اختتم معرض الالكترونيات الاستهلاكية (سي إي أس) الدولي للتقنية فعالياته
نهاية الأسبوع الماضي بعدما جاء بتقنيات كثيرة ومنتجات مبتكرة تتنافس فيها
كبرى شركات التقنية لتقديم أفضل ما لديها. يعتبر هذا المعرض مؤشرا للأنماط
الاستهلاكية القادمة في القطاع التقني بشكل واقعي وفي بعض الاحيان بشكل
مفتعل. فالعادة ان نرى شركات التقنية تحاول مجاراة الواقع في تقديم تقنيات
جديدة تلبي حاجة المستهلكين بما يتناسب مع واقعهم العملي والاجتماعي،
ولكننا اصبحنا نرى الشركات نفسها تفتعل احيانا هذه الحاجات عن طريق خلق
اشكال جديدة من المنتجات تسعى لابتكار حاجات ومشاكل لدى المستهلكين قد لا
تكون موجودة أصلا او غير ذات أهمية ومن ثم محاولة اقناعهم بأهمية شرائها.
أنظر مثلاً الى قطاع الحواسيب اللوحية كيف ابدعت لنا حاجة جديدة لم تكن في
الحسبان محققة في ذلك ازدهار وقبول منقطع النظير بين المستهلكين. لا يعني
ذلك بالضرورة بأن المستهلكين يتقبلوا كل ما يعرض عليهم، فالعبرة هنا بسهولة
الاستخدام وسلاسة الاداء بالمقارنة مع البدائل. ولنا في أجهزة التلفاز
ثلاثية الابعاد عبرة في ذلك، فبالرغم من تبني معظم الشركات المصنعة لأجهزة
التلفاز هذه التقنية إلا ان حجم الاقبال كان دون المستوى بسبب اضطرار
المستهلكين لوضع النظارات المخصصة للرؤية ثلاثية الابعاد وقلة الدعم من
شركات الاعلام للمحتوى. فالأمر أصبح مرهوناً بخلق تجربة ناجحة للمستهلكين
عند الاستخدام بشكل يتفوق على البدائل إما بالجودة أو بالسعر أو بسرعة
وسلاسة الاداء. الشاهد في الموضوع إخواني القرّاء هو ان مثل هذه المعارض
التقنية الكبيرة تعطي لنا مؤشرا لحجم الانفاق والاستثمارات في هذا القطاع
خصوصا على جانب البحوث وعمليات التطوير والابتكار بما يخدم الباحثين لتبني
افكارا بحثية تواكب آخر ما توصل اليه العلم وتتماشي مع النمط السائد
والقادم. فما هي يا ترى أهم الانماط القادمة في قطاع التقنية الاستهلاكية؟
بحكم تأثر هذا المعرض بالقطاع الاستهلاكي للتقنية، نجد اكثر توجه الشركات الحالي هو في اشباع الحاجة الترفيهية للمستهلك ومن اكبرها هو قطاع الشاشات المرئية. التوجه القادم والواضح هو في اظهار الصور بنقاوة فائقة أطلقوا عليها اسم (4K) والتي تعتبر ضعف النقاوة المعروفة الآن بـ (HD). لا تعتبر هذه التقنية بجديدة على الساحة التقنية ولكن التركيز الكبير عليها والذي تعدى أجهزة التلفاز إلى أجهزة الحواسيب اللوحية يعد بمزيد من الانتشار. العبرة هنا هو في الموت التدريجي للشاشات الداعمة لتقنية الابعاد الثلاثية كما اسلفنا فهل يا ترى ستواجه هذه التقنية نفس المصير خصوصا مع قلة توفر المحتوى؟ من جانب آخر، نرى توجه جديد بين الشركات في محاولة مواكبة التغييرات في قطاع التقنية بفتح خطوط عمل جديدة لم تكن معهودة منها سابقا. فالفكرة تنقسم الى شقين، الأول في انتهاج شركات البرمجيات نهج جديد في انتاج اجهزتها الخاصة بها والشق الآخر هو في سعي بعض الشركات لاستغلال نجاح البرامج وانظمة التشغيل المنتشرة بين الناس خصوصا نظام الأندرويد في كونه نظام مفتوح المصدر ونظام الأيو أس من أبل لتقديم اجهزة داعمة بشكل مبتكر. ففي الشق الاول قامت شركة أمازون في وقت سابق بانتاج مجموعة من الأجهزة اللوحية تحاول فيها اكتساح هذا القطاع ودعم نظامها البيئي من الانظمة والبرمجيات. وقامت ايضا شركة مايكروسوفت بإنتاج جهازين لوحيين لدعم نظامها الجديد من ويندوز 8. وهناك ايضاً شائعات بين الوسط التقني تدور حول احتمالية شراء شركة مايكروسوفت لقطاع الهواتف من شركة نوكيا بحيث تقوم مستقبلا بإنتاج هواتفها الخاصة بها لدعم انظمة تشغيل هواتف ويندوز على غرار ما فعلته جووجل عند شرائها لقطاع الهواتف من شركة موتورولا.
أما في الشق الثاني فنجد ان شركة نوكيا بدأت تركز على قطاع البرمجيات والخدمات وتحديدا في انتاج نسخ من انظمة الملاحة الخاصة بها في أشهر انظمة التشغيل اليوم كبرنامج هير (HERE) الخاص بنظام الأيو أس من أبل مثلا. هناك كذلك النسخة الجديدة من وحدات تحكم الالعاب باسم شيلد (Shield) من شركة المعالجات نيفيديا بمعالج من نفس الشركة من نوع تيجرا 4 والتي تأتي داعمة لنظام الاندرويد مستفيدة من تجانس النظام مع الكثير من الاجهزة الاخرى بالاضافة الى احتوائه على آلاف الالعاب في المتجر. ناهيك طبعاً عن الانتشار الكبير لهذا النظام ليس فقط في الهواتف النقالة ولكن بدأنا نراه في بعض آلات التصوير والحواسيب الصغيرة ووحدات تحكم الالعاب كما أسلفنا ومؤخرا في شوك الطعام والثلاجات. نعم في الثلاجات، فقد أعلنت شركة سامسونج في المعرض عن الثلاجة الذكية القادرة على اقتراح وصفات الطعام للمستهلكين بما يتناسب مع محتوياتها من الأطعمة والمشروبات. ليس ذلك فحسب فهناك ميزة دمج شاشة الثلاجة بهواتف المستخدمين بحيث تستطيع الزوجة ادخال قائمة المشتريات في البيت من خلال برنامج افرنوت (Evernote) المدمج في شاشة الثلاجة بشكل يتحدث آليا ويتزامن مع هاتف الزوج عند تسوقه للمشتريات. وفي قطاع السيارات، هناك توجه في اتمتة عمليات القيادة بحيث تعتمد السيارة على نفسها في القيادة قدر الامكان. فالواضح بأن من أكثر مخاطر القيادة على الطرق هم قائدي المركبات انفسهم على غرار أمن المعلومات بحيث اصبح المستخدمين هم النقطة الأضعف في المنظومة. لذلك نجد توجها بين الشركات المصنعة للسيارات في استحداث أنظمة تقنية حديثة كان آخرها نظام القيادة الآلي من شركة أودي الالمانية والتي تستطيع بضغطة زر من هاتف مالك السيارة ان تأتي له من الموقف أو العكس بحيث يتركها السائق امام مدخل البيت أو المركز التجاري وتقوم هي بنفسها بالبحث عن موقف شاغر والوقوف بشكل آلي، عجيب اليس كذلك؟ هذا قليل مما ينتظرنا في الاعوام المقبلة.