الاثنين، ديسمبر 16، 2013

عملة ال BitCoin ومستقبل النقود الافتراضية


لا يعلم معظمنا بأن هناك ملايين من الأموال تتداول اليوم بين الناس لا تنتمي لأي دولة ولا يدعمها وينظمها ويطبعها أي بنك مركزي ولا تخضع لسياسات دول ولا تتأثر إلا لقانون الثقة بين المتعاملين وسمعة التعاملات. عملة البيتكوين (BitCoin) هي من اكثر النقود الافتراضية انتشارا اليوم وأكثرها جدلا أيضا وأصبح بالإمكان الحصول عليها ليس فقط من خلال تعاملات البيع والشراء ولكن أيضا عن طريق التعدين والبحث عنها كبحثنا عن المعادن الثمينة في الأرض. الأمر الذي قد يعود بنا (بل عاد بنا بالفعل) إلى القرن التاسع عشر وعصر البحث عن الذهب الذي شهد هجرة الكثير من العمال والباحثين عن الثروة في دول كأستراليا والبرازيل وأمريكا. فاليوم هناك العديد من المهاجرين لتعدين هذه العملة (باختلاف الأسلوب طبعا) حتى إن بعض الشركات تخطت البحث إلى تطوير أجهزة تقنية غالية الثمن متخصصة في تعدين ما بقي من عملة البيتكوين كشركة (KnCMiner) التي صنعت مؤخرا جهازا أطلقت عليه اسم جوبتر قادر على تعدين عملة بت الافتراضية بسرعة اكبر بمائة مرة من منافسيها. ليس ذلك فحسب، فمخترع العملة (غير المعروف) قد حدد سقف مجموع عملات البيتكوين الممكن تعدينها بـ٢١ مليون اكتشف منها إلى اليوم تقريبا ١١ مليون مما يزيد من حدة ووطيس مهمة البحث والتنقيب قبل نفاد الكمية. قد يبدو كل ما سبق ضربا من الخيال في هذا العصر المادي الذي لا يؤمن إلا بلغة العلم والمنطق، فكيف يمكن لنا أن نثق بمثل هذه النقود الافتراضية وما هي حقيقتها أصلا؟ وكيف يمكن لعملة أن ترتفع قيمتها السوقية من دولار إلى ١٢٠٠ دولار وتنخفض إلى ٧٠ دولارا في غضون أيام وساعات معدودة؟ مرحبا بكم إخواني وأخواتي القراء إلى عالم البيتكوين والنقود الافتراضية.

بداية دعونا نتعرف على هذه العملة بشيء من الشرح المختصر دون التطرق إلى مصطلحات تقنية صعبة. بدأت فكرة هذه العملة في عام ٢٠٠٨ و٢٠٠٩ عن طريق مبرمج مجهول اطلق على نفسه اسم ساتوشي ناكاموتو والذي اقترح تطوير هذه العملة الافتراضية بهدف تغيير عالم الأموال المعهود إلى عملة جديدة تحفظ خصوصية البائع والمشتري بحيث لا تتحكم بها البنوك والحكومات ولا يمكن تتبعها من خلال أرقام تسلسلية كحال بقية العملات. يتم التعامل بهذه العملة من خلال بروتوكول الند بالند (peer to peer) وتقنيات التشفير الحديثة والذي يهدف لتقليل النسبة المفروضة على التعاملات الإلكترونية من قبل بعض الأطراف كشركات بطاقات الائتمان. فهي اليوم عملة لا توجد إلا في الإنترنت غالبا حيث إن هناك من المتحمسين من بدأ بطباعتها، ومن خلال المحافظ الإلكترونية وأصبح اكثر متداوليها هم مضاربو العملات. لا يمكن شراء الكثير عن طريقها بسبب إحجام وتخوف الشركات منها ولكن هناك شركات ودول بدأت بالاعتراف بها كالولايات المتحدة وألمانيا مثلا وشركة وورد برس (WordPress) والشركة الصينية بيدو (Baidu). وأصبح اليوم بالإمكان شراء هذه العملة من بعض المواقع مقابل بعض العملات العالمية أو محاولة تعدينها وهي عملية فنية صعبة تتبع عملية رياضية يحتاج من خلالها الباحث إلى أجهزة حواسيب وبرنامج خاص لحلها. يكافأ كل من يحل هذه العملية بمجموعة من عملات البيتكوين وبمسألة حسابية أخرى تزداد صعوبة بزيادة الباحثين وزيادة الحلول المكتشفة. الهدف هنا هو في السيطرة على نسبة نمو أو تضخم العملة بشكل قابل للتنبؤ وحتى يتم اكتشاف كامل عملات البيتكوين بحلول عام ٢١٤٠ كما أراد ذلك مبرمجها ساتوشي.



تقدر القيمة السوقية لما تم اكتشافه من البيتكوين اليوم ما يقارب من ١.٠٤ مليار دولار بحسب موقع بيتكوين شارتس (BitcoinCharts). فقد وصل أعلى سعر لها في نوفمبر الماضي محققا قيمة ١٢٠٠ دولار فقط ليهوي إلى نصف هذه القيمة بعد إعلان الصين عدم دعمها للعملة وتوجيه مؤسساتها المالية بعدم تقبل معاملاتها. الأمر الذي يؤكد على المستوى المتذبذب للعملة مما قد يشجع المحتالين في استغلال ذلك عن طريق مواقع وهمية لتبادل العملة يقومون بمحاكاة شن هجوم إلكتروني عليها لأحداث فزع بين المتعاملين مما يؤثر سلبا في قيمة العملة فيقومون بشرائها بأرخص الأثمان ومن ثم بيعها بعد أن تعود القيمة إلى الارتفاع. ليس ذلك فحسب، فالخصوصية التي توفرها هذه العملة جعلتها مقصدا لعمليات غسيل الأموال وبيع المنتجات المسروقة والممنوعة كالمخدرات بحيث لا يمكن للجهات الأمنية تتبع مصدر العملة. كل ذلك وأكثر مما يتم التركيز عليه حاليا في وسائل الإعلام، ولكن لا يزال مستغربا إلى الآن هو عدم معرفة مخترع هذه العملة وسبب تخفيه وراء اسم مستعار. لماذا يا ترى لا يريد صاحب هذا الابتكار أي حقوق مادية أو معنوية خصوصا مع انتشارها ورواجها اليوم؟ هناك من يظن بأنهم مجموعة من المبرمجين وهناك من يقول إن شركات تقنية كبيرة تقف خلف هذا الإنجاز لأسباب قد لا تكون معلومة لنا اليوم. بغض النظر عن الجهة التي تقف خلف هذه العملة، اعتقد من المهم أن نكتشف سبب التخفي والفائدة المرجوة وغير المعلومة من هذا الإنجاز.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق