الثلاثاء، أبريل 26، 2011

البعد الإستراتيجي





أقيم بمدينة جاكارتا الأندونيسية في أكتوبر من العام الماضي المؤتمر العالمي الحادي عشر للندوة العالمية للشباب الإسلامي والذي جاء تحت عنوان "الشباب والمسؤولية الاجتماعية". استضاف المؤتمر العديد من المفكرين والمختصين لتدارس كيف يمكن للأمة النهوض بالمشاريع الاجتماعية بين مختلف فئات الناس بشكل عام والشباب على وجه التحديد. من أكثر ما شدني في هذا المؤتمر هو كلمة الدكتور عمرو خالد والتي ناقش فيها تجربته الشخصية في هذا المجال من خلال ثلاثة أمثلة من المشاريع الشبابية وهي مشروع "صنّاع الحياة" للنهوض بخدمة المجتمعات ومشروع "حماية" الخاص بمخاطر المخدرات على الشباب ومشروع "إنسان" لدعم الأسر الفقيرة ومساعدتها على مواجهة الفقر. استنتج المحاضر من خلال هذه المشاريع بعض الإيجابيات والسلبيات بين فئات الشباب وحض الجميع على دراستها لمحاولة الإرتقاء بالشباب والأجيال القادمة إلى أعلى الهمم. من أهم السلبيات التي استنتجها الدكتور عمرو خالد بعد تجاربه العديدة مع مشروعات الشباب لمدة فاقت الستة أعوام هو افتقار شبابنا للحس (البعد) الاستراتيجي في المشاريع، وهو ما أسماه المحاضر بالنفَس الاستراتيجي. فالمعنى هنا أن معظم شبابنا وللأسف الشديد أصبحوا يفتقرون لمعنى التخطيط الاستراتيجي، الأمر الذي جعلهم ينظرون للأمور بنظرة مستعجلة ومتهورة في بعض الأحيان مما ساهم في تركهم للمشاريع الاستراتيجية وإقبالهم على المشاريع قصيرة الأمد. صدقوني إخواني القرّاء، ليس فقط شبابنا من يفتقر إلى هذه المهارة في الحياة بل يفتقر لها معظمنا. أنظروا مثلا كيف أصبحنا ننظر للقضية الفلسطينية إجمالا والمجازر في حق الفلسطينيين؟ ولنتذكر كيف تعاطينا مع قضية الرسوم الكرتونية المسيئة للرسول، وموقفنا من أحداث الهجوم وحصار غزة عام 2008، وقضية مركب الحرية وغيرها كثير مما أثارالأمة الإسلامية لبعض الوقت (فقط) ثم ما لبثنا بعد ذلك أن عدنا إلى سابق عهدنا ربما بسبب اليأس أو انقطاع النفَس الاستراتيجي (الصبر) للمتابعة.

كثيرا ما نقرأ في كتب علماء الإدارة والقيادة عن الأهمية الاقتصادية للتخطيط الاستراتيجي على الدول والمؤسسات والأفراد والذي يختلف تماما عن التخطيط قصير الأمد أو ما يسمى بالتخطيط التكتيكي (Tactical). فالتخطيط الاستراتيجي عادة ما يطوّر من قبل الإدارات العليا للمؤسسات والدول بسبب نظرتهم الأشمل والأوسع للأمور بعكس التخطيط التكتيكي والذي يوكل عادة للإدارات الأدنى التي عادة ما تعايش واقع الأعمال اليومية بإيجابياتها وسلبياتها. يأخذنا هذا الأمر إلى موضوع التفريق بين مصطلح الرؤية (Vision) والرسالة (Mission) والتي تفاجأت بأن الكثير من صنّاع القرار لا يعون أهميتهما أيضا. فالرسالة هي الأسلوب المتبع للوصول إلى الرؤية والتي عادة ما تتصف بالاستمرارية وتهدف إلى تذكير الفرد أو الموظف أو المواطن بطريقة الوصول إلى الأهداف المرسومة. خذ على سبيل المثال رسالة شركة أبل الأمريكية والتي تعتبر اليوم من أنجح شركات التقنية في العالم: "تلتزم الشركة بتقديم أفضل تجارب الحوسبة الشخصية للطلاب والمعلمين والمهنيين المبدعين والمستهلكين في جميع أنحاء العالم من خلال منتجات الشركة المبتكرة من الأجهزة والبرمجيات وعروض الإنترنت". أما الرؤية فهي مجموعة الأهداف الواجب تنفيذها والتي عادة ما تكون قابلة للحساب والتقييم ومحددة بفترة زمنية قد تكون قصيرة الأمد (Short-term) أو طويلة (Long-term). فمثال على الرؤية كأن تضع شركة أبل لها هدف الاستحواذ على نصف سوق الأجهزة الدفترية (Tablet PCs) بغضون خمس سنين مثلا.

عند النظر في تأثير البعد الاستراتيجي على نجاحات الدول السياسية والاقتصادية والاجتماعية نجد من أنجح التجارب المعاصرة اليوم هي تجربة ماليزيا ورئيسها الأسبق "محاضر محمد" والذي يطلق عليه أغلبنا إسم (مهاتير) .فحسب ما ورد في تقرير سابق لقناة البي بي سي العربية استطاع هذا الرئيس خلال فترة رئاسته تحويل دولته من دولة فقيرة معتمدة على الزراعة إلى دولة صناعية تنافس كبرى دول العالم. فقد أسهمت اليوم الصناعات في ماليزيا فيما نسبته 90% من الناتج المحلي الإجمالي. الأمر الذي ساعد على تخفيض نسبة السكان تحت خط الفقر من 52% في عام 1970 إلى 5% فقط بحلول عام 2002. كما زاد معدل دخل الفرد في ماليزيا من ما يقارب الألف دولار سنوياً في عام 1970 إلى أكثر من 8500 دولار أيضا بحلول عام 2002 وانخفضت نسبة الباحثين عن عمل إلى 3% من نفس العام. كل ذلك نتيجة للعديد من الخطط الاستراتيجية التي وضعها هذا الرئيس وعلى رأسها الخطة الاستراتيجية لماليزيا (Wawasan 2020) أو رؤية 2020 طويلة الأمد، مما يؤكد الأهمية القصوى للبعد الاستراتيجي في التخطيط والتفكير والأعمال على نجاح الدول والمؤسسات والأفراد. أنصحكم إخواني القرّاء بقراءة كتاب "مهاتير محمد: عاقل في زمن الجنون" للكاتب الفلسطيني عبدالرحيم عبدالواحد للتعرف عن كثب على هذه التجربة الرائدة.

تبنت السلطنة كذلك في عام 1996 الخطة الاستراتيجية للدولة (رؤية 2020) إيمانا منها بالتخطيط الاستراتيجي بعدما كانت البلد في بداية النهضة المباركة في حاجة ماسة لإحداث تغييرات سريعة تم تحقيقها من خلال الخطط الخمسية في البلاد. تجدر الإشارة هنا إلى أن الخطط الخمسية في السلطنة قد تؤثر سلبا بشكل غير مباشر على فكر صناعة القرار في السلطنة بحيث قد يصبح جل اهتمام المسؤولين هو سرعة التنفيذ أحيانا وطلب سرعة الحصول على النتائج أحيانا أخرى. الأمر الذي قد يسهم في تهميش بعض المشاريع الاستراتيجية في البلاد كونها ستؤتي أكلها غالبا في الأمد البعيد. أنظر مثلا إلى مشروع الحكومة الإلكترونية وكيف تختلف المؤسسات الحكومية اليوم في نسبة تطبيقها لهذا المشروع والذي عادة ما يتطلب الكثير من النفَس الاستراتيجي لتنفيذ جميع مراحله. لذلك وجب التنبيه هنا إلى أهمية تذكير المسؤولين وصنّاع القرار بأهمية البعد الاستراتيجي في الأعمال وضرورة تربية وتعليم الأجيال الناشئة على مختلف أبعاد التخطيط الشخصي والمهني.

الثلاثاء، أبريل 19، 2011

رأس المال الاجتماعي

من أكثر ما يثير تحفظ الناس اليوم هو كلمة (واسطة) وما فيها من تبعات مفيدة لبعض الناس ومؤذية للبعض الآخر. فهناك من يعارض هذه النوعية من الأعمال إيمانا بالمبدأ وهناك من يعارضها لعدم قدرته عليها. فمما نادى به العديد من العمانيين في اعتصاماتهم الماضية الهادفة للتطوير الإداري والاقتصادي هو نبذ الواسطة بكل أنواعها ووضع الضوابط للحد منها. يذكرني هذا بأحد زملاء الدراسة ونحن نخوض اختباراتنا النهائية لشهادة البكالوريوس. ففي الوقت الذي كان معظمنا يسهر الليالي للحصول على أعلى الدرجات، كان صاحبنا هذا يكتفي بالقليل من المذاكرة للحصول على درجة مقبول (D) فقط، ضاحكاً علينا بحجة أن وظيفته تنتظره بمجرد تخرجه. تلك هي الواسطة المذمومة التي ينطبق عليها حديث رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام «اذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة»، قيل وكيف اضاعتها؟ قال (صلى الله عليه وسلم) «اذا وسّد الأمر الى غير أهله» رواه البخاري. سبق أن كتبت مقالة في أحد المنتديات الإلكترونية الخاصة بطلاب الجامعة بعنوان «اللي ما عنده واسطة يدور له على واسطة»، بهدف توعية الطلبة بمصطلح رأس المال الاجتماعي (Social Capital) وأهميته في حياتنا المهنية وضرورة التفريق بينه وبين (الواسطة) السلبية المعروفة بيننا. وجدت مؤخراً أيضاً أن هذا المصطلح قد تم إغفاله ليس من الطلبة فقط بل حتى من المدرسين وبعض أصحاب القرار، لذلك وجب التطرق لهذا الجانب المهم من أعمال المؤسسات اليوم لما فيه المصلحة العامة.

ليست الواسطة كما يظن الكثيرون شراً مطلقاً، فهناك جانب مضيء يجب علينا جميعاً تعلم مبادئه والتفريق بينه وبين الواسطة المذمومة والتي في كثير من الأحيان تتضمن التعدي على حقوق الآخرين للحصول على مزايا مادية أو معنوية والتي قد يشملها الحديث الشريف «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أراضين». فبالإضافة لمختلف أنواع رؤوس المال المعروفة اليوم المتوفرة للأفراد والشركات، كرأس المال المادي (المالي)، ورأس المال البشري (العلمي) ورأس المال الفني (التقني) والصوري (السمعة السوقية) وغيرها، هناك أيضاً ما يسمى في علم الاجتماع برأس المال الاجتماعي. المقصود هنا أن يكون لنا رصيد اجتماعي عالٍ، حالها حال الأموال التي قد تساعد صاحبها في شراء العقارات وعمل مختلف الاستثمارات. فالرصيد الاجتماعي هم المعارف من الناس الذين قد يسهلوا علينا النجاح في الحياة. طبعاً بالحلال بعد توفيق الله دون التعدي على الآخرين. فهي قيمة مضافة يحصل عليها أحدنا من تواصله البنّاء مع مختلف المجموعات الاجتماعية التي نراها بين الشركات وفي المجتمعات وتلك التي نجدها أيضاً في الإنترنت. فلا يختلف اثنان اليوم على التأثير الواضح للشبكات الاجتماعية في الإنترنت على الدول والناس أجمع والتي تطرقنا إليها في مقالة سابقة بعنوان «سياسة التقنية أمام سياسات الدول». فكم من العلاقات المهنية التي تكونت وتتكون من خلال موقع (LinkedIn) وموقع (Focus) وموقع (Qapacity) وغيرها كثير.

أول من تطرق الى مبدأ رأس المال الاجتماعي هو الباحث التربوي الأمريكي لايدا هانيفان (Lyda Hanifan) من خلال بحث صغير أجراه في عام 1916 عن طرق دعم وتقوية المدارس الريفية الأمريكية. منذ ذلك الوقت والبحوث تتوالى في تأكيد أهمية رأس المال الاجتماعي على الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة بما لا يترك أدنى مجال للشك. فآخر الدراسات التي قُرئت في هذا الجانب تؤكد أن رأس المال الاجتماعي يسهل ادارة المعرفة داخل المؤسسات كما يعتبر من أكثر العوامل المحددة للإنتاجية بشكل يفوق رأس المال البشري (العلمي والمعرفي). لذلك نرى اليوم الكثير من المؤسسات التي تعمد الى توظيف أفراد لقدرتهم فقط على تسهيل أمور معاملاتهم من خلال رابطة معارفهم (Social Network). ليس ذلك فحسب، بل أن هناك من الشركات التي تقوم بعمل تجمعات شهرية أو سنوية عبارة عن دعوات عشاء أو رحلات ترفيهية قد تمتد لأيام تقوم فيها بدعوة موظفين مسؤولين من مختلف الجهات والشركات الأخرى بغرض تعزيز ما يسمى برأس المال الاجتماعي. فالأمر أصبح في كثير من الأحيان مرهون بمن نعرف من خلال علاقاتنا الاجتماعية أكثر مما نعرف (العلم) فماذا لو جمع أحدنا الموهبتين معاً؟

لتوضيح فكرة رأس المال الاجتماعي خذ على سبيل المثال ان أرادت احدى الجهات في السلطنة تنظيم مؤتمر عالمي وأوكل لأحدنا مهمة التنظيم واستقطاب المتحدثين في المؤتمر، كيف يكون الأمر لمن لديه معارف وعلاقات عالمية (رأس مال اجتماعي) ومن يفتقر لذلك؟ وإن أردنا أن نستقطب مستثمرين لمشروعات تنموية محلية خاصة بالحكومة أو بشركة خارجية أو أردنا نوعاً من أنواع التمويل الدولي أو أردنا دمج بعض الشركات الخاصة والحصول على موافقة أعضاء مجالس الادارة أو أردنا التحري عن مستثمرين أجانب، أو أردنا الحصول على معلومات عالمية أو محلية بهدف علمي بحثي أو أو... وقس على ذلك. كل ذلك مما يعتمد وبشكل كبير على رأس المال الاجتماعي للأفراد والشركات والذي يساعد في بناء وتقوية العلاقات بالزبائن والوكلاء التجاريين وإيجاد فرص عمل جديدة. فعصر العولمة واشتداد التنافس بين الشركات حتّم عليها تقوية علاقاتها الاجتماعية خصوصاً مع اثبات الدراسات يوماً بعد يوم تأثيره الكبير على النجاح المهني. نصيحتي لكم أعزائي القرّاء أن تحرصوا على تقوية علاقاتكم الاجتماعية واستغلالها الاستغلال الأمثل مهنياً واجتماعياً بما لا يغضب الله سبحانه وتعالى، فالخط الفاصل بين الحلال والحرام هنا قد يكون في بعض الأحيان رفيعا جداً. فإن أشكل علينا التفريق فلنجتنب الشبهات ولنطلب الفتوى «فاسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون«.

الثلاثاء، أبريل 12، 2011

مستقبل التجارة في السحاب


مع اشتداد حدة التنافس اليوم بين مختلف الشركات التجارية في ظل عصرالعولمة الذي نعيشه، أصبح هاجس معظم هذه الشركات هو كيفية التفوق على المنافسين بشتى الطرق المشروعة وأحيانا غير المشروعة. طبعا نقصد بالغير مشروعة هنا الطرق غير الأخلاقية والتي لا تعني بالضرورة أن تكون غير قانونية في بعض الأحيان للأسف. انظر مثلا كيف تتسابق الشركات العالمية اليوم في مقاضاة بعضها البعض في كل الأمور العلمية والعملية والذي من شأنه إحباط أو تأخير نمو هذه الشركات. فعلى سبيل المثال، استطاعت مؤخرا شركة جوجل الأمريكية شراء شركة (ITA) المتخصصة في برمجيات السفر العالمية بقيمة 700 مليون دولار بعد معاناة واحتجاجات طويلة في القضاء الأمريكي من العديد من الشركات التي تعمل في نفس المجال استمرت لأكثر من عشرة شهور. طبعا شراؤها لهذه الشركة يجعلها تقريبا تهيمن على سوق السفر الالكتروني في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي تخشاه تلك الشركات الأصغر في نفس المجال. فالقانون في مثل هذه الحالات يحاول حماية الشركات الصغيرة والمتوسطة من طغيان الشركات الأكبر، بحيث بات الأفضل للشركات تصنيفها بالمتوسطة لتتلقى الحماية والعطف من الحكومة والجهات القانونية بدلا من تصنيفها بالكبيرة وتلقي سيل من الانتقادات والمحاكمات وربما الهجمات والسرقات. الشاهد هنا أن التنافس أصبح يشمل جميع جوانب الأعمال معتمدا في أغلب الأحيان على التقنية الحديثة والتسابق في تبني كل ما هو جديد أو ما من شأنه إكساب الشركات مزايا تنافسية سوقية.

عند النظر اليوم في التقنيات الحديثة وخصوصا تلك التي أحدثت تغييرات كبيرة وتأثيرات واسعة عالمية نجد معظمها ينصب في التقنيات المحمولة اللاسلكية. تطرقنا لجانب من هذه التقنية في مقالة سابقة بعنوان «اقتصاد برمجيات الهواتف الذكية» الذي أشرنا فيه إلى أهمية هذه التقنيات في نجاح معظم المؤسسات اليوم بحيث بات التجوال وثقافة المحمول تسيطر على أجواء العمل شئنا أم أبينا. من التقنيات الأخرى التي تعتبر من أفضل ما برز في عام 2010 وأصبح من (موضات) العمل التجاري اليوم إن صح التعبير هو تقنية حوسبة السحاب واستخداماتها المختلفة. فمن أكثر ما يؤرق عمل الشركات اليوم هو عملية شراء وإدارة البرمجيات والأجهزة المختلفة داخل المؤسسات بما تتضمنه هذه العملية من الحاجة إلى إجراء الصيانات الدورية والعمل على إحكام أمن المعلومات بشكل متواصل خصوصا كما أسلفنا مع ازدياد التنافس وحدة الهجمات المنظمة على الشركات الكبيرة. فمعظم مخترقي شبكات المعلومات يعمدون إلى تجربة مهاراتهم على الشركات الكبيرة للحصول على أكبر قدر من الشهرة. تأتي هنا حوسبة السحاب لتحمل هذا الكاهل عن الشركات بما يتيح لهم التركيز على الجانب التسويقي والابداعي في تطوير وعرض المنتجات المختلفة. فحوسبة السحاب هي أشبه بشركات تأجير المعدات ومستلزمات الأعمال والتي عادة ما تحتاجها الشركات في أوقات معينة ولفترات معينة بدلا من شراء ما لا نحتاج اليه دائما.

من أكثر ما يميز هذه التقنية هو القدرة والمرونة في موضوع التوسع في نطاق الحوسبة (Scalability)، وهو من الأمور المضنية حاليا لمعظم المؤسسات. فمع ازدياد حجم التعاملات التجارية داخل المؤسسات قد تحتاج الشركات لتطوير أجهزتها وقدراتها الحوسبية لتتماشى من زيادة الطلب بما يشمله هذا من استثمارات مادية غالبا ما تكون مكلفة على الشركة. ولكن ماذا لو نقص حجم العمل بعد ذلك أو تغيرت أهدافه؟ هل يعني ذلك خسارة الاستثمارات السابقة والتي ربما تضمنت تدريبات مختلفة للموظفين وتعيينات جديدة؟ مع حوسبة السحاب الموضوع يختلف بحيث بإمكان الشركات الترقية لنطاق حوسبة أكبر وقت ما تشاء والرجوع إلى نطاق أقل أو لا نطاق بالمرة وقت ما تشاء كذلك. أضف الى ذلك موضوع الدفع لهذه الخدمات تكون لقاء الاستخدامات والتي عادة ما تقاس بالفترة الزمنية والمزايا المستخدمة وحجم النطاق.

لتوضيح استخدامات هذه التقنية دعونا نستطلع استخداماتها في قطاع التعليم مثلا. أعلنت شركة مايكروسوفت في نهاية شهر فبراير الماضي حصولها على عقود من الحكومة الأمريكية لتوفير حلول تقنية السحاب في قطاع التعليم لـ 16 جهة تعليمية في الولايات المتحدة. تتضمن هذه الحلول توفير بريد الكتروني من خلال منتج (Microsoft Live@edu) لكل طالب ومدرس وموظف وكذلك لخريجي هذه المؤسسات بهدف تعزيز التواصل والمشاركة فيما بينهم. أضف إلى ذلك خدمة الحماية الالكترونية من ضياع رسائل البريد الالكتروني والحماية ضد الرسائل المزعجة وتوفير باقة برمجيات المكتب المتوفرة على الانترنت بحيث لا تحتاج هذه الجهات التعليمية لأكثر من أجهزة حاسوب واشتراكات في الانترنت. أما باقي عمليات أمن المعلومات وتطوير البرمجيات وصيانتها فسيكون من اختصاص شركة مايكروسوفت. من هنا نجد أن تقنية حوسبة السحاب ستساعد معظم الشركات التجارية في المستقبل خصوصا الصغيرة والمتوسطة لتجنب الاستثمارات الكبيرة في قطاع تقنية المعلومات والتركيز على أمور أخرى قد تكون أكثر أهمية. يبقى فقط موضوع الخصوصية الالكترونية والذي ان حُل ستتهافت جميع الشركات لتبني هذه التقنية.




الجمعة، أبريل 08، 2011

التنمية من خلال ثقافة الشباب

تعتبر فئة الشباب اليوم هي المحرك الأول لعجلة التنمية في البلدان، ولا يختلف اثنان بأن زمن العولمة الذي نعيشه اليوم قد ساهم في إيجاد ثقافات متعددة بين الشباب أدت الى نجاح البعض منهم وفشل البعض الآخر. ما هذه الثقافات في الغالب الا قناعات سلوكية انتشرت بين مختلف فئات الشباب ترجع لأسباب تربوية وثقافية وعقدية. دار بيني وبين أحد الشبّان اليانعين وهو في الصف الحادي عشر حوار حول الدراسة وهو من الموضوعات التي يكره معظم طلابنا الحديث عنها. قال لي إن الدراسة هي آخر ما يفكر فيه اليوم وأن جل اهتماماته هي في كرة القدم بهدف أن يصل للاحتراف في احد النوادي الأوروبية. ذكرني هذا الموقف أيضا بمعاناة اكثر المدرسين معنا في الجامعة من بعض الطلاب الذين يقضون الساعات الطوال أمام شاشة التلفاز لمشاهدة مباريات ريال مدريد وبرشلونة وغيرهم من الأندية العالمية مما يؤثر سلباً على أدائهم الأكاديمي. لم تستحوذ هذه النوادي على اهتمام فئة الشباب فقط بل حتى اطفالنا باتوا يتغنون بها، فقد اخبرني صديق لي بأنه سأل ابناءه مؤخراً عن المكان الذي يودون الذهاب إليه في الصيف، فأجابه ابنه الصغير الذي لم يتجاوز أربع سنوات "أريد الذهاب الى برشلونة!"

لست هنا للتركيز على شغف الشباب بالرياضة التي أعتبرها من محفزات العمل الجاد فالعقل السليم في الجسم السليم والصحة تاج على رؤوس الأصحاء، ولكن تعدد ثقافات وقناعات شبابنا أسهم في اتساع الفجوات الثقافية بينهم وبين فئة القادة وأصحاب القرار اليوم والذين ربما ينتمون لأصناف ثقافية مختلفة. الأمر الذي بات يؤرق القائمين على امور التنمية في البلدان وطبعاً السلطنة ليست بمعزل. أنظر مثلاً الى تطور الأحداث في صحار يوم الجمعة الماضي وكيف ان معظمنا لم يتوقع صدور مثل هذه التصرفات من شباب ولدوا وتربوا على هذا البلد الطيب. كيف يمكن لمجموعة احتجاجية أن تستبيح كرامة وهيبة الدولة بتصادمها مع الجيش باسم الاصلاح وحماية حقوق الانسان. أين حبنا وتضحياتنا لهذا البلد وأين ثقتنا بالحكومة وبرموز الدين والعلم والمجتمع، أم أننا بتنا نتبع الظن وما تهوى الأنفس؟ لا أخفيكم الحديث اخواني القرّاء بأني تمنيت ان تكون هذه الأخبار ما هي الا كذبة ابريل رغم كراهيتي للكذب اجمالاً.

الشاهد في الموضوع أن مجموعة العناصر التي تميز فكر هؤلاء الشباب أصبحت تؤثر كثيرا في تنمية المجتمعات وبالتالي في اقتصادها. انظر مثلاً الى جانب التقنية الذي لا شك قد ساهم في تطور الاقتصاد العالمي حتى شهدنا ازدهارا كبيرا هذه الأيام في الاقتصاد الرقمي القائم على المنتجات الرقمية بمختلف انواعها. فالتقنية التي تساهم في بناء الدول هي ذاتها التي يمكن ان تؤدي الى دمارها، فكما شاهدنا مؤخراً ان ثقافة التقنية بين الشباب باتت تفرض هيبتها على سياسات الدول بحيث أُجبرت بعض الدول لقطع خدمات الانترنت والجوال التي اشرنا اليها في مقالة سابقة بعنوان «سياسة التقنية أمام سياسات الدول». فهناك فئة ليست بالهينة من الشباب باتت تتكلم لغة التقنية مستفيدة من انتشار الأجهزة الالكترونية الذكية بين الناس وكثرة المواقع الالكترونية والشبكات الاجتماعية. فلا اشك مطلقاً اليوم ان معظم شبابنا في السلطنة يقضي جلّ وقته بل ويستقي معظم معلوماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية من المنتديات الالكترونية من أمثال سبلة عمان والحارة والساحة وغيرها. أضف الى ذلك تلك المواقع الالكترونية المتخصصة والتي تهدف لاستقطاب شريحة معينة من فئة الشباب، فطلاب الجامعة مثلاً عادةً ما يجدون متنفساً لمناقشة قضاياهم الأكاديمية في موقع عاشق عمان وموقع الملتقى الجامعي. ناهيك طبعاً عن مواقع الشبكات الاجتماعية كالفيسبوك وتويتر واليوتيوب مما ساهم في تأجيج القضايا الساخنة في الأمة العربية وفي السلطنة كذلك.

هناك كذلك الثقافة الليبرالية بين بعض الشباب المثقف المتعلم التي ينادي معظمهم الى تحرير القيود من منظومة المجتمع اجمالاً. عادةً ما تكون الأسباب وراء ذلك هو التأثر الأعمى بالثقافات الغربية التي تخلو في معظم الأحيان من التوازن المنطقي بين العقل والعلم والدين. كما قد نرى كذلك الفئة النقيض لهذه الفئة وهي فئة المتطرفين في التفكير والقناعات والذين عادةً ما يفتقرون لمبدأ الوسطية في الأمور. كل هذه الثقافات واكثر مما يحتم علينا اليوم دراستها والنظر في كيفية التعامل معها لما فيه خدمة التنمية في البلاد. فالتخطيط الاستراتيجي والموازنات المالية والمشاريع التنموية الاقتصادية ليست بأهم من التخطيط السليم لادارة ثقافات الشباب (التنمية البشرية). فالشباب كما نعلم هم عماد الأمة والبلدان، فكيف بنا ان كان العماد يحتاج الى عماد.

لذلك أرى أن الواجب علينا اليوم التركيز على التربية الصحيحة داخل البيوت والتفريق بينها وبين جانب الرعاية التي يقوم بها أغلب الآباء اليوم. وعلينا كذلك امعان النظر في طرق التعليم وطرق التواصل الاعلامي والثقافي مع فئة الشباب بحيث تبدأ الجهات المعنية بالتواصل مع الشباب باللغة التي يفهمون محاولين تجنيبهم التطرف والمغالاة في التفكير. فأمام وزارة الاعلام ووزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي مهمة جبارة في التنمية البشرية ليست باقل أهمية من مهام الجهات التنموية والخدمية الأخرى. وعلى مطوري المواقع الالكترونية المحلية ضرورة مراقبة المشاركات بما يسهم في اخماد نار الفتن والضلال في التفكير.