شدني موضوعا التخطيط المالي والديون واللذان تناولاهما برنامجا “أنت كما تريد” و”استوديو الشباب” في القناة العامة للسلطنة في الأسابيع الماضية تم تسليط الضوء على نقطة مهمة وحساسة في حياة كل مواطن ومواطنة على هذه الأرض الطيبة، وهو موضوع الديون بأنواعها والأسباب التي تدفع معظمنا للاقتراض. الموضوع كبير اخواني القراء، فنكاد نجزم اليوم بأن معظم العمانيين من مختلف الفئات خصوصا المتوسطة والبسيطة مدينون لجهة معينة بشكل أو بآخر. فقد أشارت إحصائية أجرتها مؤسسة النقد العربي السعودي والبنوك المركزية الخليجية إلى أن إجمالي القروض الشخصية على الخليجيين بلغ اكثر من 300 مليار دولار بنهاية الربع الثالث من عام 2013. أما في السلطنة فبلغ إجمالي حجم القروض الشخصية المتعثرة أكثر من 117 مليون ريال عماني. فما أكثر المقترضين من البنوك بأشكالها التجارية أو الإسلامية، وما أكثر المشاركين في الجمعيات المالية، ناهيك طبعا عن أقساط السيارات ورسوم المدارس الخاصة وديون السفر وبطاقات الائتمان. كل ذلك وأكثر مما بدأ يؤثر سلبا على حياة العماني والعمانية دينيا واجتماعيا وصحيا. فكثرة الديون تجبرنا على العمل بشكل مضاعف لتحسين مستوانا المادي في محاولة لسداد ما يمكن سداده، فنرى اليوم المرأة تعمل لساعات طوال مجبرة (في بعض الأحيان) للمساهمة في تحسين الأوضاع الاجتماعية للأسرة ومشاركة الرجل في المصاريف بالرغم مما لذلك من انعكاسات اجتماعية وصحية عليها وعلى الأسرة. ونرى الرجل هو الآخر يعمل بجد واجتهاد في عدة وظائف (أحيانا) وقد لا يراه أهله إلا ليلا، فقط لتأمين حياة أفضل للعائلة. حياة قد تتصف في بعض الأحيان للأسف بالترف لا ندري من صاغها أو خططها أو ألزمنا بها؟ أهو المجتمع الذي نعيش فيه أم أنفسنا البشرية الأمارة بالسوء؟
يقال بأن الغني ببساطة هو من يصرف اقل مما يجني، فكم من غني في ثوب فقير وكم من فقير غني. فالموضوع ليس مرهونا بالأمور الشكلية التي تقلق أكثرنا اليوم كحجم أو شكل المنزل الذي نسكن أو نوع السيارة أو وجهة السفر كل عام وغيرها من الأمور التي حولناها بفكرنا القاصر إلى أولويات في سعينا للحصول على الراحة والسعادة. وأي سعادة تلك، فبمجرد ما نقتني ما نريد بالديون، ما هي إلا أيام أو أشهر معدودة إلا وتبهت نشوة سعادتنا وتبدأ معاناتنا الطويلة مع سداد الديون. معاناة نشعر خلالها بالندم على أكثر قراراتنا السابقة حيث لا ينفع ندم. فنحاول جاهدين أن نلقي باللوم على الحكومة ونحملها مسؤولية ما آل إليه حالنا ونطالبها بسداد ديوننا وكأنها إن فعلت لن نعود للاقتراض ثانية. لا يعني هذا بأن جميع ديوننا هي في الأصل ترف زائف، فبعضنا قد يجبر للاقتراض بسبب حاجات حقيقية في حياته. فالمواطن العماني البسيط يحلم بأمور بسيطة يعتبرها من حقوقه الوطنية والتي للأسف لا تأتي إلا بعد معاناة في أغلب الأحيان. فمعظمنا يحمل هم الحصول على وظيفة ومن ثم معاناة الزواج وتكوين أسرة مما يشمل مسؤولية التربية والتعليم للأبناء ومعضلة توفير المسكن المناسب لهم. كل ذلك مما قد تشترك في مسؤوليته الحكومة والمجتمع والفرد نفسه أما في تبسيط الأمر أو جعله معقدا.فلماذا يا ترى يضطر بعض العمانيين لتسجيل أبنائهم في مدارس خاصة والذهاب إلى مستشفيات خاصة مع توفر التعليم والخدمات الصحية المجانية؟ ولماذا لا ينتفع بعض العمانيين من الأراضي التي تعطى لهم من الدولة سوى ببيعها لتكملة بناء بيت في موقع آخر أو في محاولة لشراء أرض أخرى مكتملة الخدمات؟ ولماذا يقترض الكثيرون مبالغ طائلة للزواج تصل في بعض الأحيان لأكثر من عشرة آلاف؟ ولماذا يندر من يستخدم النقل العام ويكثر من يقترض لشراء السيارات الجديدة أو المستعملة؟ تساؤلات قد نختلف عند الإجابة عليها ولكنها تسلط الضوء على قضايا مهمة تقف مجملها خلف ثقافة الاقتراض بيننا.
أرى أن من أهم واكثر ما ينقصنا اليوم في حياتنا هو ثقافة التخطيط بالرغم من شيوع هذا المصطلح بيننا. فمنذ نعومة أظفارنا ونحن نتابع الخطط الخمسية للدولة وتتوالى علينا الاستراتيجيات المختلفة للجهات الحكومية حتى اصبح لدينا ولله الحمد مجلس أعلى للتخطيط. لكن للأسف مازال التخطيط مغيبا من مناهجنا الدراسية وحملاتنا الوطنية التوعوية وفي بعض الأحيان من برامجنا التدريبية داخل العمل. نعم إخواني القراء، نحتاج اليوم لإيجاد جيل واع ينتهج التخطيط كأسلوب حياة فللأسف معظمنا لا يخطط لحياته الخاصة ولا يعي أهمية هذا الجانب في نجاح الفرد والمجتمع بالرغم من توفر برامج التخطيط التدريبية المجانية. برامج لا تحتاج إلا لرغبة صادقة وعزيمة قوية لتطبيقها في مواجهة ضغوط المجتمع وأهواء النفس.فمحاولة مجاراة المجتمع في فكر التباهي والترف بدلا من التركيز على الضروريات، والتعجل بدلا من التأني، والتفكر فقط في حاجات اليوم وتناسي متطلبات الغد، لن يساهم أبدا في تطورنا المهني والمالي ولن يجعلنا نعتمد على أنفسنا وسنظل دائما ننتظر الحلول من الحكومة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق