الاثنين، أكتوبر 10، 2011

ماذا ورث العالم من رئيس شركة أبل الراحل؟


لم يعلم جميع محبي التقنية الأسبوع الماضي وهم يترقبون تدشين النسخة الجديدة من الهاتف الذكي آي فون (iPhone) أنهم على وشك سماع خبر لطالما كرهوا التفكير فيه رغم توقعهم له. فقد جائت وفاة الرئيس التنفيذي السابق لشركة أبل الأمريكية (ستيف جوبس) يوم الأربعاء الماضي كالصاعقة على قلوب الكثيرين من محبي منتجات الشركة والعالم الأجمع. حتى قادة كبرى دول العالم كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبريطانيا كانوا من أوائل المعزين، ناهيك طبعاً عن رؤساء الشركات المنافسة كشركة سامسونج ومايكروسوفت وغيرهم ممن أبدوا بصدق التأثر والحزن الكبيرين على وفاة ممن إعتبروه أعظم قائد شركة تقنية في العالم. كما أفرغت معظم قنوات الإعلام العالمية والمجلات المشهورة كمجلة الإكونومست (Economist) ومجلة بلومبرج للإعمال التجارية (Bloomberg Business Week) مساحات كبيرة للحديث عن هذه الحادثة وعن إنجازات هذا الرجل، فلطالما قرنت شركة أبل وإبداعها بهذا الرجل الملهم والتي تعتبر حياته مليئة بالمتناقضات والجدل. لست هنا للحديث عن تاريخ هذا الرجل أو عن أهم منجزاته والتي يعرفها جميع محبي شركة أبل والمنافسين أيضاً، ولكن سأحاول تقديم أهم الدروس العملية والعلمية من وجهة نظري المتواضعة الممكن لنا اليوم إستنتاجها من حياة هذا الإنسان الذي إستطاع أن يغير قطاع التقنية في العالم ويقود شركة أبل لتحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث القيمة السوقية والتي تم تقديرها في شهر يوليو الماضي بـ 337 مليار دولار.


من أكثر ما تميز به هذا الرجل هو الصبر والإصرار رغم كثرة الصعوبات التي واجهها في حياته. فقد لا يعلم الكثيرين أن أبويه (الأب سوري مسلم والأم أمريكية) تخلوا عنه وهو رضيع بسبب انهم كانوا يفضلون الحصول على انثى، مما جعل آخرين يتبنونه لحاجتهم لطفل وهم لا يعلمون بأنه سيصبح رئيس أغلى شركة في العالم. أظف إلى ذلك أنه أصر على إنشاء شركته الأولى رغم عدم توفر الكثير من الأساسيات. فأنشأها بدايةً في جراج (موقف سيارة) ابيه بعد أن باع سيارته الخاصة بثمن بخس يقدر بـ 1500 دولار امريكي مصراً على تحقيق غايته. وبعد أن قام بتكوين الشركة لبعض الوقت إستقال منها بعد خلاف مع أعضاء مجلس الإدارة. الأمر الذي إضطره لإنشاء شركة أخرى بإسم (NeXT) وشراء شركة جديدة في قطاع الرسوم المتحركة المعروفة اليوم بإسم (Pixar) والتي أنتجت العديد من أفلام الكرتون المشهورة من أمثال فيلم قصة لعبة (Toy Story) والبحث عن نيمو (Finding Nemo) وغيرها كثير. ثم ما لبث أن عاد إلى الشركة الأم بعد شراء شركة أبل لشركته الجديدة وارثاً الكثير من الصعوبات والخسائر ليحولها بعد أقل من عقد من الزمان إلى أكثر شركات التقنية ابداعاً.



إتصف رئيس شركة أبل السابق أيضاً ببعد النظر وحرصه على الجودة بجميع تفاصيلها. فهناك تسجيلات مرئية (فيديو) خاصة لهذا الرجل منذ أكثر من عشرين عاماً يتوقع فيها تحول الحوسبة إلى أشكال محمولة والتي يعتقد كثير من المحللين التقنيين اليوم أنه كان يشير إلى جهاز الآي باد (iPad) الذي دشن قبل بضعة أعوام فقط. كما أن وفاته اليوم أو حتى تنحيه عن منصبه قبل ذلك لا تؤثر على مسار الشركة، فقد ضمن لها العديد من المشاريع الإبداعية والتي ستستمر لأربعة أعوام قادمة على أقل تقدير، كمشروع المقر الرئيسي للشركة والذي سيبنى على شكل سفينة فضاء وسيستوعب أكثر من 12 ألف موظف. أظف إلى ذلك خدمة الآي كلاود (iCloud) والجيل الثالث من جهاز الآي باد وغيرها كثير مما لازال في طي الكتمان. وإذا ما نظرنا في جميع منتجات هذه الشركة لوجدنا الجودة في كل شيء تقريباً كالمواد المستخدمة في الصناعة والجودة في طريقة التركيب والجودة في التقديم وحتى في التغليف. يكفيك فقط زيارة أحد محلات شركة أبل (Apple Store) والتي تعتبر من إبداعات هذا الرجل لتجد الجودة بجميع تفاصيلها. الأمر الذي يأخذنا إلى جانب آخر من صفاته وهو الحرص على الإبداع والإتيان بالجديد بدلاً من التركيز على التطوير فقط. فلا شك اليوم أن هاتف الآي فون قد غير نظرة العالم وإستخدامات الناس للهاتف المحمول. فإنظر كيف كانت الهواتف قبل تدشين هذا الجهاز وكيف أصبحت اليوم؟ وأنظر كيف غير جهاز الآي باد (iPad) منظور الحواسيب الشخصية وسيرى الجميع كيف ستغير خدمة الآي كلاود (iCloud) تقنية حوسبة السحاب والتي يعاني روّادها اليوم (جووجل ومايكروسوفت) الأمرّين في تحقيق النجاح والإنتشار المطلوب عالمياً.

كما تميز ستيف جوبس ايضاً بحرصه على كتمان خططه الإستراتيجية كوسيلة للدعاية. فمن الشركات القليلة التي تستخدم الكتمان كوسيلة للإعلام هي شركة أبل خصوصاً مع نجاحاتها المتتالية. فمع إعتياد المستهلكين على التوقيت السنوي لتدشين منتجات الشركة الجديدة، أصبحوا يتسابقون لمحاولة توقع جديد الشركة خصوصاً مع تسرب بعض المعلومات من الشركة تارةً بقصد وبدون قصد أحياناً لإثارة اكبر قدر من البلبلة والجدل. الأمر الذي بيّن للعالم أهمية إستثمار الثرثرة الإلكترونية والقيل والقال في وسائل الإعلام لتحقيق الدعاية المطلوبة لصالح الشركة بإسغلال عامل الفضول لدى المستهلكين. من جانب آخر، نجد حرص هذا القائد ايضا على التركيز على أهم المواصفات بدلاً من تجميعها. فربما كان ذلك هو السبب وراء نجاح معظم منتجات الشركة رغم إفتقارها أحياناً لمواصفات فنية قد يحتاجها المستهلكين. فإنظر إلى حواسيب الشركة المحمولة مثلا كجهاز الـ (MacBook Air) والتي تفتقر لبعض أنواع  المخارج (Ports) أو بعدم قدرة المستهلكين على فكها وتغيير بطارية الجهاز وغيرها من المواصفات المفقودة. قد يكون السبب هو سعي الشركة لتحقيق الجودة في تجربة الحوسبة للزبائن بشكل عام، بدلاً من محاولة خداعهم بكم كبير من التقنيات والمواصفات المجمعة والتي قد ترهق عاتق الجهاز من جهة وقد لا يستخدمها معظمنا إلا ما ندر من جهة أخرى. فها هو ستيف جوبس يرحل ويترك لنا أسلوبا قياديا نتعلم منه جميعاً، فهل نحن منتفعون؟

هناك تعليقان (2):

  1. جوزيف جوبس من الرجال المتميزين في الحياة. صحيح رحيله هز مشاعر بعض المؤسسات ولكن آثاره باقية وهي التي ستتحدث عنه. فهذا مثال على الانسان المتميز فماذا نحن قدمنا للأمة حتى نترك بصمة تشهد لنا في مجتمعاتنا وأمتنا.

    ردحذف