراكز الصحية الأخرى سواءاً الخاصة أو الحكومية، مما لا يعطي تفصيلاً كاملاً عن بيانات المريض القديمة الذي عادةً ما يراجع عدة دوائر صحية خلال حياته.

يرجع جميع ما سبق بشكل كبير في كون أن هذه البرمجيات قد تم تطويرها من قبل خبراء في مجال التقنية تنقصهم الخبرة في مجال العمل الطبي أو أنهم لم يعتنوا في دراسة وتحليل متطلبات المستخدمين (الأطباء والموظفين والمرضى في بعض الأحيان). الأمر الذي جعل هذه الأنظمة تفتقر لبعض عناصر الجودة والتي تُعنى بمبدأ تعديل البرامج بما يتناسب مع ضروف بيئة العمل والموظفين (Customization). فيجب التنبيه هنا أن نجاح برنامج ما في دولة ما أو جهة ما، لا يعني بالضرورة نجاحه في جميع الدول أو الجهات الأخرى. فلكل بيئة عمل خصوصيتها وعوامل نجاحها وإن تشابهت أدوارها كالدور العلاجي هنا مثلاً. فقد يقع بعض القائمين على إختيار هذه البرمجيات في فخ إختيار أفضل البرمجيات الموجودة في العالم دون النظر في ملائمتها لضروف وثقافة العمل في بلدنا. أضف إلى ذلك عملية إختبار المنتج وتدريب الموظفين للعمل على النظام والعمل بدون النظام في حالات الطوارئ. الأمر الذي يشير أيضاً إلى ضرورة تطوير خطط طوارئ بديلة للعمل عند توقف النظام عن العمل لسبب ما والذي لا يجب في أي حال أن يتسبب في توقف أو تأخر الرعاية الطبية للمرضى.

هناك تعليق واحد:

  1. "تطوير خطط طوارئ بديلة للعمل عند توقف النظام عن العمل لسبب ما والذي لا يجب في أي حال أن يتسبب في توقف أو تأخر الرعاية الطبية للمرضى "

    جزاكم الله خيرا دكتور على المقالات المفيدة ..

    ردحذف