الثلاثاء، أكتوبر 25، 2011

عقدة الخواجة بيننا


يقال إن للاستعمار أشكالا عديدة منها ما يحدث بمحض أيدينا واختيارنا ومنه ما قد يفرض علينا فرضا. لا يختلف اثنان اليوم على التأثير الغربي الكبير على بلداننا العربية والإسلامية على حد سواء والسلطنة ليست بمعزل عن ذلك. فالتأثير موجود بيننا جميعا ولكن تختلف حدته ونوعه بين شعب وآخر. تعتبر التأثيرات الأجنبية إيجابية في بعض جوانبها ولكن هناك سلبيات عديدة قد تتولد منها إن لم نحسن التعامل معها وتحسسها قبل شيوعها وكذلك إن لم نعمد لوضع الضوابط والاحترازات لها. قرأت قبل مدة زمنية ليست بالبعيدة تصريحا لأحد علمائنا الأجلاء بأن هناك ظاهرة تنتشر بين شبابنا في السلطنة تسمى بظاهرة الأيمو (EMO) وهي اختصار لمسمى (Emotional Hardcore) والتي نشأت في الغرب بين فئات الشباب المولعين بالغناء الصاخب المسمى بـ (Rock) والتي حاولوا ان يصبغوا لهم صبغة معينة من خلال ملابس وتسريحات مميزة (من وجهة نظرهم) ليستطيعوا تمييز أنفسم عن الفئات الأخرى المشابهة لهم وعلى رأسها الفئة المعروفة باسم الـ (Punk)  فعندما نرى بعض شبابنا يقومون بتقليد هذه الصرعات دون علم (أو حتى بعلم) عن مدلولاتها أو ببعدها التاريخي والاعتقادي نجد في ذلك مؤشرا لبداية مشاكل مستقبلية يجب علينا ليس فقط التنبيه بسلبياتها بل النظر في كيفية احتوائها بما يضمن لنا المحافظة على هويتنا العمانية العربية الإسلامية الأصيلة.

قد يتعدى التأثير الغربي أو ما يسمى بعقدة الخواجة سلوكياتنا الاجتماعية إلى الحياة العملية والمهنية بما فيها من تأثيرات إقتصادية على البلد. فكم من المرات أحس أحدنا بأن الأفكار المحلية التي مصدرها مواطنون عمانيون قد لا تلقى صدى كبيرا بين المسؤولين وأصحاب القرار إن لم يختم عليها باسم أحد الخبراء أو الشركات الأجنبية. وكم من المرات قامت العديد من الجهات الحكومية والخاصة بالاستعانة بشركات وخبرات خارجية دون النظر إلى الخبرات المحلية على الأقل من باب إشراكهم في العمل لكسب مزيد من الخبرات. كثيرا ما سمعنا ورأينا بمثل هذه الحكايات التي قام فيها بعض العمانيين ببذل الجهد الكبير في العمل ولكن الثقة في نتاجهم من قبل رؤسائهم كانت شبه مفقودة. أخبرني أحد الإخوة بأنه بذل ما يقارب عاما كاملا مع فريق عمل محلي لرفع تقرير عن دراسة معينة لجهة عمله. ما لبثت هذه الجهة (أو صاحب القرار) أن استعان بشركة استشارية أجنبية نظير مبلغ ثلاثين ألف ريال عماني لعمل نفس الدراسة والتي لم تزد على نتائج التقرير الأول إلا بعض الجمل الهامشية وبعض الأمور الشكلية. ففازت الشركة بالمبلغ المالي ولم يحصل فريق العمل المحلي حتى على رسالة شكر!


الأمثلة كثيرة إخواني القرّاء ولعل آخرها بالنسبة لي هو ما واجهه الزميل الدكتور جميل الشقصي والذي شارك في معرض السلامة المرورية بمشروع تقني يعتبر الأول من نوعه في الشرق الأوسط إن لم يكن في العالم أجمع للحد من حوادث السير التي سببها السرعة القاتلة. فبالرغم من العديد من جمل الإطراء والتشجيع الذي وجدناه من معظم الزوار إلا أن ما أزعجنا كثيرا هو تشكك العديد من أصحاب القرار في مقدرة الإنسان العماني على الإبداع (الإتيان بجديد) حاله حال أي إنسان آخر في هذا العالم. فكانت مجمل تساؤلاتهم عما إذا كانت هناك دول قد سبقتنا لمثل هذا المشروع أو أنه ليس بالإمكان تطبيق فكرة جديدة في السلطنة إلا بعد ان تتبناها دولة متقدمة تثبت لنا نجاحها. ما هذه العقلية التي تفرض على الشعب حب التقليد بدلا من التشجيع على الابتكار؟ ولماذا لا نكون نحن العمانيين من يصّدر للعالم بعض الأفكار الجديدة الإبداعية؟ أم قد ختم علينا بالذلة والمسكنة وعدم القدرة على التفكير؟

ما هذا إلا ذوبان في العقلية الأجنبية وتأثير واضح لعقدة الخواجة بما لها ما تأثيرات واضحة على جميع مجالات حياتنا. لذلك علينا اليوم في السلطنة أن نخطط لكيفية التعامل مع الغزو والتأثير الفكري الأجنبي السلبي بجميع أنواعه. فالسبب يرجع كما هو معلوم إلى تفوق الغرب الكبيرعلينا في جميع مجالات الحياة تقريبا. فمن الطبيعي بمكان أن تتبع الدول الضعيفة الدولة القوية كما كان الحال في العصر الذهبي للأمة الإسلامية وتأثيرها الواضح على الدول الغربية آنذاك وإلى اليوم. حيث كان طالبو العلم الغربيون يهاجرون لتلقي العلم على أيدي المسلمين بل ويتباهون بمعرفتهم بأحاديث ونظريات العلماء المسلمين كما نتباهى اليوم نحن بمعرفتنا لنظريات الغربيين. ليس هذا مسوغا أن نذوب في الحضارة الغربية دون أن نُعمل العقل في أخذ كل ما هو مفيد وترك مالاينفع. في البداية يمكن أن نعترف بوجود المشكلة وبعد ذلك نحلل أسبابها وتأثيراتها الدينية والاجتماعية والاقتصادية محاولين وضع الحلول الناجعة على شكل مشاريع إنمائية فكرية استراتيجية للمحافظة على هويتنا التي طالما حرصت حكومتنا على صيانتها.

هناك 3 تعليقات:

  1. الدكتور جميل الشقصي ما شاء الله أبدعت بمشروعك فليبارك الله في هذه الهمم ولتستمر ابداعات العمانيين واحدة تلو الاخرى. ولكن لا زلت أتساءل لماذا لم يطبق مشروع الشقصي؟ لهذه الدرجة نستهين بطاقات العمانيين.أليس لنا الفخر بأن نصدّر للأمم ابداعاتنا؟فهذا نحن الذي ننادي به.

    ثانيا: احذروا ياأخوة وياأحوات فالخطر يداهمنا من ظاهرة الأيمو.فبالله عليكم يا ناس كيف نبني حضارتنا اذا كنا نحن بهذه الحالة؟ وما قيمة ما يحمله الانسان من علم وشهادات اذا كان من بيننامن يعاني من عقدة الخواجة؟
    ستظل هذه العقدة موجودة اذا تخلينا عن مبادئنا وقيمنا ولهثنا وراء تيارات الفكر الغربية الزائفة التي لا تمت صلة لهذا الدين

    ردحذف
  2. جميل جدا يا دكتورنا العزيز أن تتطرق في هذا الجانب المهم وللأسف الجانب الذي نراه تراة تلو تارة يتزايد ويتطور في بلادنا العزيزة عمان... ففي تطرقك وتحدثك عن ظاهرة الأيمو هذه الظاهرة الخبيثة والتي تنتشر بكثره بين مجتمعاتنا وللأسف معظم هذه الفئة لا تعرف معنا الأيمو بصورتها الحقيقية وإنما أعتقادهم بأن هذه الظاهرة أنما ظاهرة شكليات في الملبس والتصرف فقط ولايدركون حقيقتها ففي يوم تابعت برنامج خاص يصف هذه الفئه وللأسف لم أكن أدري شموليت هذه الفئة إلى أن تصل إلى فئة صار لها دين ومظهر وطابع يميزها بذاتها فلذلك يجب توعيت شبابنا وأن ندرك هذه الظاهرة قبل فوات الأوان ... وفي الجانب الأخر عندما ذكرت عن تجاهل خبراتنا والتركيز على الخبرات الغربية وعدم تكريم ومكافئة وتشجيع خبراتنا فلقد شدني هذا الجانب بأن اذكر قصة والدي عندما شارك ببحث عبارة عن دراسة لمشروع سياحي كبير وكنت أقوم بمساعدته في بحثه وشارك به في مسابقة لآفضل دراسة لمشروع سياحي وبعدما شارك به أخبروه بأنه قد فاز بالمركز الأول فكنت أول مهنئيه لأنني أدرك البحث وجهده فيه وعندما جاْ موعد التكريم للأسف لم يكر إلا بهدية رمزية لا تسمن ولا تغني عن جوع فقال لي والدي لو سلم أحد أجنبي هذا البحث لكان عطوه الألاف المألفه وفكيف لنا بأن نطور خبراتنا ولايوجد هنالك أهتمام وتشجيع لها ... وأريد أن أدخل في نقطه وهي تأثير الثقافات والفكريات الدخيلة علينا بأخص في الجانب الدراسي فكيف لنا أن ندرس مواد هي مدسسه ضدنا وأقصد بذالك مستهدفه لفكرنا وثقافتنا وعادتنا وديننا ونجد هذا في العديد من الكتب الدراسية التي ندرسها ويمكننا توثيق ذالك عندما نقرأ أحد الكتب الدراسية التجارية المدرسة في كلية التجارة نجد أن هذه الكتب تصف الأرهاب وتكرسه فينا وتعطينا نضره دخيلة للعديد من الدول لثقافتنا مثل ما يصفون العديد من الدول المعادية لهم مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية .... فلذالك يجب أن ندرك ونتدارك قبل فوات الأوان

    ردحذف