بدأنا الأسبوع الماضي سلسلة من الدروس نهدف من خلالها إلى تسليط الضوء على أهم القضايا المحيطة بمفهوم الحكومة الإلكترونية. نعلم جميعاً بأن السلطنة تخطو خطوات ثابتة في هذا الإتجاه وتعمل الحكومة ممثلة بهيئة تقنية المعلومات ووزارة الإقتصاد الوطني إلى التخطيط لنشر الوعي بهذا المفهوم وتهيئة جميع الظروف لخلق بيئة ومجتمع رقمي في البلاد. تأتي هذه الدروس لزيادة التوعية بحيثيات هذا الموضوع ولتشجيع الباحثين والمهتمين لعمل المزيد من البحوث في قضايا مهمة ذات علاقة وتأثير مباشرين لنجاح مبادرات الحكومة الإلكترونية في البلاد.
تحدثنا في درسنا الماضي عن أهمية معرفة الفرق بين المؤسسة الحكومية والمؤسسة التجارية لتجنب الوقوع في بعض المغالطات كالظن بأن بإمكان الحكومات بصفة عامة والمؤسسات الحكومية بصفة خاصة تبني نفس التطبيقات الموجودة في القطاع الخاص بنفس الكيفية والأسلوب متوقعين نفس النتائج. وإستنتجنا بأن المؤسستين (الحكومية والخاصة) مختلفتين في جوانب كثيرة مما يحتم على المسؤولين في الحكومة ضرورة تبني أساليب مختلفة وربما برمجيات وتطبيقات مختلفة أو معدلة حسب إحتياجات وضروف وخصوصية المؤسسة الحكومية. سنقوم في هذا الأسبوع بإذن الله بتسليط الضوء على تعريف مصطلح الحكومة الإلكترونية والأهداف المرجوة منها. ستلاحظوا معي أخواني القرّاء بأن هناك تعاريف مختلفة بين البلدان تختلف بإختلاف الأهداف المرجوة، كما سنرى بأن بعض الدول قد تتبنى فكرة الحكومة الإلكترونية بسسب أهداف خاصة غير معلنة.
يُعرّف البنك الدولي مصطلح الحكومة الإلكترونية بأنه إستخدام الحكومات لأحدث تقنيات المعلومات والإتصالات. فالتركيز في التعريف السابق على إستخدام التقنية والتقنية الحديثة وليست القديمة. في حين تنظر منظمة التعاون والتطوير الإقتصادي الأوروبي (OECD) إلى التقنية كوسيلة لا غاية وأن على الحكومات تطوير إجراءاتها وتحسين معاملاتها الداخلية والخارجية قبل تبني التقنية الحديثة. من جانب آخر، تعتبر بعض الحكومات الأفريقية مفهوم الحكومة الإلكترونية بأنه أي إستخدام (صغر أو كبر) للتقنية داخل المؤسسات الحكومية. فإذا وُجد جهاز حاسوب واحد فقط لطباعة التقارير في أحد المؤسسات الحكومية فذلك في منظور هذه الدول بمثابة "حكومة إلكترونية". في حين تعتبر بعض الدول الآسيوية وجود وحضور المؤسسات الحكومية في الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت) على هيئة مواقع إلكترونية (Websites) بمثابة حكومة إلكترونية بغض النظر عن مدى فاعلية هذه المواقع. فما هو يا ترى حقيقة مفهوم الحكومة الإلكترونية؟
في الواقع، جميع هذه التعاريف صحيحة على الأقل من منظور الدول والحكومات التي تختلف فيما بينها في الأهداف المرجوة من تطبيقها لمشروع الحكومة الإلكترونية. فبعض الدول تؤمن فعلاً بأهمية تحسين الأداء الحكومي من خلال توظيف التقنيات الحديثة بهدف الإرتقاء بخدمات المواطنين والمساهمة في تطوير الإقتصاد المحلي. في حين تهدف دول أخرى لزيادة شعبية الحزب أو النظام الحاكم خصوصاً قبيل الإنتخابات بتبني مبدأ الحكومة الإلكترونية لإظهار تعاون وتعاطف وتفهم الحاكم المقبل لأهمية تسهيل خدمات المواطنين والقضاء على الفساد وزيادة الشفافية في إتخاذ القرارات. أما دول أخرى فقد تهدف بالحكومة الإلكترونية فقط إلى مجاراة الواقع والسوق وربما إلى تحسين صورة الدولة أمام نظيراتها من الدول (عادةً المجاورة)، فالفائدة المنشودة هنا هي منافسة الدول المحيطة أولاً ومن ثم خدمة الأداء الحكومي ثانياً وربما ثالثاً. يؤكد لنا هذا الإختلاف في التعريفات والأهداف المنشودة من تبني الحكومة الإلكترونية القضية التي طرحناها الأسبوع الماضي في إختلاف المؤسسات الحكومية عن المؤسسات الخاصة. فإذا أحببتم أخواني القرّاء البحث في تعريف التجارة الإلكترونية (E-commerce) أو العمل التجاري (E-Business) وهما المصطلحان المرادفين لمصطلح الحكومة الإلكترونية في عالم القطاع الخاص، فلن تجد ذلك الإختلاف الكبير والظاهر كما هو الحال في مفهوم الحكومة الإلكترونية. ذلك أن الشركات التجارية وإن إختلفت أنواعها وتخصصاتها فأهدافها واحدة بصورة عامة (الربح المادي)، أما الحكومات والدول فتختلف فيما بينها في جوانب كثيرة منها السياسية والإقتصادية والديموغرافية والإيديولوجية وغيرها.
مما سبق قد تتسائل أخي القارئ أختي القارئة عن كيفية معرفة الأهداف الفعلية المرجوة من الحكومة الإلكترونية لدى الدول في ظل وجود أهداف غير معلنة. للإجابة على ذلك أقترح على الباحثين والمهتمين المقارنة بين تعريف الدول الخاص للحكومة الإلكترونية وبين الخطط والإنجازات المنفذة على الواقع. فللحكومة الإلكترونية عدة وجوه (جوانب أو أنواع) يمكن تطبيقها بتدرج والتي عادةً ما يتبين من خلالها أهداف الدولة المرجوة من الحكومة الإلكترونية. لعل من أهم هذه الوجوه تطبيقاً هو جانب تسهيل الوصول للمعلومات والذي تقوم من خلاله المؤسسة الحكومية بتوفير المعلومات المطلوبة للأفراد والشركات بإختلاف إحتياجاتهم وتخصصاتهم عن طريق موقع المؤسسة الإلكتروني. عادةً ما يتبع هذا الجانب جوانب أخرى كتقديم الخدمات الإلكترونية (e-services) وعمليات البيع (e-commerce) والشراء (e-procurement) الإلكتروني. في المقابل، من أقل جوانب الحكومة الإلكترونية تطبيقاً عالمياً هو الحوكمة الإلكترونية (e-governance) بإختلاف تعريفاته دولياً وكذلك جانب الإمتثال الإلكتروني (e-compliance). يهدف الجانبين الأخيرين بصورة عامة إلى إشراك الدول للأفراد في إتخاذ القرارات المحلية وإلى التخاطب المباشر (بشفافية) بين المسؤولين الحكوميين بإختلاف مناصبهم وبين الأفراد مما قد يزيد من إذعان وإمتثال المواطنين للقرارات المطروحة والتي شارك الجميع في كتابتها. من جانب آخر يجب التنبه إلى مقدار الصرف المادي للدول المبذول في هذا الجانب ومقارنته بمقدرة الدولة المادية وأولوياتها المطروحة.
شكرا على الجهد الرائع أخي والمعلومات القيمة.
ردحذف