تشرفت الأسبوع الماضي بالمشاركة في ندوة حوار اجرتها احدى الصحف
المحلية حول جوانب التخطيط الاستراتيجي لمحافظة مسندم تماشيا مع التوجيهات السامية
بإقامة العديد من المشاريع التنموية في المحافظة. اجمع معظم المشاركين في الندوة
على ضرورة التركيز على السياحة كاحدى الركائز المهمة للتنمية الاقتصادية
والاجتماعية في المحافظة. الأمر الذي يجعلنا دائما امام مفترق طرق عند محاولة
التخطيط لمشاريعنا بمعزل عن الرؤية الشاملة للبلاد. فغالبا ما يكون تركيزنا على مشاريع
التنمية في المحافظات دون النظر في طريقة تكامل هذه المشاريع مع بعضها لخدمة
البلاد بشكل عام بما يضمن لها مراكز عالمية تنافسية متقدمة. فالسبب يكمن في عدم وضوح الرؤية الاستراتيجية للسلطنة 2020 لمعظمنا
وخصوصا لأصحاب القرار. فالأهداف الموضوعة لا تتعدى كونها اطرا عامة على الجميع التقيد
بها في العمل والتي تخلوا في جوانب كثيرة من اساليب القياس. فهي اشبه بالتوصيات
القابلة للتفسير والتأويل بأشكال مختلفة مما يجعل معظم اعمالنا تندرج تحتها ولو
كانت في الاتجاه الخاطئ. الشاهد هنا ان موضوع السياحة في السلطنة هو من اهم
الجوانب الاقتصادية ذات البعد الاستراتيجي الداعمة للاقتصاد وهي احد مصادر الدخل
المعول عليها لتقليل الاعتماد الكبير على قطاع النفط بل وربما للاستغناء عنه اذا
ما طورت بالشكل الصحيح. نعلم بأن وزارة السياحة لا تألوا جهدا في هذا الجانب ولكن
اليد الواحدة لا تصفق، فعمل الوزارات بمعزل عن بعضها لن يساعدنا في مواكبة التطور
الاقليمي ناهيك عن التطور العالمي في هذا الجانب. لذلك ارى ان علينا اليوم تطوير
خطة سياحية للبلاد تجعل من السلطنة وجهة سياحية على مدار العام تتكامل فيها جميع
المؤسسات العاملة في السلطنة للارتقاء بالخدمات المقدمة وتوفير التنوع السياحي
المطلوب
.
تقدر منظمة السياحة العالمية التابعة للامم المتحدة بأن عدد السياح في العالم
تجاوز في عام 2012 المليار سائح محققين ما مقداره 1.2 تريليون دولار من عائدات
التصدير. كما استطاع قطاع السياحة في العالم أن يحوز على 30% من صادرات الخدمات
ممثلا ما نسبته 9% من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي العالمي. تقوم هذه المنظمة
ايضا بترتيب دول العالم سياحيا من خلال حساب ثلاثة مؤشرات اساسية هي عدد السياح
القادمين من الخارج وحجم الدخل الذي تحققه السياحة الداخلية بالاضافة الى حجم
انفاق السياحة الخارجية. في عام 2011 جاءت
فرنسا والولايات المتحدة والصين في المراكز الثلاثة الأولى عالميا على التوالي. في
حين احتلت تركيا المركز الاول بين دول العالم الاسلامي والسادس عالميا تليها
ماليزيا في المركز الثاني بين الدول الاسلامية والتاسع عالميا. اما في دول الشرق
الاوسط فاحتلت المملكة العربية السعودية المركز الاول محققة اجمالي عدد زوار فاق
الـ 17.34 مليون زائر والذي يعزى ربما وبشكل كبير لعدد الحجاج والمعتمرين. أما
السلطنة فقد احتلت المركز العاشر بين دول منطقة الشرق الاوسط بعدد زوار يقارب الـ
1.52 مليون زائر متقدمين في ذلك على دولة الكويت فقط من بين دول الخليج العربي.
الامر الذي يجعلنا نتساءل عن اسباب تراجعنا في هذا القطاع خصوصا عند مقارنة ادائنا
بدول المنطقة، فكيف استطاعت دولة صغيرة كالبحرين التفوق علينا واستقطاب اكثر من
4.94 مليون زائر في الوقت الذي تمتلك فيه السلطنة من المقومات السياحية ما تمتلك؟
بداية أرى بأن منظومة العمل الحكومي والخاص في السلطنة تحتاج الى اعادة
نظر فيما يختص بثقافة المؤسسات وادارة مشاريع التغيير لتحقيق التكامل المنشود في
العمل. فقطاع السياحة ليس حكرا على وزارة السياحة فقط، بل على بقية الوزارات دور
مهم ايضا في الارتقاء بالقطاع بما يخدم المصلحة العامة للدولة. فللسائح متطلبات
اساسية قد تتعدى مسؤولية وزارة السياحة، كتوفر وسائل المواصلات المريحة والخدمات
الصحية النظيفة وتعدد المطاعم في البلاد وتسهيلات استخراج التأشيرات وتوفر اماكن
الايواء في مختلف المناطق بمختلف مستوياتها السياحية. الأمر الذي يدعو ليس فقط الى
تكامل العمل الحكومي، بل الى تحفيز القطاع الخاص لاستغلال مقومات السلطنة السياحية
من خلال استثمارات تستقطب مختلف انواع السياحة العالمية. فاليوم نجد اهم
مهرجاناتنا السياحية تركز على موسم الخريف في محافظة ظفار وموسم الشتاء في مسقط، فماذا
عن بقية محافظات السلطنة؟ لماذا لا تكون هناك فعاليات اقل كلفة على مدار العام
تستهدف مواسم او مقومات سياحية في مختلف ارجاء البلاد بحيث تصبح السلطنة مرتعا
سياحيا في مختلف مواسم السنة؟ لذلك ارى ان علينا تطوير خطة سياحية عملية للدولة
تشترك فيها الحكومة مع القطاع الخاص على غرار خطط الدول العالمية الاخرى، لدراسة
مقومات السلطنة السياحية ومواطن النقص أو الضعف للخروج بمشاريع مشتركة تستهدف
صناعة الطلب السياحي وليس فقط توفير العروض. ففي استراليا قامت مدينة ملبورن ممثلة
في ولاية فكتوريا الاسترالية بتطوير خطة سياحية خمسية تندرج تحت رؤية الولاية
العامة تحدد معالم ركائز السياحة في المدينة وطرق تطويرها. كان من اهم ركائز هذه
الخطة هو تحقيق سياحة مستدامة عن طريق توحيد جهود مختلف المؤسسات العاملة في
المدينة والولاية من خلال مشاريع تكاملية وشراكات عملية تنبثق من جهود عمليات التخطيط
والبحث في هذا المجال، وهذا اقل ما علينا فعله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق