الثلاثاء، مايو 21، 2013

وليس الذكر كالأنثى


كشف سعادة وكيل وزارة التعليم العالي في مؤتمر صحفي أجراه نهاية شهر مارس الماضي عن مؤشرات مقلقة عن وضع مخرجات التعليم في السلطنة. ربما لم يكن آنذاك جوهر الحوار والمؤتمر الصحفي مناقشة هذه المؤشرات، ولكنها أظهرت لنا قضية مهمة تهدد منظومة التنمية في البلاد إذا ما بدأت تشكل نمطا عاما بين مخرجات التعليم العام. أشار سعادته إلى أن عدد طلبة دبلوم التعليم العام أو ما يعادله في الفئة العمرية من ١٦ إلى ٢٥ سنة تشكل أكثر من ٥٣ ألف طالب وطالبة ويشكل الذكور النسبة الأكبر في العدد والأقل في التحصيل الدراسي. فنسبة الذكور هي ٥٦٪ (أي ما يعادل ٢٩٨٠٠ طالب تقريبا) في مقابل ٤٤٪ إناث (ما يعادل ٢٣٤٠٠ طالبة)، ونسبة الطلبة من الإناث والذكور الحاصلين على معدل عام 70٪ وأعلى هم فقط ٣٢٪ (١٧٠٠٠ طالب وطالبة تقريبا)، أغلبهم من الإناث بنسبة ٧٣٪ (١٢٤٠٠ طالبة تقريبا). أي أن نسبة الذكور الحاصلين على معدل عام ٧٠٪ وأعلى لا تتجاوز الـ ٩٪ (٤٦٠٠ طالب تقريبا) من إجمالي الـ٥٣ ألف طالب وطالبة، أما الباقي فهم دون الـ ٧٠٪ (٢٥٢٠٠ طالب تقريبا). لن نخوض في مستوى التعليم والذي أصبح حديث الكثيرين مؤخرا ولكن إن سلمنا بأن مناهجنا متماشية مع مستوى التحصيل الدراسي المطلوب والمنشود إقليميا ودوليا، فإن ذلك يجعلنا أمام أعداد متزايدة من مخرجات التعليم العام (أغلبهم من الذكور) علينا اليوم توفير المسار الدراسي أو الوظيفي لهم بعد دبلوم التعليم العام. ليس ذلك فحسب، فالفجوة الدراسية بين الجنسين والتي بدأت تتضح ملامحها اليوم ليس فقط بين مخرجات الدبلوم العام بل حتى بين خريجي التعليم العالي تهدد بزعزعة التركيبة الوظيفية في مختلف جهات العمل في المستقبل القريب. فماذا لو كنا نشتكي أصلا من ضعف في المناهج والتحصيل الدراسي بشكل عام، لأصبحت المعضلة أكبر وبات علينا التفكير ليس فقط في المسارات الدراسية أو الحياتية بل في كفاءة المخرجات أصلا ومدى استحقاقهم لشهادات الدبلوم العام أو العالي على السواء.

أجريت الأسبوع الماضي بعض المقابلات الشخصية مع بعض العاملين في قطاع التعليم عن موضوع الفجوة بين الجنسين في التعليم العام في السلطنة. تبين من المقابلات بأن نسبة التسرب الدراسي والانقطاع عن المدارس في السلطنة في تزايد مستمر وأن أكبر نسبة تلاحظ هي في الصفين الحادي عشر والثاني عشر لعدة أسباب أهمها الرغبة بالالتحاق بسوق العمل. فجهود السلطنة والحكومة في توفير الوظائف للباحثين عن عمل تواجه من بعض الطلبة بنفور من الدراسة رغبة في تحصيل الـ 150 ريالا أو الـ325 ريالا كحد أدنى للرواتب في القطاع الخاص. فمعظم هؤلاء الطلبة لا يجدون الناصح الأمين سواء في المدرسة أو في العائلة أو حتى في المجتمع يشجعهم على ضرورة إكمال الدراسة لتبؤ المراكز الوظيفية العليا. فهناك من أولياء الأمور من يشجعون أولادهم على ترك المدرسة لتحصيل فرص العمل المتاحة اليوم والتي (من وجهة نظرهم) قد لا تتأتى للكثيرين في المستقبل، فالسبب الرئيسي قد يرجع لأسباب مادية بحتة أو رغبة في الزواج لدى الإناث والذي لا يواجه بطاقم إداري مدرسي مؤهل لإقناع أولياء الأمور والطلبة أنفسهم على تعديل مساراتهم الفكرية الحياتية. ليس ذلك فحسب فقد لوحظ مؤخرا أيضا بأن مستوى التحصيل الدراسي بين الذكور يتدهور بشكل ملحوظ من بعد الصف الخامس وكأنها إشارة إلى ضعف الكادر التعليمي (المدرسين) من الذكور. فالفجوة لم تعد فقط بين الإناث والذكور من الطلبة بل حتى بين المعلمين الذكور والإناث أنفسهم من حيث مستوى الكفاءة والإنتاجية (بدون تعميم طبعا).


لا يمكن أن ننكر جهود وزارة التربية والتعليم الكبيرة في هذا الشأن والتي تحاول بقيادة معالي الوزيرة أن تسابق الزمن لإصلاح ما يمكن إصلاحه من التركة الملقاة على عاتقها. ولكن في رأيي الخاص أجد بأن الأمر جلل وأصبح أكبر من حدود مقدرة الوزارة. فهو أشبه بحالات الطوارئ التي مرت بها البلاد أيام الأنواء المناخية قبل أعوام والتي لم يعهد بالبناء فيها لجهة دون أخرى بل ساهم الصغير والكبير والقطاع العام والخاص في البناء وإرجاع البلد لأفضل مما كانت. فوضع التعليم اليوم يجب أن تساهم فيه جميع مؤسسات البلد ومختلف جهات المجتمع، فوزارة القوى العاملة عندما تسمح بتوظيف من هم دون أل 18 عاما ربما شجعت بشكل غير مباشر على التسرب الدراسي. فإن كان وراء التسرب موافقة أولياء الأمور، فأين وزارة التنمية الاجتماعية ومكاتب أصحاب السعادة الولاة وغيرها من الجهات المعنية في الوقوف على الأسباب وحلها؟ لماذا لا يصرف على العائلة بما يتناسب مع احتياجاتها لمنعها من تسريب أبنائها من الدراسة؟ ولماذا لا توضع برامج توعوية وتدريبية تتبناها وزارة الإعلام والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ووزارة التنمية الاجتماعية والقطاع الخاص لتأهيل أولياء الأمور خصوصا الأمهات باختلاف ظروفهن؟ ماذا عن دور بقية جهات العمل في توفير البيئة المناسبة للنساء العاملات ومراعاة ظروفهن الاجتماعية بما يوفر لهن الوقت الكافي للاعتناء بأطفالهن منذ نعومة أظافرهم؟ لماذا لا يصرف القطاع الخاص بسخاء من الميزانية المخصصة لخدمة المجتمع على قطاع التعليم بدلا من رعاية المهرجانات الترفيهية والفعاليات التي لا طائل منها؟ للأسف لن يتأتى لنا كل ذلك ما لم نع بأن قضية التعليم أصبحت قضية طوارئ من مسؤولية الجميع وتأثيراتها ستطال جميع القطاعات عاجلا أم آجلا. علينا اليوم أن نوحد العمل البيني بين مختلف مؤسسات البلد خصوصا الجهات الحكومية لخدمة هذه القضية الوطنية تحت مظلة استراتيجية عامة جديدة للبلاد بديلة لرؤية ٢٠٢٠ تصاغ بشكل مدروس وقابل للقياس. للأسف مازلنا نجد أن العمل المشترك بين الجهات الحكومية مفقود أو بطيء أو غير فاعل وكأنها تحاول أن تتنافس على النجاح بدلا من أن تتكامل لتحقيقه. كما اصبح الناس بشكل عام ينتظرون من الحكومة توفير الحلول بدلا من محاولة إحداث التغييرات الإيجابية بأنفسهم. ولنا في مدرسة عائشة الريامية بولاية بهلا عبرة في توظيفها لمختلف جهات المجتمع والمصادر المحدودة المتاحة لها لإيجاد بيئة تعليمية إيجابية للطالبات بدلا من محاولة الانتصار لمطالب النفس الشخصية. فالله الله أيها العمانيون في أجيالكم القادمة، فما أسهل أن يضيع الأبناء الإرث إن لم يحسن الآباء جوانب التربية والتعليم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق