من أكثر ما يقلق صناع القرار في السلطنة اليوم هو تدني كفاءة العمل
الحكومي وتخلف الجهاز الإداري للدولة والذي وصفه معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية
بالمترهل في اجتماعه بمجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية في وقت سابق. الحمد لله
ان المشكلة أصبحت واضحة لدى المسؤولين فكما يقال بأن الاعتراف بالمشكلة هو بداية
الحل ولكن ماذا نحن فاعلون؟ فسياسة التعمين والتوظيف الحالية لا زالت تصدر مختلف
أنواع الكوادر غير المؤهلة ليس فقط للقطاع الخاص بل أيضا وبنسبة أكبر للقطاع العام
غير القابل للنمو مما ينذر بتكدس اكبر للموظفين. ومجتمع الشباب بشكل عام لازال في
مرحلة المخاض من حيث القدرة والرغبة في الاعتماد على الذات وتبني المشاريع الصغيرة
والعمل الخاص، ناهيك طبعا عن قصور دور الاسرة الملحوظ عموما في التوجيه والتربية. أما سياسة التدريب في المؤسسات الحكومية فما زالت تفتقر لاستراتيجية
واضحة تشمل مختلف فئات العمل وفق رؤية واهداف تندرج وتوجه العمل المؤسسي. اضف الى ذلك
الميزانية المخصصة للتدريب والتي بالاضافة الى محدوديتها فهي عادة ما تهدر على شكل
برامج تدريبية أقرب للسياحة والاستجمام بدلا من السعي وراء المعرفة واحتياجات
العمل. ليس ذلك فحسب، فنظام الحوافز والرواتب هو الآخر لازال يحابي الاقدمية في
العمل بدلا من الاداء الوظيفي، ناهيك عن المحسوبية المنتشرة وحب الواسطة المذمومة
واختلاف رواتب وعلاوات مختلف وحدات الجهاز الاداري للدولة رغم تساوي المسؤوليات
والواجبات الوظيفية.
واذا تأملنا في نظام المحاسبة الإدارية نجده لايزال هو أيضا في بداياته ويعاني كغيره من تدني الكفاءة، حاله حال جهاز القضاء الذي يحتاج هو الآخر الى تدريب وتأهيل في مجالات مستجدة كالعمل الالكتروني وجرائم الانترنت الأمر الذي يؤكده مؤتمر التجارة الالكترونية الذي أقيم في صلالة الأسبوع الماضي والذي خلص الى ضرورة تدريب القضاة العمانيين في مجالات جديدة بما يتناسب مع مستجدات العصر. اما التعليم العام ومخرجاته فلا داعي بأن نعيد ونزيد فيه فبالرغم من الجهود المضنية التي تبذل الآن الا ان نتاجها لن يكون ذا أثر الا بعد عدة سنين وما علينا الآن الا ان نحاول سد هفوات أخطاء سابقة بدينا نجني ثمارها اليوم في تدني مستوى حملة الدبلوم العام. كل هذا وأكثر مما يساهم يوما بعد يوم في تعزيز سوء كفاءة الجهاز الاداري مما يكبد الدولة الكثير من الخسائر المادية ناهيك عن ابطاء عجلة التنمية. فماذا نتوقع من عقليات قديمة غير راغبة في التجديد تمتزج بمخرجات تعليم عام وعال تفتقر لمهارات العمل الحديث مع سياسة توظيف وتعمين تجبر مؤسسات الدولة الخاصة والعامة من استيعاب هذه المخرجات دون وجود آلية واضحة وموحدة للتدريب ليس فقط للمدخلات الجديدة بل وأيضا للقيادات القديمة مع ترهل نظام المحاسبة والقضاء بشكل عام؟
لا يوجد لدي شك في ان جميع ما تم ذكره هنا معلوم بشكل او بآخر لدى معظم المسؤولين وان المشكلة هي في إيجاد الحلول مع تعاظم القضايا وتعقيدات العمل البيني في ظل خلو الساحة من رؤية واضحة للبلد وسلطة عليا تعمل على تنفيذ هذه الرؤية وفق مبدأ الثواب والعقاب. للأسف لا يمكن وضع الحلول والإسراع بعمليات التنمية طالما اننا نركن دائما نحو الابتعاد عن مبدأ العقاب والثواب، فمن أمن العقوبة أساء الأدب. انظر مثلا الى نسبة حوادث السير والتي ما زالت تقلق الصغير والكبير وكيف اننا آثرنا ان ننأى عن رفع قيمة المخالفات المرورية أو وضع الإجراءات والقوانين الصارمة للتعامل مع المتهورين من جانب وتشجيع ومكافأة المجيدين منهم من جانب آخر. ماذا لو كانت مخالفة تجاوز السرعة القانونية هي مائة ريال بالإضافة الى عدد الكيلومترات الزائدة؟ وماذا لوكان هناك تسجيل وتأمين مجاني لكل من يخلو سجله من المخالفات لعام او عامين متتاليين؟ لا يمكن بأي حال من الأحوال ان نرتقي بأعمالنا ونضبط التجاوزات في العمل ونحن نؤثر الصمت أو نغض الطرف عن المخالفات مما يفتح الباب للتهاون والفساد في العمل. لا ادعو هنا للعنف والشدة بل الى العدل مع المخالفين لأنهم ببساطة تعدوا على حقوق العامة، والإحسان الى المجيدين بما يتناسب مع انجازاتهم. اضف الى ذلك ان علينا وكما ذكرت في مقالة سابقة ان نراجع سياسات التعمين والتوظيف والتدريب بما يخدم جودة العمل وان تطلب الامر ان نزج بخبرات وكفاءات اجنبية ليس فقط لاحداث النقلة النوعية المطلوبة، بل ايضا لاثراء خبرات الموظفين العمانيين بما يؤهلهم لاكتساب مهارات ومعرفة في جو العمل. أليس هذا ما يميز العمل في القطاع الخاص عن القطاع العام والذي افرز لنا كفاءات عمانية على مستوى عال من الفعالية ؟ الا نستطيع ان نتعلم اليوم من القطاع الخاص ما يخدمنا في تعزيز كفاءة العمل الحكومي، ام ان قرار التغيير والاصلاح يصبح صعبا اذا تعارض مع مصالحنا؟