الاثنين، مارس 12، 2012

الفكر أساس التنمية



عند التأمل اليوم في أهم مشاكل الأمة الإسلامية والعربية بمختلف ثقافاتها ولغاتها نجد أسبابها في فكر الشعوب والذي يعتبر المحرك الرئيسي لعجلة التنمية في جميع البلدان. للأسف لا تعتبر السلطنة بمنأى عن ذلك بحكم عصر العولمة الذي نعيشه اليوم، فالفكر العماني على الرغم من أصالته إلا أنه قد شابه الكثير من التطور أو التدهور (بمعنى آخر) والذي يتسبب اليوم في أكثر قضايانا. فعند النظر في معظم مشاكلنا الشائكة نجد جذورها متمركزة حول مستوى فكر الأفراد وقناعاتهم. فحوادث الطرق أساسها في فكر السائقين وقناعاتهم، فجميعنا نعلم علم اليقين بأهمية ربط أحزمة الأمان والتقيد بالسرعة القانونية وعدم استخدام الهواتف النقّالة أثناء القيادة، فكم منا حوّل هذا العلم إلى تطبيق؟ وكم منا يلتزم بقوانين السير عند رؤية دوريات الشرطة ويخالفها بعد ذلك؟ أما إذا تأملنا في فكر العاملين في القطاع العام والقطاع الخاص فسنجد اختلافاً واضحاً، ففكر الجهات الخاصة أكثر تنظيما وتخطيطا في حين نجد تأثر فكر القطاع العام بسياسة الدوائر أو الأقسام أو الوزارات. أما في التعامل مع الزبائن، ففكر القطاع الخاص يحرص على الخدمة الجيدة إيماناً بأهمية ذلك في نجاح المؤسسة، أما في القطاع العام فهو غالباً أقرب للتفضل والمنة منه إلى الحرص على أداء الأمانة وخدمة المراجعين (إلا ما ندر طبعاً). أضف إلى ذلك مبدأ التخطيط الذي يميل غالباً إلى قصر الأمد في الدوائر الحكومية بحكم النظام المتبع في الدولة (الخطط الخمسية) على عكس توجه معظم الشركات الكبيرة العاملة في السلطنة والتي عادة ما تضع لها استراتيجيات بعيدة الأمد تندرج تحتها خطط تنفيذية قصيرة الأمد.

أما في الجانب الصحي فعدد مرضى ضغط الدم والسكري وتصلب الشرايين وغيرها من الأمراض المزمنة في تزايد بسبب فكر النمط الغذائي المنتشر وتكاسلنا في مزاولة النشاطات الرياضية. أضف إلى ذلك فكر (مشي حالك) في التعامل مع الأمور والذي جعل الهمة لدى الكثيرين ضعيفة في تحقيق الإنجازات وطلب المعالي بحجة النظام ما يساعد، أو تفشي الواسطة أو الفساد الإداري وغيرها من شمّاعات الأعذار التي قد تكون موجودة بشكل أقل مما يجول في فكر الناس. هناك أيضاً فكر التخريب الذي بدأنا نراه مؤخراً بين فئة من شبابنا والتي أصبحت أنفسهم تسوّل لهم تخريب وتشويه المرافق العامة وإيذاء الآخرين بحجة الإصلاح أو المطالبة بالحقوق أو بحجة المتعة والرجولة. كل ذلك وأكثر مما يحثنا اليوم إلى دراسة أشكال الفكر العماني الحديثة وطرق إدارتها من خلال خطة وطنية لتطوير الفكر في البلد تشترك فيها الجهات المعنية العاملة في السلطنة (عامة وخاصة) بما يخدم مشاريع البلد التنموية في مختلف القطاعات وبما يفرز لنا أجيال مستقبلية قادرة على حمل اللواء. فالعقليات المتحجرة أو السلبية هي دائما أهم وأصعب مشاكلنا والتي للأسف قد تنتقل من جيل لآخر ومن الآباء إلى الأبناء ومن الرؤساء إلى المرؤوسين إن لم نعمل على إدارتها بالشكل المطلوب.

 
دعونا في البداية أن نفرق بين التعليم والفكر والذي قد يظن البعض أنهما وجهان لعملة واحدة. فالتعليم من عناصر الارتقاء بالفكر الأمر لا يعني بالضرورة أن المتعلمين هم فقط أصحاب الفكر الراقي ومن دونهم أقل فكراً. فهناك عناصر أخرى في منظومة تكوين الفكر لا تقل أهمية ايضاً كالتربية الدينية والاجتماعية والأسرية بالإضافة إلى وسائل الإعلام وخبرات الحياة المكتسبة لدى الفرد منا وتطبيقات التقنية الحديثة وغيرها. فكم من المتعلمين الذين يخالفون قواعد السير وكم من غير المتعلمين المنضبطين في العمل، فهي منظومة متكاملة يجب علينا دراستها والعمل على حسن تطويرها وإدارتها. كما يمكن أن تضاف خبرات الفرد منا ومهاراته المكتسبة طوال الحياة إلى منظومة الفكر لتفرز لنا أفرادا في المجتمع يفكرون بشكل مختلف. الأمر الذي نشجع عليه عند اتفاقنا على الأساسيات النابعة من ديننا وعاداتنا الأصيلة ومفهوم المواطنة. أما الفكر كمفهوم فيعرّفه الدكتور طارق السويدان بأنه إعمال للعقل في قضية معينة للوصول إلى رأي جديد. فالواجب هنا أن نسعى لصفاء العقل وجاهزيته قبل البدء بالتفكر، ففاقد الشيء لا يعطيه. يأتي هنا دور الأسرة والمدرسة والإعلام المحلي ومؤسسات الدولة إجمالاً في التصدي لجميع الأفكار الهدامة ونمطية التفكير السلبية التي تأتينا من المجتمع أو من خارج السلطنة على شكل برامج وأفلام تلفزيونية أو مجلات وكتب أو مواقع إلكترونية أو دورات وفعاليات اجتماعية عامة.

ولتأكيد اهمية الفكر في التنمية دعونا نستعرض الخطوات الجديدة أو الفكر الجديد الذي اتصفت به شريحة من القادة الشباب الجدد الذين استطاعوا الجمع بين العلم والفهم الصحيح للعقلية العمانية ومواكبة العصر الذي نعيشه اليوم. فمع احترامي الشديد لجميع السابقين إلا أنهم ربما قد افترقوا لأحد هذه العناصر إن لم يكن لجميعها. انظر اليوم مثلاً في سعي معالي رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون لقيادة مسيرة تطوير الإعلام العماني من خلال استغلال موقع الفيسبوك للتواصل مع الشباب، والذي بدأنا نرى نتائجها من خلال القضايا المطروحة في أخبار العاشرة والبقية تأتي إن شاء الله. فلذلك علينا اليوم اخواني القرّاء أخذ مسألة الفكر محمل الجد وعدم التهاون في التخطيط لتطوير الفكر العماني وإزالة الغشاوات والشوائب التي قد تكون وراء أكثر قضايانا. فالحلول المطروحة اليوم أكثرها حلول مؤقتة تركز على قشرة القضية ولا تصل في غالب الأحيان إلى لب أو جذر المسألة (الفكر).

هناك 3 تعليقات:

  1. نورة الجابري14 مارس 2012 في 8:37 م

    اؤكد بكلامك هذا كلام د. طارق السويدان:
    "هناك بعض الحضارات نشيطو وهناك حضارات مريضة وهناك حضارات مريضة جدا وقد تصاب بعض الحضارات بمرض شديد يؤدي الى ركودهابما يشبه بغيبوبةولكن هناك من يأتي من أصحاب الفكر اذا عادوا الى فكرتهم الأصلية يمكن ان يتعافوا. فالحضارات تصاب بمقتل اذا تأثر فكرها أو انحرف"
    فلا بد من اليقظة حتى نكون في مصاف بعض المجتمعات التي تركت بصمة في العالم الإسلامي

    ردحذف
  2. كلام صائب في محلة .....وأعجبتني نقطة ..هي أننا نعلم القواعد ولاكن لا نطبقها (((المرور )))

    ردحذف
  3. الحمد لله على نعمة العقل . القران الكريم قد ركز على استخدام العقل في اكثر من موضع يدعو الناس لاستخدام عقولهم وعدم التقليد و الانصياع لعباد الشهوات والاهواء . و الدين الاسلامي لم يكره اي شخص على اعتناقه بل دعا المسلمين لنشره وترك امر اعتناقه مخير للشخص فيتفكر في امره و سر وجوده و الحكمة من خلقه وياتي امر اعتناقه للاسلام لقناعته بصحة معتقده. ومن الموسف ما نلاحظه في الامة الاسلامية حاليا من تدهور و رضوخ للغرب وذلك بسبب بعدنا عن معتقدنا و التخلي عن شريعتنا الاسلامية .

    ردحذف