الأربعاء، يناير 15، 2014

توحيد المسؤولية الاجتماعية للشركات

 
تعتبر مؤسسات القطاع الخاص مشروعات المسؤولية الاجتماعية اليوم من اكبر التحديات التي تواجهها والتي تأتي عادة على شكل ضغوطات اجتماعية وقانونية وسياسية. ففي الوقت التي قد تُجبر هذه الشركات بشكل مباشر أو غير مباشر على تخصيص مبالغ ومصادر مالية وبشرية لخدمة المجتمع، نادرا ما تعود هذه الاستثمارات على الشركات بالكثير من الفائدة. فمن الطبيعي أن تضع هذه الشركات نصب اعينها الجدوى الاقتصادية للمشروعات قبل البدء فيها، فما الفائدة التي ترجوها هذه الشركات مثلا من دعم الجمعيات الخيرية أو تمويل مشروعات صحية أو بناء وحدات سكنية أو تنفيذ برامج تدريبية للمواطنين وغيرها من مشروعات المسؤولية الاجتماعية سوى ربما تحقيق سمعة طيبة أو كسب ثقة الحكومة؟ فالسمعة الطيبة قد تضمن للشركات ولاء المستفيدين والزبائن، أما ثقة الحكومة فقد تضمن لها مزيدا من المشروعات في المستقبل، وفي الحالتين تعتبر هذه المنهجية من اكثر الوسائل تكلفة على الشركات للوصول للنتائج ذاتها هذا إن سلمنا بأهمية هذه النتائج لدى الشركات. فنحن اليوم نتحدث عن مئات الآلاف من الريالات تصرف على المجتمع وليس على زبائن الشركة أو على عمليات ترويج المنتجات أو لتطوير أعمال الشركات الداخلية والخارجية، فهي اقرب لكونها مسؤولية وتحديا من كونها فرصة استثمارية وربما لو كانت خيارا لما وجدنا الكثير من المشروعات في هذا الجانب، فالحمد لله أنها ليست كذلك.
 
تعتمد الكثير من مؤسسات الدولة على مخصصات الشركات لهذه المشروعات في دعم عجلة التنمية في البلاد من باب تشجيع الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص. فهناك دوائر في معظم جهاتنا الحكومية تُعنى بموضوع الرعاية للمشروعات والفعاليات بحيث تحاول هذه الدوائر الحصول على دعم مادي من الشركات يساعدها ماديا على تنفيذ مشاريعها وأعمالها بشكل عام. اذكر أننا استعنا اكثر من مرة بشركات القطاع الخاص لابتعاث عدد من الطلبة للمشاركة في مؤتمرات دولية في أوروبا وشرق آسيا والخليج. كما حصلنا أيضا مرات عدة على رعاية مادية لبعض مؤتمراتنا المحلية ولبعض المعارض والفعاليات التي يقوم بها الطلبة في الجامعة. انظر أيضا إلى مهرجان مسقط وصلالة السياحي الذي يساهم فيه القطاع الخاص بأموال طائلة، ناهيك طبعا عن شركات النفط والغاز ودعمها المتواصل في قطاع التعليم والتدريب والصحة والبنية الأساسية. في المقابل نجد أن الشركات نفسها لا تخلو من دوائر تُعنى بمشروعات المسؤولية الاجتماعية مما جعلها هدفا للكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة بالإضافة إلى المؤسسات الحكومية. فمن السهل اليوم على الشركات الصغيرة والناشئة أن تعرض خدماتها أو منتجاتها على هذه الدوائر لتتبناها من باب المسؤولية الاجتماعية. فمثلا كأن تقوم بعض المراكز التدريبية بتقديم دورات تدريبية للباحثين عن عمل من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية في الشركات الكبيرة. الأمر الذي فتح الباب أيضا لأنواع المحسوبيات حول الآلية المتبعة لتقييم وإسناد مشروعات المسؤولية الاجتماعية داخل الشركات.


إذا تأملنا في الجهود المبذولة في السلطنة في هذا الجانب، نجد كبرى الشركات الحكومية والخاصة تساهم في المشروعات الاجتماعية غالبا بشكل فردي وبشكل غير منظم وغير ممنهج. نعم جميعها ينصب في خدمة المجتمع وقد يتم تنفيذها تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية أو بعض الوزارات المعنية الأخرى بحسب طبيعة المشروعات، إلا أنها تفتقر لمبدأ الرؤية الشاملة. فلا توجد لدينا استراتيجية لاستغلال هذه المبالغ الكبيرة التي تخصصها الشركات سنويا بشكل يعود بالنفع على اكبر شريحة ممكنة من المجتمع. ففي الوقت الذي قد يطالب المجتمع الدولة ببعض المشروعات التنموية أو الاجتماعية التي قد لا تجدها الحكومة ذات جدوى في الوقت الراهن كمشروع حديقة الحيوانات مثلا أو مشروع صندوق الزواج وغيرها، فلم لا تتم الاستعانة بمخصصات الشركات لبرامج المسؤولية الاجتماعية لتنفيذ مثل هذه المشروعات؟ لن يكون الهدف هنا ربحيا بقدر ما سيهدف لتحقيق الاستدامة والاستمرارية للمشروعات. ناهيك أيضا عن أهمية التركيز بحيث يتم وضع الأولويات للحاجات الاجتماعية بشكل مدروس وعلمي وعليه تخصص الأموال وتنفذ المشروعات. فقد تكون حاجتنا للحد من مخاطر المخدرات أو لتمكين الناشئة لتبني العمل الخاص اكبر مثلا من دعم مهرجان ما أو رعاية فعالية هنا أو هناك. لذلك أرى أن يوكل بهذا الموضوع لوزارة التنمية الاجتماعية أو أن تنشأ هيئة حكومية لمشروعات المسؤولية الاجتماعية تهدف لتوحيد جهود الشركات المبذولة في خدمة المجتمع (أو جزء منها) لما فيه الصالح العام، بحيث تكون هذه الهيئة (أو الدائرة) المرجع لدراسة حوائج المجتمع الماسة ووضع الأولويات لها. ليس ذلك فحسب، عليها أيضا أن تُعنى بتشجيع الشركات على البذل بما يضمن للشركات ذاتها حقوقها الملكية والمادية وأن تقوم بمراقبة ومتابعة تنفيذ المشروعات الاجتماعية ومحاولة خصخصتها إن أمكن، للارتقاء بالجودة وضمان الديمومة وإيجاد فرص عمل اكثر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق