أعلنت كل من شركتي نوكيا ومايكروسوفت يوم الجمعة الماضية عن خطة شراكة في قطاع الهواتف المحمولة الذكية تقتضي من الشركتين التعاون المشترك من أجل تقديم منتج جديد (هاتف نقّال) ينافس هواتف الأندرويد والآي فون. تأتي هذه الشراكة بعدما عانت هاتين الشركتان الأمرين في تحقيق مكاسب سوقية في قطاع الهواتف المحمولة الذكية خصوصاّ في منطقة أمريكا الشمالية. فبالرغم من تربع شركة نوكيا على رأس أكبر شركات الهواتف المحمولة من ناحية المبيعات العالمية، إلا أن هذه المبيعات هي في حقيقة الأمر في تراجع مستمر منذ عام 2007 وهو العام التي تم فيه تدشين أول نسخة من هواتف الآي فون. فحسب آخر الأحصائيات في هذا المجال من شركة (IDC)، تناقصت نسبة إستحواذ شركة نوكيا السوقية من 38.6% في عام 2009 إلى 28% في عام 2010. أما بالنسبة لعملاق البرمجيات (مايكروسوفت) فالوضع متشابه تقريباّ، فمبيعات هواتف الويندوز فون 7 (Windows Phone 7) والتي تم تدشينها في أكتوبر من العام الماضي لا تزال في صراع لإثبات الذات وسط أنظمة تشغيل الهواتف المحمولة الأخرى خصوصاً نظام الأندرويد ونظام تشغيل أجهزة الآي فون المعروف بإسم (iOS). في حين قد يضن بعض الخبراء بأن هذه الشراكة لا تتعدى ما يصفه المثل المصري "إلتم المتعوس على خائب الرجا"، إلا أني أرى نوراّ في هذا المشروع تعد بإيقاظ المارد (نوكيا ومايكروسوفت) الذي ظل في سبات طويل مما قد يشكل تهديداً حقيقياً لبقية شركات الهواتف المحمولة.
من أهم ما يميز الأجهزة الذكية في قطاع الهواتف المحمولة اليوم هو مواصفات الجهاز نفسه بما يحتويه من قطع تقنية صلبة وسلسة في الإستخدام. في هذا الجانب تتميز أجهزة نوكيا عن بقية الأجهزة بقوتها (بشكل عام) وفعاليتها خصوصاً مع طول الإستخدام. فهي تقريباً تعتبر "تويوتا" الأجهزة المحمولة إن صح التعبير بحيث يمكن للمستخدم العمل على الجهاز لسنين معدودة وبعد ذلك بيع الجهاز بسعر مناسب، دون الحاجة لإجراء الكثير من الصيانة والتعديلات. أما بالنسبة للأجهزة الأخرى فالأمر مختلف بحيث غالباً ما نرى توجهاً بين مستخدمي أجهزة الأندرويد والآي فون لتغيير أجهزتهم كل عام تقريباً، ربما حباً في التغيير للتقنيات الأجدد وربما بسبب عدم فاعلية هذه الأجهزة للعمل (بدون مشاكل) لمدة طويلة. الأمر الذي يدفع الشركات المنتجة لهذه الأجهزة بتحديث أجهزتها كل عام كما هو الحال في شركة أبل الأمريكية وأجهزة الآي فون. بالرغم من متانة أجهزة نوكيا إلا أن أكبر مشاكلها هو في نظام التشغيل والذي يعتبر ثاني أهم عناصر الهواتف الذكية اليوم. بحيث يتيح للمستخدم خدمات عديدة من خلال واجهة سهلة ومريحة، بالإظافة طبعاً إلى حرية تنزيل البرامج الخاصة بالهواتف والتي غالباً ما تغطي جميع جوانب حياة المستخدم. لذلك نرى اليوم هذه الشراكة مع شركة مايكروسوفت ليتم فيها إستخدام نظام التشغيل الجديد (Windows phone 7) في أجهزة نوكيا الذكية المستقبلية.
أما بالنسبة لمايكروسوفت فبالرغم من قوة إصدارها الجديد من نظام التشغيل الخاص بالهواتف المحمولة إلا أن توقيت تدشين النظام جاء مع قمة نجاح الأنظمة الأخرى. الأمر الذي وضع المستخدمين أمام خيارين، إما شراء أجهزة مجربة مسبقاً مدعومة بنظام تشغيل ناجح ومليء بالبرامج أو محاولة تجربة نظام جديد في الساحة مدعوم بعدد قليل نسبياً من برمجيات الهواتف النقّالة. طبعاً الإختيار كان سهلاً خصوصاً أن كلا الخيارين يأتيان في أجهزة متشابهة تقريباً من ناحية المواصفات ومن ذات الشركات كأمثال (HTC) و (Samsung) و (LG) فيما تختلف فقط في نظام التشغيل. لذلك تبني اليوم شركة مايكروسوفت من خلال شراكتها هذه آمالا على سمعة وشعبية أجهزة نوكيا خارج أمريكا الشمالية لتقديم ثورة جديدة في عالم المحمول خصوصاً بعدما تشبع هذا القطاع من الأنظمة الحالية والتي ينصب مجمل نجاحها في وفرة التطبيقات. في الوقت ذاته تبني شركة نوكيا هي الأخرى آمالاً على فاعلية نظام ويندوز فون 7 بالمقارنة مع نظامها القديم من نوع سيمبيان 3 أو حتى نظام المي جو (MeeGo) الخاص بالأجهزة المحمولة. فنظام الويندوز هذا يتصف بمواصفات جبارة قد تفوق باقي الأنظمة، من أهمها تغير واجهة المستخدم (User Interface) تماما بالإضافة إلى الدمج الكبير مع تطبيقات الإنترنت عن طريق تقنية حوسبة السحاب (cloud computing). المهم هنا أن تعي الشركتين أن الوقت ليس لصالحهما، فكلما طال الوقت زادت إحتمالية إستحواذ الأجهزة والأنظمة المنافسة على حصص سوقية أكبر مما سيصعب على الشركتين إحداث النقلة النوعية المطلوبة في قطاع الهواتف المحمولة.
مدونة راقية منك يا أستاذنا الكريم
ردحذف