تعتبر فئة الشباب اليوم هي المحرك الأول لعجلة التنمية في البلدان، ولا يختلف اثنان بأن زمن العولمة الذي نعيشه اليوم قد ساهم في إيجاد ثقافات متعددة بين الشباب أدت الى نجاح البعض منهم وفشل البعض الآخر. ما هذه الثقافات في الغالب الا قناعات سلوكية انتشرت بين مختلف فئات الشباب ترجع لأسباب تربوية وثقافية وعقدية. دار بيني وبين أحد الشبّان اليانعين وهو في الصف الحادي عشر حوار حول الدراسة وهو من الموضوعات التي يكره معظم طلابنا الحديث عنها. قال لي إن الدراسة هي آخر ما يفكر فيه اليوم وأن جل اهتماماته هي في كرة القدم بهدف أن يصل للاحتراف في احد النوادي الأوروبية. ذكرني هذا الموقف أيضا بمعاناة اكثر المدرسين معنا في الجامعة من بعض الطلاب الذين يقضون الساعات الطوال أمام شاشة التلفاز لمشاهدة مباريات ريال مدريد وبرشلونة وغيرهم من الأندية العالمية مما يؤثر سلباً على أدائهم الأكاديمي. لم تستحوذ هذه النوادي على اهتمام فئة الشباب فقط بل حتى اطفالنا باتوا يتغنون بها، فقد اخبرني صديق لي بأنه سأل ابناءه مؤخراً عن المكان الذي يودون الذهاب إليه في الصيف، فأجابه ابنه الصغير الذي لم يتجاوز أربع سنوات "أريد الذهاب الى برشلونة!"
لست هنا للتركيز على شغف الشباب بالرياضة التي أعتبرها من محفزات العمل الجاد فالعقل السليم في الجسم السليم والصحة تاج على رؤوس الأصحاء، ولكن تعدد ثقافات وقناعات شبابنا أسهم في اتساع الفجوات الثقافية بينهم وبين فئة القادة وأصحاب القرار اليوم والذين ربما ينتمون لأصناف ثقافية مختلفة. الأمر الذي بات يؤرق القائمين على امور التنمية في البلدان وطبعاً السلطنة ليست بمعزل. أنظر مثلاً الى تطور الأحداث في صحار يوم الجمعة الماضي وكيف ان معظمنا لم يتوقع صدور مثل هذه التصرفات من شباب ولدوا وتربوا على هذا البلد الطيب. كيف يمكن لمجموعة احتجاجية أن تستبيح كرامة وهيبة الدولة بتصادمها مع الجيش باسم الاصلاح وحماية حقوق الانسان. أين حبنا وتضحياتنا لهذا البلد وأين ثقتنا بالحكومة وبرموز الدين والعلم والمجتمع، أم أننا بتنا نتبع الظن وما تهوى الأنفس؟ لا أخفيكم الحديث اخواني القرّاء بأني تمنيت ان تكون هذه الأخبار ما هي الا كذبة ابريل رغم كراهيتي للكذب اجمالاً.
الشاهد في الموضوع أن مجموعة العناصر التي تميز فكر هؤلاء الشباب أصبحت تؤثر كثيرا في تنمية المجتمعات وبالتالي في اقتصادها. انظر مثلاً الى جانب التقنية الذي لا شك قد ساهم في تطور الاقتصاد العالمي حتى شهدنا ازدهارا كبيرا هذه الأيام في الاقتصاد الرقمي القائم على المنتجات الرقمية بمختلف انواعها. فالتقنية التي تساهم في بناء الدول هي ذاتها التي يمكن ان تؤدي الى دمارها، فكما شاهدنا مؤخراً ان ثقافة التقنية بين الشباب باتت تفرض هيبتها على سياسات الدول بحيث أُجبرت بعض الدول لقطع خدمات الانترنت والجوال التي اشرنا اليها في مقالة سابقة بعنوان «سياسة التقنية أمام سياسات الدول». فهناك فئة ليست بالهينة من الشباب باتت تتكلم لغة التقنية مستفيدة من انتشار الأجهزة الالكترونية الذكية بين الناس وكثرة المواقع الالكترونية والشبكات الاجتماعية. فلا اشك مطلقاً اليوم ان معظم شبابنا في السلطنة يقضي جلّ وقته بل ويستقي معظم معلوماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية من المنتديات الالكترونية من أمثال سبلة عمان والحارة والساحة وغيرها. أضف الى ذلك تلك المواقع الالكترونية المتخصصة والتي تهدف لاستقطاب شريحة معينة من فئة الشباب، فطلاب الجامعة مثلاً عادةً ما يجدون متنفساً لمناقشة قضاياهم الأكاديمية في موقع عاشق عمان وموقع الملتقى الجامعي. ناهيك طبعاً عن مواقع الشبكات الاجتماعية كالفيسبوك وتويتر واليوتيوب مما ساهم في تأجيج القضايا الساخنة في الأمة العربية وفي السلطنة كذلك.
هناك كذلك الثقافة الليبرالية بين بعض الشباب المثقف المتعلم التي ينادي معظمهم الى تحرير القيود من منظومة المجتمع اجمالاً. عادةً ما تكون الأسباب وراء ذلك هو التأثر الأعمى بالثقافات الغربية التي تخلو في معظم الأحيان من التوازن المنطقي بين العقل والعلم والدين. كما قد نرى كذلك الفئة النقيض لهذه الفئة وهي فئة المتطرفين في التفكير والقناعات والذين عادةً ما يفتقرون لمبدأ الوسطية في الأمور. كل هذه الثقافات واكثر مما يحتم علينا اليوم دراستها والنظر في كيفية التعامل معها لما فيه خدمة التنمية في البلاد. فالتخطيط الاستراتيجي والموازنات المالية والمشاريع التنموية الاقتصادية ليست بأهم من التخطيط السليم لادارة ثقافات الشباب (التنمية البشرية). فالشباب كما نعلم هم عماد الأمة والبلدان، فكيف بنا ان كان العماد يحتاج الى عماد.
لذلك أرى أن الواجب علينا اليوم التركيز على التربية الصحيحة داخل البيوت والتفريق بينها وبين جانب الرعاية التي يقوم بها أغلب الآباء اليوم. وعلينا كذلك امعان النظر في طرق التعليم وطرق التواصل الاعلامي والثقافي مع فئة الشباب بحيث تبدأ الجهات المعنية بالتواصل مع الشباب باللغة التي يفهمون محاولين تجنيبهم التطرف والمغالاة في التفكير. فأمام وزارة الاعلام ووزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي مهمة جبارة في التنمية البشرية ليست باقل أهمية من مهام الجهات التنموية والخدمية الأخرى. وعلى مطوري المواقع الالكترونية المحلية ضرورة مراقبة المشاركات بما يسهم في اخماد نار الفتن والضلال في التفكير.
شكرآ جزيلآ دكتور ..مقال قيم بارك الله فيكم
ردحذفوفقكم الله استاذنا لما في الخير كم تمنيت ان تطرح مثل هذه المواضيع وبالذات هذا المضوع فسبحان الله جرت الرياح بما تشتهي السفن. لانني افكر في شباب اليوم وحالهم بتنا نرثي عليه. فلدي ثمة اشياء أريد التعليق عليه ربما بعضها قد يكون خارج اطار موضوعكم:
ردحذفاولا: قضية العولمة حيث يستحضرني هنا قول سماحة الشيخ أحمد الخليلي حفظه الله ورعاه في هذه القضية "العولمة هو أن يكون هذاالعالم تابعا لقيادة موحدة وهي التي تؤثر على بقية القيادات تأمر فيمتثل لأمرها وتدعو فيستجاب لدعائها وتخطط فتنفذ لمخططاتها سواء من حيث الثقافة والفكر او من حيث السياسة والاقتصاد".
ثانيا: ولع اطفالنا في الرياضة لدرجة صار الطفل يمسي ويصبح ولسانه يردد بأسماء لاعبي كرة القدم وكأنهن أسماء مقدسة. يستحضرني هنا قصة احدى الامهات وهي تخبرني عن ابنها الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره فتقول:"ان احدى المعلمات سألت ابنها عن من نبيك فأجاب: بإسم أحد لاعبي كرة القدم في عمان". فإلى أين صار مستوى تفكير اطفالنا وهم ما زالوا في عمر الزهور. وأين نحن من هذا" ركزّ على دراستك تتفوق وركّز على القراءة تصبح عالما وركّز على أبناءك يخرجوا قادة"
ثالثا: ذكرت في مقالتك الرعاية والاهتمام بأطفالنا فتذكرت قول الدكتور: طارق السويدان "ان معظم الآباء والأمهات يمارسون مبدأ الرعاية أكثر من مبدأ التربية". فمثلا الأم تقول لإبنها عندما يأتي من المدرسة اخلع ملابسك, تعال تغدا, اذهب ونام , ثم بعد ذلك اذهب والعب ثم تعال وذاكر وهكذا الأم تلقي الأوامر وعلى الطفل التنفيذ فأين هنا التربية.
اقترح عليك يا أستاذنا بأن تطرح موضوع كيف نجعل أبناءنا قادة فلعلها تصل الى مسامع الآباء والأمهات