لا يختلف اثنان اليوم على دور التقنية المهم في نجاح المؤسسات باختلاف تخصصاتها سواءً كانت حكومية أو تجارية. فمما لا شك فيه أن التقنية الحديثة اليوم أصبحت من أهم أعمدة التنافسية المحلية والعالمية، فلا تنافس إلا بالتوظيف الجيد للتقنية والاستغلال الأمثل لمصادر المعلومات. لذلك يعتبر اليوم تخصص التقنية بشكل عام من أكثر التخصصات فروعاً في العالم بحيث أصبح يشمل فروعاً كثيرة تغطي مجالات فنية وغير فنية. فهناك تخصص تقنية المعلومات ونظم المعلومات وأمن نظم المعلومات وعلم الحاسوب وهندسة الحاسوب والذكاء الصناعي وهندسة الشبكات وأمن الشبكات وتخصص الرسومات والوسائط المتعددة وإدارة التقنية وغيرها كثير. ليس ذلك فحسب، فعدد هذه التخصصات الفرعية في تزايد مستمر بالرغم من وجود تخصصات فرعية قديمة مهددة بالزوال أو الإلغاء نظرًا لعامل التجديد والحداثة في هذا القطاع. كل هذا يشير إلى الحجم الكبير للبعد التقني في مختلف الأعمال وتعدد جوانبه بما يحتم على أرباب العمل دراسة هذه الجوانب والنظر في إمكانية تطبيق بعضها. فتعدد الفروع ناشئ من اختلاف الأهداف بينها والنتائج المرجوة منها وعليه يجب على أصحاب القرار في العمل معرفة هذه الاختلافات المحورية لضمان توظيف الأصلح والأنفع من المختصين في مختلف الفروع. نرى تأثير ذلك واضحًا في تباين قبول سوق العمل لبعض فروع تخصص التقنية وتذمر أرباب العمل أحياناً من بعض مخرجات التعليم العالي في فروع أخرى. فهناك من ينتظر من المختصين في نظم المعلومات مثلاً عمل كل شيء ذا علاقة بالتقنية دون النظر في أهداف هذا التخصص وقدرات المختصين فيه التي عادةً ما تركز على نقطة في بحر التقنية وقيسوا على ذلك. سيكون حديثنا اليوم عن تباين دور التقنية بشكل عام واختصاصات أقسام التقنية في المؤسسات بشكل خاص الذي يعتبر نتاجا لقصور في نظرة أصحاب العمل لهذا القطاع الحيوي.
تختلف حاجة المؤسسات للتقنية باختلاف أنواعها وتباين أشكال التنافس في قطاعات الأعمال التي تنتمي إليه. لذلك من الطبيعي أن نرى القطاع الخاص بشكل عام أكثر تطورًا تقنيًا عن القطاع العام لاختفاء التنافسية (نسبياً) في القطاع العام. لا خلاف هنا على أهمية التقنية في نجاح المؤسسات بأنواعها ولكن الاختلاف يكمن في فهم دور التقنية وإمكانياتها الكبيرة داخل هذه المؤسسات. للأسف تعتبر النظرة الحالية السائدة بين كثير من أرباب العمل حتى في بعض الشركات المحلية في السلطنة قاصرة على كون التقنية أداة لتحسين أعمال المؤسسة ولتوفير المعلومات المطلوبة للموظفين باختلاف أعمالهم بشكل سريع وصحيح وكامل بما يضمن لهم كفاءة في التنافس. كل ذلك جيد ولكنه لا يتجاوز كونه فقط بداية الاستغلال الأمثل للتقنية لتحسين أداء المؤسسات التنافسي. أنظر مثلاً إلى اختصاصات أقسام التقنية (باختلاف مسمياتها) في مختلف المؤسسات في السلطنة والتي لا تتجاوز النظرة المذكورة سابقاً. وقارن الدرجة الوظيفية لرؤساء هذه الأقسام التي لا تتجاوز في أحسن الأحوال درجة مدير عام بالمستوى المطلوب للتغيير داخل المؤسسة الذي يحتاج في أغلب الأحيان إلى قرارات استراتيجية لا يتخذها إلا رؤساء هذه المؤسسات الغير ملمين عادةً بالأهداف والقدرات الاستراتيجية للتقنية. نرى ذلك جلياً في معدل تطور مبادرات الحكومة الإلكترونية داخل الوزارات والدوائر الحكومية ومعاناة العديد من رؤساء أقسام التقنية في هذه الجهات في إقناع أرباب العمل وأصحاب القرار بالأهداف الاستراتيجية المرجوة من مشاريع التقنية. كل ذلك واكثر يشير إلى أن البعد التقني في مثل هذه المؤسسات ما زال في طور الحضانة، مما يؤثر بشكل مباشر على سوق العمل والتخصصات المطلوبة فيه وتطور المؤسسات المذكورة. لذلك لا اعتقد شخصياً ان قرن مخرجات التعليم العالي بمتطلبات السوق قد يكون مناسباً في هذا الوقت خصوصاً مع وجود هذه الفجوة بين دور التقنية الحقيقي بجميع فروعها داخل المؤسسات ونظرة سوق العمل القاصرة عموماً.
عند التأمل اليوم في دور أقسام التقنية في المؤسسات الكبيرة عالمياً نجد أن لها طابعاً استراتيجيًا، فنرى رئيس القسم مشابها في الدرجة لبقية نوّاب الرئيس التنفيذي في الشركة الذي عادة ما يأخذ مسمى رئيس المعلومات بحيث يشارك بشكل كبير في وضع قرارات المؤسسة الاستراتيجية. ليس ذلك فحسب، فقطاع التقنية يعتبر المحرك الرئيسي الذي تعتمد عليه المؤسسة في احتضان الأفكار الإبداعية وتوفير الحلول المناسبة لتجنب المصاعب المستقبلية وتوقعها قبل حدوثها. من الواضح أن هذه النظرة أكثر شمولية من النظرة السابقة بحيث توظف التقنية لتحقيق خطط المؤسسات وأهدافها بعيدة الأمد بالإضافة إلى الأهداف التكتيكية المذكورة سابقاً. نجد كذلك من أهداف قسم نظم المعلومات الحديث هو استحداث وتصميم نظم معلومات استراتيجية لتحقيق مكاسب تنافسية في سوق العمل والنظر في فرص استغلال الإنترنت والتجارة الالكترونية أو الحكومة الالكترونية في جو العمل. كما يسعى القسم أيضاً إلى تعليم مديري الأقسام الأخرى بأهمية تقنية المعلومات وتثقيف مديري التقنية بمختلف جوانب المؤسسة العملية لضمان نشر الفهم الصحيح بجميع عناصر العمل والعلاقات المشتركة بينهما. لذلك من الضروري علينا في السلطنة في الحقبة القادمة أن ننظر إلى التقنية بشكل استراتيجي مختلف ونبدأ بتعيين وكلاء أو مستشارين للوزراء لأمور التقنية داخل المؤسسات الحكومية واستحداث وظيفة نائب الرئيس للتقنية داخل الهيئات والمديريات والشركات الخاصة، عندها فقط سنبدأ في استشعار الفوائد الحقيقية للتقنية الحديثة بجميع فروعها.