الاثنين، مارس 14، 2011

فلسفة المظاهرات السلمية


في حديث لي مع أحد الزملاء في العمل وهو تونسي الأصل، قلت له أنتم معشر (التوانسة) قد جلبتم الخير والشر معاً لهذه الأمة. فدعوى الإصلاح عن طريق المظاهرات السلمية وهو الخير هنا لا يتأتى إلا بعد بذل الكثير من التضحيات في المال والنفس وهو ما قد يعتبره البعض شراً أو فتنة. فإنظر إلى الهرج في ليبيا وبدايته في اليمن الشقيق وقبله الكثير في فلسطين والعراق والعديد من دول العالم، وكأننا نرى علامات تحقق نبوئة رسولنا الكريم حين قال "لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج" قالوا وما الهرج يا رسول الله قال "القتل القتل" رواه مسلم.

شهدت الساحة العربية مؤخراً العديد من المظاهرات والإعتصامات السلمية بدعوى محاربة الفساد والظلم. طبعاً عماننا لم تكن بمعزل من هذا وقام الكثير من الشباب المتحمس بالعديد من المظاهرات السلمية كالمسيرة الخضراء الأولى والثانية وغيرها ممن تضمنت العديد من المطالب المشروعة لتقابل بإستجابة لا نظير لها من قائدنا الحكيم أطال الله في عمره. تعتبر المظاهرات والإعتصامات لمحاربة الفساد في السلطنة نمط جديد على الثقافة العمانية، الأمر الذي جعلنا نرى إختلافاً في آراء الناس حول هذه القضية وتباين في الأساليب المتبعة وكأننا نحاول حل المشاكل بإسلوب التجربة والخطأ. لذلك كان لزاماً علينا توضيح الفلسفة الكامنة خلف مبدأ المظاهرات بشكل عام والسلمية بشكل خاص.

جاء في لامية الوردي "إن نصف الناس أعداءٌ لمن *** ولي الأحكام هذا إن عدل"، فمن سنن الكون أن الناس بشكل عام وبطبيعتهم يتذمرون ويتأففون ممن يرأسهم حتى وإن كان عادلاُ. فكم عدد الناس الذين نعرف اليوم ممن يمتدح رئيسه في العمل ليل مساء، أولئك قلة لا يقاس عليهم. فالرئاسة تقتضي الحزم والعدل من القائد وما أصعبه على الرؤساء اليوم. كما تقتضي من المرؤوس الطاعة والخضوع وهي شديدة على النفس الأبية لذلك حظّنا وأمرنا ديننا الحنيف على طاعة أولي الأمر (بالمعروف) وجعلها من طاعة الله ورسوله، قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ". فالمظاهرات بشكل عام هي تفسير لهذه الغريزة البشرية والتي تظهر طفوح الكيل عند إستشراء الشدة. فلذلك ربما نرى اليوم العديد من الإعتصامات والتظاهرات السلمية التي تشهدها السلطنة في بعض مؤسساتنا الحكومية والخاصة على سواء.

عند تتبع تاريخ التظاهرات السلمية نرى أكثر الدعاة لها كان الكاتب الروسي ليو تولستوي والرئيس الهندي مهاتاما غاندي ورجل الدين الأمريكي مارتن لوثر كنج الصغير وغيرهم كثر. فقد إستطاع الرئيس الهندي غاندي على سبيل المثال في عام 1947 تحرير الهند من أيدي المستعمرين البريطانيين بعد صراع طويل إتصف مجملاً بالسلمية. أما حديثاً فهناك عالمة السلوك الأمريكية جوديث هاند والتي ألفت كتاباً يصيغ إستراتيجية المظاهرات السلمية أسمته "مستقبل بلا حرب" والتي شرحت فيه تسع أساسيات علمية وعملية تهدف لإنهاء الحروب في العالم وإحداث التغييرات الإيجابية بأشكال سلمية. إشترك جميع الدعاة لهذا النوع من التظاهرات في جانب فلسفي موحد وهو "حب الإنسانية وحب الأعداء" وهو نفس المبدأ الذي تدعو له اليوم جمعية قدامى دعاة الحقوق المدنية الأمريكية. فالهدف هنا هو الوصول بالمجتمع إلى أفضل مستوى بما فيه إصلاح الفساد والمفسدين. فدعاة الفساد والظلم في المجتمعات يجب إحتوائهم بالطريقة المثلى بما يحقق الأمن والإستقرار في البلدان خصوصاً بعد إحداث التغييرات.

من جانب آخر قد يضن البعض أن للمظاهرات حكم شرعي يجب علينا فهمه وإدراكه. لذلك ذكر العلامة الجليل الدكتور يوسف القرضاوي الحكم الشرعي في المظاهرات السلمية في فتوى له على موقعه الإلكتروني في شبكة الإنترنت والتي نصت على جوازها مالم تؤدي إلى تخريب في الممتلكات وإزهاق للأنفس. فمن العبارات التي ذكرها "جواز تسيير المسيرات إذا توافرت شروط معينة يترجح معها ضمان ألا تحدث التخريبات التي تحدث في بعض الأحيان. كأن تكون في حراسة الشرطة، أو أن يتعهد منظموها بأن يتولوا ضبطها بحيث لا يقع اضطراب أو إخلال بالأمن فيها، وأن يتحملوا المسؤولية عن ذلك." فمن هنا نجد أن وحدة المسلمين وإستقرارهم الأمني والسياسي مقدم على المنافع الأخرى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم (أي يدعون لكم وتدعون لهم)، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنوهم ويلعنونكم" فسأل الصحابه أفلا ننابزهم بالسيف؟ قال صلى الله عليه وسلم "لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، إلا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة" رواه مسلم. وجاء على لسان عمرو بن العاص بأنه قال ناصحاً إبنه عبدالله "يا بني! سلطان عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم"، فقد يحتمل الظلم في البلاد (ما لم نؤمر بمعصية الله) إذا كان البديل هو الفتنة العامة والتفكك الأمني وضياع أموال وأعراض الناس.

هناك تعليق واحد:

  1. فعلا فما جرى في الاونة الاخيرة من الاعتصامات السلمية كانت طريقا للاصلاح الاداري في عمان. ولكن لومي وعتابي على اولئك الذين خربوا الممتلكات العامة. فيا اخواني نحن ندعوا الى مثل ذلك المظاهرات ولكن بطريقة حضارية, فما احدثتموه من الفوضى والخراب بهذه المرافق العامة النتم مساءلين عنه. ورسولنا الكريم عليه افضل الصلاة وأتم التسليم قال:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". فأين أنتم من هذا المبدأ.

    وفقنا الله لما فيه الخير وأدعو الله بأن يعم الخير والأمن والاستقرار جميع الدول العربية وأن يوفق حكامها لما فيه الخير والصلاح.

    ردحذف