من أهم ما يشغل المسؤولين اليوم في السلطنة هو قضية التدريب والتأهيل والتوجيه الوظيفي خصوصا ونحن نسعى لإيجاد الفرص الوظيفية لآلاف الباحثين عن عمل والذين يفتقرون بشكل عام للكثير من المهارات المطلوبة في سوق العمل. الفكرة المعهودة عن التعليم والتدريب هي أن يسعى الإنسان لتلقي العلوم ممن هم أعلى منه خبرة ومعرفة والذين عادة ما يكونون أكبر منه في العمر ايضا، فالمثل المشهور يقول «أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة». جميعنا تلقينا معارفنا بأشكال مختلفة وغالبا ما كان المصدر أناسا أكبر منا في السن سواء في المدرسة أو الجامعة. حتى في العمل وأثناء تلقينا بعض البرامج التدريبية كان فرق العمر بيننا وبين المدرب لصالح المدرب غالبا. حتى عند تقارب العمر بيننا فلا يتجاوز ذلك بضع سنوات فقط، لذلك قد يصعب أن نتخيل اليوم حضور دورة تدريبية مع مدرب أصغر منا بعشرات السنين. كما يندر أن نجد من يحاول الاستفادة مهنيا ومعرفيا ممن هم أصغر منه سنا وربما خبرة ومعرفة، فهي إما قناعة بأننا أفضل ممن هم دوننا أو ربما عامل نفسي يصعب معه تقبل فكرة الجلوس أمام مدرب صغير قد ينعته بعضنا بـ «ولد يومين». بالطبع نعلم بأن موضوع العلم والمعرفة ليس مرهونا بالسن ولكن يصعب على بعض المسؤولين المتعلمين ذوي الخبرة اليوم تخيل فكرة استشارة من هم دونهم في المرتبة الوظيفية والذين عادة ما يكونون أصغر منهم بعشر سنوات وأكثر أو في عمر أبنائهم.
نشرت هذا الأسبوع هيئة تقنية المعلومات في موقعها الإلكتروني نتائج مسح النفاذ واستخدام تقنية المعلومات والاتصالات في قطاع الأسر والأفراد لعام 2013 والذي شمل عينة عشوائية لـ 11 ألف أسرة خلال الفترة من 30 يوليو إلى 31 أكتوبر 2013م. تشير نتائج هذا المسح إلى تطور النفاذ التقني في البلاد فمعظم الأسر العمانية اليوم تعتمد على الهواتف النقالة بنسبة (90%) ومعظمها تمتلك حاسبا آليا أيضا بنسبة (80%) ونفس النسبة أيضا لمجموع الأسر التي لديها نفاذ للأنترنت. وفيما يتعلق بالمستخدمين الأفراد، فأظهر المسح بأن النسبة الأعلى استخداما للحواسيب هم فئة الطلبة (92%). ليس ذلك فحسب، فحتى النفاذ للأنترنت يتزايد بين شبابنا من بعد سن 15 ويعتبر موقع الفيسبوك للتواصل الاجتماعي الأكثر استخداما يليه موقع تويتر. كل ذلك مما يشير إلى وجود جيل الألفية (Millennials) بيننا وهم جيل الشباب من مواليد 1977 إلى عام 1997 حسب التعريف الأكثر شيوعا عالميا. كما يسمون أيضا بجيل الواي (Generation Y) على غرار جيل الأكس (Generation X) وهم الجيل الأكبر سنا من مواليد 1960 إلى عام 1980. طبعا يمتاز جيل الألفية بخصائص مهمة تمت دراستها من قبل العديد من الباحثين ومن المهم اليوم أن يقف عليها صناع القرار والذين ينتمون غالبا لجيل الأكس أو ما قبلهم.
لسنا هنا لمناقشة جيل الألفية ولكن الشاهد بأن هذا الجيل بات يشكل أغلبية في الكثير من مؤسساتنا الحكومية والخاصة وعلى المسؤولين الاستفادة منهم ليس فقط مهنيا بل أيضا في تدريب وتوجيه من هم أكبر منهم وهذا ما يسمى بالتوجيه العكسي (Reverse Mentoring). نعم إخواني القراء، فالتوجيه أو التدريب العكسي اليوم أصبح من أسس التطوير المهني والوظيفي والمعرفي عالميا وأصبح صناع القرار يلجؤون لمن هم أصغر منهم سنا في كثير من المجالات لأنهم ببساطة أكثر منهم اطلاعا ومعرفة في تلك المجالات. انظر مثلا إلى شبكات التواصل الاجتماعي اليوم وتأثيرها الواضح على مجريات الأعمال والفئة الأكثر استخداما لها وانظر إلى فئة الآباء بشكل عام وقارن معرفتهم بمختلف برمجيات الهواتف خصوصا الألعاب ومعرفة أبنائهم لها. وانظر إلى التقنيات الحديثة والناشئة وأكثر فئات المجتمع علما ودراية بها. الأهم من كل ذلك هو الحياة العملية والتي نجد فيها المسؤولين وبسبب تزاحم الأعمال وكثرة الانشغالات قد لا يجدون سبيلا للإلمام بأحدث العلوم والمهارات الإدارية والتي قد يقدمها لهم الموظفون الجدد من جيل الألفية أو جيل الناشئة على طبق من فضة إن أحسنوا التعامل معهم. لا ندعو هنا إلى تهميش الخبرات والتقليل من شأنها، ولكن قضية الإلمام بكل ما هو جديد قد يصعب علينا مع زيادة العمر وتكدس المهام الوظيفية مما يحتم علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مبدأ التوجيه أو التدريب العكسي دون حرج. فمن أكثر ما ينصح به اليوم في عالم القيادة والإدارة هو أن يتخذ المسؤولون وصناع القرار مدربين عكسيين من جيل الألفية أو ممن قبلهم يتحدثون ويلتقون معهم بشكل شهري لمحاولة معرفة ما فاتهم من معرفة وتقنية وحلول عملية في زحمة الأعمال اليومية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق