تلقيت في مطلع الأسبوع الحالي (كبقية المعلمين) العديد من رسائل التهاني النصية بمناسبة يوم المعلم بالإضافة
إلى عبارات (كل عام وأنتم بخير) داخل العمل وخارجه. طبعاً للأمانه لم أكن أعلم
السبب في البداية وكان الرد بشكل آلي (وأنتم بخير وصحة وعافية) مع بعض نظرات
الاستغراب والتساؤل. فالظاهر أن التغطية الإعلامية لاحتفال السلطنة بيوم المعلم
ذكرّت الناس بهذه المناسبة المهمة والتي جعلت الناس تسارع لتهنئة المعلمين، تلك
الفئة التي نعوّل عليها كثيرا في صناعة الأجيال القادمة. فبالرغم من انقسام الناس
بين مؤيد لهذا الاحتفال ومعارض، فالشاهد هنا هو أن هذه المناسبة ضرورية للوقوف على
إنجازاتنا في قطاع التعليم وتقييم ما تم تحقيقه والنظر فيما هو آت. فمنذ بداية
النهضة المباركة وأهمية التعليم كانت من أولويات اهتمامات وأهداف الحكومة الحكيمة والتي
تبلورت على شكل إنجازات متوالية عبر خطط خمسية عملت عليها وزارة التربية والتعليم
في البلاد. تلك الوزارة التي تعاني الأمرين اليوم في تنظيم الصفوف والجهود ومحاولة
النهوض من إخفاقات تسببت فيها بعض القيادات السابقة. فها نحن اليوم نحتفل بيوم
المعلم فهل نستطيع في الوقت ذاته أن نحتفل بمستوى المعلم والطلبة والتعليم في
البلاد؟
جميعاً نترقب نتائج تقييم التعليم في السلطنة الذي أمر به جلالة السلطان المفدى في خطابه الذي ألقاه في افتتاح الانعقاد السنوي للفترة الخامسة لمجلس عمان. الأمر الذي سيساعدنا على الوقوف على جميع الأخطاء الجسيمة التي ربما قد ارتكبت في حق شريحة من الأجيال القادمة بالإضافة إلى إظهار أسباب الخلل في عدم فاعلية المناهج التي باتت هاجس مستقبل البلد. وبالرغم من أن التقييم لم يكتمل (أو ربما لم يبدأ لا ندري) يمكننا اليوم النظر في التقييمات الدولية لمستوى التعليم في البلاد والنظر في المستويات المختلفة التي حازت عليها السلطنة خلال السنين الماضية. فكما ذكرنا في المقالة السابقة، جاء ترتيب السلطنة في تقرير التنافسية العالمي لعام 2011م في قطاع الصحة والتعليم الأساسي 81 من أصل 142 بلدا، وفي قطاع التعليم العالي والتدريب جاء ترتيبنا في المرتبة 63 دولياً. الأمر الذي يضعنا في القطاع الأول في ذيل قائمة دول الخليج العربية وفي القطاع الثاني في المرتبة قبل الأخيرة متقدمين على دولة الكويت فقط. وإذا تعمقنا في هذين القطاعين نجد أن السلطنة جاءت في المرتبة الـ127 في نسبة عدد الطلبة المقيدين في التعليم الأساسي، وفي المرتبة الـ48 في جودة التعليم الأساسي. اما في قطاع التعليم العالي والتدريب وتحديداً في نسبة الطلبة المقيدين بالتعليم الثانوي فاحتلت السلطنة المرتبة الـ58 والمرتبة الـ80 في نسبة الطلبة المنتسبين إلى مؤسسات التعليم العالي. أما في جودة التعليم العالي فاحتلت السلطنة المرتبة الـ46 والمركز الـ68 في تعليم مادة الرياضيات ومادة العلوم. كما حققنا المرتبة الـ97 في جودة مدارس الإدارة، وجاء ترتيبنا في المركز الـ90 في توفر خدمات البحوث والتدريب، وفي المركز الـ42 عالمياً في حجم تدريب الموظفين في قطاع التعليم العالي. كل هذا يساعدنا اليوم (بشكل عام) في معرفة الوضع الحالي للتعليم في البلاد ومقارنته ببقية الدول في العالم وفي منطقة الخليج العربية للعمل على تحديد أين نريد ان نصل بعد عشر سنوات أو أكثر من الآن والعمل على وضع الخطة الاستراتيجية اللازمة لتحقيق ذلك؟
يساعدنا التقرير أيضاً في معرفة أفضل الدول في العالم في القطاعات التعليمية آنفة الذكر والتي يجب علينا اليوم الاستعانة بها وبتجاربها للارتقاء بالتعليم في البلد. فالواضح من التقرير أن كبرى الدول الصناعية لم تعد تحتل قمة الهرم العالمي في التعليم والتدريب وأن هناك دولا أخرى صغيرة استطاعت أن تتفوق عليها من خلال برامج وخطط مدروسة يمكننا اليوم دراستها والاستفادة منها. ففي قطاع التعليم الأساسي احتلت فنلندا المرتبة الأولى ثم بلجيكا وبعد ذلك سنغافورة عالميا، وخليجيا جاءت دولة قطر أولا في المرتبة الـ12 عالميا والإمارات ثانيا في المرتبة الـ 24. أما في قطاع جودة نظام التعليم فجاءت سويسرا الأولى عالميا ثم سنغافورة ثانيا وفنلندا ثالثاً. واحتلت دولة قطر أيضاَ المرتبة الأولى خليجيا والمرتبة الرابعة عالمياً متفوقة على كبرى الدول الصناعية في هذا المجال .وفي جودة تعليم مادتي الرياضيات والعلوم جاءت سنغافورة أولاً عالميا ومن ثم بلجيكا وفنلندا ثالثاً. وفي دول الخليج جاءت قطر الأولى خليجيا أيضا في المرتبة الـ13 عالمياً والإمارات ثانيا خليجيا محققةً المرتبة الـ26 عالميا. أما في جودة مدارس الإدارة فاحتلت بلجيكا المرتبة الأولى عالميا والمملكة المتحدة ثانيا وسويسرا ثالثاً، ومن دول الخليج جاءت أيضاً قطر الأولى خليجيا محققة المركز الـ7 عالميا تليها الإمارات بفارق كبير في المركز الـ 38.
خلاصةالقول إخواني وأخواتي القرّاء، أننا على وشك البدء
في مشروع وطني استراتيجي كبير يبدأ بتقييم شامل لقطاع التعليم العام في البلاد
يليه ربما تقييم مباشر للتعليم العالي أيضاً. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عمن سيقوم بعمل
هذا التقييم وترتيب هذا المشروع في أولوياتنا؟ أضف إلى ذلك من أين لنا أن نأتي
بالخبرات الدولية لتشاركنا في هذا التقييم وتساعدنا في وضع الحلول الناجعة؟ فلم
تعد الأسماء اللامعة التي عهدناها كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان على قمة
الهرم، فالتقييم الاخير يشير إلى أن علينا الاستعانة بدول أخرى كسنغافورة وفنلندا
وقطر مثلاً. فالدول الأجنبية الأولى عالميا ستعطينا أفضل التجارب والدول الخليجية
ستعطينا التجربة الخليجية (الأقرب
إلى واقعنا) لتطبيق تلك التجارب العالمية الرائدة. أضف إلى ذلك أن علينا اليوم
الربط بين مستقبل التعليم في البلاد والرؤية الاستراتيجية للسلطنة الواجب دراستها
هي الأخرى كما اسلفنا في المقالة السابقة. فالتعليم يعتبر من أهم عناصر بناء
الإنسان العماني، الذي يعوّل عليه مستقبلا لحمل راية التطوير والبناء. وبذلك
سنستطيع بإذن الله أن نحتفل يوماً بمستوى متميز للتعليم في البلاد مع احتفالنا
بيوم المعلم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق