الاثنين، ديسمبر 02، 2013

النجاح فكرة


في خضم سعي الحكومة لتشجيع شريحة كبيرة من الشباب والباحثين عن عمل لتبني الأعمال الخاصة والاعتماد على النفس، نجد عزوفا ملحوظا من شبابنا ليس فقط في بدء أعمالهم الخاصة بل حتى في التفكر في هذا الشأن كأحد أفضل خيارات العمل اليوم والكسب الحلال. نعم هناك أمثلة عديدة ناجحة نراها هنا وهناك ويظهرها إعلامنا بين الحين والآخر ولكن هؤلاء لا يشكلون الا نسبة بسيطة إذا ما أخذنا في الاعتبار الأعداد الكبيرة من الباحثين عن عمل والتسهيلات المتاحة وغير المستغلة من الدولة. في حديثي المستمر مع طلبة الجامعة للأسف أجد أن أغلبهم لا يعلم بهذه التسهيلات رغم الحملات التوعوية في هذا الشأن والتي لا تتجاوز الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة. للأسف لا يتأتى لطلبتنا وللكثيرين متابعة هذه الوسائل لانشغالهم بأعمالهم العلمية أو العملية من جهة وإقبالهم الكبير أيضا على الوسائل الإعلامية الحديثة كوسائل التواصل الاجتماعي من جهة أخرى، ناهيك طبعا عن عدد من الملهيات التي تحول دون اهتمامهم بالموضوع أصلا. لا ننسى كذلك هيمنة ثقافة الوظيفة على أبنائنا وعدم رغبتهم في تقبل مبدأ المخاطرة خصوصا وهم في بداية حياتهم الوظيفية. ليس ذلك فحسب، فحتى الشريحة التي قد ترغب في بدء أعمالها الخاصة قد تتردد وتتخوف بسبب عدم امتلاكها لأساسيات الإدارة والتخطيط وأعمال المحاسبة والتسويق وهنا يأتي دور الدعم الحكومي الذي يجب أن يتخطى الجانب المادي ليوفر خدمات تدريبية واستشارية لهذه الفئة في الجوانب التي يفتقرونها. ولكن ما فائدة الدعم الحكومي هذا والفئة المستهدفة لا تعلم أو لا ترغب باستغلاله؟

تعتبر تسهيلات برنامج ساس في هيئة تقنية المعلومات من التسهيلات الجيدة المتاحة للمجيدين في مجالات نظم وتقنية المعلومات. طلب مني مؤخرا أن أشرف على شركتين عاملتين في هذا البرنامج ووجدت أن أكبر تحديات المشاركين تنحصر في التدريب والاستشارات، فمعظمهم يتصفون بمهارات جيدة جدا ولكنها لا تتعدى جانب التطوير التقني دون دراية بمبادئ الإدارة والتخطيط والتطوير ناهيك عن أسس وطرق توزيع حصص الأرباح ودراسة الجدوى. ليس ذلك فحسب، فهناك إشكالية لدى الكثيرين في الإتيان بأفكار جديدة بدلا من انتهاج أفكار الغير. فمن الملاحظ أن معظم الشركات الصغيرة وبعض الشركات المتوسطة في السلطنة تبدأ بأفكار مستهلكة قد تكون ناجحة في شركات أخرى بحكم الأقدمية ولكن هذا يضع الشركات الناشئة أمام منافسة سوقية قوية في بيئة مليئة بزحمة خانقة. انظر مثلا إلى قطاع معاهد التدريب الإداري وما أكثرها ومقاهي الشاي الكرك وكيف انتشرت ومحلات الحلاقة وتلميع السيارات والمطاعم وغيرها مما نراها تنتشر بشكل كبير. حتى أنني سألت الطلبة أكثر من مرة في محاضرات عامة في الجامعة عن نوعية الأعمال الأنجح في السلطنة برأس مال صغير، فكانت إجابتهم وبشكل أقرب للإجماع مطعم أو مغسلة سيارات. لا اعترض هنا على تبني هذه النوعية من الأعمال، ولكن أدعو إلى البحث عن أفكار جديدة ابداعية يستطيع من خلالها شبابنا أن يحققوا مئات الآلاف من الريالات في مدة زمنية قصيرة، فالنجاح في قطاع الأعمال اليوم أصبح مرهونا بالفكرة ولنا في أشهر مواقع التواصل الاجتماعي عبرة. لذلك أرى أن من أكبر تحديات شبابنا اليوم ليس في التوعية بقدر ما هو في الإتيان بأفكار جديدة إبداعية بعيدا عن زحمة الأعمال المعهودة، ولكن كيف يتأتى لهم ذلك ونحن نربيهم بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتباس والاقتداء بدلا من الإبداع والابتكار؟




نشرت مجلة هارفارد بيزنس ريفيو (HBR) هذا الأسبوع مقالة قام فيها الكاتب بدراسة أنجح الشركات الناشئة لاستخلاص الأسباب والعوامل التي سهلت على مؤسس الشركة اختيار فكرة العمل، كأمثال شركة فيسبوك وتويتر ولينكدن وغيرها من الشركات الناشئة التي استطاعت في مدة قصيرة تكوين ثروة تقدر بملايين الدولارات. فكان حصيلة هذه الدراسة استنتاج خمسة مصادر للأفكار يمكن أن تلهم شبابنا اليوم ببعض الأعمال التجارية الابداعية الناجحة بدلا من ثقافة التقليد المنتشرة. من أهم هذه المصادر هي مشاكل وتحديات الحياة التي عاشها ويعيشها الإنسان فلربما كانت مدخلا في إيجاد حل عملي يتم تطويره بشكل تجاري. المبدأ هنا أن نتفكر في اكثر التحديات التي واجهتنا في حياتنا ونضع في عين الاعتبار أنها قد واجهت كثيرين وربما ستواجه آخرين أيضا، فماذا نحن فاعلين؟ المصدر الثاني يتمثل في معارفنا المبدعين من أصحاب المهارات، فلربما يستطيع الإنسان مع بعض أصدقائه إنشاء شركة جديدة يكمل كل منهم الآخر كأن يكون لأحدهم فكرة تطوير برنامج في الهواتف الذكية ويحتاج من يساعده على البرمجة وآخر يقوم بالتسويق وهكذا. المصدر الثالث هو في مهارات الإنسان الشخصية والتي اكتسبها من الحياة كالخياطة والطهي والخطابة وغيرها مما قد تكون جوهرا لعمل تجاري يتفرد به الإنسان عن غيره بشكل جديد وفريد. أما المصدر الرابع فهو لأولئك الذي أمضوا سنوات طويلة في العمل الحكومي أو الخاص بحيث تمكنوا من اكتشاف حاجة ماسة (فجوة) مهملة للزبائن أو المراجعين أو الموردين يستطيعون من خلالها تكوين عمل تجاري لردم هذه الفجوة. وأخيرا المصدر الخامس الذي يتمثل في إجراء البحوث والدراسات عن أفضل وأجدّ الأفكار المتاحة في السوق الإقليمي والعالمي اليوم واختيار الأنسب حسب الواقع المحلي وربما محاولة تعديل وتغيير بعض الجوانب لتتناسب بشكل أفضل مع شرائح المجتمع المحلي. كل ذلك من مصادر الأفكار التي قد تعطينا فكرة جديدة تحتاج منا أولا وأخيرا إلى عزيمة وهمة لاستغلال التسهيلات الحكومية وشيء من الجرأة والصبر لتحقيق المكاسب بشكل أكبر حتى نثري اقتصادنا العماني ليس كما فقط بل كيفا ونوعا.


هناك تعليق واحد:

  1. مقالة متازة وتلامس واقع المؤسسسات الصغيرة والمتوسطة واصحاب المبادرات الفردية...السؤال دكتور لماذا لما نبدأ من داخلنا ومحيطنا القريب...اقصد المؤسسة العلمية من المدرسة الى الجامعة...هل تعرف دكتور كم عدد المشاريع الخاصة والتي حققت نجاحا باهرا صاحبها اواصحابها من مخرجات كلية التجارة والاقتصاد ويمكن للكلية الفخر به ؟؟؟!!!! سؤال بسيط وجوابه محزن.....
    كان من المفترض ان يكون مخرجات كلية التجارة من اصحاب المبادرات الفردية الناجحين ولكن للاسف وللاسف كبشر نعرف ان نلقي اللوم على الاخرين وعلى الحكومة وعلى وعلى وننسا انفسنا


    ذكرت الفيس بوك هل تعرف اين ولدت فكرتها....ولدت في حرم جامعة هارفرد؟!!

    تحياتي

    ردحذف