في اجتماعهم بمعالي وزير البلديات الإقليمية وموارد المياه، كثرت مداخلات
اصحاب السعادة اعضاء مجلس الشورى عن معايير اختيار المشاريع وجدولتها في
خطط السلطنة الخمسية. الأمر الذي يشير وبشكل كبير الى أهمية التخطيط ليس
فقط على مستوى الوزارات والتي لم تعد تعمل بمعزل عن بعضها، ولكن ايضا الى
ضرورة التخطيط الشامل للدولة بشكل عام دوليا واقليميا ومحليا ايضا. كيف لا
ومعظم ما نراه من قلة في الكفاءة وتأخر في تنفيذ الخطط والمشاريع ليس الا
سببا في الإخفاق في التخطيط والتنسيق بين الجهات المختصة. فوجود الرؤية
الشاملة للدولة والتي ستندرج تحتها جميع الخطط الأخرى قصيرة الأمد (كالخطط
الخمسية) وجميع المشاريع المنبثقة من هذه الخطط هو أهم ما يجب ان نعمل له
وبسرعة حتى تبدأ الحقبة الجديدة لمسيرة النهضة العمانية. فأين نحن ذاهبون؟
وأين نريد أن نرى السلطنة بعد 30 عاما من الآن؟ ليس فقط من حيث الإنجازات
المحلية والتي يجب أن ترتب حسب مساهمتها في تحقيق الرؤية الشاملة، بل ايضا
من حيث إنجازاتنا الدولية. فمعظم نشاطاتنا المحلية يجب ان تقاس بمقاييس
دولية لنعلم مقدار الإنجاز والإخفاق ايضا.
يأتي المرسوم السلطاني رقم (30/2012) بإنشاء المجلس الأعلى للتخطيط ترجمة لحاجة البلد الماسة في الانتقال من مفهوم التخطيط قصير الأمد (الخطط الخمسية) إلى حقبة التخطيط الإستراتيجي بعيد الأمد على غرار المحاولة السابقة في منتصف التسعينات (رؤية عمان 2020) والتي افتقدت للمتابعة والقياس. سبق وأن أشرنا في مقالة سابقة إلى ضرورة إنشاء مثل هذا الكيان الحكومي ليكون الأداة الفاعلة في توجيه مصادر الدولة والجهود المبذولة لتحقيق الرؤية الشاملة للبلد بكفاءة وفاعلية. فمهمة أصحاب المعالي الوزراء يجب ان تكون واضحة للجميع بحيث يتم جدولة مشاريع الوزارات حسب أهميتها وانسجامها مع الجو العام للرؤية الإستراتيجية للبلد. فاليوم نجد بعض التخبط في اختيار المشاريع وربما في تحديد أولوياتها مما يثير سخط الكثير من أعضاء مجلس الشورى. ليس ذلك فحسب، فعمل الوزارات يجب أن لا يتأثر بتغير الإدارات (الوزراء) بحيث يبدأ الوزير الجديد من حيث انتهى الجديد السابق. الأمر الذي لن يدع مجالا للتشكيك (مستقبلا) في أهمية الأعمال الحكومية إلا إذا خالفت الرؤية الإستراتيجية للبلد.
ومن أهم القضايا التي يجب أن تراعى في هيكلة المجلس الأعلى للتخطيط والذي نعول عليه الكثير اليوم، هو ضرورة أن يتحلى معظم منتسبي المجلس باختلاف مناصبهم بالتفرغ التام للعمل في المجلس. فلا يكفي أن ينتدب إلى المجلس أعضاء ممثلون من جهات أخرى يخصصون لهذا المجلس فضول اوقاتهم. فنحن اليوم في سباق مع الزمن من أجل تفعيل أهداف هذا المجلس والتي ستؤثر مخرجاته على جميع القطاعات بما يخدم الوطن والمواطن. فكل تأخير في إصدار الرؤية الجديدة للبلد ليس في صالحنا، فالدول جميعها تسابق في احتلال المراتب العليا دوليا بما يتناسب مع خططها المحلية. ليس ذلك فحسب، فعلينا التخطيط ايضا لضرورة التوعية بأهمية التخطيط الإستراتيجي في جو حكومي يسود عليه اليوم ثقافة التخطيط قصير الأمد. فمنذ السبعينات ونحن ننتقل من خطة خمسية إلى اخرى والتي كان لها أسبابها آنذاك بسبب الحاجة الماسة لإحداث التغييرات الجذرية في البلاد بشكل سريع. أما اليوم فنظام العولمة والاتحادات والمعاهدات الاقتصادية العالمية تجبرنا بضرورة التفكر في مستقبل البلد، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا. فهل يا ترى نظرنا في الأجيال القادمة وتخيلنا جاهزيتهم في حمل راية التطوير بعد 20 عاما من الآن؟.
وكما اشرت سابقا في مقالة نشرت شهر فبراير الماضي، علينا العمل ايضا على تطوير خطة استراتيجية جديدة للبلاد باسم عمان 2040 أو 2050 أو حسبما يراه المختصون بهدف تطوير القطاعات الرئيسية في البلاد بشكل قابل للقياس (كما وكيفا) مع التركيز على أهم (وليس جميع) القطاعات الاقتصادية، تلك التي تتميز فيها السلطنة كالسياحة مثلا. فعلينا النظر في كيفية قياس إنجازاتنا ليس فقط مع احتياجاتنا المحلية بل أيضا مع بقية دول المنطقة والعالم أجمع. فهناك العديد من القياسات العالمية التي قد تعطينا مؤشرا لنجاح خططنا وأعمالنا الاقتصادية بالمقارنة مع بقية الدول. فعلى سبيل المثال تم تقييم السلطنة في المرتبة 32 من أصل 142 بلدا حول العالم حسب مؤشر التنافسية العالمي العام لسنة 2011م متقدمة بمقدار مرتبتين عن العام السابق. وفي قطاع الصحة والتعليم الأساسي جاء ترتيبنا الـ 81، وفي قطاع التعليم العالي والتدريب حققنا المرتبة الـ 63، فماذا يعني لنا هذا في خطتنا الإستراتيجية الحالية أو المستقبلية؟ كما يجب أن يشرف المجلس الأعلى للتخطيط باستمرار على تطوير وتعديل هذه الخطط ومناقشتها مع المجالس الأهلية في الدولة كمجلس الشورى ومجلس الدولة بما يحقق ما يصبو إليه المواطن في هذه الأرض الطيبة.