يعتبر مبدأ إستخدام تقنية المعلومات لتحسين العمل الحكومي (الحكومة الإلكترونية) من الأمور الصعبة التنفيذ والتطبيق حتى على الدول المتقدمة حول العالم. ولعل من الغريب في الأمر أن تصبح تقنية ونظم المعلومات والتي هي من أهم الأدوات لتحسين الإقتصاد العالمي، عائق كبير أمام تطور هذا الإقتصاد. فنجاح التقنية مرهون بحسن الإستخدام وتقبل المستخدمين وتوفر الظروف المناسبة (الفنية والغير فنية) داخل وخارج المؤسسات المطبقة. فما هي فائدة تبني أفضل ما توصل له العلم من تطبيقات إلكترونية دون وجود بيئة مناسبة لإحتظانها؟
عند التأمل في مبادرات مختلف الدول حول العالم فيما يخص تطبيقات الحكومة الإلكترونية سنجد أن هناك العديد من المعوقات التي تبطء أو تؤدي إلى فشل بعض هذه المبادرات. يمكننا أن نقسم هذه المعوقات إلى نوعين رئيسين وهما المعوقات الفنية (Technical) والمعوقات الغير فنية (Non-Technical). نقصد بالأولى تلك العوامل والقضايا التي تُعنى بالجانب التقني في المعادلة كما سنسرد لاحقاً. أما النوع الآخر فهو الأصعب والأكثر تعقيداً لما يحتويه من عوامل تنبع من ثقافات الدول وسياساتها الداخلية والخارجية. سيكون حديثنا هذا اليوم عن النوع الأول من معوقات تطبيق الحكومة الإلكترونية كما يمكن إستنتاجه من تجارب كبرى دول العالم. وسنتحدث في درس الأسبوع المقبل عن النوع الثاني.
من أهم القضايا الفنية التي تعتبر من معوقات الحكومة الإلكترونية هي البنية التحتية لتقنية المعلومات في الدولة. نقصد هنا البيئة التقنية المتوفرة للدولة والتي يمكن أن يعتمد عليها في إحتظان أفضل التطبيقات الإلكترونية بما قد تحتاجه هذه التطبيقات من متطلبات فنية مسبقة. فمن الأمثلة على القضايا التي تندرج تحت هذا العنوان:
· الشبكة الوطنية: تحتاج الكثير من التطبيقات الإلكترونية الحديثة إلى شبكة إنترنت متينة وسريعة والتي يمكن أن تتنوع بين شبكات سلكية تعتمد على تقنية الألياف البصرية أو شبكات لاسلكية ذات نطاق عريض (Broadband) كشبكات الجيل الثالث (3G) والواي ماكس (WiMax). يجب مراعاة التكامل بين مثل هذه الشبكات حيث يجب دراسة جدوى تطبيق واحدة من هذه الشبكات أو الإثنين معا حسب إحتياجات المنطقة الجغرافية والديموغرافية.
· الإنترنت: سرعة الإنترنت وتسعيراتها المختلفة من أهم العوامل المهمة لإستخدام معظم تطبيقات الحكومة الإلكترونية. فإذا كان السعر عالياً أو فقط في متناول القليل من شرائح المجتمع والذين عادةً ما يستعينوا بوكلاء أو موظفين لإنهاء تعاملاتهم مع الدوائر الحكومة، فلن تكون الحكومة الإلكترونية ذات جدوى كبيرة. كذلك يجب على الدول (القادرة) أن توفر خدمة الإنترنت بتسعيرات مغرية قد تصل بالمجان في بعض المواقع وبسرعة كبيرة. الأمر الذي قد يشجع الكثيرين من أصحاب الدخل المحدود على تعلم هذه التقنية وإكتشاف كيف يمكن أن تفيدهم شخصياً وإجتماعياً ومادياً. كذلك فإن المواقع الإلكترونية الحديثة تعتمد كثيراً على تقنيات الوسائط المختلفة كالملفات الصوتية والمرئية والصور ذات النقاوة العالية مما يجعل من السرعة العالية للإنترنت أمراً ضرورياً لا شكلياً.
· خطوط الهاتف الثابت والمحمول: تعتمد بعض تطبيقات الحكومة الإلكترونية على الهواتف في تنفيذ بعض المعاملات مع مختلف الجهات الحكومية. فقد يقوم المواطن بالإستفسار عن معاملة ما أو طلب معلومات معينة عن خدمة ما كخدمات الرد الصوتي التفاعلي (IVR) أو حتى إجراء معاملة كاملة بإستخدام الهاتف كحجز مواقف السيارات بإستخدام الرسائل النصية (SMS). الأمر الذي يجعل من كفاءة هذه الخطوط وكذلك تسعيراتها المختلفة أمراً مهما لتشجيع أو تثبيط المستخدمين من إستخدام تطبيقات الحكومة الإلكترونية المعتمدة على هذه الأجهزة.
· النظم القديمة (Legacy Systems) أو صوامع المعلومات (Information Silos): تدرجت الجهات الحكومية في إستخدامها وتوظيفها لتقنيات المعلومات من بداية إكتشاف الحواسيب دون رؤية مشتركة واضحة. الأمر الذي جعلنا نرى مختلف الأقسام بالمؤسسات الحكومية تتبنى أنظمة تقنية مختلفة لا يمكن أن تندمج وتتكامل فيما بينها، ناهيك طبعاً أن تستطيع أن تعمل وتتحد مع دوائر وجهات حكومية خارجية مختلفة أيضاً. فبمثل هذه الصوامع، لن تستطيع الجهات الحكومية أن تتشارك بالمصادر والمعلومات فيما بينها. أظف إلى ذلك صعوبة نقل البيانات (Data Migration) من مثل هذه الأنظمة إلى أنظمة حديثة قائمة على تقنيات تسهل عمليات الإندماج والمشاركة.
من العوامل الفنية كذلك والتي تختلف نوعا ما عن العامل الأكبر السابق (البنية التحتية) هي معايير العمل البينية (Interoperability Standards) و طرق تطوير التطبيقات الإلكترونية. فلكي تستطيع الجهات الحكومية أن تضمن تدفق إلكتروني سلس للمعلومات فيما بينها، يجب أن يتم تطوير معايير وإجراءات محددة لكيفية إرسال وإستقبال مختلف البيانات الإلكترونية بمختلف أنواعها وأشكالها. مثل هذه المعايير يجب أن تنبع من رؤية واحدة وأهداف مشتركة واضحة وتغييرات مختلفة قد تكون جذرية في بعض الأحيان لعمليات الجهات الحكومية الداخلية. من جانب آخر، هناك طرق مختلفة لتطوير المواقع الإلكترونية وتطبيقات الحكومة الإلكترونية المختلفة قد تؤثر بشكل كبير في نجاح أو تأخر إستخدام التطبيق الإلكتروني. فهناك طرق تدور حول حاجة الجهات الحكومية وأخرى حول حاجات المستخدمين وأنواعهم. وهناك طرق تستعرض المعلومات والخدمات الحكومية المختلفة حسب أحداث الحياة المختلفة التي قد تواجه المستخدمين. كل من هذه الطرق لها إيجابياتها وسلبياتها والتي يجب أن تراعي في جميع الأحوال عوامل الإستخدامية (Usability) والوصول (Accessibility) والأمن (Security) والسرية (Confidentiality) وغيرها من عوامل بناء التطبيقات الإلكترونية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق